• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الإمام الباقر(علیه السلام) وعلم الاقتصاد

عالج الإمام (عليه السلام) في محاضراته وسيرته أهم الأبحاث الاقتصادية التي تعمل على تحسين أحوال المعيشة وتنشيط الحركة العمالية.
 
من هذه الأبحاث نذكر:
1 ـ تحسين الأحوال المعيشية:
دعا الإمام (عليه السلام) جميع أفراد الأمة إلى السعي الحثيث والجد الدؤوب في طلب المعيشة لينعم الإنسان بالرخاء والرفاه مع أسرته ومع المجتمع الذي يعيش فيه، ويتجنب بذلك بؤس الفقر وذل الحاجة ويعيش بكرامة من عرق جبينه وكد يمينه. قال (عليه السلام): (من تسلح لطلب المعيشة خفت مؤونته، ورخا باله، ونعم عياله) ومع توفر المال يجب توفر الأخلاق وحسن السلوك. قال (عليه السلام): (بسعة الخلق تطيب المعيشة).
فالجد في طلب المعيشة الشريفة يوفر للإنسان الحياة الاقتصادية الحافلة بالرخاء والنعم، وراحة البال وهدوء الاستقرار، وإن الحياة يطيب مناخها وينعم بال أفرادها في ظلال الرخاء، ولا رخاء بدون اقتصاد. فاقتصاد ناجح حياة ناجحة.
2 ـ العمل يطرد الكسل:
الكسل موجب لشل الحركة الاقتصادية وتجميد الطاقات الإنسانية، ونشر الفساد في الأرض. يقول (عليه السلام): (الكسل يضر بالدين والدنيا)(1).
وهذا أمر طبيعي لأن الكسول يتقاعس عن القيام بواجباته الدينية ولا يؤدي فرائضه على وجه تام ولا يقوم بواجباته المطلوبة وهذا بلا ريب يضربالدين. وأما أنه يضر بالدنيا فإن الكسول يميل دائماً إلى الخمول مما يسبب له حياة بائسة تسودها الحاجة ويضنيها الفقر. وقد حذر الإمام (عليه السلام) بعض أبنائه من الكسل فقال له: (إياك والكسل والضجر فإنهما مفتاح كل شر، من كسل لم يؤدّ حقاً، ومن ضجر لم يصبر على حق) وقال علماء الاجتماع: العمل يبعد عنك ثلاث آفات: الفقر والضجر والرذيلة (2).
وقد شجع القرآن الكريم على العمل. قال تعالى: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون..)(3).
فالعمل يطرد الكسل وهو واجب على كل فرد منا والله يأمرنا بذلك وهو يراقب أعمالنا ورسوله والمؤمنون لتكون أعمالاً صالحة يفيد منها الفرد لنفسه وعياله ومجتمعه.
والإسلام بكل اعتزاز يريد للإنسان أن ينطلق في هذه الحياة فيعمل وينتج ويسعد. كما يريد له أن يؤدي حقوق الناس ويرتبط معهم ارتباطاً وثيقاً من خلال سلوكه الحسن، ويؤدي ما عليه من واجبات عائلية واجتماعية. وهذا ما دعا الإمام (عليه السلام) إلى التحذير من الكسل لأن الكسل يهمل حقوق الله وحقوق عباد الله.
3 ـ التشجيع على العمل:
كان الإمام (عليه السلام) يمقت تارك العمل لأنه يؤدي إلى ضعف الإنتاج وزيادة البطالة وانتشار الأزمات الاقتصادية في البلاد. قال (عليه السلام): (إني أمقت الرجل الذي يتعذر عليه المكاسب فيستلقي على قفاه، ويقول: اللهم ارزقني، ويدع أن ينتشر في الأرض، ويلتمس من فضل الله، والذرة تخرج من حجرها وتلتمس رزقها)(4) والله عز وجل يطلب إلينا أن ننتشر في الأرض بعد أن نقوم بواجباتنا الدينية لنعمل وننتج ونعيش. قال تعالى: (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله)(5).
4 ـ العمل في طاعة الله:
كان الإمام (عليه السلام) يرى أن العمل هو طاعة الله، فيعمل بنفسه في أرضه يزرعها ويرويها ويصلحها. يقول محمد بن المنذر: خرجت إلى بعض نواحي المدينة، فلقيني أبو جعفر محمد بن علي (عليه السلام) وكان بادناً ثقيلاً، وهو متكئ على غلامين أسودين، وموليين، فقلت في نفسي: سبحان الله شيخ من أشياخ قريش في هذه الحالة، وفي هذه الساعة يخرج في طلب الدنيا!! أما أني لأعظنه فدنوت منه، فسلمت عليه، وهو يتصبب عرقاً، فقلت له: (أصلحك الله، شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة يخرج لطلب الدنيا؟! أرأيت لو جاء أجلك على هذه الحالة ما كنت تصنع؟) فأجابه الإمام بمنطق الإسلام قائلاً:
(لو جاءني الموت، وأنا في طاعة من طاعات الله عز وجل أعمل فأكف نفسي وعيالي عنك وعن الناس، وإنما كنت أخاف لو جاءني الموت وأنا على معصية من معاصي الله).
فخجل الرجل، ولم يطق جواباً، وانبرى يقول: (صدقت يرحمك الله أردت أن أعظك فوعظتني).
فالعمل على حد تعبير الإمام طاعة من طاعات الله لأن به سد الحاجة وكف النفس والعيال من الاحتياج عما في أيدي الناس والذي يكسف يستطيع أن يعطي والذي يعطي خير من الذي يأخذ لأن (اليد العليا خير من اليد السفلى) على حد قول الرسول الأعظم.
5 ـ سك الدراهم والدنانير:
قام الإمام الباقر (عليه السلام) بأسمى خدمة للعالم الإسلامي، فقد حرر النقد من التبعية إلى الإمبراطورية الرومية، حيث كان النقد يصنع في بلاد الروم ويحمل شعارهم. فجعله الإمام (عليه السلام) مستقلاً بنفسه يحمل الشعار الإسلامي. والسبب في ذلك: هو أن عبد الملك بن مروان نظر إلى قرطاس قد طرز بمصر فأمر بترجمته إلى العربية، وقد كتب عليه الشعار المسيحي: الأب والابن والروح. فأنكر ذلك، وكتب إلى عامله على مصر عبد العزيز بن مروان بإبطال ذلك وأن يحمل المطرزين للثياب والقراطيس وغيرها على أن يطرزها بشعار التوحيد، ويكتبوا عليها: (شهد الله أنه لا إله إلا هو). وكتب إلى عماله في الآفاق بإبطال ما في أعمالهم من القراطيس المطرزة بطراز الروم، ومعاقبة من وجد عنده شيئاً بعد هذا النهي، وقام المطرزون بكتابة ذلك، فانتشرت في الآفاق، وحملت إلى الروم. ولما علم ملك الروم بذلك استشاط غضباً وكتب إلى عبد الملك أن عمل القراطيس بمصر، وسائر ما يطرز إنما يطرز بطراز الروم إلى أن أبطلته، فإن كان من تقدمك من الخلفاء قد أصاب فقد أخطأت، وإن كنت قد أصبت فقد أخطأوا، فاختر من هاتين الحالتين أيهما شئت وأحببت، وقد بعثت لك بهدية تشبه محلك، وأحببت أن تجعل رد ذلك الطراز إلى ما كان عليه في جميع ما كان يطرز من أصناف الأعلاق حالة أشكرك عليها وتأمر بقبض الهدية.
ولما قرأ عبد الملك الرسالة أعلم الرسول أنه لا جواب له عنده كما رد الهدية. وقفل الرسول إلى ملك الروم فأخبره الخبر، فكتب ملك الروم إلى عبد الملك يتهدده ويتوعده.
ولما قرأ عبد الملك التهديد ضاقت عليه الأرض، وحار كيف يصنع وراح يقول: أحسبني أشأم مولد في الإسلام، لأني جنيت على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من شتم هذا الكافر، وسيبقى عليّ هذا العار إلى آخر الدنيا فإن النقد الذي توعدني به ملك الروم إذا طبع سوف يتناول في جميع أنحاء العالم.
جمع عبد الملك الناس، وعرض عليهم الأمر فلم يجد عند أحد رأياً حاسماً. أشار عليه أحدهم يدعى: روح بن زنباع، فقال له: إنك لتعلم المخرج من هذا الأمر، ولكنك تتعمد تركه، فأنكر عليه عبد الملك وقال له:
(ويحك من؟). (عليك بالباقر من أهل بيت النبي (صلّى الله عليه وآله) فأذعن عبد الملك، وصدقه على رأيه، وعرفه أنه غاب عليه الأمر، كتب من فوره إلى عامله على يثرب يأمره بإشخاص الإمام وأن يقوم برعايته والاحتفاء به، وأن يجهزه بمائة ألف درهم، وثلثمائة ألف درهم لنفقته، ولما انتهى الكتاب إلى العامل قام بما عهد إليه، وخرج الإمام من المدينة إلى دمشق. ولما وصل إليها استقبله عبد الملك، واحتفى به، وعرض عليه الأمر فقال (عليه السلام):
(لا يعظم هذا عليك فإنه ليس بشيء من جهتين: إحداهما أن الله عز وجل لم يكن ليطلق ما تهدد به صاحب الروم في رسول الله (صلّى الله عليه وآله) والأخرى وجود الحيلة فيه..).
وطفق عبد الملك حائراً؟ (وما هي؟).
قال (عليه السلام): تدعو في هذه الساعة بصناع فيضربون بين يديك سككاً للدراهم والدنانير، وتجعل النقش صورة التوحيد وذكر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أحدهما في وجه الدرهم، والآخر في الوجه الثاني، وتجعل في مدار الدرهم والدينار ذكر البلد الذي يضرب فيه والسنة التي يضرب فيها، وتعتمد إلى وزن ثلاثين درهماً عدداً من الأصناف الثلاثة إلى العشرة منها وزن عشرة مثاقيل، وعشرة منها وزن ستة مثاقيل، وعشرة منها وزن خمسة مثاقيل، فتكون أوزانها جميعاً واحداً وعشرين مثقالاً، فتجزئها من الثلاثين فيصرا لعدة من الجميع وزن سبعة مثاقيل، وتصب صنجات من قوارير لا تستحيل إلى زيادة ولا نقصان، فتضرب الدراهم على وزن عشرة، والدنانير على وزن سبعة مثاقيل وأمره بضرب السكة على هذا اللون في جميع مناطق العالم الإسلامي، وأن يكون التعامل بها، وتلقى السكة الأولى، ويعاقب بأشد العقوبة من يتعامل بها، وترجع إلى المعامل الإسلامية لتصب ثانياً على الوجه الإسلامي.
وامتثل عبد الملك كلام الإمام (عليه السلام)، فضرب السكة حسبما رأى (عليه السلام) ولما فهم ملك الروم ذلك سقط ما في يده، وخاب سعيه، وظل التعامل بالسكة التي صممها الإمام (عليه السلام) حتى في زمان العباسيين (6) وكما يظهر واضحاً أن العالم الإسلامي مدين للإمام الباقر بما أسداه إليه من الفضل في تحرير النقد الإسلامي وإنقاذه من تبعية الروم وجعله مستقلاً بنفسه يصنع في البلاد الإسلامية ويحمل الشعار الإسلامي ويتعامل به جميع المسلمين في شتى الأقطار الإسلامية.
وعندها رد عبد الملك على ملك الروم: افعل ما كنت هددت به ملك العرب. فقال: إنما أردت أن أغيظه بما كتبت به إليه لأني كنت قادراً عليه فأما الآن فلا أفعل لأن ذلك لا يتعامل به أهل الإسلام.
وثبت ما أشار به محمد بن علي بن الحسين إلى اليوم (7).
قال: ثم رمى بالدرهم إلى بعض الخدم وقال: عليّ بالخازن…).
------------------------------------------------------------------------------------------
1- تحف العقول ص270.
2- نفسه ص 271.
3- سورة التوبة، الآية 105.
4- الذرة: النملة الصغيرة.
5- سورة الجمعة، الآية 10.
6- المحاسن والأضداد للبيهقي ـ وحياة الحيوان للدميري ج1 ص62.
7- نفسه ج2 ص129.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page