خصائص النفس
إنّ خصائص النفس وآثارها وأفعالها على النقيض من خصائص الأجسام وآثارها وأفعالها بصورة مطلقة وهذا دليل على أنّ النفس ليست جسماً.
فعلى سبيل المثال: نحن نعلم أنّ الجسم لا يتقبّل بالضرورة سوى صورة واحدة، وإذا اُريد إعطاؤه صورة اُخرى كان لابُدَّ للصورة الاُولى أن تفارقه لكي يمكنه تقبّل الصورة الثانية، فإذا رسمت ـــ مثلاً ـــ صورة على صفحة الورق لا يمكن رسم صورة اُخرى مكانها، إلا إذا اُزيلت الصورة الاُولى تماماً، وهذا الحكم يجري في جميع الأجسام بالضرورة العقلية.
أمّا النفس فتختلف تماماًَ، ففي الوقت الذي تكون هناك صورة مرسومة فيها، يمكن رسم صورة اُخرى مضادّة لها من دون زوال الصورة الاُولى.
وأيضاً أنّ الجسم ترتسم فيه الصور المتناهية، أمّا في النفس فترتسم الصور غير المتناهية؛ ولهذا فهي تحكم على الاُمور غير المتناهية.
وأيضاً أنّ الجسم الذي تزول منه الصورة، لا تعود إليه من دون استئناف السبب، ولكن النفس إذا غابت عنها بعض الصور عادت إليها من دون سبب خارجي.
إذاً، يتبيّن أنّ النفس تضاد جميع الأجسام في خصائصها وآثارها وأفعالها، أي أنّ النفس مجرّدة وليست من سنخ الأجسام والجسمانيات، والمجرّدات لا تفسد، كما هو مبرهن عليه في محلّه؛ وذلك لأنّ الفساد لا يكون من دون مادة قابلة للفساد، والمجرّدات منزّهة عن مادة قابلة للفساد؛ إذ أنّ ذلك من لوازم الأجسام.
ومن هنا يستنتج أنّ النفس لا تفسد بفساد البدن وبمفارقتها له، بل تبقى في عالم آخر ولا تفنى، وهذا هو المعاد الروحي للنفوس والأرواح قبل يوم القيامة إلى أن يشاء الله لها أن تعود إلى الأبدان.