• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الطواف والتلبية

الطواف والتلبية

   إنّ ما يسترعي الاهتمام وتتّضح فيه هوية الحجّ الجاهلي الحقيقية ، هو محتوى التلبيات وارتباطها بالاصنام ، إذ لم يكن من حجهم بكل مظاهره غير حركات عابثة وأفعال لا معنى لها.

   فأعمال الحج في واقعها رموز إلهية بروح توحيدية جاءت من الخليل محطم الأصنام ، وأدت الغفلة عنها، والغربة عن أسرارها ورموزها، وعدم فراغ القلب من سوى المطلوب ، والدوران دون حضور القلب ، إلى الخسران.

   والأهم من كلّ ذلك هو الربط بين تلك الرموز والشعائر، في تلك المواقف والمناسك ، وبين العالم الخارجي الذي سيواجهه الحاج في الحج الابراهيمي ، العالم الذي يحب أن يحياه ديناً وقلباً ودنياً وفق نهج إبراهيم(عليه السلام) ومحمّد(صلى الله عليه وآله) أي وفق الاسلام، وبالجمع بين هذه الثلاثة يكون قد سلك النهج الذي أطلقه الخليل(عليه السلام) والحبيب(صلى الله عليه وآله).

   كان حج المشركين حجاً جاهلياً، إذ كانوا يتوجهون بعد وصولهم مكة إلى الأصنام يظهرون لها خضوعهم ، وفي عرفة والمزدلفة ومنى كانوا دائماً بذكرها أو بجوارها، ففي منى وضعت سبعة أصنام بالقرب من الجمرات الثلاث ليعظمها الحجيج بعدها، وكان مكان الأضاحي (الهدي) في منى مليئاً بالأنصاب، إذ كان المشركون يمسحونها بدماء الأضاحي.

   جاء في سيرة ابن هشام نقلاً عن معاوية بن زهير :

فأُقسم بالذي قد كان رَبِّي *** وأنصاب لدى الجمرات مُغرِ [1]   وبعد انتهاء الحج كانوا ينشرون لباس الاحرام حول الأصنام.

إنّ ما يتحصّل من الأشعار والآثار الجاهلية والباقية ، هو أن أداء المناسك كان يترافق مع التلبية بصوت عال ، وتجدر الاشارة إلى أنّه لم يكن ثمّة وجود للتلبية المختصة بحج إبراهيم(عليه السلام) والتي مفادها : لبيك اللّهمّ لبيك ، لبيك لا شريك لك ، بل إنّهم غيروا التلبية لتتوافق مع عقيدة الشرك لديهم ، إذ كانت كالآتي :

لبيك اللهم لبيك ! لبيك لا شريك لك ! إلاّ شريكُ هو لك ! تملكُهُ وما مَلَكْ![2]

   ويظهر في هذه التلبية الاعتقاد بالشريك ، وقد كشف القرآن الكريم عن عقيدتهم المشركة في قوله تعالى: (وَمَا يُؤْمِنُ اَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إلاّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ).[3]

   وقد اعتبر ابن الكلبي أنّ هذه التلبية مختصة بنزار، بينما رأى ابن اسحاق وابن حبيب أنّها مختصة بقريش ، وقال الأزرقي : إنّها متعلقة بكلّ المشركين ، وممّا لا شكّ فيه أنّ التلبية التي يؤديها أهل الحرم يمكن أداؤها من قبل أهل الحل.

ونقل اليعقوبي والأزرقي ، أنّ كل قبيلة كانت أثناء الحج تهلل حول صنمها حتى تصل مكّة ، آ«ذلك أنّ عبّاد كلّ صنم كانوا إذا أرادوا الحج ، اِنطلقوا إليه ، وأهّلوا عنده ، ورفعوا أصواتهمآ»،[4] وكذلك : آ«إذا أرادت حجّ البيت وقفت كلّ قبيلة عند صنمها، وصلّوا عندهآ». [5]

   وكان لعبّاد كل صنم من القبائل المختلفة تلبيات خاصة ، ومن بين هذه الأصنام كان لكلّ من اللاّت، والعُزّى، ومناة، وهُبَل، وذو خَلَصَة، وذو كفين، وجهار، وذُرَيح، وذولبّا، وسعيدة، وشَمُس، ومُحرِّق، ومَرْحِب، ونَسْر، ويعوق، ووَدّ، ويغوث تلبية خاصة به ، وهي مذكورة في المصادر التاريخية ، وقد أحجمنا عن إيرادها مراعاة للاختصار.

   وعدا هذه الأصنام ، كان لقبائل كنانة، وثقيف، وهُذيل، وبجيلة، وجُذام، وعكّ، وأشعر، وربيعة، وقيس، وعيلان، وبني أسد، وتميم، ومذحج، وهَمْدان، وبكر بن وائل، وبني معدّ، وبني نَمر أصنامهم ، ولها تلبيات خاصة أيضاً.

وكانوا يصفقون ويصفّرون لدى ترديدهم التلبية.

   يمكن القول : إنّ الحج الجاهلي كان مزيجاً من الشرك والتفاخر القبلي ، والأغراض التجارية والأهداف السياسية والقومية ، لذلك سعت كلّ قبيلة أثناء الطواف لاستعراض مظاهر هذا المزيج غير المتجانس من خلال رفع الأصوات.

وقد عبّر القرآن الكريم عن حركة المشركين هذه لدى الطواف بقوله تعالى :

(وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إلاّ مُكَاءً وَتَصْدِيَةً ).[6]

   وبعد منى كان المشركون يتوجّهون إلى مكة إذ يبقون فيها ثلاثة أيام ، تسمى بأيام التشريق ، وقد ذكروا أقوالاً في وجه تسميتها: منها طبخ لحم الأضاحي بأشعة الشمس ، ومنها نحر الأضاحي عند طلوع الشمس ، وكانوا يهتمّون بهذه الأيام، لكنها لم تكن من أركان الحج الأساسية.

   كان على غير أهل الحُمْس ، أثناء الطواف إما أن يرتدوا ثياباً استعاروها أو استأجروها، وإما أن يطوفوا عراة ، وهذا يتعلق بمن يأتي إلى الحج للمرّة الاُولى.

وكان أهل الحلّ يتركون ثيابهم بعد الطواف في محل قرب مكة ، ولا يحق لهم ارتداؤها مرّة أُخرى ، وتسمى هذه الثياب لَقّى [7] ، إذ لا يمكن الاستفادة منها بسبب تعرضها لأشعة الشمس وتغيرات الجو ورثاثتها.

   كان الطواف حول البيت، دون ثياب أمراً دارجاً وكان يطال حتّى النساء.

   فقد نقل أنّ امرأة جميلة لم تجد ثياباً فاضطرت إلى الطواف عارية ، ممّا دفع جمعاً كثيراً إلى الاحتشاد لمشاهدتها.

   ونقل أيضاً أنّ بعض المشركين كانوا ينتهزون هذه الأيام ، فيتحلقون حول الكعبة لرؤية هكذا مشاهد، وكان خُفاف بن نُدبة يسعى لرؤية عشيقته ، وكما قال فإنه استطاع أن يراها عارية في هذه الأيام ، إذ جاء عنه :

وأبدى شهور الحج منها محاسناً *** ووجها متى يحلل له الطبيب يُشرق[8]    ويجب البحث عن جذور هذا الطواف في مصالح الحُمْس الذين سعوا عبر إيجار الثياب ولمرة واحدة ، أن يضمنوا لأنفسهم مصدراً مالياً، وكان أهل الحل في بعض الأحيان لا يستجيبون لهذا الأمر، إذ كانوا فقراء معدمين من جهة ، وكانوا يرفضون الخضوع لامتياز قريش وقراراتها الاستعلائية من جهة ثانية ، ولمّا كان الغرض من الحج ترسيخ التقاليد القبلية والجاهلية ، فقد كانوا مستعدين لأن تطوف حتى نساؤهم عاريات.

   وحسبما نقل ابن كثير فإنّ الآية نزلت للحيلولة دون هذا العمل (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد ).[9]

   ووضعوا إساف ونائلة قرب الكعبة ، الأولى بجوارها، واْلأُخرى عند زمزم ، وعلى الحاج أن يبدأ طوافه أوّلاً من إساف وبعد أن يستلم الحجر الأسود ويختم طوافه ، يستلم الحجر الأسود مرة ثانية ، وبعد ذلك ينتهي طوافه باستلام نائلة.

   وحسب تقاليد المشركين لم يكن طواف الحج والعمرة تعبّدياً دائماً، إنّما كان أحياناً للتعبير عن الغضب والشرّ وإشهاد البيت على ظلم الأعداء.

   آ« نقل أنّ أبا جُندب بن مُرّة القِرْديّ كان له جار من خُزاعة اسمه خاطم ، فقتله زهير اللحياني وقتلوا امرأته ، فلمّا برأ أبو جندب من مرضه خرج من أهله حتّى قدم مكّة ، فاستلم الركن وكشف عن إسته وطاف ، فعرف النّاس أنّه يريد شرّاً آ».[10]

   كان السعي بين الصفا والمروة جزءاً من الطواف عند الحُمْس وربما عند غيرهم ، ولكن لم يؤده جميع المشركين.

   وكان السعي بين الصفا والمروة من شعائر الخليل(عليه السلام) إلاّ أنّه ترك ومسخ ، وبعد ظهور الاسلام وفتح مكّة أمر رسول الله(صلى الله عليه وآله) بأدائه إذ قال تعالى:

(إنّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ ، فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَليْهِ أنْ يَطَّوَّفَ بهمَا).[11]

 

 

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] ـ نفس المصدر : 319 وthe life of muhammad, A. H. SIDDIGHI p.31

[2] ـ كتاب الاصنام : 7.

[3] ـ يوسف : 106.

[4]  ـ أخبار مكة ، الأزرقي 1: 75.

[5] ـ تاريخ اليعقوبي 1: 296.

[6] ـ الانفال : 35.

[7]  ـ السيرة النبوية لابن هشام 1: 202.

[8] ـ الوثنية في الأدب العربي 239 ـ 240.

[9] ـ الاعراف : 30.

[10] ـ خزانة الأدب ، البغدادي 1: 292.

[11] ـ البقرة : 158.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page