طباعة

المقدمة

إنّ فضائل علي عليه السلام ومناقبه وصفاته التي تميّز بها ولدت معه ورافقته حتى استشهاده، من ولادته في جوف الكعبة وهي أعظم بيت من بيوت اللَّه سبحانه وتعالى وكانت هذه الولادة 'إيذاناً بعهد جديد للكعبة وللعبادة فيها' كما يقول عباس محمود العقاد [المجموعة الكاملة 35:2.] حتى استشهاده في محراب صلاته في بيت آخر من بيوت اللَّه في مسجد الكوفة، وهي ولادة ثانية له، ولكن هذه المرّة حيث جوار اللَّه سبحانه وتعالى وحيث الحياة الأبدية التي فيها الخلود وحيث الأنبياء والصدّيقون الولادة في هذه البقعة المباركة المقدّسة تعدّ أولى مناقبه عليه السلام التي كرّمها اللَّه فيها، والتي لم تنجُ من كيد أعدائه وحقدهم وحسدهم، فراحت جهودهم تتضافر وأقلامهم المأجورة تنشط لتكيد كيدها لهذه الفضيلة، وبما أ نّهم لا يستطيعون نكرانها بالمرّة لشهرتها وتواترها، اختلقوا ولادة اُخرى؛ ولادة حكيم بن حزام في الكعبة، ليصلوا من خلال ذلك إلى أنّ ولادة عليّ لا تعدّ منقبةً يفخر بها أحبّاؤه وأولياؤه، وهي ليست كرامة له، فقد وُلِدَ غيره داخل الكعبة، فلماذا لا نعدّها كرامة أيضاً؟ وعلى فرض أ نّها كرامة له فلم يتفرّد بها؛ لأنّ حكيماً ولد هو الآخر في الكعبة، وبالتالي توهين هذه المنقبة وحكيم هذا هو ابن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزّى بن قصي بن كلاب بن مرّة [تاريخ دمشق 93:15] فهو ابن أخٍ لخديجة بنت خويلد "أُم المؤمنين رضوان اللَّه عليها" ويلتقي بمصعب بن ثابت بن عبد اللَّه بن الزبير المتوفى سنة ست وثلاثين ومائتين الذي كان من رواة ولادته في الكعبة إلّا أ نّه تفرّد بإضافة منه "ولم يولد قبلَه ولا بعدَه في الكعبة أحد" لمآرب في نفسه، يلتقي به في جدّهم خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرّة علماً بأنّ هذه الإضافة لم أجدها عند غيره ممّن رووا ولادة حكيم في الكعبة وكلّهم كانوا في القرن الثالث للهجرة، فهي قصّة ولدت متأخّرة جدّاً ومقطوعة الإسناد وتعاني من ضعف رواتها وشذوذها.
ولم تكن ولادة حكيم معروفة قبل هذه الرواية بل لم تذكر أبداً في المصادر التأريخية ولا الروائية، كما أنّ حكيماً نفسه لم يذكر أنّ ولادته كانت في الكعبة، لا في جاهليته ولا في إسلامه، وهو شرف عظيم كانوا يفتخرون به في الجاهلية ويتمنّونه، فكيف سكت حزام عن ذكر ذلك ولم يشر إليه ولو إشارة بسيطة؟ ولم يكن صاحب مناقب كثيرة حتّى يترك ذكرها كما لم يكن زاهداً فمنعه زهده عن ذكرها. كما لم يذكرها مَن حوله وهو من وجهاء قريش في الجاهلية والإسلام ومن علمائها بالنسب، كما كان جواداً كريماً، وهو بالتالي ليس نكرة حتى يُنسى خبر ولادته في بقعة مباركة، وكان إذا سئل عن ولادته فلم يزد في إجابته عن: ولدتُ قبل قدوم أصحاب الفيل بثلاث عشرة سنة، وذلك قبل مولد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بخمس سنين [تاريخ دمشق 98:15.]
وكان إسلامه يوم الفتح وقيل: يوم اُحد، وكان من المؤلفة قلوبهم، أعطاه النبيّ صلى الله عليه و آله من غنائم حنين مائة بعير، عاش مائة وعشرين سنة؛ ستّين في الجاهلية وستّين في الإسلام، وتوفي في المدينة سنة أربع وخمسين وقيل سنة ثمان وخمسين [تاريخ دمشق 95:15.]