حكم و مواعظ من حياة الانبياء عليهم السلام
النبي نوح ( عليه السلام )
قال الله تعالى : « انا ارسلنا نوحا الى قومه ان انذر قومك من قبل ان ياتيهم عذاب اليم » (1).
تشير الاية المباركة الى ارسال نوح عليه السلام نبيا ومبلغا ومنذرا الى قومه ، كما تنذر القوم من وقوع عذاب اليم ياتيهم فيما اذا استمروا في طغيانهم وانحرافهم.
ومن الممكن ان يكون هذا العذاب الاليم هو عذاب الدنيا او عذاب الاخرة.
والانسب ان يكون الاثنان ، وان كانت القرائن في اخر ايات هذه السورة تشير الى ان هذا العذاب هو عذاب الدنيا.
والانبياء كانوا منذرين تارة ومبشرين اخرى.
نوح عليه السلام هذا النبي العظيم الذي هو من اولى العزم ، كان صاحب اول شريعة الهية ، وله دعوة عالمية ، جاء الى قومه بعد اصدار الامر الالهي وقال : « ... يا قومي اني اليكم نذير مبين » (2) وهدفي هو ان تعبدو الله الذي لا اله الا هو ، وتتركوا ما هو دونه ، واتقوا الله واطيعو امري الذي امر الله.
وفي الحقيقة ان نوح عليه السلام لخص مضمون دعوته في ثلاث جمل ، عبادة الله الواحد ، والحفاظ على التقوى ، وطاعة القوانين والاوامر التي جاء بها من عند الله ، والتي تمثل مجموعة من العقائد والاخلاق والاحكام.
والنقطة الاخرى التي يمكن الاستفادة منها في هذه الايات « يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم الى اجل مسمى ... » (3) اي : ان كنتم تؤمنون بالله وتتقوه يهب لكم عمرا طويلا ويؤخر موتكم ، لان الذنوب توجه ضربات مهولة وموجعة للجسم والروح وتسبب الامراض والهلاك الروحي والجسمي.
وفي رواية عن الامام الصادق عليه السلام قال : « من يموت بالذنوب اكثر ممن يموت بالاجال ، ومن يعيش بالاحسان اكثر ممن يعيش بالاعمار » (4).
اولو العزم
روى الخاصة وبعض العامة ان اولي العزم خمسة وهم : نوح وابراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليهم اجمعين ، وذلك عن الامام الصادق عليه السلام حيث قال : « ... اولو العزم من الرسل خمسة نوح ، وابراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد صلى الله عليه واله وسلم » (5).
وروي عن الامام علي بن الحسين عليه السلام في معنى اولى العزم قال : اولو العزم خمسة وهم : نوح وابراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه واله وسلم.
وقيل له عليه السلام : مامعنى اولو العزم ؟ قال : بعثوا الى شرق الارض وغربها ، جنها وانسها. (6)
بعث الله تبارك وتعالى الانبياء والرسل الى الناس كافة مبشرين ومنذرين ، واختص كل نبي بقومه وملته التي كان يعيش بين ظهرانيها ، واختص الله منهم هؤلاء الخمسة لكل العالم وسماهم اولو العزم ، وانزل معهم الكتب السماوية والاحكام الالهية.
وكذلك روي عن الامام الرضا عليه السلام قال : انما سمي اولو العزم باولي العزم ، لانهم كانوا اصحاب العزائم والشرائع ، وذلك ان كل نبي كان بعد نوح عليه السلام كان على شريعته ومنهاجه وتابعا لكتابه الى زمن ابراهيم الخليل عليه السلام ، وكل نبي كان في ايام ابراهيم عليه السلام وبعده كان على شريعة ابراهيم ومنهاجه وتابعا لكتابه الى زمن موسى عليه السلام وهكذا الى زمن محمد صلى الله عليه واله وسلم والذي هو خاتم الانبياء.
فهؤلاء الخمسة اولى العزم وهم افضل الانبياء والرسل عليهم السلام وافضلهم محمد صلى الله عليه واله وسلم وشريعته التي لا تنسخ الى يوم القيامة ، ولا نبي بعده الى يوم القيامة ، فمن ادعى بعده نبوة او اتى بعد القران بكتاب فدمه مباح لكل من سمع ذلك منه (7).
وان الانبياء عليهم السلام بعثوا على قسمين : عامة وخاصة ، مثلا نرى نوح عليه السلام بعه الله الى الناس عامة ولكل من في الارض من الجن والانس ، بينما نرى النبي هود عليه السلام فانه ارسل الى عاد بنبوة خاصة ، وكذلك صالح ارسل الى ثمود ، وشعيب ارسل الى مدين وهي لا تزيد على اربعين بيتا ، وهكذا الى ان ارسل محمد صلى الله عليه واله وسلم خاتم الانبياء برسالة عامة الى الجن والانس ، وكان من بعده الاوصياء الاثنا عشر عليهم السلام ، وذلك لان الارض لا تخلو من حجة من نبي مرسل او وصي نبي.
فبشرت الانبياء بنبوة محمد صلى الله عليه واله وسلم بعضهم بعضا ، كما بشر نوح ابراهيم وابراهيم وموسى فبشر موسى وعيسى بنبوة محمد صلى الله عليهم اجمعين ، فلما قضى محمد صلى الله عليه واله وسلم نبوته واستكمل ايامه اوصى الله تبارك وتعالى اليه : ان يا محمد قد قضيت نبوتك ، واستكملت ايامك ، فاجعل العلم الذي عندك والايمان والاسم الاكبر وميراث العلم واثار علم النبوة ، عند علي بن ابي طالب عليه السلام ... وذلك قوله تعالى : « ان الله اصطفى ادم ونوحا وءال ابراهيم وءال عمران على العالمين ، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم » (8).
كتب الانبياء
نقل عن ابي ذر رضي الله عنه انه سأل النبي صلى الله عليه واله وسلم عن عدد الانبياء فأجابه النبي : بان عددهم يبلغ « 124000 مائة واربعا وعشرين الفا ».
وسال ابو ذر رضي الله عنه عن عدد الرسل من بين هؤلاء الانبياء ، فأجابه النبي صلى الله عليه واله وسلم بان عددهم « 313 » ثلاثمائة وثلاثة وعشر رسولا ، والباقون كلهم انبياء.
فسال ابو ذر مرة اخرى عن عدد الكتب السماوية التي نزلت على اولئك الانبياء والرسل ، فأجابه النبي صلى الله عليه واله وسلم بانها « مئة واربع كتب » ، نزل عشرة منها على ادم ، ونزل خمسون منها على شيث ، وثلاثون على ادريس ، وعشرة كتب على ابراهيم ، « حيث يصبح مجموعها مئة كتاب » ، والاربعة الاخرى هي : التوراة ، والانجيل والزبور ، والقران. (10)
علما ان الايات القرانية والروايات توضح لنا ان الكتب السماوية التي نزلت على الانبياء كانت على نوعين ، هما :
النوع الاول : الكتب التي اشتملت على الاحكام التشريعية ، حيث ان كل كتاب من هذه الكتب السماوية قد اعلن عن شريعة جديدة ، وان عددها خمسة فقط كما ذكر ، نزلت على خمسة انبياء هم اولوا العزم.
النوع الثاني : الكتب التي تحتوي على الحكم والنصائح والارشادات والوصايا وانواع الدعاء ، وكتاب « الزبور » الذي نزل على داود عليه السلام من هذا النوع الثاني من الكتب السماوية.
لم تسلم اكثر الكتب السماوية من التحريف في زماننا هذا الا القران الكريم سلم من التحريف ، وقد جمع كل الخصال والشرائع وهو خاتم الرسالات وجاء به خاتم الرسل والانبياء ، حفظه الله من التحريف في قوله تعالى : « انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون » (11).
_______________________________________________
1 ـ نوح : 1.
2 ـ نوح : 2.
3 ـ نوح : 4.
4 ـ سفينة البحار ج 1 ص 488.
5 ـ البحار : ج 11 ص 33.
6 ـ نفس المصدر.
7 ـ عيون اخبار الرضا : ص 234 عنه البحار : ج 11 ص 34.
9 ـ ال عمران : 33.
10 ـ تفسير الامثل : ج 3 ص 477.
11 ـ الحجر : 9.
