باب علّة عدم تمتّع النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) بالعمرة إلى الحجّ ، وأمر بالتمتّع
1 ـ عن الحلبيّ ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) ، قال : خرج رسول الله حين حجّ حجّة الوداع خرج في أربع بقين من ذي القعدة حتّى أتى مسجد الشجرة فصلّى بها ، ثمّ قاد راحلته حتّى أتى البيداء فأحرم منها [1]وأهلّ بالحجّ وساق مائة بدنة وأحرم الناس كلّهم بالحجّ لا يريدون عمرة ، ولا يدرون ما المتعة ، حتى إذا قدم رسول الله مكّة طاف بالبيت وطاف الناس معه ثمّ صلّى ركعتين عند مقام إبراهيم واستلم الحجر ، ثمّ أتى زمزم ، فشرب منها وقال : لولا أن أشقّ على اُمّتي لاستقيت منها ذَنوباً أو ذَنوبين [2]، ثمّ قال : ابدؤا بما بدأ الله عزّوجلّ به ، فأتى الصفا فبدأ به ، ثمّ طاف بين الصفا والمروة سبعاً .
فلمّا قضى طوافه عند المروة قام فخطب أصحابه وأمرهم أن يحلّوا ويجعلوها عمرة ، وهو شيء أمر الله عزّوجلّ به ، فأتى الصفا فبدأ به ، فأحلّ الناس . وقال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : لو كنت استقبلت من أمري ما استدبرت لفعلت كما أمرتكم ، ولكن لم يكن يستطيع أن يحلّ من أجل الهدي الّذي معه ، إنّ الله عزّوجلّ يقول : } وَلاَ تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ{[3] .
فقام سراقة بن مالك بن جعثم الكنانيّ ، فقال : يارسول الله ، علّمتنا ديننا كأنّا خلقنا اليوم ، أرأيت هذا الذي أمرتنا به لعامنا هذا أم لكلّ عام؟
فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : لا ، بل للأبد .
وإنّ رجلا[4]قام، فقال: يارسول الله، نخرج حجّاجاً ورؤوسناتقطرمن النساء؟
فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : إنّك لن تؤمن بها أبداً .
وأقبل عليّ(عليه السلام) من اليمن حتّى وافى الحجّ فوجد فاطمة(عليها السلام) قد أحلّت ، ووجد ريح الطيب ، فانطلق إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) مستفتياً ومحرشاً[5] على فاطمة(عليها السلام) .
فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) : يا عليّ ، بأيّ شيء أهللت؟
فقال : أهللت بما أهلّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) .
فقال : لا تحلّ أنت ، وأشركه في هديه ، وجعل له من الهدي سبعاً وثلاثين [6]، ونحر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ثلاثاً وستّين نحرها بيده ، ثمّ أخذ من كلّ بدنة بَضعة[7]فجعلها في قدر واحد ، ثمّ أمر به فطبخ ، فأكلا منها وحسوا من المرق ، فقال : قد أكلنا الآن منها جميعاً ، فالمتعة أفضل من القارن السائق الهدي وخير من الحجّ المفرد ، وقال : إذا استمتع الرجل بالعمرة ، فقد قضى ما عليه من فريضة المتعة .
وقال ابن عبّاس : دخلت العمرة في الحجّ إلى يوم القيامة.[8]
2 ـ عن معاوية بن عمّار ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) ، قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في حجّة الوداع لمّا فرغ من السعي قام عند المروة فخطب الناس فحمد الله وأثنى
عليه ، ثمّ قال : يا معشر الناس ، هذا جبرئيل ـ وأشار بيده إلى خلفه ـ يأمرني أن آمر من لم يسق هدياً أن يحلّ ، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت [9]لفعلت كما أمرتكم ، ولكنّي سقت الهدي وليس لسائق الهدي أن يحلّ حتّى يبلغ الهدي محلّه ،
فقام إليه سراقة بن مالك بن جعثم الكنانيّ ، فقال : يارسول الله ، علّمنا ديننا فكأنّا خلقنا اليوم ، أرأيت هذا الذي أمرتنا به لعامنا أم لكلّ عام؟
فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) : لا ، بل للأبد .
وإنّ رجلا قام ، فقال : يارسول الله ، نخرج حجّاجاً ورؤوسنا تقطر من النساء[10]؟
فقال له رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) : إنّك لن تؤمن بها أبداً .[11]
3 ـ عن فضيل بن عياض ، قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن اختلاف الناس في الحجّ فبعضهم يقول : خرج رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) مهلاًّ بالحجّ ، وقال بعضهم : مهلاًّ بالعمرة ، وقال بعضهم : خرج قارناً ، وقال بعضهم : خرج ينتظر أمر الله عزّوجلّ ، فقال أبو عبدالله(عليه السلام) : اعلم الله عزّوجلّ أنّها حجّة لا يحجّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)بعدها أبداً فجمع الله عزّوجلّ له ذلك كلّه في سفرة واحدة ليكون جميع ذلك سنّة لاُمّته ، فلمّا طاف بالبيت وبالصفا والمروة أمره جبرئيل(عليه السلام) أن يجعلها عمرة إلاّ من كان معه هدي فهو محبوس على هديه لا يحلّ لقوله عزّوجلّ : } حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ{[12]
فجمعت له العمرة والحجّ ، وكان خرج على خروج العرب الاُول ; لأنّ العرب كانت لا تعرف إلاّ الحجّ وهو في ذلك ينتظر أمر الله تعالى ، وهو يقول(عليه السلام) : آ«الناس على أمر جاهليّتهم إلاّ ما غيّره الإسلامآ» وكانوا لا يرون العمرة في أشهر الحجّ فشقّ على أصحابه حين قال : اجعلوها عمرة لأنّهم كانوا لا يعرفون العمرة في أشهر الحجّ ، وهذا الكلام من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) إنّما كان في الوقت الذي أمرهم فيه بفسخ الحجّ فقال : دخلت العمرة في الحجّ إلى يوم القيامة وشبّك بين أصابعه ـ يعني في أشهر الحجّ ـ قلت : أفيعتدّ بشيء من أمر الجاهلية؟
فقال : إنّ أهل الجاهليّة ضيّعوا كلّ شيء من دون إبراهيم(عليه السلام) إلاّ الختان والتزويج فإنّهم تمسّكوا بها ولم يضيّعوها.[13]
--------------------------------------------------------------------------------
[1] لعل المراد بالإحرام هنا عقد الإحرام بالتلبية ، أو إظهار الاحرام وإعلامه لئلاّ ينافي الأخبار المستفيضة الدالّة على أنّه(صلى الله عليه وآله) أحرم من مسجد الشجرة .
[2] الذَّنوب : الدَّلْو العظيمة; وقيل : لا تسمّى ذَنوباً إلاّ إذا كان فيها ماء .
[3] سورة البقرة : 196 .
[4] هو عمر بن الخطّاب .
[5] أي مغضباً . والمراد هنا نوع عتابه لها ، وهذه اللفظة ليست في أخبارنا ، بل هي في أخبار العامّة .
[6] لعل أحد الخبرين في العدد محمول على التقيّة أو نشأ من سهو الرواة .
[7] البَضعة : القطعة من اللحم .
[8] الكافي 4 : 248 ح6 ، من لا يحضره الفقيه 2 : 236 ح2288 ، علل الشرائع : 412 ب153 ح1 ، روضة المتّقين 4 : 117 ، وسائل الشيعة 11 : 222 ح14 ، بحار الأنوار 21 : 395 ح18 ، و99 : 88 ح6 و : 89 ح7 و : 242 ح1 ، مرآة العقول 17 : 116 ح6 .
[9] أي لو عنَّ لي هذا الرأي الّذي رأيته آخراً وأمرتكم به في أوّل أمري ، لما سقت الهَدي معي وقلَّدته وأشعرته ، فإنّه إذا فَعل ذلك لا يُحلّ حتّى ينحر ، ولا ينحر إلاّ يوم النحر ، فلا يصحّ له فسخ الحجّ بعمرة ، ومن لم يكن معه هديٌ فلا يلتزم هذا ، ويجوز له فسخ الحجّ .
وإنّما أراد بهذا القول تطييب قلوب أصحابه ; لأنّه كان يشقّ عليهم أن يُحلّوا وهو مُحرِم ، فقال لهم ذلك لئلاّ يجدوا في أنفسهم ، وليعلموا أنّ الأفضل لهم قبول ما دعاهم إليه ، وأنّه لولا الهديُ لَفَعَله . آ«النهاية لابن الأثير 4 : 10 ـ قبل ـ آ» .
[10] أي من ماء غسل الجنابة ، وقد قال ذلك تقبيحاً وتشنيعاً على ما أمر الله تعالى ورسوله(صلى الله عليه وآله وسلم) به .
[11] الكافي 4 : 246 ضمن ح4 ، علل الشرائع : 413 ح2 ، تهذيب الأحكام 5 : 455 ضمن ح234 ، مستطرفات السرائر : 22 ح3 ، وسائل الشيعة 11 : 214 ضمن ح4 و : 218 ح5 ، بحار الأنوار 99 : 90 ح8 ، مرآة العقول 17 : 112 ضمن ح4 ، ملاذ الأخيار 8 : 500 ضمن ح234 .
[12] سورة البقرة : 196 .
[13] علل الشرائع : 414 ح3 ، بحار الأنوار 99 : 90 ح9 .