دخول يوسف الى السجن :
واما يوسف فلم ينظر الى تلك الوجوه الحسان ولا التفت الى شيء من لطيف كلامهن ، ولم يلتفت الى ما كانت امرأة العزيز تسمعه من القول والتهديد ، وانما رجع الى ربه وتوجه نحوه تعالى ودعاه ان ينجيه منهن ومن مكرهن حتى لو ادى ذلك الى السجن وقال رافعا رأسه الى السماء مناجيا ربه : « قال رب السجن احب الي مما يدعونني اليه ».
رباه ... انني اتقبل السجن الموحش رعاية لامرك وحفظا لطهارة نفسي ، في هذا السجن تتحرر فيه روحي وتطهر نفسي.
وحيث ان وعد الله حق ، وانه يعين المجاهد لنفسه او لعدوه ، فانه لم يترك يوسف لوحده « فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن انه هو السميع العليم » (1).
انتهى المجلس العجيب لنسوة مصر مع يوسف في قصر العزيز والعزيزة ، ووصل الخبر الى سمع العزيز ، اتضح لهم ان يوسف لم يكن شابا عاديا ، بل كان طاهرا لدرجة لا يمكن لاي قوة ان تجره الى الانحراف والتلوث ومقاومته امام وساوس نسوة مصر ، واستعداده لدخول السجن وعدم الاستسلام لتهديدات العزيزة.
فكان الراي ان يُبعَد يوسف عن الانظار لينسى الناس اسمه وشخصه ، وفي نفس الوقت يحافظون على سمعتهم وصونا لاسرتهم من العار والهوان ، وليشيع بين الناس ان المذنب هو يوسف ، وفعلا ادخل يوسف السجن مؤقتا حتى تهدأ الامور وينسى الناس.
ومن جملة السجناء الذين دخلوا مع يوسف السجن فتيان يقال : انهما كانا عبدين من عبيد الملك.
بعد فترة من الزمن ويوسف جالس في السجن يعبد الله ، جاء هذا الفتيان الى يوسف وقال احدهما : اني رأيت فيما يرى النائم اعصر خمرا ، وقال الثاني : اني رأيت احمل فوق راسي خبزا تأكل الطير منه.
فاجابهما يوسف بعدما نصحهما وارشدهما الى توحيد الله ودعا لهما ، ثم التفت اليهما وقال : « يا صاحبي السجن اما احدكما فيسقي ربه خمرا واما الآخر فيصلب فتاكل الطير من رأسه ... ».
المراد هنا من ـ فيسقي ربه خمرا ـ بمعنى هذا الذي سوف يخرج من السجن ويطلق صراحه سوف يسقي الملك خمرا ويصبح ساقي للملك ، لذلك طلب منه يوسف ان يذكره عند الملك ليطلق سراحه في قوله تعالى : « اذكرني عند ربك » اي توسل يوسف بغير الله ، ولكن الغلام نسى وانساه الله ان يخبر الملك واصبح يوسف منسيا وضل في السجن ما يقارب سبع سنوات.
________________________________________
1 ـ يوسف : 34.