• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الاسلام خارج الجزيرة

الفصل الثاني(الاسلام خارج الجزيرة)

1 ـ معركة مؤتة
[1] :
عزم النبيّ (صلى الله عليه وآله) على بسط الأمن في شمال الجزيرة العربية، ودعوة أهلها إلى الإسلام والانطلاق نحو الشام. من هنا بعث الحارث بن عمير الأزدي إلى الحارث ابن أبي شمر الغساني فاعترضه شرحبيل بن عمرو الغسّاني فقتله.
وفي الفترة نفسها بعث الرسول(صلى الله عليه وآله) مجموعة من المسلمين يدعون الى الإسلام فعدا عليهم أهل منطقة ذات أطلاح من الشام وقتلوهم وبلغ خبر مقتلهم الرسول فتألم لذلك كثيراً وانتدب (صلى الله عليه وآله) المسلمين للخروج، فأعد جيشاً من ثلاثة ألاف مقاتل وأمّر عليه زيد بن حارثة ثمّ جعفر بن أبي طالب، ثمّ عبد الله بن رواحة. وخطب فيهم قائلاً: اُغزوا بسم الله ... أدعوهم إلى الدخول في الإسلام ... فإن فعلوا فاقبل منهم واكفف عنهم ... وإلاّ فقاتلوا عدوّ الله وعدوّكم بالشام وستجدون فيها رجالاً في الصوامع معتزلين الناس، فلا تعرضوا لهم، وستجدون آخرين للشيطان في رؤوسهم مفاحص فاقلعوها بالسيوف، ولا تقتلن امرأة ولا صغيراً مرضعاً ولا كبيراً فانياً، لا تغرقنّ نخلاً ولا تقطعنّ شجراً ولاتهدموا بيت[2].
وخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) معهم مودّعاً حتى بلغ ثنية الوداع.
ولما بلغ جيش المسلمين منطقة مشارق فوجئ بالعدة والعدد الضخم لجيش الروم إذ بلغ عددهم مائتي ألف مقاتل فانحاز المسلمون الى مؤتة وعزموا على مقاومة العدو. ولأسباب عديدة بان الانكسار في جيش المسلمين فقتل القادة الثلاثة جميعاً. وكان من عوامل الانكسار أنهم كانوا يقاتلون في منطقة غريبة عليهم وبعيدة عن مركز الإمدادات كما أنهم كانوا يقاتلون مهاجمين والروم بالعدد الضخم يقاتلون مدافعين، هذا مضافاً إلى التفاوت في الخبرة القتالية فجيش الروم قوة منظمة مارست حروباً سجالاً أما جيش المسلمين فكان قليل العدد والخبرة، فتيّاً في تكوينه [3].
ولقد تأ لّم رسول الله(صلى الله عليه وآله) لمقتل جعفر بن أبي طالب وبكاه بشدة، وذهب(صلى الله عليه وآله) الى بيت جعفر يعزّي أهله ويواسي أبناءه، كما حزن كثيراً على زيد ابن حارثة[4].
2 ـ فتح مكة[5] :
لقد اختلفت ردود فعل القوى في المنطقة بعد معركة مؤتة، فالروم فرحوامن انسحاب المسلمين وعدم تمكّنهم من دخول الشام.
أما قريش فقد سادهم الفرح وانبعثت فيهم الجرأة على المسلمين وأخذوا يسعون لنقض صلح الحديبية عبر الإخلال بالأمن فحرّضوا قبيلة بني بكر على بني خزاعة (بعد أن دخلت قبيلة بني بكر في حلف قريش وخزاعة في حلف النبي(صلى الله عليه وآله) اثر صلح الحديبية) وأمدّوها بالسلاح فعدت بكر على خزاعة غيلة وقتلوا عدداً من أفرادها وهم في ديارهم آمنين، وكان بعضهم في حال العبادة ففزعوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) طالبين النصرة، ووقف عمرو بن سالم بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) ـ وهو جالس في المسجد ـ ينشد أبياتاً يعرض فيها نقض العهد. فتأثر الرسول(صلى الله عليه وآله) وقال: نُصِرْتَ يا عمرو بن سالم.
أما قريش فقد انتبهت وأدركت سوء فعلتها وقد تملّـكها الخوف والهلع من المسلمين فاجتمع رأيهم على إيفاد أبي سفيان الى المدينة ليجدد الصلح ويطلب تمديد المدة من النبي (صلى الله عليه وآله).
ولكن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يصغ لطلب أبي سفيان وسأله قائلاً: هل كان من حدث؟ قال أبو سفيان: معاذ الله ، فأجابه النبي (صلى الله عليه وآله): نحن على مدّتنا وصلحنا.
لكن أبا سفيان لم يهدأ له بال ولم يقنع بل أراد أن يستوثق ويأخذ عهداً وأماناً من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسعى لتوسيط مَن يؤثّر على النبي (صلى الله عليه وآله) فقابله الجميع بالرفض واللامبالاة.
فلم يجد إلاّ أن يقفل راجعاً بالخيبة الى مكة وقد ضاقت الأمور على قوى الشرك حيث تبدلت الظروف ، فالنبي (صلى الله عليه وآله) يطلب مكة فاتحاً، بعدّة تتزايد وإيمان يترسخ ، وقريش تطلب الأمان والسلامة في دمائها وأموالها، وقد سنحت الفرصة بنقض الصلح. وتكاد تكون مكة آخر خطوة لتتم سيطرة الاسلام على الجزيرة العربية برمّتها.
وأعلن النبي (صلى الله عليه وآله) النفير العام، وتوافدت عليه جموع المسلمين ملبية نداءه، فجهّز جيشاً قارب عدده عشرة آلاف رجل. واجتهد النبي (صلى الله عليه وآله) أن يكتم قصده وهدفه إلاّ على الخاصة وكان (صلى الله عليه وآله) يدعو الله قائلاً : اللهم خذ العيون والأخبار من قريش حتى نباغتها في بلاده[6].
ويبدو أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يود أن يتحقق النصر المؤزّر سريعاً دون إراقة قطرة دم ، متخذاً اُسلوب المباغته. ولكن الخبر تسرب الى رجل كان قد ضعف أمام عواطفه فكتب الى قريش كتاباً بذلك وبعثه مع امرأة توصله. ونزل الوحي يخبر النبي (صلى الله عليه وآله) بذلك فأمر علياً والزبير بأن يلحقا المرأة ويسترجعا الكتاب، وانتزع علي بن أبي طالب بقوة إيمانه برسول الله (صلى الله عليه وآله) الكتاب من المرأة[7].
ولمّا استلم الرسول (صلى الله عليه وآله) الكتاب جمع المسلمين في المسجد ليثير هممهم ويحذر من مسألة الخيانة من جانب ويبيّن من جانب آخر أهمية كبت العواطف مرضاةً لله. وقام المسلمون يدفعون حاطب بن أبي بلتعة صاحب الكتاب الذي حلف بالله أنه لم يقصد الخيانة وانفعل عمر بن الخطاب وطلب من النبيّ أن يقتله فقال له : وما يُدريك يا عمر لعلَّ الله اطلع على أهل بدر وقال لهم إعملوا ما شئتم فلقد غفرت لكم[8].
تحرك الجيش الإسلامي نحو مكة :
وتحرك جيش المسلمين في العاشر من شهر رمضان باتجاه مكة المكرمة، ولما بلغ مكاناً يدعى الكديد طلب النبي(صلى الله عليه وآله) ماءاً فأفطر به أمام المسلمين وأمرهم أن يفطروا لكن بعضاً منهم عصوا الرسول القائد ولم يفطروا فغضب من عصيانهم وقال: أولئك العصاة وأمرهم أن يفطروا[9].
ولما وصل النبي (صلى الله عليه وآله) إلى مرّ الظهران أمر المسلمين أن ينتشروا في الصحراء ويوقد كل منهم ناراً. وهكذا أضاء الليل البهيم وظهر المسلمون كجيش عظيم تضيع أمامه كل قوى قريش مما أقلق العباس بن عبد المطلب ـ وهو آخر المهاجرين إذ التحق بركب رسول الله في منطقة الجحفة ـ فتحرك يبحث عن وسيلة يبلغ بها قريشاً أن تأتي مسلمة قبل دخول الجيش عليها.
وفجأة سمع صوت أبي سفيان يحادث بديل بن ورقاء مستغرباً وجود هذه القوة الكبيرة على مشارف مكة. وارتعد أبو سفيان خوفاً حين أخبره العباس بزحف النبي (صلى الله عليه وآله) بجيشه لفتح مكة، ولم يجد أبو سفيان بدّاً من اصطحاب العباس لأخذ الأمان من رسول الله (صلى الله عليه وآله).
ولم يكن بوسع ينبوع العفو والاخلاق السامية أن يبخل بإجازة جوار عمّه لأبي سفيان فقال (صلى الله عليه وآله): إذهب فقد أمناه حتى تغدو به عليّ.
استسلام أبي سفيان :
ولما مثل أبو سفيان بين يدي النبيّ (صلى الله عليه وآله) قال له : ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أنه لا إله إلاّ الله؟ فقال أبو سفيان: بأبي أنت وأمي ما أحلمك، وأكرمك وأوصلك! والله لقد ظننت أن لو كان مع الله إله غيره لقد أغنى عني شيئاً بعد. فقال(صلى الله عليه وآله): ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله؟ قال: بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك أما والله فإنّ في النفس منها حتى الآن شيئاً[10].
وتدارك العباس الموقف ليضغط على أبي سفيان ليسلم وقال له: ويحك أسلم واشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله قبل أن تقتل. فشهد أبو سفيان الشهادتين خوفاً من القتل، ودخل في عداد المسلمين.
واستسلم من بقي من زعماء المشركين بعد استسلام أبي سفيان، ولكن النبي (صلى الله عليه وآله) استتماماً للضغط النفسي على قريش كي تستسلم دون إراقة دماء قال للعباس: يا عباس احبسه بمضيق الوادي عند خطم الجبل حتى تمرّ به جنود الله فيراه.
ولإشاعة الاطمئنان والثقة برحمة الإسلام ورحمة الرسول القائد وإرضاء لغرور أبي سفيان كي لا يكابر قال (صلى الله عليه وآله): من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن طرح السلاح فهو آمن.
ومرّت جنود الله تعبر المضيق والعباس يعرّف الكتائب التي تمر وأبو سفيان قد أخذته الدهشة حتى قال: والله يا أبا الفضل، لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيماً فأجابه العباس: يا أبا سفيان إنها النبوة. وتردد أبو سفيان في الجواب فقال: فنعم إذن. ثم انطلق أبو سفيان إلى مكة ليحذّر أهلها ويعلن أمان رسول الله(صلى الله عليه وآله)[11].
دخول مكة :
أصدر رسول الله (صلى الله عليه وآله) أوامره الحكيمة بتوزيع مداخل القوات إلى مكة مؤكداً عدم اللجوء إلى القتال إلاّ رداً عليه. وأهدر (صلى الله عليه وآله) دماء عدد من المشركين ـ في كلّ الحالات ـ حتّى لو وجدوهم متعلقين بأستار الكعبة، لعظيم جنايتهم ومعاداتهم للإسلام وللنبي (صلى الله عليه وآله).
وما إن لاحت بيوت مكة حتّى إغرورقت عينا النبي (صلى الله عليه وآله) بالدموع، ودخلت قوّات الإسلام الظافرة مكة من جهاتها الأربع ومظاهر العز والنصر تجلّلها ودخل الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله) مكة مطأطئاً رأسه تعظيماً لله وشكراً له على ما منحه من الفضل والنعمة حيث دانت لرسالته ودولته أم القرى، بعد طول جهد وعناء تحمله(صلى الله عليه وآله) في سبيل إعلاء كلمة الله.
ورفض النبي(صلى الله عليه وآله) أن يدخل دار أحد من أهالي مكة رغم كثرة عروضهم له، واغتسل بعد استراحة قصيرة وركب راحلته وكبّر فكبّر المسلمون فدوّى الصوت في الجبال والوهاد ـ التي فرّ إليها بعض رؤوس الشرك خوفاً من الإسلام ونصره ـ وجعل يشير وهو يطوف في البيت إلى كل صنم موجود حوله ويقول: قل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً، فيسقط الصنم لوجهه.
ثم أمر النبي(صلى الله عليه وآله) عليّاً أن يجلس ليصعد(صلى الله عليه وآله) على كتفه ولكن لم يستطع علي(صلى الله عليه وآله) أن يحمل النبي (صلى الله عليه وآله) على كتفه لكسر الاصنام فوق الكعبة، من هنا صعد عليّ على كتف ابن عمّه(صلى الله عليه وآله) وكسر الأصنام. ثم طلب النبيّ مفاتيح الكعبة وفتح بابها ودخلها ومسح ما فيها من صور. ثم وقف على بابها يخطب الجموع المتكاثرة خطبة الفتح العظيم فقال (صلى الله عليه وآله): لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ألا كل مأثرة أو دم أو مال يدّعى فهو تحت قدميّ هاتين، إلاّ سدانة البيت وسقاية الحاج... ثم قال (صلى الله عليه وآله): يا معشر قريش إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظّمها بالآباء، الناس من آدم وآدم من تراب...[12] ثم تلا قوله تعالى: (يا أيّها الناس إنّا خلقناكم من ذكر واُنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير)[13] يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم؟.
قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم فقال(صلى الله عليه وآله) : إذهبوا فأنتم الطلقاء[14].
ثم ارتقى بلال سطح الكعبة ليؤذّن لصلاة الظهر فصلى المسلمون بإمامة النبي (صلى الله عليه وآله) في المسجد الحرام أوّل صلاة بعد هذا الفتح.
ووقف المشركون والحيرة تملكهم وتعلوهم الدهشة مشوبة بالخوف والحَذر. وخشيت الأنصار أن لا يرجع معها الرسول الكريم حين رأوا تفاعل النبي (صلى الله عليه وآله) مع أهل مكة ووقفوا والأسئلة تدور فى مخيّلتهم والنبي(صلى الله عليه وآله) واقف يدعو الله وقد علم ما يدور بينهم فالتفت إليهم قائلاً: معاذ الله المحيا محياكم والممات مماتكم، معلناً بذلك أن المدينة ستبقى عاصمة الاسلام.
ثم أقبل الناس يبايعونه فبايعه الرجال ـ وتشفع عدد من المسلمين لدى النبي (صلى الله عليه وآله) ليعفو عمن أهدر دمه فعفا وصفح.
وجاءت النساء لتبايع ـ فكانت المرأة تدخل يدها في قدح فيه ماء قد وضع الرسول (صلى الله عليه وآله) يده فيه ـ ( على أن لا يشركن بالله شيئاً ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف)[15].
وغضب النبيّ (صلى الله عليه وآله) حين عدت خزاعة ـ حليفة الرسول (صلى الله عليه وآله) ـ على رجل من المشركين فقتلته وقام (صلى الله عليه وآله) خطيباً فقال: يا أيها الناس إن الله حرّم مكة يوم خلق السماوات والأرض فهي حرام الى يوم القيامة، لا يحل لامرىً يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك دماً أو يعضد فيها شجراً ..[16].
ثم قال (صلى الله عليه وآله): فمن قال لكم إن رسول الله قد قاتل فيها فقولوا إن الله قد أحلّها لرسوله ولم يحللها لكم يا معشر خزاعة. وأكبرت قريش جميع مواقف النبي (صلى الله عليه وآله) من مكة وأهلها من عطف ورحمة وسماحة وعفو واحترام وتقديس فمالت قلوبهم إليه وأقبلوا على الإسلام آمنين مطمئنين.
وأرسل رسول الله (صلى الله عليه وآله) سراياه الى اطراف مكة وما حولها لهدم ما تبقّى من الأصنام وأماكن عبادة المشركين فأخطأ خالد بن الوليد إذ قتل عدداً من قبيلة بنى جذيمة بعد استسلامهم ثأراً لعمّه[17] وغضب النبي (صلى الله عليه وآله) حين علم بذلك وأمر علياً أن يأخذ أموالاً ويدفع دية المقتولين ثم قام (صلى الله عليه وآله) واستقبل القبلة رافعاً يديه وهو يقول:اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد،وبذلك هدأت نفوس بني جذيمة[18].
3 ـ غزوة حنين وحصار الطائف[19] :
أمضى النبي (صلى الله عليه وآله) خمسة عشر يوماً في مكة فاتحاً فيها عهداً جديداً من التوحيد بعد طول فترة من الشرك، والغبطة والسرور يعمّان المسلمين، والأمان يلفّ أم القرى، وترامت إلى أسماع النبي (صلى الله عليه وآله) أن قبيلتي هوازن وثقيف قد أعدّتا العدّة لمحاربة الإسلام ظنّاً منهما أنّهما يُحققان ما عجزت عنه سائر قوى الشرك والنفاق من تدمير الإسلام، وعزم النبي (صلى الله عليه وآله) على الخروج لملاقاتهم ولكنه وطّد دعائم الإدارة في مكة قبل خروجه كما هي سيرته عند كل فتح، فعيّن معاذ بن جبل ليعلّم الناس القرآن وأحكام الاسلام كما عيّن عتاب بن أسيد للصلاة بالناس وإدارة الأمور.
وخرج النبي (صلى الله عليه وآله) باثني عشر ألفاً من المقاتلين، وهي قوة لم يشهد المسلمون مثلها ممّا أدّى بهم الى الغرور والغفلة حتى أن أبا بكر قال: لو لقينا بني شيبان لن نغلب اليوم من قلّة[20].
أما ( هوازن ) و ( ثقيف ) فقد تحالفتا وخرجتا بكامل عدّتهم مع نسائهم وأطفالهم وكمنوا لإرباك جيش المسلمين، وحين وصلت طلائع جيش المسلمين أطراف الكمين أرغموها على الفرار حتّى فرّت باقي قوّات المسلمين فزعاً من أسلحة العدو، ولم يثبت مع رسول الله إلا تسعة أشخاص من بني هاشم عاشرهم أيمن (ابن أم أيمن). وفرح المنافقون وسرّوا سروراً عظيماً فخرج أبو سفيان يقول شامتاً: لا تنتهي هزيمتهم دون البحر، وقال آخر: ألا بطل السحر اليوم. وعزم آخر على قتل النبي (صلى الله عليه وآله) في ذلك الوضع المضطرب[21].
وأمر النبي (صلى الله عليه وآله) عمه العباس أن يصعد على صخرة وينادي فلول المهاجرين والأنصار المدبرة قائلاً: يا أصحاب سورة البقرة، يا أهل بيعة الشجرة، إليّ. أين تفرّون؟ هذا رسول الله!
وكأن وعياً قد عاد بعد غفلة وحماساً دبّ بعد فتور فعادوا يوفون بوعود النصرة والدفاع عن الاسلام والنبي (صلى الله عليه وآله)... ولما رأى النبي (صلى الله عليه وآله) حماسهم قال: الآن حمي الوطيس، أنا النبيّ لا كَذِب أنا ابن عبد المطلب. فأنزل الله السكينة على المسلمين وأيدهم بالنصر فولّت جموع الكفر منهزمة تاركة وراءها ستة الآف أسير وغنائم كبيرة جداً[22]، وأمر النبي (صلى الله عليه وآله) أن تحفظ الغنائم وتراعى أحوال الأسرى حتى تتم ملاحقة العدو الغارّ الى منطقة أوطاس ونخلة والطائف.
وكان من سمو أخلاق النبي (صلى الله عليه وآله) وعظيم عفوه وسعة رحمته أن قال لأم سليم: يا أم سليم قد كفى الله، عافية الله أوسع حين طلبت منه قتل الذين فرّوا عنه وخذلوه.
وفى موقف آخر، غضب النبي (صلى الله عليه وآله) حين علم أن بعض المسلمين يقتل ذرّية المشركين غيظاً منهم فقال (صلى الله عليه وآله): ما بال أقوام ذهب بهم القتل حتى بلغ الذرية، أَلا لا نقتل الذرية، فقال أسيد بن حضير: يا رسول الله أليس هم أولاد المشركين. فقال (صلى الله عليه وآله): أوليس خياركم أولاد المشركين، كل نسمة تولد على الفطرة حتى يعرب عنها لسانها، وأبواها يهوّدانها أو ينصّرانها[23].
وواصلت قوات المسلمين ملاحقتها للعدو حتى الطائف فحاصروهم بضعاً وعشرين يوماً يترامون بالنبل من خلف الجدران والبساتين، ثم عدل النبيّ (صلى الله عليه وآله) عن الطائف لاعتبارات كثيرة.
وعند وصوله الى الجعرانة (محل تجميع الأسرى والغنائم) قام إليه وفد هوازن يلتمسون العفو عنده فقالوا: يا رسول الله إنما في هذه الأسرى عمّاتك وخالاتك اللاتي كن يكفلنك ـ حيث كان النبي (صلى الله عليه وآله) قد رضع في بني سعد وهم من هوازن ـ ولو أنا مالحنا الحارث بن أبي شمر أو النعمان بن المنذر ثم نزل منا بمثل الذي نزلت به رجونا عطفه وعائدته علينا وأنت خير المكفولين. فخيّرهم الرسول بين الأسرى والمال فاختاروا الأسرى، ثم قال (صلى الله عليه وآله): أمّا ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم. وأسرع المسلمون جميعاً يقتدون بالرسول القائد (صلى الله عليه وآله) ويهبون له مالهم من نصيب[24].
وبحكمة بالغة ودراية عميقة بنفوس الناس وسعياً لهداية الجميع وإطفاءاً لنار الحرب منّ الرسول (صلى الله عليه وآله) بعفوه حتى على مالك بن عوف مثير هذه الحرب إن جاءه مسلماً فقال (صلى الله عليه وآله): أخبروا مالكاً إنّه إن أتاني مسلماً رددت عليه أهله وماله وأعطيته مائة من الابل. وسرعان ما أسلم مالك[25].
توزيع الغنائم :
تدافع المسلمون على رسول الله (صلى الله عليه وآله) يلحّون عليه أن يقسّم الغنائم حتى ألجأوه إلى شجرة وأخذوا رداءه; فقال: ردّوا عليّ ردائي فوالله لو كان لكم بعدد شجر تهامة نعماً لقسّمته عليكم، ثم ما ألفيتموني بخيلاً ولا جباناً ولا كذّاب.
ثم قام وأخذ وبرة من سنام بعيره فجعلها بين أصبعيه ثم رفعها وقال: ايها الناس والله مالي في فيئكم ولا هذه الوبرة إلا الخمس، والخمس مردود عليكم ثم أمر أن يُردّ كل ما غنم حتى تكون القسمة عدلاً.
وبدأ الرسول(صلى الله عليه وآله) بإعطاء المؤلفة قلوبهم كأبي سفيان وابنه معاوية وحكيم بن حزام. والحارث بن الحارث، وسهيل بن عمرو، وحويطب بن عبد العزى، وصفوان بن امية وغيرهم ممّن كان يعاديه ويحاربه بالأمس القريب من رؤوس الكفر والشرك ثم قسّم عليهم حقّه من الخمس. على أن هذا الموقف قد أثار الحفيظة في نفوس بعض المسلمين جهلاً منهم بمصالح الإسلام وأهداف النبي(صلى الله عليه وآله) حتى قال أحدهم للنبي(صلى الله عليه وآله): لم أرك عدلت. فقال: ويحك إذالم يكن العدل عندي فعند من يكون؟ فأراد عمر بن الخطاب أن يقتله، فلم يأذن له النبي(صلى الله عليه وآله) وقال: دعه فإنه سيكون له شيعة يتعمقون في الدين حتى يخرجوا منه كما يخرج السهم من رميته[26].
اعتراض الأنصار :
ورأى سعد بن عبادة أن يخبر النبي (صلى الله عليه وآله) بما يدور بين الأنصار من قولهم: لقي رسول الله قومه ونسي أصحابه. فجمع سعد الأنصار وأقبل الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) يحدّثهم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
يا معشر الانصار ما مقالة بلغتني عنكم وجدة وجدتموها في أنفسكم؟! ألم آتكم ضُلاّلاً فهداكم الله وعالة فاغناكم الله وأعداءً فألف الله بين قلوبكم؟ قالوا: بلى الله ورسوله آمَنُ وأفضل، ثم قال: ألا تجيبوني يا معشر الأنصار؟ قالوا: وماذا نجيبك يا رسول الله؟ قال (صلى الله عليه وآله): أما والله لو شئتم قلتم فصدقتم: أتيتنا مكذَّباً فصدّقناك ومخذولاً فنصرناك وطريداً فآويناك وعائلاً فآسيناك. وجدتم في أنفسكم يا معشر الأنصار في شيء من الدنيا تألّفتُ به قوماً ليسلموا ووكلتكم إلى إسلامكم، أفلا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعوا برسول الله إلى رحالكم؟ والذي نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت امرءاً من الأنصار، ولو سلك الناس شعباً وسلكت الأنصار شعباً لسلكت شِعب الأنصار.
فأثارت هذه الكلمات في قلوب الأنصار العاطفة والشعور بالخطأ في تصورهم عن الرسول (صلى الله عليه وآله) فضجوا بالبكاء وقالوا: رضينا يا رسول الله حظّاً وقسماً.
وخرج النبي (صلى الله عليه وآله) بمن معه من الجعرانة متّجهاً إلى مكة في شهر ذي القعدة فأتمّ عمرته وحلّ من إحرامه واستخلف على مكة عتّاب بن أسيد ومعه معاذ بن جبل وخرج متّجهاً إلى المدينة بمن معه من المهاجرين والأنصار[27].
4 ـ غزوة تبوك[28] :
أصبحت الدولة الإسلامية كياناً يهاب جانبه، وكان على المسلمين الحفاظ على حدوده وأراضيه حتى تبلغ الرسالة الإسلامية أرجاء الأرض.
واستنفر النبي (صلى الله عليه وآله) المسلمين من جميع نقاط الدولة الاسلامية استعداداً لحرب الروم إذ وردت أخبار تؤكد استعدادهم لغزو الجزيرة واسقاط الدولة ومحق الدين الاسلامي وصادف أن كان ذلك العام عام جدب وقلّة ثمار وكان الوقت صيفاً حاراً مما زاد من صعوبة الخروج لملاقاة عدو قوي متمرّس كبير العدد والعدة. فتقاعس ذوو النفوس الضعيفة والمعنويات المتدنّية وبرز النفاق ثانية علانية ليثبّط العزائم ويخذل الإسلام.
وتخلّف بعض عن الالتحاق بالجيش لشدّة تعلّقهم بالدنيا، وبعض آخر احتجّ بشدّة الحر وآخرون لم يستطيعوا لشدّة ضعفهم وقلة إمكانات النبي (صلى الله عليه وآله) لحملهم معه رغم بذل المؤمنين الصادقين أموالهم للجهاد في سبيل الله.
وبلغ النبي (صلى الله عليه وآله) أن المنافقين يجتمعون في بيت أحد اليهود يثبّطون الناس ويخوّفونهم من اللقاء، فتعامل معهم بحزم وشدة فأرسل إليهم من يحرق عليهم دارهم ليكونوا عبرة لغيرهم.
وقد أنزل الله آيات تفضح خطط المنافقين وتؤنّب المتقاعسين وتعذر الضعفاء; وبلغ عدد جيش المسلمين ثلاثين ألف مقاتل ـ على أقل تقدير ـ واستخلف النبي (صلى الله عليه وآله) علي بن أبي طالب في المدينة لما يعلم منه من حنكة وحسن تدبير وقوة يقين; إذ خشي الرسول (صلى الله عليه وآله) من قيام المنافقين بعمل تخريبي في المدينة، فقال (صلى الله عليه وآله): يا علي إن المدينة لا تصلح إلاّ بي أو بك[29].
الإعلان عن مكانة علي (عليه السلام) لدى النبي (صلى الله عليه وآله) :
وأشاع المنافقون والذين في قلوبهم مرض حول بقاء علي بن أبي طالب في المدينة اُموراً إذ قالوا: إنما تركه رسول الله استثقالاً له وتخففاً منه، سعْياً منهم للإثارة رجاء أن يخلو جو المدينة لهم فأسرع عليّ(عليه السلام) للالتحاق برسول الله (صلى الله عليه وآله) فلحق به على مقربة من المدينة وقال: يا نبي الله زعم المنافقون أنك إنما خلّفتني أنك استثقلتني وتخفّفت مني.
فقال (صلى الله عليه وآله): كذبوا ولكنني خلّفتك لما تركت ورائي فاخلفني في أهلي وأهلك، أفلا ترضى يا علي أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي[30].
جيش العسرة :
وانطلق جيش المسلمين في طريق وعر طويل وقد أوضح لهم الرسول هدف المسيرة خلافاً لما كان في الغزوات الماضية. وكان يتخلف عنه في الطريق جماعة ممن خرجوا معه من المدينة فكان يقول (صلى الله عليه وآله) لأصحابه: دعوه فإن يكن به خير فسيلحقه الله بكم وإن يكن غير ذلك فقد أراحكم الله منه.
وأسرع النبي (صلى الله عليه وآله) السير حين مرّ على أطلال قوم صالح وقال لأصحابه وهو يعظهم: لا تدخلوا بيوت الذين ظلموا إلاّ وأنتم باكون خوفاً أن يصيبكم مثل ما أصابهم، ونهاهم عن استعمال الماء من هذه المنطقة وحذّرهم من خطورة الظروف الجوية فيها[31]، وللصعوبات التي أحاطت هذه الغزوة من حيث الماء والغذاء والنفقة والظهر (الخيل والإبل) فقد سمّي هذا الجيش بـ جيش العسرة.
ولم يجد المسلمون جيش الروم; إذ قد تفرّق جمعهم، وهنا استشار الرسول القائد أصحابه في ملاحقة العدو أو العودة إلى المدينة فقالوا: إن كنت اُمِرت بالسير فسِرْ. فقال (صلى الله عليه وآله): لو اُمرت به ما استشرتكم فيه[32]. وهنا قرّر النبي(صلى الله عليه وآله) العودة إلى المدينة.
واتصل الرسول (صلى الله عليه وآله) بزعماء المنطقة الشمالية للجزيرة وعقد معهم معاهدة عدم تعرّض واعتداء بين الجانبين وبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) خالد بن الوليد إلى دومة الجندل خوفاً من تعاون زعيمها مع الروم في هجوم آخر وتمكّن المسلمون من أسر زعيمهم وحمل الغنائم الكثيرة[33].
محاولة اغتيال النبي (صلى الله عليه وآله) :
أقفل النبي (صلى الله عليه وآله) والمسلمون راجعين إلى المدينة بعد أن أمضوا بضع عشرة يوماً في تبوك، وتحرك الشيطان في نفوس جمع ممّن لم يؤمن بالله ورسوله فعزموا على اغتيال الرسول (صلى الله عليه وآله) وذلك بتنفير ناقته عند مرورها عليهم ليطرحوه في واد كان هناك.
وحين وصل الجيش الى العقبة (بين المدينة والشام) قال (صلى الله عليه وآله): من شاء منكم أن يأخذ بطن الوادي فإنه أوسع لكم فأخذ الناس بطن الواديوسلك هو طريق العقبة وكان يقود ناقته عمار بن ياسر ويسوقها حذيفة بن اليمان، فرأى النبيّ (صلى الله عليه وآله) في ضوء القمر فرساناً قد تلثّموا ولحقوا به من ورائه في حركة مريبة فغضب (صلى الله عليه وآله) وصاح بهم وأمر حذيفة أن يضرب وجوه رواحلهم; فتمالكهم الرعب وعرفوا بأن النبي (صلى الله عليه وآله) قد علم بما أضمرته نفوسهم ومؤامرتهم فاسرعوا تاركين العقبة ليخالطوا الناس ولا تنكشف هويّتهم .
وطلب حذيفة من الرسول(صلى الله عليه وآله) أن يبعث اليهم من يقتلهم بعد ما عرفهم من رواحلهم ولكن رسول الرحمة عفا عنهم وأوكل أمرهم إلى الله تعالى[34].
من نتائج غزوة تبوك :
1 ـ لقد برز المسلمون كقوة كبيرة منظمة، تملك العقيدة القوية فتهابهم الدول المجاورة والديانات الأخرى وكان هذا إنذاراً حقيقياً لكل القوى في خارج البلاد الاسلامية وداخلها بعدم التعرض للإسلام والمسلمين.
2 ـ ضمن المسلمون عن طريق المعاهدات مع زعماء المناطق الحدودية (من جهة الشمال) أمن هذه المنطقة.
3 ـ استفاد المسلمون من قدرتهم على تعبئة جيش كبير في العدة والعدد وازدادت خبرتهم في التنظيم والإعداد، وكانت الرحلة الى تبوك بمثابة استطلاع ميداني استفاد منه المسلمون في المراحل اللاحقة.
4 ـ كانت غزوة تبوك اختباراً لمعنويات المسلمين وتمييزاً للمنافقين وفرزهم عن سائر المسلمين.
5 ـ مسجد ضرار :
لقد جاء النبي (صلى الله عليه وآله) بالشريعة السمحاء ودين التوحيد وعمل جاهداً أن يبني الانسان الصالح والمجتمع السليم وفق التعاليم الربانية، ولقد خاض كل المحن والابتلاءات والمعارك من أجل تطهير الانسان من دنس الشرك ووساوس الشيطان والأمراض النفسية.
وتحركت نوازع الحسد والبغض لدى مجموعة من المنافقين فعمدوا الى بناء مسجد في مقابل مسجد ( قباء ) زاعمين أنّه لذوي العلة والحاجة والليلة المطيرة، وأسرعوا الى النبيّ (صلى الله عليه وآله) يطلبون منه أن يصلّي فيه ليضفي الشرعية على عملهم فأخّر الاستجابة لأنه كان على استعداد للخروج الى تبوك، فلمّا رجع من تبوك نزل الأمر الإلهي بالنهي عن الصلاة في هذا المسجد لأنّه كان عاملاً لتفريق كلمة المسلمين والإضرار بالاُمة، وشتان بين بنيان أسس على التقوى وآخر للإضرار بالمسلمين ومن هنا أمر النبيّ (صلى الله عليه وآله) بهدمه وإحراقه[35].
6 ـ عام الوفود :
بدت سيطرة الإسلام على الجزيرة واضحة . ولم يكن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليلجأ إلى القوة والقتال إلاّ بعد إعذار وإنذار، بل وفي أكثر الوقائع كان قتال المسلمين دفاعاً، على أن بعض قوى الشرك لا تعي الحق ولا تهتدي سبيلاً إلاّ بعد عنف وقوة وتهديد ووعيد.
وحين عاد المسلمون إلى عاصمة دولتهم ـ المدينة المنورة ـ سيّر النبي (صلى الله عليه وآله) عدة سرايا لتطهير البلاد من أماكن الوثنية وأصنام الشرك.
ولقوة المسلمين والانتصارات المتلاحقة بدأت كل قبائل الجزيرة وزعمائها يسمعون بآذان صاغية نداء الإسلام ووضوح أهدافه وهدايته، فأخذت الوفود تقدم إلى المدينة لتعلن إسلامها بين يدي رسول الله(صلى الله عليه وآله) ـ لذلك سمي هذا العام بعام الوفود[36] ـ وكان النبي يستقبلهم ويحسن إليهم ويرسل لهم من يعلمهم فرائض القرآن وشرائع الاسلام.
إسلام قبيلة ثقيف :
أملت ظروف النصر الإلهي على كل عاقل أن يتدبر أمره ويحكّم عقله تجاه الإسلام. وكانت حكمة الرسول بالغة إذ أجّل فتح الطائف يوم امتنعت ثقيف فيها وها هي اليوم ترسل وفدها لتعلن إسلامها بعد أن عاندت وكابرت وقتلت سيداً من سادتها (عروة بن مسعود الثقفي) يوم جاءها مسلماً يدعوها إلى الدين الجديد.
ورحب النبي (صلى الله عليه وآله) بمقدم الوفد الثقفي وضربت لهم قبة في ناحية المسجد النبوي وكلّف (صلى الله عليه وآله) خالد بن سعيد ليقوم بمهام التشريفات ثم بدأ الوفد يفاوض النبي (صلى الله عليه وآله) على الاسلام بشروط هي: أنه يترك صنم القبيلة مدة من الزمن وأبى النبي (صلى الله عليه وآله) إلا التوحيد الناصع الخالص لله وتنازل القوم شيئاً فشيئاً حتى قبلوا الإسلام بشرط أن يعفيهم النبي (صلى الله عليه وآله) عن كسر أصنامهم بأنفسهم كما شرطوا عليه أن يعفيهم من الصلاة فقال النبيّ(صلى الله عليه وآله): لا خير في دين لا صلاة فيه، فقبلوا الاسلام وبقي الوفد مع النبي(صلى الله عليه وآله) مدة من الزمن يتعلمون أحكام الدين. ثم كلف رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة أن يذهبا إلى الطائف لهدم الأصنام فيها[37].
7 ـ وفاة ابراهيم ابن النبيّ (صلى الله عليه وآله) :
في غمرة أفراح النبي (صلى الله عليه وآله) بنجاح الإسلام وانتشار الرسالة حيث كان الناس يدخلون في دين الله أفواجاً، وعك إبراهيم بعد أن دخل في عامه الثاني وجعلت أُمّه (ماريا) تمرّضه ولم ينفع معه شيء فأبلغ النبي(صلى الله عليه وآله) باحتضار ولده فأقبل وإبراهيم يجود بنفسه في حضن اُمه فأخذه النبي(صلى الله عليه وآله) وقال: يا إبراهيم إنا لن نغني عنك من الله شيئاً إنا بك لمحزونون تبكي العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرّب ولولا أنه وعدٌ صادق وموعود جامع فإن الآخر منا يتبع الأول لوجدنا عليك يا ابراهيم وجداً شديداً ما وجدناه[38].
وبدت علامات الحزن واضحة على قسمات وجه النبي (صلى الله عليه وآله) وقيل له: يا رسول الله أولست قد نهيتنا عن هذا؟ فقال (صلى الله عليه وآله): ماعن الحزن نهيت ولكني نهيت عن خمش الوجوه وشق الجيوب ورنّة الشيطان[39].
وروي أنه قال: إنما هذا رحمة ومن لا يَرحم لا يُرحم[40].
ولعظيم منزلة النبي (صلى الله عليه وآله) عند الله سبحانه وما أظهر من معجزات للعالمين حتى آمنوا به ظن بعض المسلمين أنّ كسوف الشمس في يوم وفاة إبراهيم إنما كان من آيات الله لموته.
وسرعان ما ردّ النبي (صلى الله عليه وآله) على هذا الزعم خشية أن تتحول الخرافة إلى سُنّة ومعتقد يتخذها الجاهلون. فقال (صلى الله عليه وآله): أيها الناس إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يكسفان لموت أحد ولا لحياته[41].

_________________________________
[1] وقعت معركة مؤتة في جمادى الاُولى من السنة الثامنة للهجرة.
[2] المغازي: 2 / 758، راجع السيرة النبوية: 2 / 374.
[3] السيرة النبوية: 2 / 381.
[4] بحار الأنوار: 21 / 54، المغازي: 2 / 766، السيرة الحلبية: 3 / 68.
[5] تم فتح مكة في شهر رمضان من السنة الثامنة للهجرة.
[6] السيرة النبوية: 3 / 397، المغازي : 2 / 796.
[7] السيرة النبوية: 2 / 398.
[8] امتاع الاسماع: 1 / 363، المغازي: 2 / 798. ويرى بعض المحققين أن هذا الحديث من الموضوعات. راجع سيرة المصطفى: 592.
[9] وسائل الشيعة: 7 / 124، السيرة الحلبية: 3 / 290، المغازي: 2 / 802، وصحيح مسلم 3/141 ـ 142، كتاب الصيام باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصية، ط دار الفكر ، بيروت.
[10] السيرة النبوية: 3 / 40، مجمع البيان: 10 / 554 .
[11] المغازي ، للواقدي : 2 / 816 ، السيرة النبوية : 3 / 47 .
[12] مسند أحمد : 1 / 151 ، فرائد السمطين : 1 / 249 ، كنز العمّال : 13 / 171 ، السيرة الحلبية : 3 / 86 .
[13] الحجرات (49) : 13.
[14] بحار الأنوار: 21 / 106، والسيرة النبوية: 2 / 412.
[15] بحار الأنوار: 21 / 113، وسورة الممتحنة: الآية 12.
[16] سنن ابن ماجة ، الحديث 3109 ، كنز العمال ، الحديث 34682، الدر المنثور : 1 / 122، ط دار الفكر.
[17] السيرة النبوية: 2 / 420، الخصال: 562، أمالي الطوسي: 318.
[18] الطبقات الكبرى: 2/148 .
[19] وقعت معركة حنين فى شوال من السنة الثامنة للهجرة.
[20] الطبقات الكبرى: 2 / 150، المغازي: 2 / 889 .
[21] السيرة النبوية: 2 / 443، المغازي: 3 / 99.
[22] نزلت آيات من سورة التوبة وهي توضح تأييد الله ونصره، وتلوم من اعتمد العدة والعدد واعتبارهما سبباً للنصر.
[23] امتاع الاسماع: 1 / 409.
[24] سيد المرسلين : 2 / 53 ، المغازي : 3 / 949 ـ 953 .
[25] المغازي : 3 / 954 ـ 955 .
[26] السيرة النبوية: 2 / 496، وراجع المغازي : 3 / 948.
[27] السيرة النبوية: 2 / 498، المغازي: 3 / 957.
[28] كانت غزوة تبوك في رجب سنة ( 9 ) من الهجرة .
[29] الإرشاد للمفيد 1 / 115، أنساب الأشراف: 1 / 94 ـ 95، كنز العمّال ج11 / باب فضائل علي (عليه السلام).
[30] امتاع الأسماع: 1 / 449، صحيح البخاري : 3 / 1359 الحديث 3503، صحيح مسلم : 5 / 23 الحديث 2404، سنن ابن ماجة : 1 / 42 الحديث 115 ، مسند أحمد : 1 / 284 الحديث 1508 .
[31] السيرة النبوية: 2 / 521، السيرة الحلبية: 3 / 134.
[32] المغازي: 3 / 1019.
[33] الطبقات الكبرى: 2 / 166، بحار الأنوار: 21 / 246.
[34] المغازي: 3 / 1042، مجمع البيان: 3 / 46، بحار الأنوار: 21 / 247.
[35] السيرة النبوية: 20 / 530، بحار الأنوار: 20 / 253.
[36] السيرة النبوية لابن هشام : ذكر سنة تسع وتسميتها سنة الوفود .
[37] السيرة النبوية: 2 / 537، السيرة الحلبية: 3 / 216.
[38] السيرة الحلبية: 3 / 311، بحار الأنوار: 22 / 157.
[39] السيرة الحلبية: 3 / 311.
[40] بحار الانوار: 22 / 151.
[41] تاريخ اليعقوبي : 2 / 87 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page