• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

ظروف البيعة وأسبابها

ظروف البيعة وأسبابها
إنقاذ الموقف!. كيف؟!

قد قدمنا في الفصل السابق لمحة عن ظروف المأمون في الحكم، وأشرنا إلى أن الوضع كان يزداد سوءا يوماً عن يوم.. وإلى أنه كان لا بد للمأمون من التحرك، والعمل بسرعة، شرط أن لا يزيد الفتق اتساعا، والطين بلة. وأن يستعمل كل ما لديه من حنكة ودهاء، في سبيل إنقاذ نفسه، ونظام حكمه، وخلافة العباسيين بشكل عام..
وكان المأمون يدرك: أن إنقاذ الموقف يتوقف على:
1 ـ إخماد ثورات العلويين، الذين كانوا يتمتعون بالاحترام والتقدير، ولهم نفوذ واسع في جميع الفئات والطبقات..
2 ـ أن يحصل من العلويين على اعتراف بشرعية خلافة العباسيين. وليكون بذلك قد أفقدهم سلاحا قويا، لن يقر له قرار، إذا أفقدهم إياه..
3 ـ استئصال هذا العطف، وذلك التقدير والاحترام. الذي كانوا يتمتعون به، وكان يزداد يوماً عن يوم ـ استئصاله ـ من نفوس الناس نهائياً، والعمل على تشويههم أمام الرأي العام، بالطرق، والأساليب التي لا تثير الكثير من الشكوك والشبهات، حتى لا يقدرون بعد ذلك على أي تحرك، ولا يجدون المؤيدين لأية دعوة لهم، وليكون القضاء عليهم بعد ذلك نهائياً ـ سهلاً وميسوراً..
4 ـ اكتساب ثقة العرب ومحبتهم..
5 ـ استمرار تأييد الخراسانيين، وعامة الإيرانيين له.
6 ـ إرضاء العباسيين، والمتشيعين لهم، من أعداء العلويين.
7 ـ تعزيز ثقة الناس بشخص المأمون، الذي كان لقتله أخاه أثر سيء على سمعته، وثقة الناس به.
8 ـ وأخيراً.. أن يأمن الخطر الذي كان يتهدده من تلك الشخصية الفذة، التي كانت تملأ جوانبه فرقاً، ورعباً.. وأن يتحاشى الصدام المسلح معها. ألا وهي شخصية الإمام الرضا (عليه السلام)، وأن يمهد الطريق للتخلص منها، والقضاء عليها، قضاء مبرماً، ونهائياً.
لا بد من الاعتماد على النفس:
وبعد هذا.. فإن من الواضح أن المأمون كان يعلم قبل كل أحد، أنه:
لم يكن يستطيع أن يستعين في مواجهة تلك المشاكل بالعباسيين، بني أبيه، بعد أن كانوا ينقمون عليه، قتله أخاه، العزيز عليهم، وعلى العرب، وبعد مواقفه، التي تقدم بيان جانب منها تجاههم.. وأيضاً. بعد أن كانوا لا يثقون به، ولا يأمنون جانبه، بسبب موقفهم السابق منه.
والأهم من ذلك أنه لم يكن فيهم الرجال الكفاة، الذين يستطيع أن يعتمد عليهم(95)، يدلنا على ذلك أنهم بعد أن ثاروا على المأمون، بسبب بيعته للرضا (عليه السلام)، لم يجدوا فيهم شخصاً أعظم، وأكفأ من ابن شكلة المغني، فبايعوه، مع أنه من أصحاب المزامير والبرابط.
وفيه يقول دعبل:

نعر ابن شكلة بالعراق وأهلـه***فهفا إليه كل أطلس مائـــق
إن كان إبراهيم مضطلعا بهـا***فلتصلحن من بعده لمخــارق
ولتصلحن من بعد ذاك لزلزل***ولتصلحن من بعده للمــارق
أنى يكون. وليس ذاك بكائن***يرث الخلافة فاسق عن فاسق(96)

كما أنه عندما أصبح إبراهيم هذا خليفة، قال بعض الأعراب، عندما جاء الخبر بأنه: لا مال عند الخليفة ليعطي الجند، الذين ألحوا في طلب أعطياتهم، قال: «فليخرج الخليفة إلينا، فليغن لأهل هذا الجانب ثلاثة أصوات، فتكون عطاءهم، ولأهل هذا الجانب مثلها..» فقال في ذلك دعبل ـ شاعر المأمون ـ يذم إبراهيم بن المهدي:

يا معشر الأجناد لا تقنطــوا***خذوا عطاياكم، ولا تسخطوا
فسوف يعطيكم حنينيــــة***لا تدخل الكيس، ولا تربـط
والمعبديات لقوادكـــــم***وما بها من أحد يغبــــط
فهكذا يرزق أصحابــــه***خليفة مصحفه البربـــط(97)

وإذا كان لا يستطيع أن يستعين ببني أبيه العباسيين، فبالأحرى أن لا يستطيع أن يستعين على حل مشاكله بالعلويين، والمتشيعين لهم، بعد أن كانوا هم أساس البلاء والعناء له، والذين يخلقون له أعظم المشاكل، ويضعون في طريق حكمه أشق العقبات.
وأما العرب: فهو أعرف الناس بحقيقة موقفهم منه.
والخراسانيون: لا يستطيع أن يعتمد على ثقتهم به طويلا، بعد أن كشف لهم عن حقيقته وواقعه الأناني البشع، بقتله أخاه، وإبعاده طاهرا بن الحسين، مشيد أركان حكمه، عن مسرح السياسة: «ولقد ذكره الرضا بذلك. عندما استعرض معه حقيقة الوضع القائم آنذاك.».
أي الأساليب أنجع:
وبعد ذلك.. فإنه من الواضح أنه:
لم يكن لينقذ الموقف القسوة والعنف، وهو الذي يعاني المأمون من نتائجه السيئة ما يعاني.
ولا المنطق والحجاج، لأن العلويين ـ بناء على ما شاع عند الأمة، بتشجيع من خلفائها، من أن السبب في استحقاق الخلافة، هو القربى النسبية منه (صلى الله عليه وآله) ـ إن العلويين بناء على هذا: أقوى حجة من العباسيين، لأنهم يمتلكون اعترافاً صريحاً منهم بأن المستحق للخلافة هو الأقرب نسبا إلى النبي (صلى الله عليه وآله).
هذا.. وإذا ما أراد العباسيون، أو غيرهم الاحتجاج بالأهلية والجدارة لقيادة الأمة. فإن العلويين لا يدانيهم أحد في ذلك، وذلك لما كانوا يتمتعون به من الجدارة والأهلية الذاتية لقيادة الأمة قيادة صالحة وسليمة..
وأما النص فمن هو ذلك الذي يجرؤ على الاستدلال به، وهو يرى أنه كله في صالح آل علي، وأئمة أهل البيت منهم بالخصوص.
وهكذا.. نرى ويرى المأمون: أنه لم يكن لينقذ الموقف أي من تلك الأساليب، ولا غيرها من الطرق والأساليب الملتوية، واللاإنسانية، التي اتبعها أسلافه من قبل.
وإذن.. فلا بد وأن يعود السؤال الأول ليطرح نفسه بكل جدية.
والسؤال هو: ماذا يمكن للمأمون إذن أن يفعل؟! وكيف يقوي من دعائم حكمه، الذي هو بالنسبة إليه كل شيء، وليس قبله، ولا بعده شيء.. حتى لا يطمع فيه طامع، ولا تزعزعه العواصف، ولا تنال منه الانواء، مهما كانت هوجاء وعاتية؟!.
خطة المأمون:
وكان أن اتبع المأمون من أجل إنقاذ موقفه، الذي عرفت أنه يتوقف على نقاط ثمانية.. ومن أجل الاحتفاظ بالخلافة لنفسه، وأن تبقى في بني أبيه ـ كان أن اتبع ـ أسلوباً جديداً، وغيبيا، لم يكن مألوفاً، ولا معروفاً من قبل.. وأحسب أن لم يتوصل إليه إلا بعد تفكير طويل، وتقييم عام وشامل للوضع الذي كان يعيشه، والمشاكل التي كان يواجهها.
لقد كانت خطته غريبة وفريدة من نوعها، وكانت في غاية الإتقان، والإحكام في نظره.
فبينما نراه من جهة:
لا يذكر أحداً من الخلفاء، ولا غيرهم من الصحابة بسوء، بل هو يتحرج من المساس بغير الصحابة، وحتى بأولئك الذين كان حالهم في الخروج على الدين، وتعاليم الشريعة، معروفاً ومشهوراً «كالحجاج بن يوسف»! وذلك من أجل أن لا يثير عواطف أولئك الذين يلتقي معهم فكرياً وسياسياً، ومصلحياً، والذين سوف يكونون له في المستقبل الدرع الواقي، والحصن الحصين..
فاستمع إليه يقول ـ كما يروي لنا التغلبي المعاصر له: «.. وظنوا أنه لا يجوز تفضيل علي إلا بانتقاص غيره من السلف! والله، ما أستجيز أن أنتقص الحجاج بن يوسف، فكيف بالسلف الطيب؟!»(98).
وكذلك نراه يركن إلى رأي يحيى بن أكثم، الذي قال له ـ عندما أراد الإعلان بسب معاوية على المنابر ـ: «والرأي أن تدع الناس كلهم على ما هم عليه، ولا تظهر أنك تميل إلى فرقة من الفرق، فإن ذلك أصلح في السياسة، وأحرى في التدبير..»، ثم يدخل عليه ثمامة، فيقول له المأمون: «يا ثمامة، قد علمت ما كنا دبرناه في معاوية، وقد عارضنا رأي هو أصلح في تدبير المملكة، وأبقى ذكراً في العامة الخ.»(99).
وأيضاً.. نرى شعره الذي يرويه لنا غير واحد:

أصبح ديني الذي أدين به***ولست منه الغداة معتذرا
حب علي بعد النبـي ولا***أشتم صديقا ولا عمـرا
ثم ابن عفان في الجنان مع***الأبرار ذاك القتيل مصطبرا
ألا ولا أشتم الزبيــر ولا***طلحة إن قال قائل غــدرا
وعائش الأم لست أشتمـها***من يفتريها فنحن منه برا(100)

ونراه أيضاً يتجسس على عبد الله بن طاهر، ليعلم: هل له ميل إلى آل أبي طالب أو لا(101).
ونراه يقدم على قتل الرضا (عليه السلام)، وإخوته، وآلاف من العلويين غيرهم، ويصدر أمراً لأمرائه، وقواده بالقضاء عليهم، وفض جمعهم، كما سيأتي.
ونراه كذلك.. يرسل إلى عامله على مصر، يأمره بغسل المنابر، التي دعي عليها لعلوي [هو الإمام الرضا (عليه السلام)].. إلى غير ذلك مما لا مجال لنا هنا لاستقصائه..
بينما نراه كذلك..
نراه من جهة ثانية
يقدم على الإعلان ببراءة الذمة ممن يذكر معاوية بن أبي سفيان بخير أي أنه أراد أن يجعل تفضيل علي (عليه السلام)، والبراءة من معاوية ديناً رسمياً، يحمل الناس كلهم عليه، كما كان الحال بالنسبة لقضية خلق القرآن..
وقضية الإعلان بسب معاوية، وإن كان الإقدام عليه في سنة 212 ه‍. لكن تفضيله علياً، على جميع الخلق، وتقربه لولده، وإظهاره التشيع والحب لهم(102) إنما كان من أول أيامه. يدلنا على ذلك أمور كثيرة، ويكفي هجاء ابن شكلة له، وهجاؤه لابن شكلة شاهداً على ذلك. فضلاً عن الكثير من الأمور الأخرى غيره.
ثم نراه بعد ذلك يبيح المتعة، ويصف الخليفة الثاني، عمر بن الخطاب ب‍ «جعل»(103)، أو نحو ذلك.
ونراه أيضاً أنه عندما سأل أصحابه عن: أنبل من يعلمون نبلاً، وأعفهم عفة، فقال له علي بن صالح: «أعرف القصة في عمر بن الخطاب، فأشاح بوجهه، وأعرض، وذكر كلاما ليس من جنس هذا الكتاب، فنذكره، إلخ..»(104) على حد تعبير البيهقي.. وذكر طيفور: أن أبا عمر الخطابي دخل على المأمون: فتذاكروا عمر بن الخطاب فقال المأمون: إلا أنه غصبنا، فقال له أبو عمر يا أمير المؤمنين، يكون الغصب إلا بحق يد فهل كانت لكم يد، قال فسكت المأمون عنه، واحتملها له(105).
ولكن اعتراض الخطابي اعتراض بارد وتوجيه فاسد فهل الخلافة من الأموال أم هي حق جعله الله لهم؟ ولا ندري سر سكون المأمون عنه، واحتماله منه، إلا ما قدمناه..
بل إن الأهم من ذلك كله.. أننا نراه يصف الخلفاء الثلاثة، وغيرهم من الصحابة بأنهم: «ملحدين» ناسياً، أو متناسياً كل أقواله السابقة، وخصوصاً شعره، وقوله: إنه يتحرج حتى من تنقص الحجاج، كيف بالسلف الطيب، فاستمع إليه يقول، على ما يرويه لنا البيهقي:

ومن غاو يغص علي غيظاً***إذا أدنيت أولاد الوصــــي
يحاول أن نور الله يطفـى***ونور الله في حصن أبــــي
فقلت: أليس قد أوتيت علماً***وبان لك الرشيد من الغــوي
وعرفت احتجاجي بالمثاني***وبالمعقول والأثر الجلــي(106)
بأية خلة، وبأي معنــى***تفضل «ملحدين» على «علي»
علي أعظم الثقلين حقــاً***وأفضلهم سوى حق النبــي(107)

بل وزاد على ذلك وضرب العقيدة التي تقدم أن العباسيين قد أتوا بها لمقابلة العلويين وروجوا لها من أن الحق كان للعباس وأنه أجاز علياً فصحت خلافته وذلك بأن أظهر تقديم علي على العباس فقد قال السندي بن شاهك للفضل بن الربيع يوماً عن المأمون: «سمعته اليوم قدم علي بن أبي طالب على العباس بن عبد المطلب، وما ظننت أني أعيش حتى أسمع عباسياً يقول هذا، فقال الفضل له: تعجب من هذا؟ هذا والله كان قول أبيه قبله»(108) ولكن الظاهر: أن أباه كان يكتم ذلك حتى خفي على مثل السندي المقرب، لكن الآن قد اضطرت السياسة المأمون إلى الجهر بذلك، وإظهاره.
وهكذا.. فإن المأمون لم يكن يرى أن بين كل تصرفاته المتقدمة أي تناقض، أو منافاة، بل كانت كلها في نظره صحيحة، ومنطقية، لأنها كانت في ظروف مختلفة، وكان لا بد له من مسايرة تلك الظروف، والانسجام معها، فلا مانع عنده، من أن يقرب العلويين إليه، ويتظاهر بإكرامهم، وتقديرهم. في يوم. ثم منعهم من الدخول عليه، واضطهدهم، وقتلهم بالسم تارة، وبالسيف أخرى في يوم آخر.. وهكذا.

وأيضاً. لا بد من خطوة أخرى.

ولكن ذلك وحده لم يكن كافياً لإخماد ثورات العلويين، ولا لتحقيق كافة الأهداف، التي قدمنا، وسيأتي شطر منها. فكانت خطوته التالية غريبة ومثيرة في نفس الوقت، لكنها إذا ما أخذت الظروف آنذاك بنظر الاعتبار يتضح أنها كانت طبيعية للغاية. ألجأته إليها الظروف والأحداث.
وتلك الخطوة هي: «أخذ البيعة للإمام علي الرضا (عليه السلام) بولاية العهد بعده..» وجعله أمير بني هاشم طراً، عباسيهم، وطالبيهم(109)، ولبس الخضرة.

لم يبق إلا خيار واحد:

ومن نافلة القول هنا: أن نقول: إن ذلك يدل على فهم المأمون للداء، مما ساعده على معرفة الدواء، الذي تجرعه المأمون ـ رغم مرارته القاسية، التي لم تكن لتقاس أبداً بما سوف يعقبها من راحة وطمأنينة وهناء ـ تجرعه ـ بكل رضا، ورجولة، وشجاعة.
إن المأمون ـ على ما أعتقد ـ وإن كان قد ثقل عليه أمر البيعة لرجل غريب، ومن أسرة هي أقوى وأخطر المنافسين للحكم العباسي في تلك الفترة.. ولكن ما الحيلة له بعد أن لم يعد أمامه أي خيار في ذلك. إلا إذا أراد أن يتغابى أو يتعامى عن ذلك الواقع المزري الذي وصلت إليه خلافته، التي أصبحت ظلا، لا يلبث أن تلتهمه أشعة الشمس المشرقة، فتحوله إلى سراب.
ما الحيلة له.. بعد أن رأى أنه لن تنقاد له الرعية والقواد، ولن تستقيم له الأمور إلا إذا أقدم على مثل تلك اللعبة الجريئة.
ولقد صرح المأمون نفسه للريان، بعد أن أخبره الريان بأن الناس يقولون: بأن البيعة للإمام كانت من تدبير الفضل بن سهل ـ صرح بقوله: «.. ويحك يا ريان، أيجسر أحد أن يجئ إلى خليفة، قد استقامت له الرعية، والقواد، واستوت له الخلافة، فيقول له: إدفع الخلافة من يدك إلى غيرك؟ أيجوز هذا في العقل؟!(110).».

مع رسالة الفضل بن سهل للإمام:

وكاتب الإمام، وألح عليه، وكاتبه الفضل بن سهل أيضاً.. وبما أن في رسالة الفضل مواضع جديرة بالملاحظة، فقد أحببت أن أشير ـ باختصار ـ إلى بعض ما يمكن استخلاصه من هذه الرسالة.
كما أنني أوردت نص هذه الرسالة بتمامه مع الوثائق الهامة، ليطلع القارئ عليها بنفسه، ويستخلص منها ما يراه مناسباً وضرورياً..
أما الملاحظات التي رأيت أن من الضروري الإشارة إليها هنا، فتتلخص بما يلي:

ملاحظات لا بد منها:

أول ما يطالعنا في هذه الرسالة هو استعمال الفضل لكلمة: «الرضا»، التي تنص وثيقة العهد، وغيرها: على أن المأمون هو الذي جعلها لقباً للإمام (عليه السلام) ـ كما سيأتي ـ.. فإطلاق الفضل بن سهل لكلمة «الرضا» عليه (عليه السلام) يجعلنا نقول ـ إن لم نقل أنه كان لقباً مشهوراً ومعروفاً له ـ: إن جعل المأمون هذا اللفظ لقباً رسميا للإمام (عليه السلام) كان بوحي من ذي الرياستين نفسه. وإن كان يمكن أن يقال عكس ذلك تماماً: أي أن استعمال الفضل لهذه الكلمة كان بإيحاء من المأمون.
وثانياً: إننا بينما نرى الرسالة تشتمل على تطمين الإمام (عليه السلام): بأن قضية ولاية العهد ليست لعبة من المأمون، وإنما هي من آثار سعي ذي الرئاستين، الأمر الذي لا داعي معه للخوف والوجل على الإطلاق ـ بينما الرسالة تشتمل على ذلك ـ نراها تنص على أن قضية ولاية العهد أمر قد قضي بليل. وعلى أن هناك تصميم من ذي الرئاستين والمأمون على إمضاء هذا الأمر.
وهذا يعني: أن الممانعة والمقاومة لا تجدي ولا تفيد، ولذا فإن من الأفضل له (عليه السلام) أن يكف عن ذلك، ويمتنع عنه.
وهذا ما أشار إليه الفضل بقوله: «.. وإن كتابي هذا عن إزماع من أمير المؤمنين، عبد الله الإمام المأمون ومني الخ..».
وثالثاً: يلاحظ: أن الرسالة تتناسب في صياغتها، وانتقاء جملها وألفاظها مع ذوق الإمام (عليه السلام) ومذهبه العقائدي، ومذهب شيعته.
وتنسجم مع ما يدعيه هو، ويدعيه آباؤه، وكان قد اشتهر وشعاع بين الناس: من أن الحق في خلافة النبي (صلى الله عليه وآله) لهم دون غيرهم. وأن الغير ـ أياً كانوا ـ ظالمون لهم، ومعتدون عليهم في هذا الحق.
ثم يحاول الفضل أن يفهم الإمام: أنه وإن كان هو والمأمون قد صمما على توليته العهد، لكنه يقول له، لكن السر في ذلك مختلف بيني وبين المأمون، فأنا أقول فيك: أنك ابن رسول الله، وأنك المهتدي، والمقتدى، وأرى أن ذلك إرجاع لحقك إليك، ورد لمظلمتك عليك. أما المأمون: فهو يراك شريكاً في أمره، وشقيقاً في نسبه، وأولى الناس بما تحت يده.
فالفضل يحاول بهذا أن يتقرب من الإمام، ويكتسب محبته وثقته. ولعل إظهار هذا الاختلاف، مما اتفق عليه كل من المأمون والفضل. وهكذا كان السياسيون، وما زالوا يتكلمون مع أندادهم باللغة، التي يرون أنها توصلهم إلى أهدافهم. وتحقق لهم مأربهم.
ورابعاً: وأخيراً.. إنه بعد أن يطلب منه أن لا يضع الرسالة من يده، حتى يصير إلى باب المأمون!. نراه يضمن الرسالة إشارة واضحة: إلى أن ذلك منه (عليه السلام) يوجب صلاح الأمة به.. وما ذلك إلا لأنه كان يعلم، كما كان الكل يعلم: أنه إذا تأكد لدى الإمام (عليه السلام): أن صلاح الأمة متوقف على عمل ما من جهته، فإنه لا يتوانى، ولا يألو جهداً في العمل بوظيفته، والقيام بواجبه.. هذا بالإضافة إلى أن في ذلك إشارة للحالة العامة، التي وصفناها في بعض فصول هذا الكتاب.

ملاحظات هامة:

هذا.. وقبل الخوض في تفصيل أسباب البيعة، لا بد من ملاحظة:
أ ـ: إن من الطبيعي أن يثير تصرفه هذا حفيظة العباسيين، الذين ناصبوه العداء، وشجعوا أخاه الأمين عليه، ولسوف يزيد من حنقهم، وغضبهم: حتى إنهم رضوا بإبراهيم بن شكلة المغني خليفة عليهم، عندما سمعوا بهذا النبأ الذي كان له وقع الصاعقة عليهم.
كما أن من الطبيعي أن يثير دهشتهم، ويذهلهم.. بعد أن لم يكن بينهم رجالات كفاة، يدركون ألاعيب السياسة، ودهاء ومكر الرجال. وقد عبر عن دهشتهم هذه نفس الخليفة الذي اختاروه، واستعاضوا به عن المأمون. فلقد قال ابن شكلة معاتبا العباسيين:

فلا جزيت بنو العباس خيراً***على رغمي ولا اغتبطت بري
أتوني مهطعين، وقد أتاهـم***بوار الدهر بالخبر الجلـــي
وقد ذهل الحواضن عن بنيها***وصد الثدي عن فمه الصبـي
وحل عصائب الاملاك منهـا***فشدت في رقاب بني علــي
فضجت أن تشد على رؤوس***تطالبها بميراث النبــي(111)

ب ـ ولكن دهشتهم وغضبهم لا قيمة لهما، في جانب ذهاب الخلافة عنهم بالكلية، وسفك دمائهم.. وقد أوضح لهم ذلك في رسالة منه إليهم، حيث قال: «.. وأما ما كنت أردته من البيعة لعلي بن موسى، بعد استحقاق منه لها في نفسه، فما كان ذلك مني إلا أن أكون الحاقن لدمائكم، والذائد عنكم، باستدامة المودة بيننا وبينهم.». والرسالة مذكورة في أواخر هذا الكتاب.
وقريب من ذلك ما جاء في وثيقة العهد، مخاطباً «أهل بيت أمير المؤمنين» حيث قال لهم: «.. راجين عائدته في ذلك [أي في البيعة للرضا (عليه السلام)] في جمع ألفتكم، وحقن دمائكم، ولم شعثكم، وسد ثغوركم.» فليغضبوا إذن قليلاً، فإنهم سوف يفرحون في نهاية الأمر كثيراً، وذلك عندما يعرفون الأهداف الحقيقية، التي كانت تكمن وراء تلك اللعبة، وأنها لم تكن إلا من أجل الابقاء عليهم، واستمرار وجودهم في الحكم، والقضاء على أخطر خصومهم، الذين لن يكون الصدام المسلح معهم في صالحهم، إنهم دون شك عندما تؤتي تلك اللعبة ثمارها سوف يشكرونه، ويعترفون له بالجميل، ويعتبرون أنفسهم مدينين له مدى الحياة، ولسوف يذكرون دائما قوله لهم في رسالته المشار إلها آنفاً: «.. فإن تزعموا أني أردت أن يؤول إليهم [يعني للعلويين] عاقبة ومنفعة، فإني في تدبيركم، والنظر لكم، ولعقبكم، ولأبنائكم من بعدكم.».
ومضمون هذه العبارة بعينه ـ تقريباً ـ قد جاء في وثيقة العهد، حيث قال فيها، موجها كلامه للعباسيين، رجاء أن يلتفتوا لما يرمي إليه من لعبته تلك.. فبعد أن طلب منهم بيعة منشرحة لها صدورهم ـ قال ـ: «.. عالمين بما أراد أمير المؤمنين بها، وآثر طاعة الله، والنظر لنفسه، ولكم فيها، شاكرين الله على ما ألهم أمير المؤمنين، من قضاء حقه في رعايتكم، وحرصه على رشدكم، وصلاحكم، راجين عائدته في ذلك في جمع ألفتكم، وحقن دمائكم إلخ. ما قومناه..».
لا شك أنه إذا غضب عليه العباسيون، فإنه يقدر على إرضائهم في المستقبل، «وقد حدث ذلك بالفعل» عندما يطلعهم على حقيقة نواياه، ومخططاته، وأهدافه، ولكنه إذا خسر مركزه، وخلافته، فإنه لا يستطيع ـ فيما بعد ـ أن يستعيدها بسهولة، أو أن يعتاض عنها بشيء ذي بال.
ج ـ: إن من الإنصاف هنا أن نقول: إن اختيار المأمون للرضا (عليه السلام) ولياً للعهد، كان اختياراً موفقاً للغاية، كما سيتضح، وإنه لخير دليل على حنكته ودهائه، وإدراكه للأسباب الحقيقية للمشاكل التي كان يواجهها المأمون، ويعاني منها ما يعاني.
د ـ: إن من الأمور الجديرة بالملاحظة هنا هو أن اختيار المأمون لولي عهده، الذي لم يقبل إلا بعد التهديد بالقتل.. كان ينطوي في بادئ الرأي على مغامرة لا تنسجم مع ما هو معروف عن المأمون من الدهاء والسياسة، إذا ما أخذت مكانة الإمام (عليه السلام)، ونفوذه بنظر الاعتبار، سيما مع ملاحظة: أنه هو الذي كان يشكل أكبر مصدر للخطر على المأمون، ونظام حكمه، حيث إنه كان يحظى بالاحترام والتقدير، والتأييد الواسع في مختلف الفئات والطبقات في الأمة الإسلامية.
ولكننا إذا دققنا الملاحظة نجد أن المأمون لم يقدم على اختيار الإمام وليا للعهد، إلا وهو على ثقة من استمرار الخلافة في بني أبيه، حيث كان الإمام (عليه السلام) يكبره ب‍ «22» سنة، وعليه فجعل ولاية العهد لرجل بينه، وبين الخليفة الفعلي هذا الفارق الكبير بالسن، لم يكن يشكل خطراً على الخلافة، إذ لم يكن من المعروف، ولا المألوف أن يعيش ولي العهد ـ وهو بهذه السن المتقدمة ـ لو فرض سلامته من الدسائس والمؤامرات!.. إلى ما بعد الخليفة الفعلي، فإن ذلك من الأمور التي يبعد احتمالها جداً.
ه‍ ـ: ولهذا.. ولأن ما أقدم عليه لم يكن منتظراً من مثله، وهو الذي قتل أخاه من أجل الخلافة والملك، ولأنه من تلك السلالة المعادية لأهل البيت (عليهم السلام).. احتاج المأمون إلى أن يثبت صدقه، وإخلاصه فيما أقدم عليه، وأن يقنع الناس بصفاء نيته، وسلامة طويته.. فأقدم لذلك. على عدة أعمال:
فأولاً: أقدم على نزع السواد شعار العباسيين، ولبس الخضرة شعار العلويين وكان يقول: إنه لباس أهل الجنة(112). حتى إذا ما انتهى دور هذه الظاهرة بوفاة الإمام الرضا (عليه السلام) وتمكنه هو من دخول بغداد عاد إلى لبس السواد شعار العباسيين، بعد ثمانية أيام فقط من وصوله، على حد قول أكثر المؤرخين، وقيل: بل بقي ثلاثة أشهر. نزع الخضرة رغم أن العباسيين، تابعوه، وأطاعوه في لبسها، وجعلوا يحرقون كل ملبوس يرونه من السواد، على ما صرح به في مآثر الإنافة، والبداية والنهاية، وغير ذلك.
وثانياً: ولنفس السبب(113) أيضاً نراه قد ضرب النقود باسم الإمام الرضا (عليه السلام).
وثالثاً: أقدم للسبب نفسه على تزويج الإمام الرضا (عليه السلام) ابنته، رغم أنها كانت بمثابة حفيدة له، حيث كان يكبرها الإمام (عليه السلام) بحوالي أربعين سنة. كما أنه زوج ابنته الأخرى للإمام الجواد (عليه السلام) الذي كان لا يزال صغيراً، أي ابن سبع سنين(114).
ومن يدري: فلعله كان يهدف من تزويجهما أيضاً إلى أن يجعل عليهما رقابة داخلية. وأن يمهد السبيل، لكي تكون الأداة الفعالة، التي يستعملها في القضاء على الإمام (عليه السلام)، كما كان الحال بالنسبة لولده الإمام الجواد، الذي قتل بالسم الذي دسته إليه ابنة المأمون، بأمر من عمها المعتصم(115)، فيكون بذلك قد أصاب عدة عصافير بحجر واحد. كما يقولون..
ويجب أن نتذكر هنا: أن المأمون كان قد حاول أن يلعب نفس هذه اللعبة مع وزيره الفضل بن سهل، فألح عليه أن يزوجه ابنته فرفض، وكان الرأي العام معه، فلم يستطع المأمون أن يفعل شيئاً، كما سنشير إليه.. لكن الإمام (عليه السلام) لم يكن له إلى الرفض سبيل، ولم يكن يستطيع أن يصرح بمجبوريته على مثل هكذا زواج. لأن الرأي العام لا يقبل ذلك منه بسهولة.. بل ربما كان ذلك الرفض سبباً في تقليل ثقة الناس بالإمام، حيث يرون حينئذٍ أنه لا مبرر لشكوكه تلك، التي تجاوزت ـ بنظرهم حينئذٍ ـ كل الحدود المألوفة والمعروفة..
وعلى كل حال: فإن كل الشواهد والدلائل تشير إلى أن زواج الإمام من ابنة المأمون كان سياسياً، مفروضاً إلى حد ما.. كما أننا لا نستبعد أن يكون زواج المأمون من بوران بنت الحسن بن سهل سياسياً أيضاً، حيث أراد بذلك أن يوثق علاقاته مع الإيرانيين، ويجعلهم يطمئنون إليه، خصوصاً بعد عودته إلى بغداد، وتركه مروا، وليبرئ نفسه من دم الفضل بن سهل، ويكتسب ثقة أخيه الحسن بن سهل، المعرف بثرائه ونفوذه.
ورابعاً: وللسبب نفسه أيضاً كان يظهر الاحترام والتبجيل للإمام (عليه السلام) ـ وإن كان يضيق عليه في الباطن(116) ـ وكذلك كانت الحال بالنسبة لإكرامه للعلويين، حيث قد صرح هو نفسه بأن إكرامه لهم ما كان إلا سياسة منه ودهاء، ومن أجل الوصول إلى أهداف سياسية معينة، فقد قال في رسالته للعباسيين، المذكورة في أواخر هذا الكتاب: «.. وأما ما كنت أردته من البيعة لعلي بن موسى.. فما كان ذلك مني، إلا أن أكون الحاقن لدمائكم، والذائد عنكم، باستدامة المودة بيننا وبينهم. وهي الطريق أسلكها في إكرام آل أبي طالب، ومواساتهم في الفيء، بيسير ما يصيبهم منه.».
ويذكرني قول المأمون: «ومواساتهم في الفيء إلخ..» بقول إبراهيم بن العباس الصولي ـ وهو كاتب القوم وعاملهم ـ في الرضا عندما قربه المأمون:

يمن عليكم بأموالكم***وتعطون من مئة واحدا

و ـ: إن المأمون ـ ولا شك ـ كان يعلم: أن ذلك كله ـ حتى البيعة للإمام ـ لا يضره ما دام مصمما على التخلص من ولي عهده هذا بأساليبه الخاصة. بعد أن ينفذ ما تبقى من خطته الطويلة الأجل، للحط من الإمام قليلاً قليلاً، حتى يصوره للرعية بصورة من لا يستحق لهذا الأمر ـ كما صرح هو نفسه(117)، وكما صرح بذلك أيضاً عبد الله بن موسى في رسالته إلى المأمون، والتي سوف نوردها في أواخر هذا الكتاب إن شاء الله، حيث يقول له فيها: «.. وكنت ألطف حيلة منهم. بما استعملته من الرضا بنا، والتستر لمحننا، تختل واحداً فواحداً منا إلخ.»(118).
إلى غير ذلك من الشواهد والدلائل، التي لا تكاد تخفى على أي باحث، أو متتبع..

أهداف المأمون من البيعة:

هذا.. وبعد كل الذي قدمناه، فإننا نستطيع في نهاية المطاف: أن نجمل أهداف المأمون، وما كان يتوخاه من أخذ البيعة للرضا (عليه السلام) بولاية العهد بعده.. على النحو التالي:
الهدف الأول:
أن يأمن الخطر الذي كان يتهدده من قبل تلك الشخصية الفذة، شخصية الإمام الرضا (عليه السلام) الذي كانت كتبه تنفذ في المشرق والمغرب، وكان الأرضى في الخاصة والعامة ـ باعتراف نفس المأمون ـ، حيث لا يعود باستطاعة الإمام (عليه السلام) أن يدعو الناس إلى الثورة ولا أن يأتي بأية حركة ضد الحكم، بعد أن أصبح هو ولي العهد فيه. ولسوف لا ينظر الناس إلى أية بادرة عدائية منه لنظام الحكم القائم إلا على أنها نكران للجميل، لا مبرر لها، ولا منطق يدعمها.
وقد أشار المأمون إلى ذلك، عندما صرح بأنه: خشي إن ترك الإمام على حاله: أن ينفتق عليه منه ما لا يسده، ويأتي منه عليه ما لا يطيقه فأراد أن يجعله ولي عهده ليكون دعاؤه له. كما سيأتي بيانه في فصل: مع بعض خطط المأمون إن شاء الله تعالى.
الهدف الثاني:
أن يجعل هذه الشخصية تحت المراقبة الدقيقة، والواعية من قرب، من الداخل والخارج، وليمهد الطريق من ثم إلى القضاء عليها بأساليبه الخاصة. وقد أشرنا فيما سبق، إلى أننا لا نستبعد أن يكون من جملة ما كان يهدف إليه من وراء تزويجه الإمام بابنته، هو: أن يجعل عليه رقيبا داخليا موثوقا عنده هو، ويطمئن إليه الإمام نفسه.
وإذا ما لاحظنا أيضاً، أن: «المأمون كان يدس الوصائف هدية ليطلعنه على أخبار من شاء..»(119)، وأنه كان: للمأمون على كل واحد صاحب خبر(120). «.. فإننا نعرف السر في إرساله بعض جواريه إلى الإمام الرضا (عليه السلام) بعنوان: هدية.. وقد أرجعها الإمام (عليه السلام) إليه مع عدة أبيات من الشعر، عندما رآها اشمأزت من شيبه»(121).
ولم يكتف بذلك، بل وضع على الإمام (عليه السلام) عيوناً آخرين، يخبرونه بكل حركة من حركاته، وكل تصرف من تصرفاته.
فقد كان: «هشام بن إبراهيم الراشدي من أخص الناس عند الرضا (عليه السلام)، وكانت أمور الرضا تجري من عنده، وعلى يده، ولكنه لما حمل إلى مرو اتصل هشام بن إبراهيم بذي الرئاستين، والمأمون، فحظي بذلك عندهما. وكان لا يخفي عليهما شيئاً من أخباره، فولاه المأمون حجابة الرضا. وكان لا يصل إلى الرضا إلا من أحب، وضيق على الرضا، فكان من يقصده من مواليه، لا يصل إليه. وكان لا يتكلم الرضا في داره بشيء إلا أورده هشام على المأمون، وذي الرئاستين..»(122) وعن أبي الصلت: أن الرضا «كان يناظر العلماء، فيغلبهم، فكان الناس يقولون: والله، إنه أولى بالخلافة من المأمون، فكان أهل الأخبار يرفعون ذلك إليه..»(123) وأخيراً.. فإننا نلاحظ: أن جعفر بن محمد بن الأشعث، يطلب من الإمام (عليه السلام): أن يحرق كتبه إذا قرأها، مخافة أن تقع في يد غيره، ويقول الإمام (عليه السلام) مطمئناً له: «إني إذا قرأت كتبه إلي أحرقتها.»(124) إلى غير ذلك من الدلائل والشواهد الكثيرة، التي لا نرى أننا بحاجة إلى تتبعها واستقصائها.
الهدف الثالث:
أن يجعل الإمام (عليه السلام) قريباً منه، ليتمكن من عزله عن الحياة الاجتماعية، وإبعاده عن الناس، وإبعاد الناس عنه، حتى لا يؤثر عليهم بما يمتلكه من قوة الشخصية، وبما منحه الله إياه من العلم، والعقل، والحكمة. ويريد أن يحد من ذلك النفوذ له، الذي كان يتزايد باستمرار، سواء في خراسان، أو في غيرها.
وأيضاً.. أن لا يمارس الإمام أي نشاط لا يكون له هو دور رئيس فيه، وخصوصاً بالنسبة لرجال الدولة، إذ قد يتمكن الإمام (عليه السلام) من قلوبهم، ومن ثم من تدبير شيء ضد النظام القائم. دون أن يشعر أحد.
والأهم من ذلك كله:
أنه كان يريد عزل الإمام (عليه السلام) عن شيعته، ومواليه، وقطع صلاتهم به، وليقطع بذلك آمالهم، ويشتت شملهم، ويمنع الإمام من أن يصدر إليهم من أوامره، ما قد يكون له أثر كبير على مستقبل المأمون، وخلافته.
وبذلك يكون أيضاً قد مهد الطريق للقضاء على الإمام (عليه السلام) نهائياً، والتخلص منه بالطريقة المناسبة، وفي الوقت المناسب.
وقد قال المأمون إنه: «يحتاج لأن يضع من الإمام قليلاً قليلا، حتى يصوره أمام الرعية بصورة من لا يستحق لهذا الأمر. ثم يدبر فيه بما يحسم عنه مواد بلائه.» كما سيأتي.
وقد قرأنا آنفاً أنه: «كان لا يصل إلى الرضا إلا من أحب [أي هشام بن إبراهيم] وضيق على الرضا، فكان من يقصده من مواليه، لا يصل إليه».
كما أن الرضا نفسه قد كتب في رسالته منه إلى أحمد بن محمد البيزنطي، يقول: «وأما ما طلبت من الإذن علي، فإن الدخول إلي صعب، وهؤلاء قد ضيقوا علي في ذلك الآن، فلست تقدر الآن، وسيكون إن شاء الله.»(125)
كما أننا نرى أنه عندما وصل إلى القادسية، وهو في طريقه إلى مرو، يقول لأحمد بن محمد بن أبي نصر: «إكتر لي حجرة لها بابان: باب إلى الخان، وباب إلى خارج، فإنه أستر عليك..»(126).
ولعل ذلك هو السبب في طلبه من الإمام (عليه السلام)، ومن رجاء بن أبي الضحاك: أن يمرا عن طريق البصرة، فالأهواز إلخ.. ما سيأتي: ولا نستبعد أيضاً أن يكون عزل الإمام عن الناس، هو أحد أسباب إرجاع الإمام الرضا عن صلاة العيد مرتين(127). وللسبب نفسه أيضاً فرق عنه تلامذته، عندما أخبر أنه يقوم بمهمة التدريس، وحتى لا يظهر علم الإمام، وفضله.. إلى آخر ما هنالك من صفحات تاريخ المأمون السوداء.
الهدف الرابع:
إن المأمون في نفس الوقت الذي يريد فيه أن يتخذ من الإمام مجناً يتقي به سخط الناس على بني العباس، ويحوط نفسه من نقمة الجمهور. يريد أيضاً، أن يستغل عاطفة الناس ومحبتهم لأهل البيت ـ والتي زادت ونمت بعد الحالة التي خلفتها الحرب بينه وبين أخيه ـ ويوظف ذلك في صالحه هو، وصالح الحكم العباسي بشكل عام.
أي أنه. كان يهدف من وراء لعبته تلك، والتي كان يحسب أنها سوف تكون رابحة جداً ـ إلى أن يحصل على قاعدة شعبية، واسعة، وقوية. حيث كان يعتقد ويقدر: أن نظام حكمه سوف ينال من التأييد، والقوة، والنفوذ، بمقدار ما كان لتلك الشخصية من التأييد، والنفوذ والقوة. وإذا ما استطاع في نهاية الأمر أن يقضي عليها، فإنه يكون قد أمن خطراً عظيماً، كان يتهدده من قبلها. بمقدار ما كان لها من العظمة والخطر.
إن المأمون قد اختار لولاية عهده رجلاً يحظى بالاحترام والتقدير من جميع الفئات والطبقات، وله من النفوذ، والكلمة المسموعة، ما لم يكن لكل أحد سواه في ذلك الحين. بل لقد كان الكثيرون يرون: أن الخلافة حق له، وينظرون إلى الهيئة الحاكمة على أنها ظالمة له وغاصبة لذلك الحق:
يقول الدكتور الشيبي، وهو يتحدث عن الرضا (عليه السلام): «إن المأمون جعله ولي عهده، لمحاولة تألف قلوب الناس ضد قومه العباسيين، الذين حاربوه، ونصروا أخاه..»(128).
ويقول:. «.. وقد كان الرضا من قوة الشخصية، وسمو المكانة: أن التف حوله المرجئة، وأهل الحديث، والزيدية، ثم عادوا إلى مذاهبهم بعد موته.»(129).
وكذلك هو يقول ـ وهو مهم فيما نحن بصدده ـ: «.. إن الرضا لم يكن بعد توليته العهد إمام الشيعة وحدهم، وإنما مر بنا:
أن الناس، حتى أهل السنة، والزيدية، وسائر الطوائف الشيعية المتناحرة.. قد اجتمعت على إمامته، واتباعه، والالتفاف حوله.»(130).
وهذا كما ترى تصريح واضح منه بهدف المأمون، الذي نحن بصدد بيانه.
ويقول محمد بن طلحة الشافعي مشيراً إلى ذلك، في معرض حديثه عن الإمام الرضا (عليه السلام): «.. نما إيمانه، وعلا شأنه، وارتفع مكانه، وكثر أعوانه، وظهر برهانه، حتى أدخله الخليفة المأمون محل مهجته، وأشركه في مملكته.»(131).
وتقدم أنه (عليه السلام) كان ـ باعتراف المأمون ـ «الأرضى في الخاصة والعامة» وأن كتبه كانت تنفذ في المشرق والمغرب، حتى إن البيعة له بولاية العهد، لم تزده في النعمة شيئاً.. وأنه كان له من قوة الشخصية ما دفع أحد أعدائه لأن يقول في حقه للمأمون: «هذا الذي بجنبك والله صنم يعبد دون الله» إلى آخر ما هنالك، مما قدمنا «غيضاً من فيض منه».
كما وتقدم أيضاً قول المأمون في رسالته للعباسيين: «.. وإن تزعموا: أني أردت أن يؤول إليهم عاقبة ومنفعة [يعني للعلويين]، فإني في تدبيركم، والنظر لكم. ولعقبكم، وأبنائكم من بعدكم..»، وأيضاً عبارته التي كتبها المأمون بخط يده في وثيقة العهد، فلا نعيد.
وهكذا.. فما على العباسيين إلا أن ينعموا بالاً، ويقروا عيناً، فإن المأمون كان يدبر الأمر لصالحهم ومن أجلهم.. وليس كما يقوله الدكتور الشيبي، وغيره من أنه أراد أن يحصل على التأييد الواسع، ليقابل العباسيين، ويقف في وجههم.
إشارة هامة لا بد منها:
هذا.. ويحسن بنا أن نشير هنا: إلى ما قاله ابن المعتز في الروافض. وإلقاء نظرة فاحصة على السبب الذي جعلهم مستحقين لهذه الحملة الشعواء منه.. فهو يقول:

لقد قال الروافض في علـي***مقالاً جامعاً كفراً وموقـــا
زنادقة أرادت كسب مــال***من الجهال فاتخذته سوقــا
وأشهد أنه منهم بــــريّ***وكان بأن يقتلهم خليقـــا
كما كذبوا عليه وهو حــي***فأطعم ناره منهم فريقـــا
وكانوا بالرضا شغفوا زماناً***وقد نفخوا به في الناس بوقا
وقالوا: إنه رب قديـــرا***فكم لصق السواد به لصوقا(132)

وهذه الأبيات تعبر عن مدى صدمة ابن المعتز، وخيبة أمله في الروافض، الذين ضايقه جداً امتداد دعوتهم في طول البلاد الإسلامية، وعرضها. وخصوصاً في زمن الرضا. والذي لم يجد شيئاً يستطيع أن ينتقص به إمامهم الرضا (عليه السلام) سوى أنه كان أسود اللون، وأن الروافض قالوا: إنه رب قدير.. وسر حنقه هذا على الروافض ليس هو إلا عقيدتهم في علي (عليه السلام) ـ التي كان يراها خطراً حقيقياً على القضية العباسية ـ والتي تتلخص بأنه (عليه السلام): يستحق الخلافة بالنص. وهذه العقيدة والمقالة هي التي جعلتهم يستحقون من ابن المعتز أن يجمع لهم بين وصفي الكفر والزندقة، واتهامه لهم، بأنهم يقصدون بذلك كسب المال من الجهال. ثم يتهمهم بأنهم قد قالوا بنفس هذه المقالة في علي الرضا (عليه السلام)، فقالوا: إنه الإمام الثابت إمامته بالنص، وشهروا بذلك، حتى علم به عامة الناس، ونفخوا به في الناس بوقاً.. وحتى لقد التف حوله أهل الحديث، والزيدية. بل والمرجئة، وأهل السنة، على حد تعبير الشيبي، وقالوا: بإمامة أبيه، ثم بإمامته.
وبديهي.. أن لا يرتاح ابن المعتز، الذي كان في صميم الأسرة العباسية لهذا الامتداد للتشيع، ولمقالة الروافض، حيث إن ذلك يعني أن الأئمة الذين هم بين الرضا، وعلي أمير المؤمنين (عليهما السلام)، كلهم تثبت إمامتهم بالنص.
ولقد بلغ من حنقه عليهم، بسبب ذلك الامتداد الواسع لعقيدتهم ـ وخصوصاً في زمان الرضا ـ أن دفعه إلى أن يخلط عن عمد، أو عن غير عمد بين عقيدة الروافض هذه، وبين عقيدة الغلاة، حيث أضاف إلى مقالة الروافض تلك مقالة أخرى، هي: القول بألوهية علي (عليه السلام).
وإذا كنا واثقين من أن الفرق الشاسع بين عقيدة الروافض، وعقيدة الغلاة، لم يكن ليخفى على مثل ابن المعتز، بل على من هو أقل منه بمراتب، فإننا سوف ندرك بما لا مجال معه للشك: أن يقصد بهذا الخلط المتعمد: التشنيع على الروافض، وتهجين عقيدتهم، إذ أنه يقصد ب‍ «الروافض»، ـ حسبما هو صريح كلامه ـ خصوص القائلين بإمامة الرضا، وإمامة علي أمير المؤمنين، ومن بينهما. وهو يعلم وكل أحد يعلم: أنه ليس فيهم من يقول بألوهية أحدهما، أو ألوهيتهما، أو ألوهية غيرهما من أئمة أهل البيت (عليهم السلام).
وأخيراً.. فإن قول واعتراف ابن المعتز هذا ـ وهو من نعلم ـ لخير دليل على مدى تحرر الشيعة في زمن الرضا، واتساع نفوذهم، وعلى أن شخصية الرضا (عليه السلام)، كانت قد استقطبت قطاعاً واسعاً، إن لم نقل: أنه القطاع الأكبر من الأمة الإسلامية، في طول البلاد وعرضها، في تلك الفترة من الزمن، وقد تقدم بعض ما يدل على ذلك، فلا نعيد.
الهدف الخامس:
هذا.. ونستطيع أن نقول أيضاً: إنه كان يريد أن يقوي من دعائم حكمه، حيث قد أصبح الحكم يمتلك شخصية تعنو لها الجباه بالرضا والتسليم، ولقد كان الحكم بأمس الحاجة إلى شخصية من هذا القبيل. في مقابل أولئك المتزلفين القاصرين، الذين كانوا يتجمعون حول الحكم العباسي، طلبا للشهرة، وطمعا بالمال، والذين لم يعد يخفى على أحد حالهم ومآلهم.. وعلى الأخص بعد أن رأى فشلهم في صد حملات علماء الملل الأخرى، والذين كانوا قد ضاعفوا نشاطاتهم، عندما رأوا ضعف الدولة، وتمزقها، وتفرقها إلى جماعات وأحزاب.
نعم.. لقد كان الحكم يحتاج إلى العلماء الأكفاء، والأحرار في تفكيرهم، وفي نظرتهم الواعية للإنسان والحياة، ولم يعد بحاجة إلى المتزلفين، والجامدين، والإنهزاميين، ولهذا نراه يستبعد أصحاب الحديث الجامدين، الذين كان أكثرهم في الجهة المناوئة له، يشدون من أزرها، ويقيمون أودها..
ويقرب المعتزلة: كبشر المريسي، وأبي الهذيل العلاف وأضرابهما. ولكن الشخصية العلمية، التي لا يشك أحد في تفوقها على جميع أهل الأرض علماً وزهدا، وورعاً وفضلاً الخ. كانت منحصرة في الإمام الرضا (عليه السلام)، باعتراف من نفس المأمون، كما قدمنا، ولهذا فقد كان الحكم يحتاج إليها أكثر من احتياجه لأية شخصية أخرى، مهما بلغت.
الهدف السادس:
ولعل من الأهمية بمكان بالنسبة إليه، أنه يكون في تلك الفترة المليئة بالقلاقل والثورات، قد أتى الأمة بمفاجئة مثيرة، من شأنها أن تصرف أنظار الناس عن حقيقة ما يجري، وما يحدث، وعن واقع المشاكل التي كان يعاني الحكم والأمة منها، وما أكثرها.
وقد عبر إبراهيم بن المهدي، عن دهشة بني العباس في أبياته المتقدمة. حتى لقد ذهل ـ على حد قوله ـ الحواضن عن بنيها! وصد الثدي عن فمه الصبي!
وبعد هذا. فلسنا بحاجة إلى كبير عناء، لإدراك مدى دهشة غيرهم: ممن رأوا وسمعوا بمعاملة العباسيين لأبناء عمهم. ولسوف ندرك مدى عظمة دهشتهم تلك إذا ما لاحظنا: أنهم كانوا سياسياً أقل وعيا وتجربة من مثل إبراهيم بن المهدي، الذي عاش في أحضان الخلافة. وكان بمرأى ومسمع من ألاعيب السياسة، ومكر الرجال.
الهدف السابع:
طبيعي بعد هذا: أنه قد أصبح يستطيع أن يدعي، بل لقد ادعى بالفعل ـ على ما في وثيقة العهد ـ: أن جميع تصرفاته، وأعماله، لم يكن يهدف من ورائها، إلا الخير للأمة، ومصلحة المسلمين، وحتى قتله أخاه، لم يكن من أجل الحكم، والرياسة، بقدر ما كان من أجل خير المسلمين، والمصلحة العامة، يدل على ذلك: أنه عندما رأى أن خير الأمة، إنما هو في إخراج الخلافة من بني العباس كلية، وهم الذين ضحوا الكثير في سبيلها، وقدموا من أجلها ما يعلمه كل أحد ـ عندما رأى ذلك ـ وأن ذلك لا يكون إلا بإخراجها إلى ألد أعدائهم، سارع إلى ذلك، بكل رضى نفس، وطيبة خاطر.. وليكون بذلك قد كفر عن جريمته النكراء، والتي كانت أحد أسباب زعزعة ثقة الناس به، ألا وهي: قتله أخاه الأمين، العزيز على العباسيين والعرب. وليكون بذلك، قد ربط الأمة بالخلافة، وكسب ثقتها فيها، وشد قلوب الناس، وأنظارهم إليها، حيث أصبح باستطاعتهم أن ينتظروا منها أن تقيم العدل، وترفع الظلم، وأن تكون معهم، وفي خدمتهم، وتعيش قضاياهم. وليكون لها من ثم من المكانة والتقدير، وما يجعلها في منأى ومأمن من كل من يتحينون بها الفرص، ويبغون لها الغوائل.
ويدل على ذلك ـ عدا عما ورد في وثيقة العهد ـ ما ورد من أن المأمون كتب إلى عبد الجبار بن سعد المساحقي، عامله على المدينة: أن اخطب الناس، وادعهم إلى بيعة الرضا، فقام خطيبا، فقال:
«يا أيها الناس، هذا الأمر الذي كنتم فيه ترغبون، والعدل الذي كنتم تنتظرون، والخير الذي كنتم ترجون، هذا علي بن موسى، بن جعفر، بن محمد، بن علي، بن الحسين، بن علي بن أبي طالب:

ستة آباؤهم ما هـــــم***من أفضل من يشرب صوب الغمام»(133)

وقد أكد ذلك بحسن اختياره، إذ قد اختار هذه الشخصية، التي تمثل ـ في الحقيقة ـ أمل الأمة، ورجاءها، في حاضرها، ومستقبلها، وتكون النتيجة ـ بعد ذلك ـ أنه يكون قد حصل على حماية لكل تصرف يقدم عليه في المستقبل، وكل عمل يقوم به.. مهما كان غريباً، ومهما كان غير معقول، فإن على الأمة أن تعتبره صحيحاً وسليماً، لا بد منه، ولا غنى عنه، وإن لم تعرف ظروفه، ودوافعه الحقيقية. بل وحتى مع علمها بها، فإن عليها أن تؤول ما يقبل التأويل، وإلا. فإن عليها أن تدفن رأسها في التراب، وتتناسى ما تعلم. أو أن تعتبر نفسها قاصرة عن إدراك المصالح الحقيقية الكامنة في تلك التصرفات الغريبة، وأن ما أدركته ـ ولو كان حقاً ـ لا واقع له، ولا حقيقة وراءه. ويدل على ذلك بشكل واضح أبيات ابن المعتز الآتية ص 305/306 يقول ابن المعتز:

وأعطاكم المأمون حق خلافة***لنا حقها لكنه جاد بالدنيــــــا
ليعلمكم أن التي قد حرصتموا***عليها وغودرتم على أثرها صرعى
يسير عليه فقدها غير مكثـر***كما ينبغي للصالحين ذوي التقـوى

وعلى كل حال، فإنه يتفرع على ما ذكرناه:
أولاً: إنه بعد أن أقدم على ما أقدم عليه، فليس من المنطقي بعد للعرب أن يسخطوا عليه، بسبب معاملة أبيه، أو أخيه، وسائر أسلافه لهم، فإن المرء بما كسب هو، لا بما كسب أهله، ولا تزر وازرة وزر أخرى.
وكيف يجوز لهم أن يغضبوا بعد، وهو قد أرجع الخلافة إليهم، بل وإلى أعرق بيت فيهم. وعرفهم عملا: أنه لا يريد لهم، ولغيرهم، إلا الصلاح والخير..
وليس لهم بعد حق في أن ينقموا عليه معاملته القاسية لهم، ولا قتله أخاه، ولا أن يزعجهم، ويخيفهم تقريبه للإيرانيين، ولا جعله مقر حكمه مروا إلى آخر ما هنالك.. ما دام أن الخلافة قد عادت إليهم، على حسب ما يشتهون، وعلى وفق ما يريدون.
ومن هنا.. فلا يجب أن نعجب كثيراً، حين نراهم: قد تلقوا بيعة الرضا بنفوس طيبة، وقلوب رضية. حتى أهل بغداد نرى أنهم قد تقبلوها إلى حد كبير، فقد نص المؤرخون ـ ومنهم الطبري، وابن مسكويه ـ على أن بعضهم وافق، والبعض الآخر ـ وهم أنصار بني العباس ـ رفض. وهذا يدل دلالة واضحة: على أن بغداد، معقل العباسيين الأول، كانت تتعاطف مع العلويين إلى درجة كبيرة..
بل ونص المؤرخون، على أن: إبراهيم بن المهدي، المعروف بابن شكلة، الذي بويع له في بغداد غضبا من تولية الرضا للعهد: لم يستطع أن يسيطر إلا على بغداد، والكوفة والسواد(134)، بل وحتى الكوفة قد استمرت الحرب قائمة فيها على ساق وقدم أشهراً عديدة بين أنصار المأمون، وعليهم الخضرة، وأنصار العباسيين وعليهم السواد(135).
وثانياً: وأما الإيرانيون عامة، والخراسانيون خاصة، والمعروفون بتشيعهم للعلويين، فقد ضمن المأمون استمرار تأييدهم له، وثقتهم به، بعد أن حقق لهم غاية أمانيهم. وأغلى أحلامهم، وأثبت لهم عملاً، حبه لمن يحبون، ووده لمن يودون.. وأن لا ميزة عنده لعباسي على غيره، ولا لعربي على غيره، وأن الذي يسعى إليه، هو ـ فقط خير الأمة، ومصلحتها، بجميع فئاتها، ومختلف طبقاتها، وأجناسها.
ملاحظة هامة:
إن من الجدير بالملاحظة هنا: أن الرضا (عليه السلام) كان قد قدم إلى إيران قبل ذلك. والظاهر أنه قدمها في حدود سنة 193 ه‍. أي في الوقت المناسب لوفاة الرشيد، فقد ذكر الرضي المعاصر للمجلسي في كتابه: ضيافة الإخوان: أن علياً الرضا (عليه السلام) كان مستخفياً في قزوين في دار داوود بن سليمان الغازي أبي عبد الله، ولداوود نسخة يرويها عن الرضا (عليه السلام)، وأهل قزوين يروونها عن داوود، كإسحاق بن محمد، وعلي بن مهرويه(136).
وقال الرافعي في التدوين: «وقد اشتهر اجتياز علي بن موسى الرضا بقزوين. ويقال: إنه كان مستخفيا في دار داوود بن سليمان الغازي، روى عنه النسخة المعروفة، وروى عنه إسحاق بن محمد، وعلي بن مهرويه، وغيرهما.
قال الخليل: «وابنه المدفون في مقبرة قزوين، يقال: إنه كان ابن سنتين، أو أصغر»(137) انتهى كلام الرافعي.
والمراد بالخليل في كلامه، هو الخليل بن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم الخليلي، القزويني، وهو الحافظ المشهور، مصنف كتاب الإرشاد، وكتاب تاريخ قزوين، الذي فرغ من تأليفه حوالي سنة أربعمائة هجرية، وكانت وفاته سنة 446 ه‍.
الهدف الثامن:
لقد كان من نتائج اختياره الإمام، والبيعة له بولاية العهد ـ التي كان يتوقعها ـ: أن أخمد ثورات العلويين في جميع الولايات والأمصار.
ولعله لم تقم أية ثورة علوية ضد المأمون ـ بعد البيعة للرضا، سوى ثورة عبد الرحمان بن أحمد في اليمن. وكان سببها ـ باتفاق المؤرخين ـ هو فقط: ظلم الولاة وجورهم، وقد رجع إلى الطاعة بمجرد الوعد بتلبية مطالبه.
بل لا بد لنا أن نضيف إلى ذلك:
أ ـ: إنه ليس فقط أخمد ثوراتهم. بل لقد حصل على ثقة الكثيرين منهم، ومن والاهم، وشايعهم. والخراسانيون منهم، ويشير المأمون إلى هذا المعنى في رسالته، التي أرسلها إلى عبد الله بن موسى، حيث يقول:
«.. ما ظننت أحداً من آل أبي طالب يخافني، بعد ما عملته بالرضا» والرسالة مذكورة في أواخر هذا الكتاب.. كما أنه كتب للعباسيين في بغداد في رسالته، التي أشرنا إليها غير مرة، يقول لهم: إنه يريد بذلك أن يحقن دماءهم، ويذود عنهم، باستدامة المودة بنيهم، وبين العلويين.
ب: بل ونزيد هنا على ما تقدم: أنه قد بايعه منهم ومن أشياعهم من لم يكن بعد قد بايعه، وهم قسم كبير جداً، بل لقد بايعه أكثر المسلمين، ودانوا له بالطاعة، بعد أن كانوا مخالفين له ممتنعين عن بيعته، حسبما قدمناه.
وهذه دون شك هي إحدى أمنيات المأمون، بل هي أجل أمنياته وأغلاها.
ج: قال ابن القفطي في معرض حديثه عن عبد الله بن سهل ابن نوبخت:
«.. هذا منجم مأموني، كبير القدر في صناعته، يعلم المأمون قدره في ذلك. وكان لا يقدم إلا عالما مشهودا له، بعد الاختيار..
وكان المأمون قد رأى آل أمير المؤمنين، علي بن أبي طالب متخشين، متخفين، من خوف المنصور، ومن جاء بعده من بني العباس. ورأى العوام قد خفيت عنهم أمورهم بالاختفاء، فظنوا ما يظنونه بالأنبياء، ويتفوهون بما يخرجهم عن الشريعة، من التغالي.
فأراد معاقبة العامة على هذا الفعل.
ثم فكر: أنه إذا فعل هذا بالعوام زادهم إغراء به، فنظر نظراً دقيقاً، وقال: لو ظهروا للناس، ورأوا فسق الفاسق منهم، وظلم الظالم، لسقطوا من أعينهم، ولانقلب شكرهم لهم ذماً.
ثم قال: إذا أمرناهم بالظهور خافوا، واستتروا، وظنوا بنا سوءاً، وإنما الرأي: أن نقدم أحدهم، ويظهر لهم إماماً، فإذا رأوا هذا أنسوا، وظهروا، وأظهروا ما عندهم من الحركات الموجودة في الآدميين، فيحقق للعوام حالهم، وما هم عليه، مما خفي بالاختفاء، فإذا تحقق ذلك أزلت من أقمته، ورددت الأمر إلى حالته الأولى. وقوي هذا الرأي عنده، وكتم باطنه عن خواصه.. وأظهر للفضل ابن سهل: أنه يريد أن يقيم إماماً من آل أمير المؤمنين علي صلوات الله عليه.
وفكر هو وهو: فيمن يصلح، فوقع إجماعهما على الرضا، فأخذ الفضل بن سهل في تقرير ذلك. وترتيبه وهو لا يعلم باطن الأمر. وأخذ في اختيار وقت لبيعة الرضا، فاختار طالع السرطان، وفيه المشتري الخ»(138).
ثم ذكر أن عبد الله بن سهل أراد اختبار المأمون، فأخبره أن البيعة لا تتم إذا وقعت في ذلك الوقت، فهدده المأمون بالقتل إن لم تقع البيعة في ذلك الوقت بالذات، لأنه سوف يعتبر أنه هو الذي أفسد عليه ما كان دبره الخ..
وابن القفطي هنا، لا يبدو أنه يعتبر الإمام الرضا (عليه السلام) من أولئك الذين يريد المأمون إظهار تفاهاتهم للناس، ولكنه يوجه نظره إلى بقية العلويين في ذلك.. ونحن إن كنا لا نستبعد من المأمون ما ذكره ابن القفطي هنا لكننا لا نستطيع أن نعتبر أن هذا كان من الأسباب الرئيسية لدى المأمون، إذ لا نعتقد أن المأمون كان من السذاجة بحيث يجهل أن بقية العلويين لم يكونوا ـ إجمالاً ـ على الحال التي كان يريد أن يظهرهم عليها للناس، وأنهم كانوا أكثر تديناً والتزاماً من أي فئة أخرى على الإطلاق..
هذا.. ولسوف نرى أن أحمد أمين المصري يأخذ برأي ابن القفطي هذا. لكنه ينظر فيه إلى خصوص أئمة أهل البيت (عليه السلام)، كما سيأتي بيانه، وبيان مدى خلطه وفساده في الفصل التالي.
وفيه دلالة على أن الفضل كان مخدوعاً، وعلى أن المأمون لم يكن مخلصاً فيما أقدم عليه..
د ـ: إنه لا بد لنا من الإشارة هنا إلى أن أكثر ثورات العلويين، التي قامت ضد المأمون ـ قبل البيعة للرضا (عليه السلام) طبعاً ـ كانت من بني الحسن، وبالتحديد من أولئك الذين يتخذون نحلة الزيدية، فأراد المأمون أن يقف في وجههم، ويقضي عليهم، وعلى نحلتهم تلك نهائياً، وإلى الأبد، فأقدم على ما أقدم عليه من البيعة للرضا (عليه السلام) بولاية العهد.
هذا.. وقد كانت نحلة الزيدية هذه ـ شائعة في تلك الفترة، وكانت تزداد قوة يوماً عن يوم، وكان للقائمين بها نفوذ واسع، وكلمة مسموعة، حتى إن المهدي قد استوزر يعقوب بن داوود، وهو زيدي، وآخاه، وفوضه جمع أمور الخلافة(139).
وعلى حد تعبير الشبراوي: «.. فولاه الوزارة، وصارت الأوامر كلها بيديه، واستقل يعقوب حتى حسده جميع أقرانه..»(140).
بل كان: «لا ينفذ للمهدي كتاب إلى عامل، فيجوز، حتى يكتب يعقوب إلى أمينه وثقته بإنفاذه.»(141).
وقد بلغ من نفوذ يعقوب هذا.. أن قال فيه بشار بن برد أبياته المشهورة، التي قدمناها، والتي يقول فيها: «إن الخليفة يعقوب ابن داوود».
وقد سعي بيعقوب هذا إلى المهدي: وقيل له: «.. إن الشرق والغرب في يد يعقوب، وأصحابه، وإنما يكفيه أن يكتب إليهم ؛ فيثوروا، في يوم واحد، فيأخذوا الدنيا.»(142).
وذلك لأنه قد: «أرسل يعقوب هذا إلى الزيدية، وأتى بهم من كل أوب، وولاهم من أمور الخلافة في المشرق والمغرب كل جليل، وعمل نفيس، والدنيا كلها في يديه..»(143).
وإذا ما عرفنا أن معاوني يعقوب إنما كانوا هم: متفقهة الكوفة، والبصرة، وأهل الشام(144).. فإننا نعرف أن الاتجاه الزيدي سوف يؤثر كثيراً، وكثيراً جداً على الثقافة العامة، والاتجاهات الفكرية في ذلك العصر ـ كما حدث ذلك فعلاً.. حتى لقد صرح ابن النديم بأن:
«أكثر علماء المحدثين إلا قليلاً منهم، وكذلك قوم من الفقهاء، مثل: سفيان الثوري، وسفيان بن عيينة كانوا من الشيعة الزيدية.»(145) وقد صرح المؤرخون أيضاً: بأن أصحاب الحديث جميعهم، قد خرجوا مع إبراهيم بن عبد الله بن الحسن، أو أفتوا بالخروج معه(146).
وعلى كل حال.. فإن ما يهمنا بيانه هنا: هو أن المأمون كان يريد أن يقضي على الزيدية، ويكسر شوكتهم بالبيعة للإمام الرضا (عليه السلام) بولاية العهد، ولهذا نرى أنه قد طبق اللقب، الذي طالما دعا إليه الزيدية، واعترف به العباسيون، بل ودعوا إليه في بدء دعوتهم ودولتهم، ألا وهو لقب: «الرضا من آل محمد»، طبقه على علي ابن موسى (عليه السلام)، فسماه: «الرضا من آل محمد»(147). فأصبحت بذلك حجته قوية على الزيدية، بل لم يعد لهم حجة أصلاً. وأصبح يستطيع أن ينام قرير العين، إذ قد أصبح «الرضا من آل محمد» موجوداً، فالدعوة إلى غيره ستكون لا معنى لها البتة. ولسوف تكون مرفوضة من الناس جملة وتفصيلا. وكان ذلك بطبيعة الحال السبب الرئيسي في إضعاف الزيدية، وكسر شوكتهم، وشل حركتهم.
والذي ساهم إلى حد كبير في إضعافهم، وشل حركتهم، هو اختياره الإمام (عليه السلام) بالذات، حيث إنه الرجل الذي لا يمكن لأحد كائناً من كان أن ينكر فضله، وعلمه، وتقواه، وسائر صفاته ومزاياه، التي لم تكن لأحد في زمانه على الإطلاق، فليس لهم بعد طريق للاعتراض عليه: بأن الذي اختاره لولاية عهده، والخلافة من بعده، ليس أهلاً لما أهله له. ولو أنهم ادعوا ذلك لما صدقهم أحد، ولكانت الدائرة حينئذ في ذلك عليهم، والخسران لهم دون غيرهم.
فذلكة لا بد منها:
هذا.. ولا يسعنا هنا إلا أن نشير إلى أن المأمون، لم يخترع أسلوباً جديداً للتصدي للزيدية، والحد من نفوذهم، وكسر شوكتهم، ببيعته للرضا (عليه السلام)، إذ أنه كان قد استوحى هذه الفكرة من سلفة المهدي، الذي كان قد استوزر يعقوب بن داوود الزيدي، ليحد من نشاط الزيدية، ويكسر شوكتهم. وكان قد نجح في ذلك إلى حد ما: إذ لا يحدثنا التاريخ عن تحركات زيدية خطيرة ضد المهدي، بعد استيزاره ليعقوب، وتقريبه للزيدية، كتلك الأحداث التي حدثت ضد المنصور، وخصوصاً ثورة محمد وإبراهيم ابني عبد الله.
كما يلاحظ أن تقريب العباسيين للزيدية في عصر المهدي، وتسليطهم على شؤون الدولة وإداراتها، لم يؤثر في الوضع العام أثراً يخشاه العباسيون، وذلك بلا شك مما يشجع المأمون على الإقدام على ما كان قد عقد العزم عليه، بجنان ثابت وإرادة راسخة.
يضاف إلى ذلك:
أن سهولة إبعاد العباسيين لهم عن مراكز القوة، ومناصب الحكم على يد المهدي نفسه، الذي نكب يعقوب بن داوود، الوزير الزيدي، حيث لم تصاحبه ردة فعل، ولا نتج عنه أية حادثة تذكر ضد العباسيين، لا حقيرة، ولا خطيرة.. هو الذي شجع المأمون على أن يستوحي نفس الفكرة، ويلعب نفس اللعبة، ويتبع نفس طريقة المهدي. في مواجهتهم، وكسر شوكتهم، بالبيعة للرضا (عليه السلام) بولاية العهد بعده.
وعلى كل حال، فإن هذا أسلوب قديم اتبعه العباسيون في دعوتهم الأولى أيضاً، حيث بايعوا للعلويين، وأظهروا أن الدعوة لهم وباسمهم..
ثم كانت النتيجة هي ما يعلمه كل أحد، حيث انقلبوا عليهم يوسعونهم قتلاً وعسفاً، وتشريداً عندما خافوهم. فلم يعودوا بحاجة إليهم.
ه‍ ـ: أضف إلى ذلك ما تقدم أن المأمون كان يعلم قبل أي شخص آخر بطبيعة العلاقات التي كانت قائمة بين الأئمة (عليهم السلام)، وبين الزيدية، حيث إنها كانت على درجة من السوء والتدهور. وكان عدم التفاهم، والانسجام فيما بينهم واضحاً للعيان..
حتى لقد شكى الأئمة (عليهم السلام) منهم، وصرحوا: بأن الناس قد نصبوا العداوة لشيعتهم، أما الزيدية فقد نصبوا العداوة لهم أنفسهم(148)، وفي الكافي رواية مفادها: إنه (عليه السلام) قال إنهم قبل أن يصلوا إلى الحكم كانوا لا يطيعونهم فكيف تكون حالهم معهم لو أنهم وصلوا إلى الحكم وتبوءوا كرسي الرئاسة.
وقد رأينا: أن عبد الله بن الحسن، عندما جاء يعرض على الإمام الصادق (عليه السلام) كتاب أبي سلمة، الذي يدعوه فيه للقدوم إلى الكوفة، لتكون الدعوة له، وباسمه، فنهاه الإمام (عليه السلام) عن ذلك ـ رأيناه ـ ينازع الإمام الصادق الكلام، حتى قال له:
«والله، ما يمنعك من ذلك إلا الحسد إلخ.» وقد انصرف عبد الله آخر الأمر مغضباً(149).
ورأينا أيضاً أنه في موقف آخر له مع الإمام الصادق (عليه السلام) يتهمه بنفس هذه التهمة، ويصمه بعين هذه الوصمة، وذلك عندما أرادوا البيعة لولده محمد، وأبدى الإمام (عليه السلام) رأيه في ذلك. ذلك الرأي الذي كشفت الأيام عن صحته وسداده(150).
بل لقد كان عيسى بن زيد يقول لمحمد بن عبد الله: «.. من خالفك من آل أبي طالب، فأمكني أضرب عنقه.»(151) وقد تجرأ عيسى هذا أيضاً على الإمام الصادق بكلام لا نحب ذكره.
وأما موقف محمد بن عبد الله نفسه مع الإمام الصادق (عليه السلام)، فأشهر من أن يذكر، حيث إنه سجن الإمام (عليه السلام)، واستصفى أمواله، وأسمعه كلاماً قاسياً، لا يليق بمقام الإمام وسنه(152).
إلى آخر ما هنالك مما يدل على كرههم، وحقدهم على الأئمة (عليهم السلام). أو بالأحرى حسدهم لهم..
والمأمون.. كان يعلم بذلك كله، ويدركه كل الادراك، ولهذا فإننا لا نستبعد أنه ـ وهو الداهية الدهياء ـ قد أراد أيضاً في جملة ما أراد: أن يوقع الفتنة بين آل علي أنفسهم. أي: بين الأئمة، والمتشيعين لهم، وبين الزيدية، ويقف هو في موقف المتفرج المتربص حتى إذا أضعف كل واحد من الفريقين الفريق الآخر، ولم يعد فيهما بقية.. انقض هو عليهما، وقضى عليهما بأهون سبيل.
بل إن بعض الباحثين يرى: أنه أراد من لعبته هذه: «.. ضرباً للثائرين العلويين من إخوة علي بن موسى بأخيهم.»(153).
ولو أننا استبعدنا كل ذلك، فلا أقل ـ كما قلنا ـ من أن حجته أصبحت قوية على الزيدية، وعلى كل من يدعو إلى «الرضا من آل محمد»، ولم يعد يخشى أحداً منهم، بعد أن أصبح «الرضا من آل محمد» موجوداً.
الهدف التاسع:
كما أنه ببيعته للإمام الرضا (عليه السلام) بولاية العهد، وقبول الإمام (عليه السلام) بذلك.. يكون قد حصل على اعتراف من العلويين، على أعلى مستوى بشرعية الخلافة العباسية، ولقد صرح المأمون بأن ذلك، كان من جملة أهدافه، حيث قال: «.. فأردنا أن نجعله ولي عهدنا، ليكون دعاؤه لنا، وليعترف بالملك والخلافة لنا..» وسنتكلم حول تصريحات المأمون هذه بنوع من التفصيل في فصل: مع بعض خطط المأمون، وغيره إن شاء الله تعالى.
نعود إلى القول: إن تصريح المأمون هذا يعطينا: أن قبول الإمام بأن يكون ولي عهد المأمون، إنما يعني بالنسبة للمأمون: أن الإمام يكون قد أقر بأن الخلافة ليست له دون غيره، ولا في العلويين دون غيرهم، وأنه كما يمكن أن يكون هو جديراً بها، وأهلا لها، وكذلك غيره يمكن أن يكون كذلك. وليتمكن المأمون بذلك من محاربة العلويين بنفس السلاح الذي بأيديهم، وليصير ـ من ثم ـ من الصعب استجابة الناس لهم، إذا دعوا لأية ثورة ضد حكم اعترفوا هم بشرعيته، وأيدوه، وتعاونوا معه من قبل، وعلى أعلى مستوى ومن أعظم شخصية فيهم.
بل لقد كان يريد أن يحصل من العلويين على اعتراف بأن الحكم حق للعباسيين فقط. أما هم، فليس لهم فيه أدنى نصيب، وما فعله المأمون ـ من إسناد ولاية العهد لواحد منهم، ما كان إلا تفضلاً وكرماً، ومن أجل أن يجمع شمل البيتين العلوي والعباسي، وتصفو القلوب ويمحو ما كان من أمر الرشيد وغيره من أسلافه مع العلويين.
ولقد حاول المأمون أن ينتزع من الإمام اعترافا بأن الخلافة حق للعباسيين، شفاهاً أيضاً فكانت النتيجة عكس ما أراد المأمون، وذلك عندما عرض بالمن على الإمام بأن جعله ولي عهده، فأجابه الإمام (عليه السلام): بأن هذا الأمر لم يزده في النعمة شيئاً، وأنه وهو في المدينة كانت كتبه تنفذ في المشرق والمغرب.
كما أن المأمون قد قال لحميد بن مهران، وجمع من العباسيين: «.. وليعتقد فيه المفتونون به، بأنه ليس مما ادعى في قليل، ولا كثير، وأن هذا الأمر لنا دونه.» ولسوف يأتي الكلام عن هذه التصريحات إن شاء الله كما قلنا.
وبعد.. فإنه لا يكون من المبالغة في شيء لو قلنا: إن حصول المأمون على اعتراف من العلويين، ومن الإمام الرضا (عليه السلام) خاصة، بشرعية خلافته، وخلافة، بني أبيه أخطر على العلويين من الأسلوب الذي انتهجه أسلافه من أمويين وعباسيين ضدهم،: من قتلهم، وتشريدهم، وسلب أموالهم، إلى غير ذلك مما هو معروف ومشهور.
الهدف العاشر:
يضاف إلى ذلك، أنه يكون قد حصل على اعتراف ضمني من الإمام بشرعية تصرفاته، طيلة فترة ولاية العهد، وليعطي الناس ـ من ثم ـ الصورة التي يريدها عن الحكم والحاكم، وليؤكد للملأ أجمع: أن الحاكم هذا هو سلوكه، وهذه هي تصرفاته: من كان، ومهما كان، وإذن فليس لهم بعد حق في أن يتطلعوا إلى حكومة أحد على أن بها شيئاً جديداً، ولا أن ينظروا إلى جهة على أنها يمكن أن يكون بها المنقذ لهم، والمخرج من الظلمات إلى النور، حتى ولو كانت تلك الجهة هي آل بيت نبيهم، فإنه من الطبيعي أن يتبع السياسيون أساليب، ويتكلموا بأشياء كثيرة، ينسبونها بمجرد وصولهم إلى الحكم، وتسلمهم لازمة السلطة، فإن تلك لا تعدو كونها تكتيكات، ووعودا انتخابية، يحتاجون إليها في ظروف معينة، ثم يستغنون عنها.. كما كانت الحال في وعود المأمون، التي أشرنا إليها فيما تقدم.
وهكذا.. فيكون سكوت الإمام في فترة ولاية العهد، عن تصرفات الهيئة الحاكمة، دالا على رضاه بها، ويعتبر إمضاء لها.. وبعد هذا.
فلا يجب أن يكون من العسير على الناس أن يتصوروا طبيعة وماهية حكم الإمام، وكل من يقدر له أن يصل الحكم والسلطان، سواء من العلويين، أو من غيرهم.
وإذا كانت الصورة واحدة، والجوهر واحد، والاختلاف إنما هو فقط في الاسم والعنوان، فليس لهم بعد حق، أو على الأقل ما الداعي لهم، لأن يطلبوا حكماً أفضل، أو حكاماً أعدل، فإنه طلب لغير موجود، وسعي وراء مفقود.
الهدف الحادي عشر:
هذا.. وبعد أن يكون المأمون قد حصل على كل ما قدمناه، وحقن دماء العباسيين، واستوثقت له الممالك، ولم يعد هناك ما يعكر صفو حياته(154)، وقوي مركزه، وارتفع بالخلافة من الحضيض المهين، الذي أوصلها إليه أسلافه إلى أوج العظمة، والتمكن والمجد. وأعطاها من القوة والمنعة، ووهبها من الحياة في ضمير الأمة ووجدانها ما هي بأمس الحاجة إليه.. ولتتمكن من ثم من الصمود في وجه أية عاصفة، وإخماد أية ثورة، ومقاومة كل الأنواء، وذلك هو حلمه الكبير، الذي طالما جهد في تحقيقه ـ إنه بعد أن يكون قد حصل على كل ذلك وسواه مما قدمناه:
يكون قد أفسح لنظام حكمه المجال ـ تلقائيا ـ لتصفية حساباته مع خصومه، أياً كانوا. وبأي وسيلة كانت، وبهدوء، وراحة فكر واطمئنان إن اقتضى الأمر ذلك.
كما أنه يكون قد مهد الطريق لتنفيذ الجزء الثاني ـ ولعله الأهم ـ من خطته الجهنمية، بعيداً عن الشبهات، ودون أن يتعرض لتهمة أحد، أو شك من أحد..
ألا وهو: القضاء على العلويين بالقضاء على أعظم شخصية فيهم. وليكون بذلك قد قضى نهائياً، وإلى الأبد، على أكبر مصدر للخطر، يمكن أن يتهدده، ويتهدد خلافته ومركزه.
إنه يريد زعزعة ثقة الناس بهم، واستئصال تعاطفهم معهم، وليحوله ـ إن استطاع ـ إلى كره ومقت، بالطرق التي لا تمس العواطف والمشاعر، ولا تثير الكثير من الشكوك والشبهات.
يظهر ذلك في محاولاته إسقاط الإمام إجتماعياً، والوضع منه قليلاً قليلاً، حتى يصوره أمام الرعية بصورة من لا يستحق لهذا الأمر، وليدبر فيه في نهاية الأمر بما يحسم عنه مواد بلائه.. كما صرح لحميد بن مهران، وجمع من العباسيين، وسنتكلم بنوع من التفصيل عن محاولات المأمون هذه، التي باءت كلها بالفشل الذريع، وعادت عليه بالخسران، لأن الإمام (عليه السلام) كان قد أحبطها عليه، بل لقد كان لها من النتائج العكسية بالنسبة إليه ما جعله يتعجل بتصفية الإمام جسديا، بعد أن أشرف هو منه (عليه السلام) على الهلاك.. بالطريقة التي حسب أنها سوف لا تثير الكثير من الشكوك والشبهات.
ملاحظة لا بد منها:
ومن الأمور الجديرة بالملاحظة هنا: أن المأمون كان يقدر أن مجرد جعل ولاية العهد للإمام، سوف يكون كافيا لتحطيمه إجتماعياً، وإسقاطه نهائياً من أعين الناس، حيث يظهر لهم بالعمل ـ لا بالقول: أن الإمام رجل دنيا فقط، وأن تظاهره بالزهد والتقوى ما هو إلا طلاء زائف، لا واقع له، ولا حقيقة وراءه. ولسوف تكون النتيجة هي تشويه سمعة الإمام (عليه السلام)، وزعزعة ثقة الناس به، وذلك بسبب الفارق الكبير بالسن، بين الخليفة الفعلي، وبين ولي عهده، إذ إن ولي العهد لا يكبر الخليفة الفعلي بسنتين، أو ثلاثة، أو خمسة، لا.. بل أكثر من ذلك بكثير، إنه يكبره ب‍ «22» سنة، وإنه لمن الأمور غير الطبيعية أبداً: أن يقبل ولاية العهد، وهو يكبر الخليفة الفعلي بهذا المقدار الكبير من السنين، ولسوف يكون قبوله لها ـ مع هذا الفارق بينهما ـ موجبا لجعله عرضة لشكوك الناس، وظنونهم، ولسوف يتسبب بوضع علامات استفهام كبيرة حوله.. كما كان الحال، بالنسبة لسؤال محمد بن عرفة، وكلام الريان المتقدم.. ولسوف يفسر(155) ذلك من أولئك الذين لا يدركون حقيقة ما يجري، وما يحدث، ـ وما أكثرهم ـ بتفسيرات تنسجم مع رغائب المأمون، وأهدافه. لأنهم سوف يرون أن زهده (عليه السلام) بالدنيا، ليس إلا ستاراً تختفي وراءه مطامعه فيها، وحبه المستميت لها، حتى إنه ليطمع أن يعيش إلى ما بعد الخليفة الفعلي، الذي هو أصغر من ولده، ويصل إلى الحكم.. وباختصار نقول:
إنه يريد أن: «.. يعتقد فيه المفتونون به بأنه: ليس ما ادعى في قليل ولا كثير.» حسبما صرح به هو نفسه.. وعلى حد قول الإمام نفسه، الذي كان يدرك خطة المأمون هذه: «.. أن يقول الناس: إن علي بن موسى، لم يزهد في الدنيا، بل زهدت الدنيا فيه، ألا ترون كيف قبل ولاية العهد طمعا بالخلافة؟!.». كما سيأتي.
وعن الريان قال: «دخلت على الرضا، فقلت: يا ابن رسول الله، إن الناس يقولون: إنك قبلت ولاية العهد، مع إظهارك الزهد في الدنيا؟!، فقال (عليه السلام): قد علم الله كراهتي..»(156) وقد أشرنا إلى سؤال محمد بن عرفة، وكلام الريان فيما تقدم.
وعلى أي شيء يبكي المأمون، ومن أجل أي شيء يشقى ويتعب، ويسهر الليالي، ويتحمل المشاق.. إلا على هذا.. إن هذا هو أجل أمنياته وأغلاها.
سؤال وجوابه:
قد يدور بخلد القارئ أن ما ذكرناه هنا: فيما يتعلق بالفارق الكبير بالسن، ينافي ما تقدم من أن المأمون كان يريد الحصول على قاعدة شعبية، والارتفاع بالخلافة من الحضيض الخ.
ولكن الحقيقة هي:
أنه لا منافاة هناك.. ويمكن للمأمون أن يقصد كل ذلك من البيعة، لأن مقدار التفاوت بالسن بين الإمام (عليه السلام) والمأمون، لم يكن مما يعرفه الكثيرون، ولا مما يلتفت إليه عوام الناس في بادئ الأمر، لأنهم يأخذون الأمور على ظواهرها، ولا يتنبهون إلى مثل ذلك، إلا بعد تنبيه وتذكير، فللوهلة الأولى تجوز عليهم الخدعة، ويقدرون خطوة المأمون هذه، وتنتعش الآمال في نفوسهم بالحياة الهنيئة السعيدة، تحت ظلم حكم بدا أنه يتخذ العدل ديدنا، والإنصاف طريقة..
ثم.. وبعد أن يجند المأمون أجهزة إعلامه، من أجل تسميم الأفكار، يجد أن نفوس الناس مهيأة ومستعدة لتقبل ما يلقى إليها. ويكون لديه ـ باعتقاده ـ من الحجج ما يكفي لإسقاط الإمام، وزعزعة ثقة الناس به. ولا يؤثر ذلك بعد ذلك على الحكم، فإن الحكم يكون قد استنفذ أغراضه من البيعة. وحصل على ما يريد الحصول عليه منها.. هذا ولا بد لنا هنا من ملاحظة أن المأمون وأجهزة إعلامه كانوا في مقابل وصم الإمام بالرغبة بالدنيا والتفاني في سبيلها.. يشيعون بين الناس عن المأمون عكس ذلك تمام، فيطلب المأمون من وزيره أن يشيع عنه الزهد، والورع والتقوى(158).. وأنه لا يريد مما أقدم عليه الأخير الأمة ومصلحتها، حيث قد اختار لولاية عهده أفضل رجل قدر عليه، رغم أن ذلك الرجل هو من ذلك البيت الذي لا يجهل أحد موقفه من حكم العباسيين، وموقف العباسيين منه كما يتضح ذلك من وثيقة ولاية العهد، وغيرها.

رأي الناس فيمن يتصدى للحكم:

لعل من الواضح أن كثيراً من الناس كانوا يرون ـ في تلك الفترة من الزمن ـ لقصر نظرهم، وقلة معرفتهم: أن هناك منافاة بين الزهد والورع، والتقوى، وبين المنصب، وأنهما لا يتفقان، ولا يجتمعان.
وقد رأينا الكثيرين يمتنعون على تولي المناصب للحكام، لما يرونه من المنافاة المشار إليها.
ولعل سر فهمهم هذا: هو أنهم كانوا قد اعتادوا من الحكام التجاوز على الحقوق، والدماء، والأموال، وعلى أحكام الدين، والنواميس الإنسانية، بشكل عام. والزهد والورع لا يتلائم مع ذلك كله، ولا ينسجم معه.
ولكن الحقيقة هي: أن لا منافاة بينهما أبداً، فإن الحكم إذا كان وسيلة لا يصال الخير إلى الآخرين، ورفع الظلم عنهم، وإشاعة العدل، إقامة شريعة الله تعالى، فيجب السعي إليه، والعمل من أجله، وفي سبيله.. بل إذا لزم من ترك السعي إليه، تضييع الحقوق، وانهيار صرح العدل، والخروج على أحكام الدين، فإن ترك السعي هذا، يكون هو المنافي للزهد والورع والتقوى..
ولقد قاد النبي (عليه السلام) الأمة، وقبله قادها سليمان بن داوود، وغيره، وبعده الإمام علي بن أبي طالب، وولده الحسن، ثم الحسين، وهكذا..
وحال هؤلاء في الزهد والورع، لا يحتاج إلى مزيد بيان، وإقامة برهان، بل لم يكن على ظهرها أزهد، ولا أتقى، ولا أفضل، ولا أورع منهم، عدوهم يعرف منهم ذلك تماماً كما يعرفه منهم صديقهم. فعدا عن الأنبياء الذين كانوا القمة في الورع والزهد والتقوى، نرى الإمام علي (عليه السلام) قمة في ذلك أيضاً، وقد رقع مدرعته حتى استحيا من راقعها، وكان راقعها هو ولده «الإمام الحسن (عليه السلام)»(159). وكان يصلي في بيت المال ركعتين شكراً لله، بعد فراغ المال منه. وكان يقول: «إليك عني يا دنيا غري غيري، أبي تعرضت؟! الخ..» وهو الذي قال فيه عدوه معاوية: «لو كان له بيتان: بيت من تبر، وآخر من تبن، لأنفق تبره قبل تبنه.». إلى غير ذلك مما لا مجال لنا لتتبعه واستقصائه..

العلويون يدركون نوايا المأمون:

إن نوايا المأمون تجاه العلويين، ومحاولاته لإسقاطهم إجتماعياً، وابتزازهم سياسياً.. حتى إذا أخفق في ذلك راح يختلهم واحداً فواحداً، كلما واتاه الظرف، وسنحت له الفرصة.. لم يكن العلويون يجهلونها، بل كانوا يدركونها كل الادراك، ولم تكن تخدعهم تلك الشعارات والأساليب المبهرجة. وحسبنا هنا أن نذكر في مقام التدليل على هذا: أن المأمون كتب لعبد الله بن موسى، بعد وفاة الرضا، يعده بأنه يجعله ولي عهده، ويقول له: «ما ظننت أن أحداً من آل أبي طالب يخافني بعد ما عملته بالرضا».
فأجابه عبد الله يقول: «وصل إلي كتابك، وفهمته، تختلني فيه عن نفسي مثل القانص، وتحتال علي حيلة المغتال، القاصد لسفك دمي. وعجبت من بذلك العهد، ولايته لي بعدك، كأنك تظن: أنه لم يبلغني ما فعلته بالرضا؟! ففي أي شيء ظننت أني أرغب من ذلك؟ أفي الملك الذي غرتك حلاوته؟!.
إلى أن يقول: أم في العنب المسموم الذي قتلت به الرضا؟!».
ويقول له أيضاً ـ والظاهر أنه نص آخر للرسالة ـ: «هبني لا ثأر لي عندك، وعند آبائك المستحلين لدمائنا الآخذين حقنا، الذين جاهروا في أمرنا، فحذرناهم. وكنت ألطف حيلة منهم، بما استعملته من الرضا بنا، والتستر لمحننا، تختل واحداً، فواحداً منا الخ..»(160).
ولا بد من ملاحظة: منافاة وعده هذا لعبد الله بن موسى بأن يجعل له ولاية العهد.. للرسالة التي أرسلها إلى العباسيين في بغداد، فور وفاة الرضا (عليه السلام)، ويعدهم فيها بأن يجعل ولاية العهد فيهم، وسنشير إلى رسالته لهم في فصل: مع بعض خطط المأمون إن شاء الله وعلى كل حال.. فإننا نستطيع أن نفهم من هذه الرسالة التي لعبد الله بن موسى أموراً، نشير إلى بعضها:
أولاً: إن المأمون كان قد جعل ولاية العهد وسيلة لختل الشخصيات التي كان يخشاها، والغدر بها، إذ إن من المقبول والطبيعي ـ كما يرى البعض ـ أن يكون ولي العهد هو الذي يتآمر، ويدبر للتخلص من الخليفة الفعلي، ليختصر المسافة، ويصل إلى الحكم، الذي ينتظر الوصول إليه، والحصول عليه بفارغ الصبر. وليس من الطبيعي، ولا من المقبول أن يتآمر الخليفة على ولي عهده، إلا إذا كان يريد أن يجعل الخلافة لمن هو أعز عليه منه، وهذا ما نفاه المأمون عن نفسه في أكثر من مناسبة.
وهكذا.. فإن النتيجة تكون: أن الخليفة الفعلي يكون آخر من يتهم في ولي العهد، إذا ما راح ضحية التآمر والاغتيال، وعرف الناس ذلك. وهذا بلا شك من جملة ما كان يريده المأمون، ويسعى إليه.
ثانياً: إن المأمون رغم الصعوبات التي واجهها في فترة تولية الرضا (عليه السلام) العهد.. يبدو أنه كان يعتبر نفسه منتصراً وناجحاً في لعبته تلك، ولذلك نرى أنه قد حاول تكرار نفس اللعبة مع عبد الله بن موسى. ولكن يقظة هذا الأخير، الذي كانت ظروفه تختلف عن ظروف الإمام (عليه السلام) قد فوتت عليه الفرصة، وأعادته. بخفي حنين.
كما أننا لا نستبعد أن المأمون قد أراد بالإضافة إلى ذلك التستر على غدره بالرضا (عليه السلام)، بعد أن كان قد افتضح واشتهر، رغم محاولاته الجادة للتستر والكتمان.
ثالثاً: ما تقدمت الإشارة إليه من أن إكرامه للعلويين، والرضا بهم، والتستر لمحنهم، ما كان منه إلا ضمن خطة مرسومة، وإلا سياسة منه ودهاء، من أجل أن يأمن العلويون جانبه، ويطمئنوا إليه، كما يدل عليه قوله لعبد الله بن موسى: «ما ظننت أحداً من آل أبي طالب يخافني بعد ما عملته بالرضا» وقد قدمنا أنه أشار إلى ذلك أيضاً في كتابه للعباسيين، فلا نعيد..
رابعاً: أنه لم يستطع أن يخفي عن العلويين ـ كما لم يستطع أن يخفي عن غيرهم ـ غدره بالإمام الرضا (عليه السلام)، وسمه له بالعنب، وكذلك غدره بغيره من العلويين. وسر ذلك واضح، فإن جميع الدلائل والشواهد كانت متوفرة على ذلك، كما سيأتي بيان جانب من ذلك في فصول هذا الكتاب بنوع من التفصيل.

موقف الإمام في مواجهة مؤامرات المأمون:

لقد رأينا كيف أن المأمون أراد من لعبته تلك، التغلب على المشاكل التي كان يواجهها، والاستفادة في تقوية دعائم خلافته، وخلافة العباسيين بشكل عام.. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ما هو موقف الإمام (عليه السلام) نفسه من لعبة المأمون تلك، وخططه، وأهدافه؟، وهل أفسح المجال للمأمون ليحقق كل ما يريد تحقيقه، ويصل إلى ما كان يريد الوصول إليه؟.. وهل كانت لديه خطط من نوع معين، وأهداف معينة كان يسعى من أجل الوصول إليها، والحصول عليها؟!.
الحقيقة هي: أن الإمام (عليه السلام) قد استطاع، بما اتبعه من خطة حكيمة، وسلوك مثالي: أن يضيع على المأمون كافة الفرص، ويجعله يبوء بالخيبة والخسران، ويمنى بالفشل الذريع، حتى لقد أشرف المأمون منه على الهلاك، وبدا الارتباك واضحاً في كل تصرفاته، وأقواله، وأفعاله..
وسيأتي في الفصول الآتية في القسمين: الثالث، والرابع بيان بعض ما يتعلق بذلك إن شاء الله.

المأمون في قفص الاتهام:

وهكذا.. وبعد أن اتضحت الأسباب الحقيقية للبيعة، وبعد أن عرفنا بعض الظروف والملابسات، التي أحاطت بهذا الحدث الهام، فإننا نستطيع أن نضع المأمون، ونواياه، وأهدافه، في قفص الاتهام، ولا يمكن أن نصدق ـ بعد هذا ـ أبداً، أي ادعاء سطحي، يحاول أن يصور لنا حسن نية المأمون من البيعة، وسلامة طويته، سيما ونحن نرى كتابه للعباسيين في بغداد فور وفاة الرضا، وكذلك سلوكه المشبوه مع الرضا (عليه السلام) من أول يوم طلب منه فيه الدخول في هذا الأمر، وحتى إلى ما بعد وفاته، كما سيأتي بيانه في الفصول الآتية. وكذلك كتابه لعبد الله بن موسى المتقدم.
والأدهى من ذلك كله رسالته للسري، عامله على مصر، التي «يخبره فيها بوفاة الرضا، ويأمره بأن تغسل المنابر، التي دعي عليها لعلي بن موسى، فغسلت.»(161).
وكذلك لا يمكن أن نصدق بحسن نيته بالنسبة لأي واحد من العلويين، الآخرين.. كما أشرنا إليه في رسالته لعبد الله بن موسى، التي يذكر فيها: أنه راح يختلهم واحداً فواحداً.. وأيضاً عندما نرى أنه يمنعهم من الدخول عليه، بعد وفاة الرضا، ويأخذهم بلبس السواد(162).. بل ويأمر ولاته وأمراءه بملاحقتهم، والقضاء عليهم، كما سيأتي.

مع المأمون في وثيقة العهد:

ويحسن بنا هنا: أن نقف قليلاً مع وثيقة العهد، التي كتبها المأمون للإمام (عليه السلام) بخط يده، فلقد ضمنها المأمون إشارات هامة، رأى أنها تخدم أهدافه السياسية من البيعة وحيث إننا قد تحدثنا، ولسوف نتحدث في مطاوي هذا الكتاب عن بعض فقراتها.. فلسوف نقتصر هنا على:
أولاً: إننا نلاحظ: أنه يؤكد كثيراً على نقطتين:
الأولى: أنه منطلق في هذه البيعة من طاعة الله، وإيثاره لمرضاته.
الثانية: أنه لا يريد بذلك إلا مصلحة الأمة، والخير لها.
وسر ذلك واضح: فهو يريد أن يذهب باستغراب واستهجان الناس، الذين يرون الرجل الذي قتل حتى أخاه من أجل الحكم ـ يرونه الآن ـ يتخلى عن هذا الحكم لرجل غريب، ولمن يعتبر زعيماً لأخطر المنافسين للعباسيين.. كما أنه يريد بذلك أن يكتسب ثقة الناس به، وبنظام حكمه.
وعدا من ذلك فهو يريد أن يطمئن العلويين والناس إلى أن ذلك لا ينطوي على لعبة من أي نوع، بل هو أمر طبيعي فرضته طاعة الله ومرضاته، ومصلحة الأمة، والصالح العام.
وثانياً: نراه يجعل العباسيين والعلويين في مرتبة واحدة، وذلك لكي يضمن لأهل بيته حقاً في الخلافة كآل علي.
وثالثاً: يلاحظ: أنه يعطي خلافته صفة الشرعية، حيث يربطها بالمصدر الأعلى [الله] وعلى حسب منطق الناس هذا تام وصحيح، لأنهم بمجرد أن يعمل أحد عملا يؤدي إلى المناداة بواحد على أنه خليفة، ويصير مقبولا لدى الناس.. إنهم بمجرد ذلك يصيرون يعتبرونه خليفة الله في أرضه، وحجته على عباده..
وهو أيضاً تام وصحيح حسب منطق العباسيين، الذين يدعون الخلافة بالإرث عن طريق العباس بن عبد المطلب، حسبما تقدم بيانه..
ولهذا نلاحظ أنه يقدم عبد الله بن العباس على علي بن أبي طالب! مع أن عبد الله تلميذ علي. وليس ذلك إلا من أجل إثبات هذه النقطة، وجعل حق له بالخلافة، بل وجعل نفسه الأحق بها. هذه الخلافة التي هي منصب إلهي، وصل إليه بالطريق الشرعي، سواء على حسب منطق الناس في تلك الفترة، أو على حسب منطق العباسيين.
وفي هذا إرضاء للعباسيين، وتطمين لهم، كما أنه في نفس الوقت تطمين لسائر الناس، الذين كانوا غالباً ـ يرون الخلافة بالكيفية التي أشرنا إليها وقد أكد لهم هذا التطمين باستشهاده بقول عمر، حيث أثبت لهم: أنه لا يزال على مذهبه، وعلى نفس الخط الذي هم عليه.
ورابعاً: إننا نراه في نفس الوقت الذي يؤكد فيه مذهبه، ووجهة نظره بتلك الأساليب المتعددة والمختلفة المشار إليها آنفاً ـ نراه في نفس الوقت ـ يدعي: أنه إنما يجعل الخلافة للرضا (عليه السلام) لا من جهة أنها حق له، ولا من جهة النص عليه، حسبما يدعيه الرضا، بل من جهة أنه أفضل من قدر عليه. وهذا أمر طبيعي جداً، وليس إقراراً بمقالة الرضا.. وكما ينطبق الآن على الرضا، يمكن أن ينطبق غداً على غيره، عندما يوجد من له فضل، وأهلية.. وهذا دون شك ضربة لما يدعيه الرضا ويدعيه آباؤه من الحق في الخلافة، ومن النص، وغير ذلك..
هذا.. ولسوف يأتي في فصل: خطة الإمام، شرح ما كتبه الإمام (عليه السلام) على ظهر الوثيقة، ولنرى من ثم كيف نسف الإمام كل ما بناه المأمون، وصيره هباء اشتدت به الريح في يوم عاصف.

كلمة أخيرة:

وأخيراً: فإننا مهما شككنا في شيء، فلسنا نشك في أن المأمون كان قد درس الوضع دراسة دقيقة، وقبل أن يقدم على ما أقدم عليه. وأخذ في اعتباره كافة الاحتمالات، ومختلف النتائج، سواء مما قدمناه، أو من غيره، مما أخفته عنا الأيدي الأثيمة، والأهواء الرخيصة.. وإن كانت لعبته تلك لم تؤت كل ثمارها، التي كان يرجوها منها، وذلك بسبب الخطة الحكيمة التي كان الإمام (عليه السلام) قد اتبعها.
ولعمري: «.. إن بيعته للإمام لم تكن بيعة محاباة، إذ لو كانت كذلك لكان العباس ابنه، وسائر ولده، أحب إلى قلبه، وأجلى في عينه.» على حد تعبير المأمون في رسالته للعباسيين، التي سوف نوردها في أواخر هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.

__________________________________________
(95) وقد كان بينهم الكثيرون في أول عهد الدولة العباسية. ونقصد ب‍ «الكفاءة» هنا: الكفاءة الظاهرية، التي يقرها منطق الجبارين المتغطرسين، لا الكفاءة الحقيقية التي يريدها الله، وجاء بها محمد. وقد أشرنا إلى ذلك من قبل.
(96) وفيات الأعيان، طبع سنة 1310 ه‍ ج 1 ص 8. والورقة لابن الجراح ص 22، ومعاهد التنصيص ج 1 ص 205، والشعر والشعراء ص 541، والكنى والألقاب ج 1 ص 330. والأطلس: هو الرجل يرمى بالقبيح..
(97) معاهد التنصيص ج 1 ص 205، 206، وشرح ميمية أبي فراس ص 281، والبداية والنهاية ج 10 ص 290، والبحار ج 49 ص 143، والغدير ج 2 ص 377، والأغاني ج 18 ص 68، و ص 101 طبع دار الفكر، والورقة لابن الجراح ص 22، ونزهة الجليس ج 1 ص 404، وعيون أخبار الرضا ج 2 ص 166، والحنينيات: منسوبة إلى حنين النجفي العبادي. المغني المشهور، والمعبديات: منسوبة إلى معبد المغني المشهور، والبربط: ملهاة، تشبه العود، وهو فارسي معرب. وأصله: بربت: لأن الضارب يضعه على صدره.. انتهى عن نزهة الجليس.
(98) عصر المأمون ج 1 ص 369، نقلاً عن: تاريخ بغداد، لابن طيفور ج 6 ص 75.
(99) المحاسن والمساوي ص 141، وضحى الإسلام ج 2 ص 58، و ج 3 ص 152، و 156، وعصر المأمون ج 1 ص 371، والموفقيات ص 41، وكتاب بغداد ص 54.
(100) البداية والنهاية ج 10 ص 277، وفوات الوفيات ج 1 ص 241، ما عدا البيت الرابع.
(101) الطبري ج 11 ص 1094، طبع ليدن، والعقد الفريد للملك السعيد ص 84، 85، وتجارب الأمم ج 6 المطبوع مع العيون والحدائق ص 461.
(102) قال في النجوم الزاهرة ج 2 ص 201، 202،، ومثله في تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 308، وغيرهما: «أن المأمون كان يبالغ في التشيع، ويقول: إن أفضل الخلق بعد النبي علي بن أبي طالب. وأمر أن ينادى ببراءة الذمة ممن يذكر معاوية بخير، لكنه لم يتكلم في الشيخين بسوء بل كان يترضى عنهما، ويعتقد إمامتهما.».
وهذا بعينه هو مذهب المعتزلة في بغداد ابتداء من بشر بن المعتمر، وبشر بن غياث المريسي وغيرهم من معتزلة بغداد، حتى لقد قال بشر المريسي المعتزلي المعروف على ما في البداية والنهاية ج 10 ص 279:
قد قال مأموننا وسيدنــا***قولاً له في الكتب تصديق
إن علياً أعني أبا حسـن***خير من قد أقلت النـوق
بعد نبي الهدى، وإن لنا***أعمالنا والقرآن مخلـوق
وصرح بأنه يذهب مذهب المعتزلة كثيرون، منهم: البداية والنهاية ج 10 ص 275، وضحى الإسلام ج 3 ص 295، وإمبراطورية العرب ص 600، وغيرهم، بل لقد قال خيري حماد، في تعليقته على ص 601، من إمبراطورية العرب بقوله: «أجمعت كتب التاريخ العربي على أن المأمون مال إلى الأخذ بمذهب المعتزلة، فقرب أتباع هذا المذهب إليه إلخ.»، ويدل على ذلك أيضاً أقوال. وأشعار المأمون المتقدمة.. ولعل وصف بعض المؤرخين بالتشيع هو الذي أوهم البعض بأن المأمون كان يتشيع بالمعنى المعروف للتشيع، فجزم بذلك، وبدأ يحشد الدلائل، والشواهد، التي لا تسمن، ولا تغني من جوع، وقد غفل عن أنهم يقصدون بكلمة «التشيع» المعنى اللغوي، لا المعنى الخاص المعروف الآن..
وبعد.. فإن من الواضح: أن عقيدة المأمون تلك، لم تكن تثمر على الصعيد العملي العام، فإنه كان من السياسيين. الذين لا ينطلقون في سلوكهم، ومواقفهم الخارجية ن منطلقات عقائدية، ومفاهيم إنسانية. وإنما يكون المنطلق لهم في مواقفهم، وتصرفاتهم، هو ـ فقط ـ مصالحهم الشخصية، وما له مساس في استمرار فرض سلطتهم، وتأكيد سيطرتهم..
(103) وفيات الأعيان ترجمة يحيى بن أكثم ج 2 / 218 ط سنة 1310 ه‍ والسيرة الحلبية ج 3 / 46 والنص والاجتهاد ص 193، وفي قاموس الرجال 9 / 397، نقلاً عن الخطيب في تاريخ بغداد: أنه كان يقول: «ومن أنت يا أحول الخ..» ولا يخفى أنهم أرادوا تلطيف العبارة بقدر المستطاع، فحرفوها إلى ما ترى.
هذا.. وقد يرى البعض: أن تفضيله علياً، وإعلانه بسب معاوية، وإباحته المتعة، وقوله بخلق القرآن، ليس إلا لإشغال الناس بعضهم ببعض، وصرف الناس عن التفكير بالخلافة، التي هي أعز ما في الوجود عليه، والتي ضحى من أجلها بأخيه، وأشياعه، ووزرائه، وقواده. وكذلك من أجل صرف الناس عن أهل البيت (عليهم السلام)، وإبعادهم عنهم.. ولعل هذا الرأي لا يعدم بعض الشواهد التاريخية، التي تؤيده، وتدعمه.
(104) المحاسن والمساوي ص 150.
(105) كتاب بغداد ص 51.
(106) القوي خ ل.
(107) المحاسن والمساوي، طبع دار صادر ص 68، وطبع مصر ج 1 / 105.
(108) كتاب بغداد ص 7.
(109) غاية الاختصار ص 68.
(110) أعيان الشيعة ج 4 قسم 2 ص 113، والبحار ج 49 / 137، وعيون أخبار الرضا ج 2 / 151، ومسند الإمام الرضا ج 1 / 75.
(111) التنبيه والإشراف ص 303، والولاة والقضاة للكندي ص 168.
(112) الإمام الرضا ولي عهد المأمون ص 62 عن ابن الأثير.
(113) التربية الدينية ص 100.
(114) راجع مروج الذهب ج 3 / 441، وغيره من كتب التاريخ. وفي الطبري ج 11 / 1103، طبع ليدن، والبداية والنهاية ج 10 / 269: أنه (عليه السلام) لم يدخل بها إلا في سنة 215 للهجرة، ولكن يظهر من اليعقوبي ج 2 / 454 ط صادر: أنه زوج الجواد ابنته بعد وصوله إلى بغداد، وأمر له بألفي ألف درهم، وقال: إني أحببت أن أكون جداً لامرئ ولده رسول الله، وعلي بن أبي طالب، فلم تلد منه انتهى. وهذا يدل على أنه قد بادر إلى تزويج الجواد بعد قتل أبيه الرضا (عليه السلام) ليبرئ نفسه من الاتهام بقتل الرضا (عليه السلام)، حيث إن الناس كانوا مقتنعين تقريباً بذلك ومطمئنين إليه، وسيأتي في أواخر الكتاب البحث عن ظروف وملابسات وفاته (عليه السلام) ويلاحظ: أن كلمة المأمون هذه تشبه إلى حد بعيد كلمة عمر بن الخطاب حينما أراد أن يبرر إصراره غير الطبيعي على الزواج بأم كلثوم بنت علي (عليه السلام) حتى لقد استعمل أسلوباً غير مألوف في التهديد والوعيد من أجل الوصول إلى ما يريد.
(115) ولعله قد استفاد ذلك من سلفه معاوية، وما جرى له مع الإمام الحسن السبط (عليه السلام)
(116) وقد سبقه إلى مثل ذلك سليمان عم الرشيد، عندما أرسل غلمانه، فأخذوا جنازة الكاظم (عليه السلام) من غلمان الرشيد، وطردوهم. ثم نادوا عليه بذلك النداء المعروف، اللائق بشأنه، فمدحه الرشيد، واعتذر إليه، ولام نفسه، حيث لم يأخذ في اعتباره ما يترتب على ما أقدم عليه من ردة فعل لدى الشيعة، ومحبي أهل البيت (عليهم السلام)، والذين قد لا يكون للرشيد القدرة على مواجهتهم. وتبعه أيضاً المتوكل، حيث جاء بالإمام الهادي (عليه السلام) إلى سامراء، فكان يكرمه في ظاهر الحال، ويبغي له الغوائل في باطن الأمر، فلم يقدره الله عليه.. على ما صرح به ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة ص 226، والمجلسي في البحار ج 50 / 203، والمفيد في الإرشاد ص 314.
(117) سنتكلم في القسم الرابع من هذا الكتاب، حول تصريحات المأمون، وخططه بنوع من التفصيل إن شاء الله تعالى.
(118) مقاتل الطالبيين ص 629.
(119) تاريخ التمدن الإسلامي ج 5 جلد 2 ص 549، نقلاً عن: العقد الفريد ج 1 / 148.
(120) تاريخ التمدن الإسلامي ج 4 جلد 2 ص 441، نقلاً عن: المسعودي ج 2 / 225، وطبقات الأطباء ج 1 / 171.
(121) البحار ج 49 / 164، وعيون أخبار الرضا ج 2 / 178.
(122) البحار ج 49 / 139، ومسند الإمام الرضا ج 1 / 77، 78، وعيون أخبار الرضا ج 2 / 153.
(123) شرح ميمية أبي فراس ص 204، والبحار ج 49 / 290، وعيون أخبار الرضا ج 2 / 239.
(124) كشف الغمة ج 3 / 92، ومسند الإمام الرضا ج 1 / 187، وعيون أخبار الرضا ج 2 / 219.
(125) رجال المامقاني ج 1 / 79، وعيون أخبار الرضا ج 2 / 212.
(126) بصائر الدرجات ص 246، ومسند الإمام الرضا ج 1 / 155.
(127) هذه القضية معروفة ومشهورة، فراجع: الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص 246، 247، ومطالب السؤول، لمحمد بن طلحة الشافعي، طبعة حجرية ص 85، وإثبات الوصية للمسعودي ص 205، ومعادن الحكمة ص، 180، 181، ونور الأبصار ص 143، وشرح ميمية أبي فراس ص 165، وإعلام الورى ص 322، 323، وروضة الواعظين ج 1 / 271، 272، وأصول الكافي ج 1 / 489، 490، والبحار ج 49 / 135، 136، 171، 172، وعيون أخبار الرضا، وإرشاد المفيد، وأعيان الشيعة، وكشف الغمة، وغير ذلك.
ولسوف يأتي فصل: خطة الإمام، وغيره من الفصول، ما يتعلق بذلك إن شاء الله تعالى.
(128) الصلة بين التصوف والتشيع ص 223، 224.. ونحن لا نوافق الدكتور الشيبي على أنه كان يريد التقوي بذلك على العباسيين، كما اتضح، وسيتضح إن شاء الله.
(129) المصدر السابق ص 214.
(130) المصدر السابق ص 256.
(131) مطالب السؤول ص 84، 85. وقريب منه ما في: الإتحاف بحب الأشراف ص 58.
(132) ديوان ابن المعتز ص 300، 301، والأدب في ظل التشيع ص 206.
(133) العقد الفريد ج 3 / 392، طبع مصطفى محمد بمصر سنة 1935 و «ما» في البيت زائدة.. ولا يخفى ما في البيت، وقد أثبتناه، كما وجدناه.
(134) راجع البداية والنهاية ج 10 / 248، وغيره من كتب التاريخ. وزاد أحمد شلبي في كتابه: التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية ج 3 / 105 ـ زاد على ذلك: المدائن أيضاً.
(135) راجع: الكامل لابن الأثير ج 5 / 190، والبداية والنهاية ج 10 / 248، وغير ذلك.
(136) راجع كتاب: ضيافة الإخوان مخطوط في مكتبة المدرسة الفيضية في قم، في ترجمة أبي عبد الله القزويني، وعلي بن مهرويه القزويني.
(137) التدوين قسم 2 ورقة 235 مخطوط في مكتبة دار التبليغ الإسلامي في قم، ترجمة علي الرضا..
(138) تاريخ الحكماء ص 221، 222.
(139) البداية والنهاية ج 10 / 147، وغيره من كتب التاريخ، فراجع فصل: مصدر الخطر على العباسيين.
(140) الإتحاف بحب الأشراف ص 112.
(141) الطبري ج 10 / 486، والكامل لابن الأثير ج 5 / 60، ومرآة الجنان ج 1 / 418.
(142) الكامل لابن الأثير ج 5 / 66، 67.
(143) الطبري ج 10 / 508، طبع ليدن، والوزراء والكتاب للجهشياري ص 158، والكامل لابن الأثير ج 5 / 66.
(144) الطبري، طبع ليدن ج 10 / 486.
(145) الفهرست لابن النديم ص 253.
(146) مقاتل الطالبيين ص 377، وغيرها من الصفحات، وغيرها من الكتب. ويرى بعض أهل التحقيق: أن المقصود هو جميع أصحاب الحديث في الكوفة. ولكن الظاهر أن المراد: الجميع مطلقاً، كما يظهر من مراجعة مقاتل الطالبيين وغيره.
والأمر الذي تجدر الإشارة إليه هنا: هو أن فرقة من الزيدية، وفرقة من أصحاب الحديث، قد قالوا بالإمامة على النحو الذي يقول به الشيعة الإمامية، عندما جعل المأمون «الرضا» (عليه السلام) ولياً لعهده. لكنهم بعد وفاة الرضا (عليه السلام) رجعوا عن ذلك: قال النوبختي في فرق الشيعة ص 86:
«.. وفرقة منهم تسمى «المحدثة» كانوا من أهل الإرجاء، وأصحاب الحديث، فدخلوا في القول بإمامة موسى بن جعفر، وبعده بإمامة علي بن موسى، وصاروا شيعة، رغبة في الدنيا وتصنعاً. فلما توفي علي بن موسى (عليه السلام) رجعوا إلى ما كانوا عليه.
وفرقة كانت من الزيدية الأقوياء، والبصراء، فدخلوا في إمامة علي بن موسى (عليه السلام)، عندما أظهر المأمون فضله، وعقد بيعته، تصنعاً للدنيا، واستكانوا الناس بذلك دهراً. فلما توفي علي بن موسى (عليه السلام) رجعوا إلى قومهم من الزيدية.» وقد تقدم قول الشيبي: إنه قد التف حول الرضا (عليه السلام) «المرجئة، وأهل الحديث، والزيدية، ثم عادوا إلى مذاهبهم بعد موته..» وغير ذلك. والذي نريد أن نقوله هنا هو: أن «الإرجاء دين الملوك» على حد تعبير المأمون [على ما نقله عنه في ضحى الإسلام ج 3 / 326]، نقلاً عن طيفور في تاريخ بغداد.
وفي البداية والنهاية ج 10 / 276: أن المأمون قال للنضر بن شميل: ما الإرجاء؟. قال: «دين يوافق الملوك، يصيبون به من دنياهم، وينقصون به من دينهم» قال: صدقت الخ. وليراجع كتاب بغداد ص 51، وعمدة القول بالإرجاء [القديم] هو: المغالاة في الشيخين، والتوقف في الصهرين، فالإرجاء والتشيع، وخصوصاً القول بإمامة موسى بن جعفر، وولده علي الرضا على طرفي نقيض ومن هنا كانت المساجلة الشعرية بين المأمون المظهر لحب علي وولده، وابن شكلة المرجي، يقول المأمون معرضا بابن شكلة:
إذا المرجي سرك أن تـرا***هيموت لحينه من قبل موته
فجدد عنده ذكرى علـــي***وصل على النبي وآل بيته
أما ابن شكلة فيقول معرضاً بالمأمون:
إذا الشيعي جمجم في مقال***فسرك أن يبوح بذات نفسه
فصل على النبي وصاحبيه***وزيريه وجاريه برمســه
راجع: مروج الذهب ج 3 / 417، والكنى والألقاب ج 1 / 331، وبعد هذا. فإنه لمن غرائب الأمور حقاً، الانتقال دفعة واحدة من القول بالإرجاء إلى التشيع، بل إلى الرفض [وهو الغلو في التشيع حسب مصطلحهم، والذي يتمثل بالقول بإمامة الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام)] وأغرب من ذلك العودة إلى الإرجاء بعد موت علي الرضا (عليه السلام).
وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على مدى تأثير السياسة والمال في هؤلاء الذين أخذوا على عاتقهم ـ بادعائهم ـ مسؤولية الحفاظ على الدين والذود عن العقيدة، فإنهم كانوا في غاية الانحطاط الديني، يتلونون ـ طمعاً بالمال والشهرة ـ ألواناً، حتى إن ذلك يحملهم على القول بعقيدة، ثم القول بضدها، ثم الرجوع إلى المقالة الأولى، إذا رأوا أن الحاكم يرغب في ذلك، ويميل إليه، ولهذا أسموا ب‍ «الحشوية» يعني: أتباع وحشو الملوك، وأذناب كل من غلب، ويقال لهم أيضاً [وهم في الحقيقة أهل الحديث]: «الحشوية، والنابتة، والغثاء، والغثر» على ما في كتاب: تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة ص 80.
وراجع أيضاً فرق الشيعة، ورسالة الجاحظ في بني أمية، وغير ذلك.
بل لقد أطلق عليهم المأمون نفسه لفظ «الحشوية» في مناقشته المشهورة للفقهاء والعلماء المذكور في العقد الفريد والبحار، وعيون أخبار الرضا وغير ذلك. وقال عنهم الزمخشري في مقام استعراضه للمذاهب والنحل، ومعتنقيها:
وإن قلت من أهل الحديث وحزبه***يقولون تيس ليس يدري ويفهم
ويقابل كلمة «الحشوية» كلمة «الرافضة» التي شاع إطلاقها على الشيعة الإمامية.
ومعناها في الأصل: جند تركوا قائدهم. فحيث إن الشيعة لم يكونوا قائلين بإمامة أولئك المتغلبين، سموهم ب‍ «الرافضة» ولذا جاء في تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 161: أن معاوية كتب إلى عمرو بن العاص:
«أما بعد. فإنه قد كان من أمر علي وطلحة والزبير ما قد بلغك، فقد سقط إلينا مروان في رافضة أهل البصرة الخ..». ومثل ذلك ما في وقعة صفين لنصر بن مزاحم ص 34، فالمراد بكلمة رافضة هنا هو ذلك المعنى اللغوي الذي أشرنا إليه، فسمي الشيعة بالرافضة، لأنهم ـ كما قلنا ـ رفضوا الانقياد لأولئك الحكام المتغلبين.
يقول السيد الحميري على ما جاء في ديوانه وغيره ـ يهجو البعض:
أبوك ابن سارق عنز النبـي***وأمك بنت أبي جحـــدر
ونحن على رغمك الرافضون***لأهل الضلالة والمنكـــر
ولكن قد جاء في الطبري، مطبعة الاستقامة ج 6 ص 498، والبداية والنهاية ج 9 ص 330، ومقدمة ابن خلدون ص 198، ومقالات الإسلاميين ج 1 ص 130، وغاية الاختصار ص 134: أن سبب تسمية الشيعة ب‍ «الرافضة» هو أنهم عندما تركوا نصرة زيد بن علي في سنة 122 ه‍. قال لهم زيد: رفضتموني، رفضكم الله، وهذا كذب راج على بعض الشيعة أيضاً حيث ذكروا وذكر الطبري في نفس الصفحة المشار إليها آنفاً: أن التسمية كانت من المغيرة بن سعيد، لما رفضته الشيعة.. وكانت قضيته سنة 119 ه‍.
ولكن الحقيقة هي أن التسمية بالرافضة كانت قبل سنتي 122 ه‍ و 119 ه‍. فقد جاء في المحاسن للبرقي ص 119 طبع النجف، باب الرافضة: أن الشيعة كانوا يشكون إلى الباقر المتوفى سنة 114 أن الولاة قد استحلوا دماءهم وأموالهم باسم: «الرافضة» الخ.
وجاء في ميزان الاعتدال طبع سنة 1963 م. ج 2 ص 584 بعد ذكره لإسناد طويل أن الشعبي المتوفى سنة 104 ه‍. قال لأحدهم: «ائتني بشيعي صغير، أخرج لك منه رافضياً كبيراً».
وفي كتاب: روض الأخبار المنتخب من ربيع الأبرار ص 40، أن الشعبي قال: «أحبب آل محمد ولا تكن رافضياً، وأثبت وعيد الله، ولا تكن مرجئياً.». بل لدينا ما يدل على أن تسمية الشيعة ب‍ «الرافضة» كان قبل سنة المئة، فقد جاء في المحاسن والمساوي للبيهقي ص 212، طبع دار صادر وأمالي السيد المرتضى ج 1 ص 68 هامش: أن لما أنشد الفرزدق أبياته المشهورة في الإمام زين العابدين، المتوفى سنة 95 ه‍ قال عبد الملك بن مروان المتوفى سنة 86 ه‍ للفرزدق: «أرافضي أنت يا فرزدق؟!». وعلى كل حال: فإن ذلك كله قد كان قبل قضيتي زيد والمغيرة ابن سعيد بزمان بعيد.
(147) راجع: الفخري في الآداب السلطانية، ص 217، وضحى الإسلام ج 3 ص 294، والبداية والنهاية ج 10 ص 247، والطبري، وابن الأثير، والقلقشندي وأبو الفرج. والمفيد وكل من تعرض من المؤرخين لولاية العهد. بل لقد صرح نفس المأمون بذلك في وثيقة ولاية العهد، وهذا يكفي في المقام.. ولقد قال دعبل:
أيا عجباً منهم يسمونك الرضا***ويلقاك منهم كلحة وغضون
وهناك نصوص أخرى مفادها: أنه سمي الرضا، لرضا أعدائه، وأوليائه به، وعزى الشيبي في كتابه: الصلة بين التصوف والتشيع ص 138: عزا رضا أعدائه به إلى قوة شخصيته (عليه السلام).. أما نحن فنقول: إنه ليس من اليسير أبداً، أن تنال شخصية رضا كل أحد، حتى أعدائها. اللهم إلا إذا كان هناك سر إلهي، اختصت به تلك الشخصية، دون غيرها من سائر بني الإنسان..
(148) راجع: الوافي للفيض ج 1 ص 143، باب: الناصب ومجالسته.
هذا. ولا يمنع ذلك ما ورد عنهم (عليهم السلام) من أن خروج الزيدية وغيرهم على الحكام يدرؤا به عنهم، وعن شيعتهم: فقد جاء في السرائر قسم المستطرفات ص 476 أنه: «ذكر بين يدي أبي عبد الله من خرج من آل محمد (صلى الله عليه وآله)، فقال (عليه السلام): لا أزال أنا وشيعتي بخير ما خرج الخارجي من آل محمد إلخ..» وذلك لأن اصطدامهم مع الحكام كان يصرف أنظار الحكام إليهم، ويفسح المجال أمام أهل البيت وشيعتهم إلى حد ما. ولم يكن هناك مجال لاتهام الأئمة وشيعتهم بالتواطؤ معهم، مع ما كان يراه الحكام من عدم الانسجام الظاهر بين الأئمة وبين الزيدية، وغيرهم من الثائرين وسلبية كل فريق منهما تجاه الآخر..
وأخيراً.. فلا بد لنا هنا من الإشارة إلى أن ثورات العلويين، سواء على الحكم الأموي، أو الحكم العباسي، قد ساهمت في أن يبقى حق العلويين في الحكم متحفظاً بقوته وحيويته في ضمير الأمة، ووجدانها. ولم تؤثر عليه حملات القمع والتضليل، التي كان الحكم القائم آنذاك يمارسها ضدهم، وضد هذا الحق الثابت لأهل البيت (عليهم السلام) بالنص.
(149) راجع: مروج الذهب ج 3 ص 354، 355، وغيره من المصادر.
(150) الصواعق المحرقة ص 121، وينابيع المودة للحنفي ص 332، 361، ومقاتل الطالبيين ص 255، 256، 270، وغير ذلك.. وفي هذا الأخير: أن عبد الله ابن الحسن لم يرض باستدعاء الإمام، ولا وافق عليه، عندما أرادوا البيعة لولده محمد، وبعد أن أقنعوه، وحضر الإمام، جرى بينهما ما جرى.
(151) قاموس الرجال ج 7 ص 270.
(152) قاموس الرجال ج 7 ص 270، و ج 8 ص 242، 243 والبحار ج 47 ص 284، 258.
(153) هو الدكتور كامل مصطفى الشيبي في كتابه: الصلاة بين التصوف والتشيع ص 219.
(154) لقد صرح الذهبي في الجزء الأول من كتابه «العبر» بأنه في سنة 200 ه‍. استوثقت الممالك للمأمون. وهذه هي نفس السنة التي أتي فيها بالإمام (عليه السلام) من المدينة إلى مرو.. ولكن اليافعي في مرآة الجنان ج 2 ص 8: قد جعل ذلك في سنة 203: أي في السنة التي تخلص فيها المأمون من الإمام الرضا (عليه السلام) بواسطة السم الذي دسه إليه.. وفي اليعقوبي ج 2 ص 452 طبع صادر: أنه في السنة التي غادر فيها المأمون خراسان: «لم تبق ناحية من نواحي خراسان يخاف خلافها».
(155) ولكنا، مع ذلك نجد: أن قسما من أصحاب الرضا (عليه السلام)، ممن كانوا يراقبون الأحداث بوعي ودراية، كانوا يدركون نوايا المأمون وأهدافه هذه ففي البحار ج 49 ص 290، وعيون أخبار الرضا ج 2 ص 239: أنه قد سئل أبو الصلت: «كيف طابت نفس المأمون بقتل الرضا مع إكرامه ومحبته له، وما جعل له من ولاية العهد بعده؟! فقال: إن المأمون كان يكرمه ويحبه لمعرفته بفضله، وجعل له ولاية العهد من بعده، ليري الناس أنه راغب في الدنيا، فلما لم يظهر منه إلا ما ازداد به فضلاً عندهم، ومحلاً في نفوسهم، جلب عليه إلخ.».
(156) علل الشرايع ص 238، والبحار ج 49 ص 130، وأمالي الصدوق ص 44، 45.
(158) تاريخ التمدن الإسلامي ج 4 ص 261.
(159) راجع: الدرة النجفية ص 303، طبعة حجرية.
(160) ترجمة الإمام علي (عليه السلام) من تاريخ ابن عساكر بتحقيق المحمودي ج 3 ص 58 ـ 60/ مقاتل الطالبيين للأصفهاني ص 628، إلى ص 631، وسنورد الرسالة في أواخر هذا الكتاب إن شاء الله.
(161) الولاة والقضاة للكندي ص 170.
(162) الكامل لابن الأثير، طبع دار الكتاب العربي ج 5 ص 204.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page