ولادته عليه السلام
قال تعالى : « نتلو عليك من نبأ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون ، ان فرعون علا في الارض وجعل اهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح ابناءهم ويستحيي نساءهم انه كان من المفسدين ، ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم ائمة ونجعلهم الوارثين ... » (1) الخ.
تشرح لنا هذه الآيات المباركة من آية 3 الى آية 35 من سورة القصص بشكل مفصل عن حياة موسى عليه السلام من حين ولادته الى حين وفاته ، ونحن نختصر بعض اهم ما حدث في حياة موسى عليه السلام.
بعدما استولى فرعون على الحكم وعلا في الارض ، وبغى وتجبر واستكبر ، اخذ يظلم قومه ويعذبهم ويقتلهم وجعلهم شيعا ، يكرم البعض ويقربهم ويذل الآخرين ويستضعفهم وكان حكمه في بني اسرائيل ، حيث اخذ ـ يذبح ابناءهم ويستحي نساءهم ـ ويقتل الاطفال ويبقر بطون الحوامل ، وكان سبب افعاله الاخيرة هذه هو :
« ان فرعون رأى في منامه ان نارا اقبلت من بيت المقدس حتى اشتملت على بيوت مصر فاحرقت القبط وتركت بني اسرائيل ، فجمع علماء قومه فسالهم تفسير منامه ، فقالوا له : يخرج من هذا البلد رجل يكون هلاك مصر على يده وهلاك فرعون.
فلما سمع فرعون بذلك قال : لاقتلن ذكور اولادهم حتى لا يكون ما يريدون ، وفرق بين النساء والرجال ، وحبس الرجال في المحابس وكلف جلاوزته ان يفتشوا النساء وكلما رأوا حامل يبقروا بطنها ويقتلوا وليدها اذا كان ذكرا ، كما كلف القوابل ان يفتشن النساء تفتيشا دقيقا ...
فلما حملت ام موسى بموسى عليه السلام لم يظهر حملها ، ولم ترتفع بطنها ولم يتغير لونها ولم يظهر لبنها ، فكانت القوابل لا يعرضن لها ، فلما وضعته عليه السلام نظرت اليه امه حزنت واغتمت وبكت وخافت عليه من الذبح ، فاوحى الله تعالى اليها ، ان ارضعيه ، فارضعته واشبعته ، بعد ذلك انزل الله على ام موسى التابوت « اي الصندوق » ونوديت ، ضعيه في التابوت فاقذفيه في اليم ، وهو البحر ، ولا تخافي ولا تحزني انا رادوه اليك.
وقيل : اخفته امه ثلاثة اشهر ترضعه في حجرها لا يبكي ولا يتحرك ، فلما خافت عليه عملت له تابوتا مطبقا ووضعته فيه ثم القته في البحر ليلا كما امرها الله تعالى.
كان لفرعون قصرا للنزهة على شط النيل ، وفي ذلك اليوم كان جالسا مع زوجته آسية على ضفاف النيل واذا به ينظر الى سواد من بعيد في النيل ترفعه الامواج وتضربه الرياح حتى جاء الى باب القصر ، فامر فرعون باخذه فاخذ التابوت ورفع اليه فلما فتحه وجد فيه صبيا جميلا ، فقال : هذا اسرائيلي ، فالقى الله في قلب فرعون وزوجته آسية محبة شديدة ، ولكن تذكر فرعون المنام واراد ان يقتله ، فقالت آسية : لا تقتلوه عسى ان ينفعنا او نتخذه ولدا ، وهم لا يشعرون انه موسى ، ولم يكن لفرعون ولد ، فوافق فرعون وعفى عنه وقال : التمسوا له مرضعة ترضعه وتربيه ، فجاءوا بعدة نساء فلم يشرب لبن احد من هذه النساء ، وذلك قوله تعالى : « وحرمنا عليه المراضع من قبل » (2).
لما بلغ ام موسى ان فرعون قد اخذه فحزنت عليه وبكت وكادت ان تموت حزنا ثم ضبطت نفسها وقالت لاخته ، « اخت موسى » اتبعيه « قصيه » فجاءت اخته اليه فابصرته ورات النساء حوله لا يقبل موسى باخذ ثدي احد من النساء وكان فرعون مغتما غما شديدا ، فدخلت اخت موسى قالت لهم : هل ادلكم على اهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون ، قالوا نعم : فجاءت بامه ، فلما اخذته في حجرها والقمته ثديها التقمه وشرب من لبنها ، ففرح فرعون واهله واكرموا امه واكرموها واتخذوها ربيبة لموسى وقالوا لها ربيه لنا ونعطيك ما تريدين « فرددناه الى امه كي تقر عينها ولا تحزن وليعلم ان وعد الله حق ولكن اكثرهم لا يعلمون » (3).
وكان فرعون يقتل اولاد بني اسرائيل كل ما يلدون ، ويربي موسى ويكرمه ، ولا يعلم ان هلاكه على يده.
فلما درج موسى واخذ يمشي كان يوما عند فرعون فعطس موسى فقال : « الحمد لله رب العالمين » فانكر فرعون ذلك عليه ولطمه وقال : ما هذا الذي تقول ؟ فوثب موسى على لحيته ، وكان فرعون طويل اللحية ـ فقلعها ، فهم فرعون يقتله ، فقالت امراته غلام حدث لا يدري ما يقول وما يصنع ، فقال فرعون : بل يدري فقالت له آسية : ضع بين يديه تمرا وجمرا ، فان ميز بينهما فهو الذي تقول ، فوضع بين يديه تمرا وجمرا وقال له كل ، فمد يده الى التمر فجاء جبرئيل فصرفها الى الجمرة فمسكها في يده واراد ان ياكلها فاحترقت يده وصرخ واخذ يبكي ويتالم ، فقالت آسية لفرعون : الم اقل لك انه لا يعقل ؟ فعفى عنه.
________________________________________
1 ـ القصص : من 3 الى 5.
2 ـ القصص : 12.
3 ـ القصص : 13.