طباعة

واقعة النهروان

 

 

واقعة النهروان

كانت نتيجة التحكيم أن انشقّت عصابة عن جيش أمير المؤمنين (عليه السلام) في صفّين وانحازت عنه إلى حروراء ـ وهي قرية قرب الكوفة ـ .

وقد عرفت هذه العصابة بالخوارج، وهي الفئة المارقة التي وصفها رسول الله (صلى الله عليه وآله)  بقوله: «قوم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية...».

والخوارج هم من جملة القرّاء والمتعبّدين الذين اُطلق عليهم لقب أصحاب الجباه السود لكثرة سجودهم ، فهم الذين تحدث عنهم الرسول (صلى الله عليه وآله) حيث قال: «يتلون القرآن لا يتجاوز تراقيهم». وهم الذين رفعوا شعار: لا حكم إلاّ لله. وهي كلمة حقّ يراد بها باطل.

وهؤلاء الخوارج أجبروا الإمام (عليه السلام) على قبول التحكيم، وفرضوا عليه الحكم، ولكن لما صدرت وثيقة التحكيم أدركوا أنّهم أخطأوا في إيقاف القتال، فذهبوا إلى عليّ (عليه السلام) وطلبوا منه العودة إلى القتال ونقض التحكيم.

فأجابهم الإمام عليّ (عليه السلام) : «قد كتبنا بيننا وبينهم كتاباً، وشرطنا شروطاً ، وأعطينا عليها عهودنا ومواثيقنا... الخ». ولكنّهم أصرّوا على ترك التحكيم والعودة إلى الحرب.

ثمّ انّهم اجتمعوا في منزل عبد الله بن وهب الراسبي ، فخطبهم وزهّدهم في الدنيا، ثم قال: اخرجوا بنا من هذه القرية الظالم أهلها إلى كور الجبال أو إلى بعض هذه المدائن. ثم إنّهم ولّوا عليهم عبد الله بن وهب الراسبي، فبايعوه لعشر خلون من شوّال سنة (37هـ).

وبعدها تواطؤوا على المسير إلى المدائن لإعلان تمرّدهم على أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وأخذوا يفعلون أفعالاً ينكرها عليهم الدين الذي تلبّسوا به، بل ينكرها عليهم الوجدان الانساني فقد قتلوا عبد الله بن خباب، بعدما آمنوه، وبقروا بطن امرأته وكانت حاملاً، وقتلوا ثلاث نسوة من طي، وقتلوا اُم سنان الصيداوية.

بل كان من طريف أخبارهم أنّهم أصابوا في طريقهم مسلماً ونصرانياً، فقتلوا المسلم لأنّه عندهم كافر؛ لاعتقاده خلاف معتقدهم. واستوصوا بالنصراني ، وقالوا: احفظوا ذمّة نبيّكم!!!

ثمّ إنّ الإمام عليّ (عليه السلام) أرسل إليهم رسولاً، وهو الحارث بن مرّة العبدي، وقال له: أخبر لي خبرهم ، واعلم لي أمرهم، واكتب إليّ به على الجلية.

فلما قدم الحارث بن مرّة العبدي على الخوارج قتلوه ولم ينظروه.

ولمّا بلغ ذلك عليّاً عزم على الذهاب إليهم أوّلاً قبل أهل الشام، وطلب من أصحابه السير إليهم، فخرج إليهم وعبر الجسر وسار إليهم.

وقبل ان يناجزهم الحرب أرسل إليهم أن ادفعوا الينا قتلة إخواننا منكم أقتلهم بهم، ثم أنا تارككم وكافّ عنكم...

فقالوا: كلّنا قتلهم، وكلّنا مستحلّ لدمائكم ودمائهم!!!

ثمّ كلّمهم ووعظهم كلّ من قيس بن سعد بن عبادة، وأبو أيّوب الانصاري، ثم أتاهم عليّ (عليه السلام) فخطبهم وخوّفهم سوء العاقبة، وحذرّهم وأنذرهم وتوعدهم، ولكن لم يكن لهم جواب إلاّ أن تنادوا فيما بينهم أن لا تخاطبوهم ، ولا تكلّموهم، وتهيّؤوا للقاء الربّ عزّ وجلّ، الرواح ، الرواح إلى الجنّة.

وحينئذ عبّأ الإمام (عليه السلام) أصحابه ، وأمر أبا أيوب الأنصاري أن يرفع راية أمان للخوارج، ويقول لهم: من جاء إلى هذه الراية فهو آمن، ومَن انصرف إلى الكوفة والمدائن فهو آمن، إنّه لا حاجة لنا فيكم إلاّ فيمن قتل اخواننا.

فانصرف منهم طوائف كثيرون، وكانوا في أربعة الاف.

وقال علي (عليه السلام) لأصحابه: كفّوا عنهم حتّى يبدؤوكم.

وأقبل الخوارج ينادون: لا حكم إلاّ لله، الرواح، الرواح إلى الجنّة، فحملوا على الخيّالة الذين قدّمهم الإمام علي (عليه السلام) ، واشتدّت المعركة ، ثم انكشفت عن مصرع أصحاب النهر، وقتل اُمراؤهم أمثال عبد الله بن وهب وحرقوص بن زهير وعبد الله السلمي وغيرهم. ولم يقتل من أصحاب علي (عليه السلام) إلاّ سبعة نفر.

وهكذا استطاع الإمام (عليه السلام) في حرب النهروان أن يقضي على حركة الذين سمّاهم الرسول (صلى الله عليه وآله) فيما سبق بالمارقين.