• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

نبا الولادة والمحدّثون

لا نريد من المحدّثين السّذّج، الذين لم يعرفوا إلّا أساطير في خلال الكتب، أو قول بسيط مثل "حدّثني فلان" وهو لا يرى سعة العلم إلّا بالتوسّع في النقل، فيحشد من ذلك صفوفاً، ويسرد من وَرَطات القالة أُلوفاً من غير ما تفقّه في مغزى الحديث، ولا تبصّرٍ في مؤدّاه، ثمّ إذا طوى الدهر أيّامه تناقلت رواة الجيل الثاني أخباره من دون وقوف على قصّته، وإنّما غرّتهم فخفخة الرجل، ومحاباة نظرائه من أرباب المعاجم بأ نّه "حافظ، روى مائة ألف أو تزيد" إلى غيرها من ألفاظ الثناء الباطل إنّما نقصدُ هاهنا أئمّة الحديث، ومهرة فنّه النياقد، الذين لا يروقهم رمي القول على عواهنه، فلا يؤمنون بالمنقول إلّا بعد التفرّغ من أمر إسناده، والتثبّت فيه، والتروّي في متنه، حذار مخالفته لمعقولٍ، أو مصادمته لشي ء من الاُصول.
فنريد من المحدّث ذلك الحَبر الناقد الضليع في العلم، الذي ضرب فراغاً من أويقاته للتبصّر في هذا الفن، والإحاطة به من أطرافه بما هو من أشرف العلوم وأهمّ الفرائض على العلماء الباحثين فهو محدّثٌ حينَ يقف على هذا النغز، كما أ نّه فقيهٌ متى طَفِقَ يردّ الفرع على الأصل، ومفسّرٌ حين يتحرّى مغازي آي الكتاب الكريم واكتشاف مخبّآتها، وهو فنّي إذا عطف النظر على أيّ من العلوم.
إذا عرفتَ القصد من هذا العنوان، فإنّك جدّ عظيم بدخول كثيرٍ ممن ذكرناهم من رواة الحديث أو الناصّين بمفاده، كعلم الهدى السيّد المرتضى، وأخيه السيّد الرضيّ، وشيخ الطائفة الطوسيّ، وقبلهم رئيس المحدّثين الصدوق، وبعدهم رشيد الدين ابن شهر آشوب، وابن الفتّال الشهيد، وآية اللَّه العلّامة الحلّي، وابن بطريق، إلى غير هؤلاء من الكثيرين الأول، ممن سلفت الإشارة إليهم، وإلى اُناس آخرين من علماء أهل السنة كالحاكم وغيره، كما سلف ذكرهم. لكننا نذكر هنا أفذاذاً لم نذكرهم هنالك، أو لخصوصية فيهم لم تذكر فيما مرّ، وبهذا الفصل وغيره من فصول هذه الرسالة تعرف مقيل ما هَوِسَ به ابنُ أبي الحديد في 'شرح النهج' في الحقيقة من أنّ حديث الولادة مزعمة كثيرٍ من الشيعة 'والمحدّثون لا يعترفون بذلك، ويزعمون أنّ المولود في البيت حكيم بن حزام' [شرح نهج البلاغة 14:1.] وقد مرّت بك كلمة الحاكم النيسابوري في الولادتين، وهو أحد أئمّة المحدّثين، وغيره من محدّثي أهل السنّة والشيعة، وإلى الملتقى هاهنا.
ففي "المجموع الرائق" تأليف السيّد الأجل، في اُخرياته، عند ذكر "المائة منقبة" المخصوصة بأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وذلك مما رواه الشيخ السعيد أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه قدّس اللَّه ارواحهم يوم الغدير من سنة إحدى وستّين وثلاثمائة، يرفعه إلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، ممّا خصّ اللَّه به أمير المؤمنين علياً عليه السلام:
|المنقبة الأُولى|: 'أنّ اللَّه تعالى خلقه من نور عظمته' إلى قوله:|الثامنة|: 'أنّه ولد في الكعبة'.
|التاسعة|: 'أ نّه لمّا ولد في الكعبة ظهر نوره من عِناسن السماء إلى ظهر الكعبة، وسقطت الأص نام التي كانت على الكعبة على وجوهها، وصاح إبليس، وقال: ويلٌ للأصنام وعبدتها مِن هذا المولود' [المجموع الرائق: 154، مخطوط.] وقال العلّامة أبو الفتح محمّد بن عليّ بن عثمان الكراچكي الفقيه المحدّث المتكلّم الثقة، المتوفّى سنة "449 ه" من تلمذة شيخنا المفيد في "كنز الفوائد" بعد أن ذكر أحاديث في مقدّمة الولادة من خبر الكاهن، ورؤيا فاطمة بنت أسد، وتعبير الكاهن لها ما لفظه: وفي الحديث أ نّها- يعني فاطمة بنت أسد- دخلت الكعبة على ما جرت به عادتها، فصادفَ دخولها وقت ولادتها، فولدت أمير المؤمنين عليه السلام داخلها' [كنز الفوائد 255:1.] والمتّبع من هذا الحديث ما هو الجامع بينه وبين أحاديث الباب وأقواله من أصل الولادة في البيت، وأمّا كيفية الدخول فيها فالمعتمد عليه ما أسلفنا لك نبأه من أ نّها كانت أمراً من أمر اللَّه، وعنايةً من عنده خاصّةً بأمير المؤمنين عليه السلام، خارجةً عن مجاري الطبيعة ومقتضيات الصدف. ولذلك انشقّ البيت لفاطمة، ثمّ لمّا دخلته ارتأبت الصدعةُ ولم ينفتح قُفل الباب بالرغم من جهدهم الأكيد في فتحه.
وأكلت هي من ثمار الجنّة في جوف البيت، وكان من أمر الولادة ما عرفت. فخرجت من البيت متبجّحةً بما منحها اللَّه سبحانه.
وهذا هو المناسب لما عرفته من إطباق كلمات العلماء والأئمة، من أنّ ذلك فضيلةٌ اختصّ اللَّهُ بها أمير المؤمنين عليه السلام.
وأيّ فضيلةٍ في الوقوع صدفة، ولا عن قصدٍ كما يقع كثيراً لأفراد من الناس والحيوان من الولادة في محالٍّ شريفةٍ على مجاري العادة، ولا يعدّ شرفاً وفضيلة لهم، كما لم تعدّ الولادة في البيت فضيلةٍ لحكيم بن حزام على تقدير صحّة الرواية. فإنّ مَن أخبتَ بها لم يذكر فيها ما ذكره في أمير المؤمنين عليه السلام من أ نّها فضيلةٌ اختصّه اللَّه بها، ولا قال كقولهم فيه من أ نّه لم يسبقه إلى مثلها أحدٌ، ولا يلحقه فيها أحدٌ، وما هو إلّا لما ذكرناه.
وفي كتاب "الأربعين" للشيخ أبي الفوارس، أو أبي عبد اللَّه محمد بن مسلم بن أبي الفوارس الرازيّ عن السيّد الأجلّ الأوحد جمال الدين عزّ الإسلام فخر العشيرة شرف الدين أبي محمد، إبراهيم بن عليّ بن محمد العلوي الحسني [في اليقين: الحسيني.] الموسوي بكازرون في التاسع عشر من شهر رجب، عن الشيخ العارف، شهريار بن تاج الدين الفارسيّ، عن القاضي أبي القاسم، أحمد بن ظاهر النوري [في اليقين: أبو القاسم أحمد بن طاهر السوري.]، عن الشيخ الإمام شرف العارفين أبي المختار، الحسن بن عبد الوهاب، عن أبي التحف [في اليقين: أبو النجيب، والظاهر صحّة ما في الأصل، كما في رياض العلماء 123:2-129، حيث قال في ترجمة الحسن بن عبد الوهاب أ نّه يروي عن أبي التحف عليّ بن محمّد بن إبراهيم بن الحسن الطيب المصري الذي هو من مشائخ المرتضى والرضي، وهو يروي عن جماعة كالأشعث بن مرّة وغيره.] عليّ بن إبراهيم المصريّ، عن الأشعث بن محمد بن مرّة، عن المثنّى بن سعيد بن الأصيل البغداديّ العطّار، عن عبد المنعم بن الطيّب القدوري، عن العلاء بن وَهب، عن الوزير محمّد بن ساليق، عن أبي جرير، عن أبي الفتح المغازليّ، عن أبي جعفر ميثم التمّار رضى الله عنه [السند لا يخلو من اضطراب ولكن تركناه على علّاته مع الإشارة إليه، لعدم تعرض الكتب الرجالية المتوفرة لدينا هليه.]، قال: كنت بين يدي مولاي أمير المؤمنين عليه السلام بالكوفة وجماعة من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله حافّون به، كأنّهم الكواكب اللامعة في السماء الصاحية، إذ دخل علينا من الباب رجلٌ طويلٌ، عليه قَباءُ خزّ أدكن، معتمٌّ بعمامة أنجمية صفراء، متلقّد بسيفين، فنزلَ من غير سلام، ولم ينطق بكلام، فتطاول إليه الناسُ بالأعناق، ونظروا إليه بالآماق، ووقف عليه الناس من جميع الآفاق، وأمير المؤمنين عليه السلام لا يرفعُ رأسه، فلمّا هدأ من الناس الحواسّ، فسح عن لسانه كأ نّه حُسامٌ صقيلٌ جُذِبَ من غِمده، وقال:    

             'أيّكم المجتبى في الشّجاعة، والمعمّم بالبراعة، والمدرّع بالقناعة؟
               أيّكم المولود في الحرم، والعالي في الشِيم، والموصول بالكرم؟'
[الأربعون حديثاً، مخطوط، ورواه في نوادر المعجزات: 10، واليقين: 73، وفضائل ابن شاذان، الحديث الأول.]
ورواه الشيخ أسعد بن إبراهيم بن الحسن بن عليّ بن عليّ الحلّي، أو الجبلي، في "أربعينه" الذي يروي أحاديثه عن مشايخه من العامّة في مجلس واحد سنة "610 ه" وذكر شيخنا العلّامة بحّاثة العصر الحاضر في الذريعة [الذريعة إلى تصانيف الشيعة 411:1.]: أ نّه من علماء الحلّة من الإمامية.
فذكر فيه الحديث الأوّل بإسناده إلى أبي جعفر ميثم التمّار مثله، غير أنّ بينهما اختلافاً في بعض الحروف. وفيه أ نّه قال:
'أيكم الإمام الأروع الأورع، البطين الأنزع، المولود في الحرم، العالي الهمم، الكريم الشيم؟
أيكم حيدر أبو تراب، قالع الباب، وهازم الأحزاب، الذي فتح له حين سدّت الأبواب باب، والذي نصب للعبّاس الميزاب؟ [الأربعون حديثاً: 9، مخطوط.] ورواه مؤلف كتاب "الروضة في الفضائل" المطبوع مع "علل الشرائع" و "معاني الأخبار" للشيخ الصدوق بالإسناد يرفعه إلى أبي جعفر ميثم التمّار، لكن روايته توافق الرواية الأُولى لأبي الفوارس في حروفها. ففيهما أ نّه لمّا فرغ من وصفه الكثير، قال أمير المؤمنين عليه السلام:
'أنا، يا أبا سعد بن الفضل بن الربيع بن مدركة بن نجبة بن الصلت بن الحارث بن الأشعث بن السمعمع! سل عمّا بدا لك' [الروضة: 143.]
وفي رواية أسعد: أ نّه أشار بعض الحاضرين إلى أمير المؤمنين عليه السلام، وقال: 'هذا مرادك'. وذكر الجميع القصّة التي جاء الرجل لأجلها من القتل الواقع عندهم وذكروا المعجزة الباهرة للإمام صلوات اللَّه عليه بإحيائه الشابّ المقتول، بإذن اللَّه تعالى، وإخباره بقاتله وغير ذلك.
وفي الأربعين لأسعد أنّ هذا حديث رواه عامّة محدّثي الكوفة [الأربعون حديثاً: 17، مخطوط.]
وفي كتاب "عيون المعجزات" للشيخ حسين بن عبد الوهاب المعاصر لسيّدنا المرتضى علم الهدى، عن أبي التّحف عليّ بن محمد بن إبراهيم المصري عليهم السلام عن الأشعث بن مرّة، عن المثنّى بن سعيد، عن هلال بن كيسان الكوفي الجزار، عن الطلب الفواجريّ، عن عبد اللَّه بن سلمة الصحي [في المصدر: القبحي، كذا.]، عن شقادة بن الأصيد العطّار البغدادي، عن عبد المنعم بن الطيّب القدوري، عن العلاء بن وَهب بن [في المصدر: عن.] قيس، عن الوزير أبي محمد بن سايلويه رضى الله عنه، فإنّه كان من أصحاب أمير المؤمنين العارفين، ورحم جماعتهم [يعني أ نّه كان من شيعته صلوات اللَّه عليه، لا أ نّه من أصحابه المعاصرين له، وقوله: 'ورحم جماعتهم' معطوف على قوله: رضي اللَّه عنه والضمير عائد إلى المؤمنين العارفين شيعته عليه السلام من هامش المطبوع وفي المصدر: وروى جماعتهم.] عن أبي جرير، عن أبي الفتح المغازلي- رحمهما اللَّه-، عن أبي جعفر ميثم التمّار [إنّما أعدنا الإسناد مرة ثانية للاختلاف بين النسختين، والتصحيف في إحداهما من هامش المطبوع.] آنس اللَّه به قلوب العارفين، قال: 'كنتُ بين يدي مولاي أمير النحل جلّت معالمه، وثبتت كلمته بالكوفة، وجماعة من وجوه العرب حافّون به كأ نّهم الكواكب اللامعة في السماء الصاحية' [عيون المعجزات: 25.] وأنت ترى أنّ الرجل يعدّ مناقب أمير المؤمنين عليه السلام الخاصّة به، الشهيرة بين القاصي والداني، ومنها كونه مولوداً في الحرم، المراد به البيت خصوصاً، وإلّا لما كانت خاصّة له، لأنّ المولودين في حدود الحرم وبين شعاب مكّة وهضابها كثيرون ولا فخر لأحد فيه، فإنّ الولد لابد وأن يولد في مساكن الأبوين شريفاً كان المحل أو غير شريف، نعم إذا جاوزت الولادة في المحال الشريفة حدود العادة عدّت فضيلةً، كولادة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام في البيت الذي هو محلّ العبادة لا الولادة، مع ما اكتنفته من الخوارق للعادات المشروحة في هذه الرسالة.
كانت هذه المصارحة من الرجل بمشهدٍ ممّن لاث [الالتياث: الاختلاط والالتفاف الصحاح لوث- 291:1.] بالإمام عليه السلام كان هو الذي أصحر بانطباق هاتيك الأوصاف الكريمة على نفسه المقدّسة، وناهيك به شاهداً ومشهوداً له أو ترى أنّه عليه السلام لو كان يعتقد خلاف ما وصفه به الرجل كان يسكت عنه ويغضّ الطرف عن إفكه؟ لاها اللَّه!
ومَن عرف سيرته وخشونته في ذات اللَّه، وتهالكه في دحر الباطل، وإدحاض معرّة البهت والزور، علمَ مكانة هذه الفضيلة من الثبوت بعد تصديقه لها، فلقد كان عليه السلام بما اكتنفته من الفضائل التي لا تحصى في غنىً عن أيّ فخفخة بالئتة ومجد كاذب. ثمّ انثيال [انثاليأي تتابع واجتمع. انظر لسان العرب ثول- 95:11.] عامّة محدّثي الكوفة على نقل الحديث من غير نكيرٍ بينهم، مع حداثة عهدهم بالقصّة، وتمكّنهم من تمييز الصدق فيه مِن المين [المين: الكذب لسان العرب مين- 425:13] دليلٌ واضح على شهرته بينهم على العهد العلويّ وقبله وبعده، وإصفاقهم على تصديقه والإخبات به. وروى الوزير الأربليّ في "كشف الغمة" عن "مناقب" الفقيه ابن المغازليّ المالكي، مرفوعاً إلى عليّ بن الحسين عليهماالسلام، قال:
'كنّا زوار الحسين عليه السلام وهناك نساء كثيرة، إذ أقبلت منهنّ امرأة، فقلتُ لها: مَن أنتِ رحمك اللَّه؟
قالت: أنا زيدة بنت قُريبة بن العجلان من بني ساعدة. فقلت لها: فهل عندك من شي ء تحدّثينا به؟
فقالت: إي واللَّه! حدّثتني اُمّ عمارة بنت عُبادة بن نضلة بن مالك بن العجلان الساعدي، أ نّها كانت ذات يوم في نساء من العرب، إذ أقبل أبو طالب كئيباً حزيناً، فقلتُ له: ما شأنك؟ فقال: إنّ فاطمة بنت أسد في شدّة من المخاض، وأخذ بيدها وجاء بها إلى الكعبة، وقال: اجلسي على اسم اللَّه، فطلقت طلقة واحدة، فولدت غلاماً مسروراً نظيفاً منظّفاً لم أرَ كحُسن وجهه، وسمّاه عليّاً، وحمله النبيّ صلى الله عليه و آله حتّى أدّاه إلى منزلها'.
قال عليّ بن الحسين عليهماالسلام: 'فو اللَّه ما سمعت بشي ء قطّ، إلّا وهذا أحسن منه' [كشف الغمّة 59:1، ومناقب ابن المغازلي: 3 : 6.]
ورواه ابن الصبّاغ المالكيّ في "الفصول المهمة" عن ابن المغازلي، عن الإمام السجّاد عليه السلام [الفصول المهمّة: 30.]
ورواه شمس الدين، أبو الحسين، يحيى بن الحسن بن الحسين بن عليّ بن محمّد ابن البطريق الحلّي، من علماء القرن السادس، بإسناده عن ابن المغازلي، عن أبي طاهر محمّد بن عليّ بن محمّد البيّع [هو أبو طاهر محمّد بن علي بن محمد بن عبد اللَّه البغدادي، البيّع: بيع السمك، ولد سنة خمس وثمانين وثلاثمائة، ومات سنة خمسين وأربع مائة، ودفن في مقبرةالشونيزي. انظر تاريخ بغداد 106:3.]، عن أبي عبد ام بن خالد الكاتب، عن أحمد بن جعفر بن محمّد بن سَلم الختّلي، عن عمر بن أحمد بن روح الساجي، عن أبي طاهر يحيى بن الحسن العلوي، عن محمّد بن سعيد الدارمي، عن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن محمّد بن عليّ، عن أبيه علي بن الحسين عليهم السلام، وذكر الحديث، وفي بعض حروفه اختلاف [العمدة: 8 : 27.]
ولا منافاة بين ما قد يتوهّمه غير المتأمل في مغازل الكلام، من قولها في هذا الحديث: 'فجاء بها إلى الكعبة' وبين ما هو مذكور في حديث يزيد بن قَعنب: من أنّ دخول فاطمة البيت لم يكن بمجيء أبي طالب بها، وأ نّه كان من خوارق العادات، لانشقاق الجدار من وراء الكعبة، والتئام الفتحة بعد دخولها، وعدم انفتاح رتاج [الرتاج: القفل. مجمع البحرين- رتج- 302:2.] الباب بالرغم من معالجة القوم من فتحه، وأ نّها أكلت فيها من ثمار الجنّة، وهتف بها الهاتف لمّا أرادت الخروج وفي رواية اُخرى: أ نّه نزلت نسوة من السماء لِيَلينَ من أمرها ما تلي النساء من النساء.
إنّ هذه الرواية لم تتعهد بسرد تفاصيل القصّة بحذافيرها، وإنّما أرادت الرواية لها إشارة إجمالية إلى مولد الإمام عليه السلام، والتذكير بفضله الباهر يوم ميلاده فمن المحتمل أن يكون ما شاهده فريق من بني هاشم، وفريق من بني عبد العزى من أمر فاطمة بنت أسد المذكور في خبر ابن قَعنب، ودعائها، ودخولها البيت، كان بعد ما جاء بها أبو طالب سلام اللَّه عليه، أهمله ابن قَعنب كما أهملت هذه الرواية أشياء اُخرى من حديثه، للاختصار. وليس في حديث ابن قعنب أيّ صراحة في أنّ أبا طالب لم يأت بها هلى فِناء البت، ولا في هذا الحديث نصّ بأ نّه هو الذي باشر إدخالها البيت، وإنّما هو ظهور متضائل. فلا تنافي بين النقلين حتّى ينتهزه المريض قلبه فرصةً لقلب الحقائق.
وروى أبو عبد اللَّه محمّد بن يوسف بن محمّد القرشي الشافعي الكنجيّ الحافظ، المتوفّى سنة "658 ه" في "كفاية الطالب" في الباب السابع من الأبواب الاثني عشر، التي ذكرها في اُخريات الكتاب بعد تمام الأبواب المائة، قال: أخبرنا الشيخ المقرى ء أبو إسحاق إبراهيم بن يوسف بن بركة الكتبي، في مسجده بمدينة الموصل، ومولده في سنة "554 ه" قال: أخبرنا أبو العلاء الحسن بن أحمد بن الحسن العطّار الهمداني إجازة عامّة، إن لم تكن خاصّة، أخبرنا أحمد بن محمّد بن إسماعيل الفارسي، حدّثنا فاروق الخطابي، حدّثنا الحجّاج بن المنهال، عن الحسن بن مروان بن عمران الغنوي، عن شاذان بن العلاء، حدّثنا عبد العزيز بن عبد الصمد، عن مسلم بن خالد المكّي المعروف بالزنجي، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد اللَّه، قال: سألت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عن ميلاد عليّ بن أبي طالب. فقال: 'لقد سألتني عن خير مولود ولد في شبه المسيح عليه السلام، إنّ اللَّه تبارك وتعالى خلق عليّاً من نوري، وخلقني من نوره، وكلانا من نور واحد، ثمّ إنّ اللَّه عزّ وجل نقلنا من صلب آدم إلى أصلاب طاهرة، وإلى أرحاك زكيّة، فما نقلت من صلب إلّا ونقل عليّ معي، فلم نزل كذلك حتّى استودعني خير رحم وهي آمنة، واستودع عليّاً خير رحم وهي فاطمة بنت أسد. وكان في زماننا رجلٌ زاهدٌ عابد يقال له: المبرم بن دعيب بن الشقبان، قد عبد اللَّه مائتين وسبعين سنة، لم يسأل اللَّه حاجة، فبعث اللَّه إليه أبا طالب، فلمّا أبصره المبرم قام إليه وقبّل رأسه وأجلسه بين يديه، ثمّ قال له: مَن أنت؟ فقال: رجل من تهامة. فقال:من أيّ تهامة؟قال:من بني هاشم.فوثب العابد فقبّل رأسه مرّة ثانية،ثمّ قال:ا هذا،إنّ العلي الأعلى ألهمني إلهاماً! قال أبو طالب:ما هو؟ قال:ولدٌ يولد من ظهرك وهو وليُّ اللَّه عزّ وجل.فلمّا كانت الليلة التي وُلِدَ فيها علي عليه السلام أشرقت الأرض،فخرج أبو طالب وهو يقول:أيّها الناس ولد في الكعبة وليّ اللَّه عزّ وجل فلمّا أصبح دخل الكعبة وهو يقول:

                        يا ربّ هذا الغسقُ الدجيُّ                 والقمرُ المبلَّجُ المضيُّ
                           بيّن لنا مِن أمرك الخفيِّ                     ماذا ترى في اسم ذا الصبيِّ؟

قال: فسمع صوت هاتف وهو يقول:
                       يا أهل بيت المصطفى النبيِّ                 خُصِصتم بالولد الزكيِّ
                          إنّ اسمه من شامخ عليٍّ                        عليّ اشتقّ من العليّ'
[وردت هذه الأبيات في ألقاب الرسول وعترته: 220، وينابيع المودّة: 255.]
قال الحافظ الكنجيّ: قلت: هذا حديث اختصرته ما كتبناه إلّا من هذا الوجه، تفرّد به مسلم بن خالد الزّنجي، وهو شيخ الشافعي، وتفرّد به عن الزّنجي عبد العزيز بن عبد الصمد، وهو معروف عندنا، والزّنجي لقب لمسلم، وسمّي بذلك لحسنه وحُمرة وجهه وجماله [كفاية الطالب: 405.]
وقال العالم الضليع المولى، محمّد رضا بن محمّد مؤمن، المدرّس الإمامي، في الجدول السابع من كتابه "جنّات الخلود": إنّه عليه السلام ولد في ضحى الجمعة، اعترى اُمّه الألم، ولم تكن تحتمل الطلق في وقتها، فدخلت البيت للاستشفاء، فاُوصد بابه من قبل نفسه، وكلّما عالج أبو طالب وإخوته أن يفتحوه لم يُفتح، وانشقّ سقف البيت، ونزلت حواء ومريم وسارة وآسية تصحبهنّ الملائكة والحور، ومعهنّ الطّست والإبريق وحرير من حرير الجنّة، فقمن بواجب الولادة، حتّى إذا ولد الإمام عليه السلام سجد وتلا قوله تعالى:'جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ' [جنّات الخلود: 17، فارسي. سورة الإسراء: 81.] ولا يناقض هذا ما عرفته من انشقاق جدار البيت لدخولها، فإنّ أقصى ما في هذا الحديث إهمال كيفية الدخول.
فمن الجائز أن تكون على الصفة التي وصفها في الأحاديث الاُخر، ومحاولة القوم لفتح الباب، لأ نّه كان أيسر لهم من إعادة الفتحة بعد التائامها، لا لأ نّها دخلت منه على أنّها كانت من الاُمور الإلهية التي لا تتأتّى لغيره سبحانه، وما كان من الهيّن الهدم العادي لإخراجها مع وجود الباب، والقوم لمّا عمدوا إلى الباب ورأوا تعاصيه على تماديهم في فتحه، عرفوا أنّ شِروى [الشّروى: المثل، يقال: ما له شروى أي ما له مثل. مجمع البحرين- شرا- 245:1.] التئام الفتحة أمرٌ غيبيّ لا يتسنّى لهم معالجته، فتركوه لحاله.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page