• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

مواعظ وحكم(الهدهد وبلقيس)

مواعظ وحكم
الهدهد وبلقيس :

يشير القرآن في هذا القسم من الآيات الى جانب آخر من حياة سليمان المدهشة ، وما جرى له مع الهدهد وبلقيس ملكة سبأ ، فيقول تعالى في كتابه المجيد :
« وتفقد الطير فقال ما لي لا ارى الهدهد ام كان من الغائبين » (1).
كان سليمان عليه السلام دائما يتحرى اوضاع مملكته لئلا يخفى عليه شيء ، حتى لو كان طائرا واحدا.
وكان سليمان عليه السلام عندما يتحرك او يجلس للاستراحة ، تظلل الطير بانواعها فوق رأسه فتكون مثل الخيمة وبينما هو كذلك في احد الايام ، اذ رفع رأسه ونظر الى الطيور فلم يرى الهدهد وعرف غيابه وقال : « ما لي لا ارى الهدهد ام كان من الغائبين » (2). اشارة الى انه هل الهدهد لم يحضر لعذر مقبول ام دون عذر موجه ؟.
فبعد فترة عاد الهدهد وتوجه نحو سليمان ، وعندما توجه نحوه احس بآثار الغضب في وجه سليمان ، ومن اجل ان يزيل ذلك الغضب ، اخبره بخبر مهم ، بحيث كان سليمان نفسه غير مطلع عليه برغم ما عنده من علم.
ولما سكن الغضب عن وجه سليمان ، اخبره الهدهد بالخبر وقال : ان غيابي لم يكن اعتباطا وعبطا ، بل جئتك بخبر يقين.
« ومما ينبغي الالتفات اليه ، ان جنود سليمان عليه السلام ـ حتى الطيور الممتثلة لاوامره ـ كانت عدالة سليمان قد اعطتهم الحرية والامن والدعة بحيث يكلمه الهدهد وغيره من الحيوانات ، دون خوف وبصراحة لا ستار عليها ».
فان الهدهد اخذ يفصل لسليمان ما حدث ، « فقال احطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين * اني وجدت امرأة تملكهم واوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم » (3).
ولما سمع سليمان كلام الهدهد طأطأ برأسه وغرق في تفكيره ، الا ان الهدهد لم يمهله طويلا فأخبره بخبر جديد ومزعج مريب ، اذ قال : « وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان اعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون » (4).
بعد ان اصغى سليمان الى كلام الهدهد بكل اهتمام ، وفكر مليا ، رفع رأسه ، وكتب كتابا وجيزا ذا مغزى عميق ، وسلمه الى الهدهد وقال له : « اذهب بكتابي هذا فالقه اليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون » (5).
ذهب الهدهد مسرعا الى قصر ملكة سبأ ، ودخل مخدعها والقى الكتاب اليها.
فتحت الكتاب واطلعت على مضمونه ، وحيث ان بلقيس كانت من قبل قد سمعت باخبار سليمان واسمه ، وكان الكتاب يدل على اقدامه وعزمه الشديد في شأن بلد سبأ ، وبعد ان فكرت مليا ، دعت من حولها من المستشارين والوزراء ، واخبرتهم بالكتاب ومضمونه وانه من سليمان ومختوم بخاتمه ، وطلبت منهم ان يحكموا بهذه المسألة المهمة والدقيقة وماذا يفعلون.
فالتفت اليها اشراف قومها وقالوا لها : « نحن اولو قوة واولو بأس شديد والامر اليك فانظري ماذا تأمرين » (6).
فقد اظهروا لها تسليمهم واذعانهم لاوامرها ، كما ابدوا رغبتهم في الاعتماد على القوة والحرب.
ولما رأت الملكة رغبتهم في الحرب ، مع انها لم ترغب في ذلك ولم تَمِل اليه في الباطن ، لذلك قالت لهم « ان الملوك اذا دخلوا قرية افسدوها وجعلوا اعزة اهلها اذلة وكذلك يفعلون » (7) فيقتلون جماعة منهم ويأسرون آخرين ويهجرونهم و ويُخرجونهم من ديارهم ويخربونها ، وذلك ان ملكة سبأ كانت هي بنفسها ملكة ايضا وتعرف الملوك بصورة جيدة ، حيث شأنهم الافساد والتخريب ، واذلال الاعزة.
ثم قالت للاشراف من قومها : علينا ان نختبر سليمان واصحابه ، لنعرف ماهم وما يريدون ؟ وهل سليمان نبي حقا او ملك ؟ وهل هو مصلح او مفسد ، وهل يريد العزة والكرامة للناس او الاذلال والحقارة ، فينبغي ان نرسل اليه هدايا غالية ، فاذا قبلها منا فانه ملك ، وينبغي ان نواجهه بالقوة ، واذا الح على كلامه ولم يقبل هديتنا ، فهو نبي ويجب ان نتعامل معه بحكمة وتعقل.
« يظهر من هذا ان الملوك كل تفكيرهم وانشداد قلوبهم الى الهدايا والجاه والمقام والذهب والمال ، ولا يفكرون الا في مصالحهم الشخصية ، ولا يفكرون في مصالح الامة ، في حين ان الانبياء والرسل لا يفكرون الا باصلاح اممهم وسعادتهم وتأمين مصالحهم المادية والمعنوية ».
توجه رُسُل ملكة سبأ بقافلة الهدايا نحو الشام ، وتركوا اليمن ورائهم قاصدين مقر سليمان في الشام ، ظنا منهم ان سليمان سيكون مسرورا بمشاهدته هذه الهدايا من المجوهرات والاموال والجواري والغلمان ... ويرحب بهم.
لكن لما وصلوا سليمان وواجهوه وجها لوجه ، حتى وقفوا مدهوشين امامه لعدم استقباله لهم بالشكل المطلوب فحسب بل قال : « اتمدونن بمال فما آتاني الله خير مما آتاكم بل انتم بهديتكم تفرحون » (8) فما قيمة المال ازاء مقام النبوة والعلم والهداية والتقوى ، بل انتم الذين تفرحون بالهدايا والزخارف الدنيوية الزائلة.
وبعد ذلك التفت الى رسول الملكة الذي جاء بالهدايا وقال له : « ارجع اليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها اذلة وهم صاغرون » (9) وهذا التهديد كان تهديدا جديا واخذه الرسول بعين الاعتبار.
واخيرا عاد رسل ملكة سبأ مع هداياهم الى ارضهم واخبروا الملكة بما شاهدوه وسمعوه ، كما بينوا عظمة ملك سليمان وجهاز حكومته ، ولم يكن كسائر الملوك ، بل هو مرسل من قبل الله ونبيا من انبياء الله العظام.
كما اتضح لهم جميعا انهم غير قادرين على مواجهته عسكريا ، لذلك قررت الملكة ان تأتي بنفسها مع اشراف قومها الى سليمان ، ويتفحصوا عن هذه المسألة ليعرفوا اي مبدأ يحمله سليمان ؟
فلما وصل الخبر وعلم سليمان بمجيء الملكة ، اراد ان يُظهر قدرته واعجازه لها من اجل ان يدعوهم الى الاسلام وعبادة الله فالتفت الى من حوله و « قال يا ايها الملأ ايكم يأتيني بعرشها قبل ان يأتوني مسلمين » (10).
وهنا اظهر شخصان استعدادهما لامتثال طلب سليمان عليه السلام ، وكان الاول عجيبا والثاني اعجب اذ « قال عفريت من الجن انا آتيك به قبل ان تقوم من مقامك واني عليه لقوي امين * قال الذي عنده علم من الكتاب انا آتيك به قبل ان يرتد اليك طرفك » (11).
فلا عجب من ذلك ، فان حياة الانبياء والائمة الاطهار عليهم السلام مملوءة بالعجائب والمعاجز الربانية.
واما الشخص الآخر الذي عنده علم من الكتاب هو « آصف بن برخيا » وزير سليمان وابن اخته ، الذي كان عارفا بالاسم الاعظم ، الاسم الذي يخضع له كل شيء ، ويمنح الانسان قدرة خارقة للعادة :
فلما نطق آصف بالاسم الاعظم انشقت الارض وظهر عرش بلقيس امام سليمان ومن كان معه جالسا ، فأمر سليمان ان يوجدوا تغييرات فيه ، من قبيل تبديل بعض علاماته ، من اجل ان يختبر عقل ملكة سبأ وذكائها ، هل تعرفه ام لا ؟
فلما جاءت الملكة قيل لها : « اهكذا عرشك قالت كأنه هو ... » (12). اجابت جوابا دقيقا ، لا انكار فيه ولا تصديق ـ كأنه هو ـ
وبعد ذلك التفتت الى سليمان وقالت له : اذا كان مرادك من هذا الاعجاز ـ او من هذه المعجزة ـ ان نؤمن بك ونصدقك ، فانا كنا مؤمنين حتى قبل رؤية هذا الأمر الخارق للعادة !
وهكذا فان سليمان منعها من عبادة الاصنام وعبادة غير الله تعالى ، فأسلمت ، وخطت خطوة جديدة من الحياة المملوءة بنور الايمان واليقين.
قامت الملكة لتدخل القصر الذي هيئه لها سليمان وكان قد امر ان تصنع في احدى ساحات القصر من قوارير ، وان يجري الماء من تحتها.
فلما وصلت الملكة الى ذلك المكان ، وارادت ان تدخل حَسِبته ماء ، فرفعت ثيابها وكشفت عن ساقيها ، ولكن سرعان ما قال لها سليمان : « انه صرح ممرد من قوارير » وحيثما رأت ملكة سبأ هذا المشهد الرائع وانتبهت الى نفسها « قالت رب اني ظلمت نفسي واسلمت مع سليمان لله رب العاليمن » (13).
وقالت : لقد كنت فيما مضى اسجد للشمس واعبد الاصنام ، وكنت غارقة في الزينة والتجمل ، وكنت اتصور اني اعلى الناس في الدنيا.
اما الآن فانني افهم انني ضعيفة جدا ، وهذه الزخارف والزبارج لا تروي ظمأ الانسان ولا تبل غليل روحه !
رباه ... اتيتك مع قائدي سليمان ، نادمة عن سالف عمري ، خاضعة عنقي اليك.
« صحيح ان ملكة سبأ كانت قد اعلنت ايمانها قبل هذا ، ولكن هنا كررت ايمانها واكدت اسلامها مرة اخرى مما رأت ».
لم يشر القرآن الكريم الى اكثر من هذا ، ولم يذكر بعد هذا عن مصير ملكة سبأ ، هل رجعت الى وطنها ، او بقيت عند سليمان وتزوجت منه ؟ او تزوجت من غيره ؟
هذه الامور لم يشير اليها القرآن ، ولكن المؤرخين والمفسرين اختلفوا في ذلك ، كل منهم اختار رأيا.
وطبقا لما قاله اغلب المفسرين ، انها تزوجت من سليمان نفسه ... والله العالم.
________________________________________
1 ـ النمل : 20 ـ 44.
2 ـ النمل : 20.
3 ـ 4 ـ النمل : 22 ـ 28.
5 ـ المصدر السابق.
6 ـ النمل : 33 ـ 34.
7- النمل : 34 .
8 ـ 9 ـ النمل : 36 ـ 37.
10 ـ النمل : 38.
11 ـ النمل : 39 ـ 40.
12 ـ النمل : 42.
13 ـ النمل : 44.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page