• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

رسالة المأمون إلى العباسيين

رسالة المأمون إلى العباسيين
مصادر الكتاب:

هذا الكتاب مذكور في طرائف ابن طاووس، الترجمة الفارسية من ص 131، إلى ص 135، نقلاً عن كتاب نديم الفريد، لابن مسكويه، صاحب كتاب حوادث الإسلام.. وفي البحار للعلامة المجلسي ج 49 من ص 208 إلى ص 214، وفي قاموس الرجال ج 10 ص 356، إلى 360، وفي ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 484، 485 مختصراً، ونقل في الغدير ج 1 ص 212 قسما منه عن عبقات الأنوار للهندي ج 1 ص 147، وأشار إليه غير واحد من المؤلفين.
نص الكتاب:
كتب العباسيون كتاباً إلى المأمون، وطلبوا منه الإجابة عليه، فأجابهم بما يلي:
بسم الله الرحمن الرحيم
«والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد. على رغم أنف الراغمين..
أما بعد:
عرف المأمون كتابكم، وتدبير أمركم. ومخض زبدتكم. وأشرف على قلوب صغيركم وكبيركم، وعرفكم مقبلين ومدبرين، وما آل إليه كتابكم قبل كتابكم. في مراوضة الباطل، وصرف وجوه الحق عن مواضعها، ونبذكم كتاب الله والآثار، وكلما جاءكم به الصادق محمد (عليه السلام)، حتى كأنكم من الأمم السالفة، التي هلكت بالخسفة، والغرق، والريح، والصيحة، والصواعق، والرجم..
أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها؟. والذي هو أقرب إلى المأمون من حبل الوريد، لولا أن يقول قائل: إن المأمون ترك الجواب عجزا لما أجبتكم، من سوء أخلاقكم، وقلة أخطاركم. وركاكة عقولكم، ومن سخافة ما تأوون إليه من آرائكم، فليستمع مستمع، فليبلغ شاهد غائباً..
أما بعد:
فإن الله تعالى بعث محمداً على فترة من الرسل، وقريش في أنفسها، وأموالها، لا يرون أحداً يساميهم، ولا يباريهم، فكان نبينا (صلى الله عليه وآله) أميناً من أوسطهم بيتاً، وأقلهم مالاً، فكان أول من آمن به خديجة بنت خويلد، فواسته بمالها. ثم آمن به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب سبع سنين، لم يشرك بالله شيئاً طرفة عين، ولم يعبد وثناً، ولم يأكل رباً، ولم يشاكل الجاهلية في جهالاتهم، وكانت عمومة رسول الله إما مسلم مهين، أو كافر معاند، إلا حمزة فإنه لم يمتنع من الإسلام، ولا يمتنع الإسلام منه، فمضى لسبيله على بينة من ربه.
وأما أبو طالب: فإنه كفله ورباه، ولم يزل مدافعاً عنه، ومانعاً منه، فلما قبض الله أبا طالب، فهم القوم، وأجمعوا عليه ليقتلوه، فهاجر إلى القوم الذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم. يحبون من هاجر إليهم. ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا، ويؤثرون على أنفسهم، ولو كان بهم خصاصة، ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون.
فلم يقم مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحد من المهاجرين كقيام علي بن أبي طالب (عليه السلام): فإنه آزره ووقاه بنفسه، ونام في مضجعه. ثم لم يزل بعد مستمسكاً بأطراف الثغور، وينازل الأبطال، ولا ينكل عن قرن، ولا يولي عن جيش، منيع القلب، يؤمر على الجميع، ولا يؤمر عليه أحد. أشد الناس وطأة على المشركين، وأعظمهم جهاداً في الله، وأفقههم في دين الله، وأقرأهم لكتاب الله، وأعرفهم بالحلال والحرام.
وهو صاحب الولاية في حديث «غدير خم» وصاحب قوله: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي» وصاحب يوم الطائف، وكان أحب الخلق إلى الله تعالى، وإلى رسول الله (صلى الله عليه وآله). وصاحب الباب، فتح له، وسد أبواب المسجد. وهو صاحب الراية يوم خبير. وصاحب عمرو بن عبد ود في المبارزة. وأخو رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين آخى بين المسلمين.
وهو منيع جزيل. وهو صاحب آية: (ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً، ويتيماً، وأسيراً). وهو زوج فاطمة سيدة نساء العالمين، وسيدة نساء أهل الجنة، وهو ختن خديجة (عليه السلام). وهو ابن عم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، رباه وكفله. وهو ابن أبي طالب في نصرته وجهاده. وهو نفس رسول الله (صلى الله عليه وآله) في يوم المباهلة.
وهو الذي لم يكن أبو بكر وعمر ينفذان أمراً حتى يسألانه عنه، فما رأى إنفاذه أنفذاه، وما لم يراه رداه. وهو دخل من بني هاشم في الشورى، ولعمري لو قدر أصحابه على دفعه(1) عنه (عليه السلام)، كما دفع العباس رضوان الله عليه، ووجدوا إلى ذلك سبيلاً لدفعوه.
فأما تقديمكم العباس عليه، فإن الله تعالى يقول: (أجعلتم سقاية الحاج، وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر، وجاهد في سبيل الله، لا يستوون عند الله).
والله، لو كان ما في أمير المؤمنين من المناقب والفضائل، والآي المفسرة في القرآن خلة واحدة في رجل من رجالكم. أو غيره، لكان مستأهلاً متأهلاً للخلافة، مقدماً على أصحاب رسول الله بتلك الخلة.
ثم لم يزل الأمور تتراقى به إلى أن ولي أمور المسلمين، فلم يعن بأحد من بني هاشم إلا بعبد الله بن عباس، تعظيماً لحقه، ووصلة لرحمه، وثقة به، فكان من أمره الذي يغفر الله له..
ثم.. نحن وهم يد واحدة ـ كما زعمتم ـ حتى قضى الله تعالى بالأمر إلينا، فأخفناهم. وضيقنا عليهم، وقتلناهم أكثر من قتل بني أمية إياهم.. ويحكم، إن بني أمية إنما قتلوا من سل منهم سيفاً، وإنا معشر بني العباس قتلناهم جملاً، فلتسألن أعظم الهاشمية بأي ذنب قتلت، ولتسألن نفوس ألقيت في دجلة والفرات، ونفوس دفنت بغداد والكوفة أحياء، هيهات، إنه من يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره..
وأما ما وصفتم في أمر المخلوع، وما كان فيه من لبس، فلعمري ما لبس عليه أحد غيركم، إذ هونتم عليه النكث، وزينتم له الغدر، وقلتم له: ما عسى أن يكون من أمر أخيك، وهو رجل مغرب، ومعك الأموال والرجال، نبعث إليه، فيؤتى به، فكذبتم، ودبرتم، ونسيتم قول الله تعالى: (ومن بغي عليه لينصرنه الله..).
وأما ما ذكرتم: من استبصار المأمون في البيعة لأبي الحسن الرضا (عليه السلام)، فما بايع له المأمون إلا مستبصرا في أمره، عالما بأنه لم يبق أحد على ظهرها أبين فضلاً، ولا أظهر عفة، ولا أورع ورعاً، ولا أزهد زهداً في الدنيا، ولا أطلق نفساً، ولا أرضى في الخاصة والعامة، ولا أشد في ذات الله منه. وإن البيعة له لموافقة رضا الرب عز وجل. ولقد جهدت وما أجد في الله لومة لائم.
ولعمري، لو كانت بيعتي بيعة محاباة، لكان العباس ابني، وسائر ولدي أحب إلى قلبي، وأجلى في عيني، ولكن أردت أمراً، وأراد الله أمراً، فلم يسبق أمري أمر الله وأما ما ذكرتم: مما مسكم من الجفاء في ولايتي: فلعمري ما كان ذلك إلا منكم بمظافرتكم عليه، علي [خ د] وممايلتكم إياه، فلما قتلته وتفرقتم عباديد، فطوراً أتباعاً لابن أبي خالد، وطوراً أتباعاً لأعرابي، وطوراً أتباعاً لابن شكلة، ثم لكل من سل سيفاً علي، ولولا أن شيمتي العفو، وطبيعتي التجاوز ما تركت على وجهها منكم أحداً، فكلكم حلال الدم، محل بنفسه.
وأما ما سألتم: من البيعة للعباس ابني.. أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير؟! ويلكم، إن العباس غلام حدث السن، ولم يؤنس رشده، ولم يمهل وحده، ولم تحكمه التجارب. تدبره النساء، وتكفله الإماء، ثم.. لم يتفقه في الدين، ولم يعرف حلال من حرام، إلا معرفة لا تأتي به رعية، ولا تقوم به حجة، ولو كان مستأهلاً، قد أحكمته التجارب، وتفقه في الدين، وبلغ مبلغ أمير العدل في الزهد في الدنيا، وصرف النفس عنها.. ما كان له عندي في الخلافة، إلا ما كان لرجل من عك وحمير، فلا تكثروا من هذا المقال، فإن لساني لم يزل مخزوناً عن أمور وأنباء، كراهية أن تخنث النفوس عندما تنكشف، علماً بأن الله بالغ أمره، ومظهر قضاه يوماً.
فإذ أبيتم إلا كشف الغطاء، وقشر العظاء، فالرشيد أخبرني عن آبائه، وعما وجده في كتاب الدولة، وغيرها: أن السابع من ولد العباس، ولا تقوم لبني العباس بعده قائمة، ولا تزال النعمة متعلقة عليهم بحياته، فإذا أودعت فودعها، فإذا أودع فودعاها، وإذا فقدتم شخصي، فاطلبوا لأنفسكم معقلاً، وهيهات، ما لكم إلا السيف، يأتيكم الحسني الثائر البائر، فيحصدكم حصداً، أو السفياني المرغم، والقائم المهدي لا يحقن دماءكم إلا بحقها.
وأما ما كنت أردته من البيعة لعلي بن موسى، بعد استحقاق منه لها في نفسه، واختيار مني له، فما كان ذلك مني إلا أن أكون الحاقن لدمائكم، والذائد عنكم، باستدامة المودة بيننا وبينهم. وهي الطريق أسلكها في إكرام آل أبي طالب، ومواساتهم في الفيئ بيسير ما يصيبهم منه.
وإن تزعموا: أني أردت أن يؤول إليهم عاقبة ومنفعة، فإني في تدبيركم، والنظر لكم ولعقبكم، وأنبائكم من بعدكم.. وأنتم ساهون، لاهون، تائهون، في غمرة تعمهون، لا تعلمون ما يراد بكم، وما أظللتم عليه من النقمة، وابتزاز النعمة. همة أحدكم أن يمسي مركوباً، ويصبح مخموراً تباهون بالمعاصي، وتبتهجون بها، وآلهتكم البرابط، مخنثون. مؤنثون لا يتفكر متفكر منكم في إصلاح معيشة، ولا استدامة نعمة، ولا اصطناع مكرمة، ولا كسب حسنة يمد بها عنقه، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
أضعتم الصلاة، واتبعتم الشهوات، وأكببتم على اللذات، فسوف تلقون غياً. وأيم الله، لربما أفكر في أمركم. فلا أجد أمة من الأمم استحقوا العذاب، حتى نزل بهم لخلة من الخلال، إلا أصيب تلك الخلة بعينها فيكم، مع خلال كثيرة، لم أكن أظن أن إبليس اهتدى إليها، ولا أمر بالعمل بها. وقد أخبر الله تعالى في كتابه العزيز عن قوم صالح: أنه كان فيهم تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون، فأيكم ليس معه تسعة وتسعون من المفسدين في الأرض، قد اتخذتموهم شعاراً، ودثاراً، استخفافاً بالمعاد، وقلة يقين بالحساب، وأيكم له رأي يتبع، أو روية تنفع، فشاهت الوجوه، وعفرت الخدود.
وأما ما ذكرتم: من العثرة كانت في أبي الحسن (عليه السلام) نور الله وجهه، فلعمري، إنها عندي للنهضة والاستقلال الذي أرجو به قطع الصراط، والأمن والنجاة من الخوف يوم الفزع الأكبر. ولا أظن عملا هو عندي أفضل من ذلك، إلا أن أعود بمثلها إلى مثله، وأين لي بذلك، وأنى لكم بتلك السعادة.
وأما قولكم: إني سفهت آراء آبائكم، وأحلام أسلافكم، فكذلك قال مشركوا قريش: (إنا وجدنا آباءنا على أمة. وإنا على آثارهم مقتدون). ويلكم، إن الدين لا يؤخذ إلا من الأنبياء، فافقهوا، وما أراكم تعقلون.
وأما تعييركم إياي: بسياسة المجوس إياكم، فما أذهبكم الآنفة(2) من ذلك، ولو ساستكم القردة والخنازير، وما أردتم إلا أمير المؤمنين.
ولعمري، لقد كانوا مجوساً فأسلموا، كآبائنا، وأمهاتنا في القديم، فهم المجوس الذين أسلموا وأنتم المسلمون الذين ارتدوا، فمجوسي أسلم خير من مسلم ارتد، فهم يتناهون عن المنكر، ويأمرون بالمعروف، ويتقربون من الخير، ويتباعدون من الشر، ويذبون عن حرم المسلمين، يتباهجون بما نال الشرك وأهله من النكر، ويتباشرون بما نال الإسلام وأهله من الخير.. منهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلاً.
وليس منكم إلا لاعب بنفسه، مأفون في عقله وتدبيره: إما مغن، أو ضارب دف، أو زامر. والله، لو أن بني أمية الذين قتلتموهم بالأمس نشروا، فقيل لهم: لا تأنفوا من معائب تنالوهم بها، لما زادوا على ما صيرتموه لكم شعاراً ودثاراً، وصناعة وأخلاقاً..
ليس منكم إلا من إذا مسه الشر جزع، وإذا مسه الخير منع، ولا تأنفون، ولا ترجعون إلا خشية، وكيف يأنف من يبيت مركوباً، ويصبح بإثمه معجبا، كأنه قد اكتسب حمدا، غايته بطنه وفرجه، لا يبالي أن ينال شهوته بقتل ألف نبي مرسل، أو ملك مقرب، أحب الناس إليه من زين له معصية، أو أعانه في فاحشة، تنظفه المخمورة، وتربده المطمورة، فشتت الأحوال.. فإن ارتدعتم مما أنتم فيه من السيئات والفضائح. وما تهذرون به من عذاب ألسنتكم.. وإلا فدونكم تعلوا بالحديد..
ولا قوة إلا بالله، وعليه توكلي، وهو حسبي».
_________________________________________
(1) في الترجمة الفارسية هكذا: «على دفع علي (عليه السلام) عنها إلخ».
(2) الظاهر أن الصواب: «فما أذهبكم عن الآنفة».


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page