• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

ولادة أميرالمؤمنين خصوصية في الزمان و تفرد في المكان

ولادة أميرالمؤمنين خصوصية في الزمان و تفرد في المكان بينما كان العالم يغرق في ظلام الجاهلية الجهلاء التي غطّت كلّ أفنائه بالوثنية والشرك، بدأ الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله يرى آثار فضل ربّه وإكرامه ويسمع الهتاف من السماء قبل أن يظهر له أمين الوحي جبرئيل، فكان لا يمرّ بحجرٍ ولا شجرٍ إلّا سلّم عليه، وكُشف له عن بصره، فشاهد أنواراً قدسية وأشخاصاً نورانيين، وبانت عليه علامات وصفات، وظهرت فيه آيات بيّنات استدلّ بها بُحيرا الراهب على نبوّته، وهو في طريقه إلى الشام، يصحب عمّه شيخ البطحاء أبا طالب عليه السلام في قافلته وما أن رأى النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله تباشير الخير والرحمة وانقطع إلى عبادة ربّه وهو في ربيعه الثلاثين، شاءت الإرادة الربانيّة أن يُولد وصيّ النبيّ وصاحب سرّه وابن عمّه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام في الكعبة المعظّمة.

وعامُ مولدهِ العامُ الذي بَدَأت                        بشائرُ الوحي تأتي من أعاليها
فيه الحجارةُ والأشجارُ قد هتفت                 للمصطفى وهو رائيها وصاغيها
وإذ دَرَى المصطفى فيهِ ولادة                    مولانا العليّ غدا بالبشر يُطريها
وباتَ مستبشراً بالطفل قال به                   لنا من النعم الزهراء ضافيها
[الأبيات من القصيدة العلويّة للشاعر عبد المسيح الأنطاكي، راجع عليٌّ وليد الكعبة "للاُردوباديّ": 80.]
وكانت تلك الولادة المباركة من خصائص أمير المؤمنين، التي لم يحز فضلها أحد قبلَه ولا بعدَه، على مدى التاريخ البشري، لأ نّها نالت شرف الاصطفاء في خصوصية الزمان، وتفرّدها في شرف المكان فقد شاءت إرادة الربّ سبحانه أن يطلّ أمير المؤمنين عليه السلام على الدنيا في وقت إرهاصات النبوّة، ليتربّى في حجر ابن عمّه النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله دون أن تنجّسه الجاهلية بأنجاسها، أو تلبسه من مدلهمّات ثيابها، وأن يحرز قصب السبق إلى الإسلام مكرّماً وجهه عن الشرك وعبادة الأصنام لقد تضاعف ابتهاج النبيّ الأعظم صلى الله عليه و آله بولادة أمير المؤمنين عليه السلام وتمّت بالوليد مسرّته، فكان يلي تربيته، ويراعيه في نومه ويقظته، ويحمله على صدره وعاتقه، ويحبوه بألطافه وتحفه، ويقول: 'هذا أخي وناصري، وصفيّي ووصيّي، وذخيرتي وكهفي' وكان يحمله ويطوف به جبال مكّة وشعابها، وأوديتها وفجاجها [إثبات الوصية "للمسعودي": 121، وكنز الفوائد "للكراجكي" 255:1.]
وهكذا حصل الوصيّ على شرف التربية النبويّة منذ نعومة أظفاره بعيداً عن أباطيل الجاهليّة، مقتدياً بمكارم أخلاق معلّمه العظيم صلى الله عليه و آله، ومتأثّراً بعظمة نفسه وطهره ونقاء ضميره وحسن سيرته وسلوكه، وأشار عليه السلام إلى آثار تلك التربية الربانيّة بقوله:
'قَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله بِالْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ وَالْمَنْزِلَةِ الْخَصِيصَةِ، وَضَعَنِي فِي حِجْرِهِ وَأَنَا وَلَيدٌ، يَضُمُّنِي إِلَى صَدْرِهِ، وَيَكْنُفُنِي فِي فِرَاشِهِ، وَيُمِسُّنِي جَسَدَهُ، وَيُشِمُّنِي عَرْفَهُ، وَكَانَ يَمْضَغُ الشَّيْ ءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيهِ، وَلَقَدْ قَرَنَ اللَّهُ بِهِ صلى الله عليه و آله مِنْ لَدُنْ أَنْ كَانَ فَطِيماً أَعْظَمَ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَتِهِ، يَسْلُكُ بِهِ طَرِيقَ الْمَكَارِمِ وَ مَحَاسِنَ أَخْلَاقِ الْعَالَمِ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ، وَلَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُهُ اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّهِ، يَرْفَعُ لِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَخْلَاقِهِ عَلَماً، وَيَأْمُرُنِي بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ'
[نهج البلاغة "تحقيق صبحي الصالح": 300، خ 192.]
وكان من مظاهر شرف الاصطفاء، هو انتقال وليد الكعبة منذ كان عمره ستّ سنين إلى بيت النبيّ صلى الله عليه و آله.
ذكر أحمد بن يحيى البلاذري وعليّ بن الحسين الأصفهانيّ: أنّ قريشاً أصابتها أزمة وقحط، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لعمّيه حمزة والعباس: 'ألا نحمل ثَقَل أبي طالب في هذا المَحل' فجاءوا إليه، وسألوه أن يدفع إليهم ولده ليكفوه أمرهم.
فقال: دعوا لي عقيلاً، وخذوا من شئتم.
فأخذ العبّاس طالباً، وأخذ حمزة جعفراً، وأخذ محمّد صلى الله عليه و آله عليّاًّ عليه السلام وقال لهم: 'قد أخذت من اختاره اللَّه لي عليكم عليّاً' [شرح نهج البلاغة "لابن أبي الحديد" 15:1.] فشاءت العناية الربانيّة أن يعيش أمير المؤمنين عليه السلام مع محمّد الصادق الأمين صلى الله عليه و آله يتأدّب على يديه ويتعلّم خصال نفسه الزكية فكان من ثمار تلك العناية الإلهيّة والتربية النبويّة أن صارت شخصيّة وصيّ النبيّ المصطفى صلى الله عليه و آله اختصاراً لشخصيّة المربّي عليه السلام ونسخة ناطقة بشمائله وسيرته وعبادته وعلمه وشجاعته وكرمه وزهده وصبره، وأن ينال الذروة العليا من مبادىء الاستقامة والشرف والعظمة والسيادة، وأن يتحلّى بخصائص فريدة ومناقب فذّة ومزايا عجيبة.
ومن بين تلك الخصائص الفريدة والمناقب الفذّة شرف السبق إلى الإسلام والتقدّم إلى الإيمان، وهو شرف عظيم لا يضاهى، وفضل كبير لا يدانى.
فليس في حياة عليّ عليه السلام يومٌ للشرك أو الوثنيّة، بل،وُلِدَ في الإسلام دفعة واحدة وإلى الأبد، فكان مثار دهشة أبديّة، أن يولد عليّ عليه السلام مسلماً في زمن الجاهليّة حينما بلغ الوليد العاشرة كان الوحي قد أمر الرسول صلى الله عليه و آله بالدعوة، فكان عليّ عليه السلام ربيب الوحي وغرسة النبوّة يرى نور الوحي والرسالة، ويشمّ ريح النبوة، ويسبق الناس إلى الإيمان بالواحد الأحد والتصديق بالنبيّ الخاتم صلى الله عليه و آله، والتقدّم إلى محراب الصلاة مع ابن عمّه المبعوث رحمة إلى العالمين.
قال أمير المؤمنين عليه السلام في خطبته القاصعة: 'وَلَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِحِرَاءَ، فَأَرَاهُ وَلَا يَرَاهُ غَيْرِي، وَلَمْ يَجْمَعْ بَيْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذٍ فِي الْإِسْلَامِ غَيْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وَخَدِيجَةَ، وَأَنَا ثَالِثُهُمَا، أَرَى نُورَ الْوَحْيِ وَالرِّسَالَةِ، وَأَشُمُّ رِيحَ النُّبُوَّةِ، وَلَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّةَ الشَّيْطَانِ حِينَ نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَيْهِ صلى الله عليه و آله فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا هَذِهِ الرَّنَّةُ؟ فَقَالَ: هَذَا الشَّيْطَانُ قَدْ أَيِسَ مِنْ عِبَادَتِهِ، إِنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ، وَتَرَى مَا أَرَى، إِلَّا أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ، وَلَكِنَّكَ لَوَزِيرٌ، وَإِنَّكَ لَعَلَى خَيْرٍ
[نهج البلاغة "تحقيق صبحي الصالح": 301، خ 192.]
وقال عليه السلام: 'أنا عبد اللَّه وأخو رسول اللَّه، وأنا الصدّيق الأكبر، لا يقولها بعدي إلّا كاذب، صلّيت قبل الناس بسبع سنين قبل أن يعبده أحدٌ من هذه الاُمّة' [المستدرك على الصحيحين "للحاكم" 111:3-112.]
هذه إذن هي خصوصية الزمان الذي وُلِدَ فيه أمير المؤمنين عليه السلام وتربّى وعاش فتوّته.
أمّا تفرّده بفضل المكان، فقد وُلِدَ عليه السلام في الكعبة المعظّمة ببيت اللَّه الذي رفع قواعده أبوه إبراهيم عليه السلام بطريقة إعجازية متلبّسة بالأسرار بما اشتملت عليه من انشقاق جدار البيت، ودخول فاطمة بنت أسد اُمّ أمير المؤمنين عليه السلام في جوف الكعبة، ومن ثمّ التآم موضع الشقّ، وبقائها في البيت ثلاثة أيّام تأكل من طعام الجنّة، وطلوع الوليد شاخصاً بوجهه إلى السماء، مستقبلاً الأرض بكفّيه، ناطقاً باسم اللَّه، مديراً ظهره للأصنام.
ومعلوم أنّ البيت الحرام الذي جعله اللَّه سبحانه للناس قياماً هو موضع للعبادة لا دار للولادة، فولادة أمير المؤمنين عليه السلام فيه بما يكتنفها من ظواهر إعجازية خارجة عن المألوف وعن موارد المصادفة، دليل على أنّ تلك الولادة كانت اصطفاءً تتجلّى فيه آثار المشيئة الربّانية وتحفّه الإرادة الإلهية، وتلك هي خصوصيّة المكان التي تفرّد بها وليد الكعبة بمقتضى عناية اللَّه بوليّه، وتفضّله على وصيّ نبيّه صلى الله عليه و آله: 'وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهَُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ' [سورة البقرة: 105.] وليس عبثاً أن تتجلّى مشيئة الخالق في ولادة وصيّ النبيّ الخاتم صلى الله عليه و آله في بيته العتيق، مادام ثمّة تقارنٌ وتواصلٌ وتعاطٍ بين البيت والوصيّ في جهات عديدة: منها: الاصطفاء الإلهيّ: فقد جاء في الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام: 'أنّ اللَّه اختار من كلّ شي ء شيئاً، واختار من الأرض موضع الكعبة' [من لا يحضره الفقيه "للصدوق" 157:2 /679.]
وجاء عن الرسول صلى الله عليه و آله أ نّه قال لابنته فاطمة عليهاالسلام: 'إنّ اللَّه اطّلع على أهل الدنيا فاختار من الخلائق أباك فبعثه نبيّاً، ثم اطّلع ثانية فاختار من الخلائق عليّاً، فأوحى إليّ فزوّجتكِ إياه، واتخذته وصيّاً ووزيراً' [مناقب علي بن أبي طالب عليه السلام "لابن المغازلي": 151، ومناقب علي بن أبي طالب عليه السلام "للخوارزمي": 206، وكنز العمال "للمتقي الهندي" 604:11 /32923.]
ومنها: الفضل والخلافة: فالكعبة أكرم البيوت على وجه الأرض، وأوّل بيتٍ شرّفه اللَّه وعظّمه وجعله مثابة للعبادة في الأرض على نمط الضُّراح أو البيت المعمور الذي هو مثابةٌ لعبادة سكّان السماء وقد جعل اللَّه سبحانه الكعبة نسخةً من البيت المعمور مضارعةً له في المكان والمنزلة.
وكذلك وليد الكعبة هو أوّل قدوة مُثلى للبشر بعد النبيّ صلى الله عليه و آله في مسيرهم نحو مدارج الكمال في العلم والمعرفة ومكارم الأخلاق وهو من النبيّ صلى الله عليه و آله بمنزلة هارون من موسى إلّا أ نّه لا نبيّ بعده صلى الله عليه و آله.
والنبيّ صلى الله عليه و آله دار الحكمة وعليّ عليه السلام بابها.
وهو صلى الله عليه و آله مدينة العلم وعليّ عليه السلام بابها.
وعلي عليه السلام عيبة الأسرار الإلهيّة وخازن المآثر النبويّة وأعلم الناس بالكتاب العظيم وأعلمهم بسنّة النبيّ الكريم صلى الله عليه و آله.
ومنها: القصد والاختبار: فالبيت الحرام جعله اللَّه تعالى محلّ اختبار وامتحان للخلق، فقد أمر اللَّه سبحانه الخلق: 'أَنْ يَثْنُوا أَعْطَافَهُمْ نَحْوَهُ، فَصَارَ مَثَابَةً لِمُنْتَجَعِ أَسْفَارِهِمْ، وَغَايَةً لِمُلْقَى رِحَالِهِمْ، تَهْوِي إِلَيْهِ ثِمَارُ الْأَفْئِدَةِ مِنْ مَفَاوِزِ قِفَارٍ سَحِيقَةٍ، وَمَهَاوِي فِجَاجٍ عَمِيقَةٍ، وَجَزَائِرِ بِحَارٍ مُنْقَطِعَةٍ، حَتَّى يَهُزُّوا مَنَاكِبَهُمْ ذُلُلاً يُهَلِّلُونَ لِلَّهِ حَوْلَهُ، وَيَرْمُلُونَ عَلَى أَقْدَامِهِمْ شُعْثاً غُبْراً لَهُ، قَدْ نَبَذُوا السَّرَابِيلَ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ، وَشَوَّهُوا بِإِعْفَاءِ الشُّعُورِ مَحَاسِنَ خَلْقِهِمُ، ابْتِلاءً عَظِيماً، وَامْتِحَاناً شَدِيداً، وَاخْتِبَاراً مُبِيناً، وَتَمْحِيصاً بَلِيغاً، جَعَلَهُ اللَّهُ سَبَباً لِرَحْمَتِهِ، وَوُصْلَةً إِلَى جَنَّتِهِ' [نهج البلاغة "تحقيق صبحي الصالح": 192/293.] وعن الإمام الصادق عليه السلام: 'هذا بيت استعبد اللَّه به خلقه، ليختبر طاعتهم في إتيانه، فحثّهم على تعظيمه وزيارته، وجعله محلَّ أنبيائه، وقبلةً للمصلّين إليه، فهو شعبة من رضوانه، وطريق يؤدّي إلى غفرانه' [الكافي "للكليني" 198:4 /1.]
وأمير المؤمنين عليه السلام مَثَله مثل الكعبة يقصده الناس ولا يقصد أحداً، ويسألونه ولا يسأل أحداً ويمتارون منه العلم ولا يمتار من أحد.
قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'يا عليّ أنتَ بمنزلة الكعبة تؤتى ولا تأتي' [أُسد الغابة "لابن الأثير" 31:4.]
وهو قبلة أفئدة المؤمنين الذين أُمروا بالتوجّه إليه والتمسّك بولايته، والاعتقاد بفرض طاعته ومودّته بعد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، باعتباره وصيّاً ووليّاً، وقائداً رساليّاً وحبّ عليّ عليه السلام طريق يؤدّي إلى الغفران، لأ نّه أحبّ الخلق إلى اللَّه تعالى وإلى رسوله صلى الله عليه و آله ومن هنا كان محلّ ابتلاء واختبار، فحبّه علامة الإيمان، وبغضه علامة الكفر والنفاق، فلا يحبّه إلّا مؤمن، ولا يبغضه إلّا منافق.
ومنها: مظاهر العبادة والخضوع: ففي البيت تتجلّى مظاهر العبادة والخضوع للواحد القهّار، وتلك المظاهر تتجلّى في وليد البيت عليه السلام قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'مثل عليّ فيكم كمثل الكعبة؛ النظر إليها عبادة، والحجّ إليها فريضة' [ترجمة علي عليه السلام من تاريخ دمشق "لابن عساكر" 406:2 والمناقب "لابن المغازلي": 107/106.]
وقال عليه السلام: 'النظر إلى عليّ عبادة' [المستدرك "للحاكم"142:3، وحلية الأولياء "لأبي نعيم" 182:2، والرياض النضرة "للمحب الطبري" 197:3، والمناقب "لابن المغازلي": 244 / 211- 206 وما بعده، وكنز العمال "للمتقي الهندي" 601:11 /32895، وانظر كتاب 'الإفادة بطرق حديث: النظر إلى عليّ عبادة' تأليف السيّد عبد العزيز بن الصدّيق الحسني الغماري المغربي "1338-1418 ه" المنشور في العدد الثالث من مجلة 'علوم الحديث' الصادرة من كليّة علوم الحديث في طهران، السنة الثانية، 1419 ه، في الصفحات "239-305".] وقال صلى الله عليه و آله: 'ذِكرُ عليّ عبادة' [وسيلة المتعبّدين "للملّا" 168:5 / قسم 2، والمناقب "لابن المغازلي": 243 / 206، وفردوس الأخبار "للديلمي" 244:2 /3151، وكنز العمال "للمتقي الهندي" 601:11 /32894.]

أمّا التواصل والتعاطي بين البيت ووليده
فإنّ الوليد لم ينل شرف المكان وحسب، بل إنّ المكان تشرّف به، لأ نّه وُلِدَ في بيت اللَّه الذي دنّسه الكفار والمشركون بأوثانهم وأصنامهم.
وُلِدَ وهو مديرٌ ظهره لها، مكرّماً وجهه عن النظر إليها فكانت خيبة الأصنام البلهاء بميلاد القادم الجديد.
ففي خارج البيت العتيق كانت الإرادة الإلهية تهيّى ء للناس رسولاً كريماً يتحدّى عالم الأوثان.
وفي داخل البيت كانت الإرادة الإلهيّة قد هيّأت للمصطفى خليلاً أدار ظهره للأصنام منذ اللحظة الأُولى للولادة [علي بن أبي طالب سلطة الحق "لعزيز السيّد جاسم": 15.] وهكذا كانت بعثة النبيّ الكريم صلى الله عليه و آله وولادة الوصيّ عليه السلام إيذاناً بتطهير البيت العتيق من الأصنام، ونشر مبادى ء التوحيد في اُمّ القرى وما حولها.

قال السيّد شهاب الدين محمود الآلوسي "ت 1270 ه" في "سرح الخريدة الغيبيّة في شرح القصيدة العينية" لعبد الباقي أفندي العمري "ص: 75 "عند قول الناظم مخاطباً أمير المؤمنين عليه السلام:

وأنتَ أنتَ الذي حطّت له قَدَم               في موضعٍ يدَهُ الرحمنُ قَد وَضعا
قيل: أحبّ عليه الصلاة والسلام يعني علياً عليه السلام أن يكافئ الكعبة حيث وُلِدَ في بطنها بوضع الصنم عن ظهرها.
فإنها كما ورد في بعض الآثار كانت تشتكي إلى اللَّه تعالى عبادة الأصنام حولها وتقول: 'أي ربّ حتى متى تُعبَد هذه الأصنام حولي؟' واللَّه تعالى يعِدُها بتطهيرها من ذلك [الغدير "للأميني" 22:6-23.] وكان ثمّة موعد بين الكعبة ووليدها في تطهيرها من مظاهر الشرك والرجس، فكان اللقاء بينهما في يوم الفتح المبين، وبحضور ابن عمّه النبيّ المصطفى صلى الله عليه و آله، قال عليه السلام: 'انطلق بي رسول اللَّه صلى الله عليه و آله حتى أتى بي الكعبة.
فقال لي: اجلس فجلستُ إلى جنب الكعبة، فصعد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بمنكبي، ثمّ قال لي: انهض، فنهضت.
فلمّا رأى ضعفي تحته قال لي: اجلس، فنزلت وجلست.
ثمّ قال لي: يا عليّ 'اصعد على منكبي' فصعدت على منكبيه، ثمّ نهض بي رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فلمّا نهض بي خُيّل إليّ لو شئت نلتُ أُفُقَ السماء، فصعدتُ فوق الكعبة، وتنحّى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فقال لي: ألقِ صَنَمَهم الأكبر، صنمَ قُريش، وكان من نُحاس مؤتدّاً بأوتادٍ من حديد إلى الأرض فقال لي رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: عالجه.
ورسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول لي: إيهٍ إيهٍ 'جاءَ الحقُّ وزَهَقَ الباطلُ إنّ الباطِلَ كانَ زَهُوقاً'.
فلم أزل أُعالجه حتّى استمكنتُ منه فقال: اقذفه، فقذفتُهُ فتكسّر، وتردّيت من فوق الكعبة.
[المستدرك "للحاكم" 367:2، ومسند أحمد 84:1 و 151، وتاريخ بغداد "للخطيب البغدادي" 303:13، والمناقب "لابن المغازلي": 240 / 202، ومجمع الزوائد "للهيثمي" 23:6، وعلل الشرائع "للصدوق" 173:1 /1، ومعاني الأخبار "للصدوق": 1/350.]
وكان ذلك خاتمة مظاهر الشرك والرجس في البيت المقدّس، وأوّل مظاهر التطهير في عهد الإسلام على يد الوصيّ المرتضى "صلوات اللَّه عليه".
وهو بمنزلة سجدة شكرٍ من أمير المؤمنين عليه السلام لربّه الكريم حيث حباهُ أن يولد في بيته المعظّم، وقد أشار العلّامة السيّد رضا الهندي إلى هذا المعنى بقوله:

لمّا دعاك اللَّه قدماً لأن                 تولدَ في البيت فلبّيتهُ
شكرتَهُ بينَ قريشٍ بأن                 طهّرتَ من أصنامهم بَيتَهُ


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page