طباعة

اجتماع الحكمين

 

 

اجتماع الحكمين

اجتمع الحكمان بدومة الجندل سنة (37هـ)، حيث إن الإمام عليّ (عليه السلام) بعث اربعمائة رجل عليهم شريح بن هاني الحارثي، وبعث معهم عبد الله بن عبّاس، وهو يصلّي بهم ويلي اُمورهم، وأبو موسى الأشعري معهم. وبعث معاوية أربعمائة رجل من أهل الشام ومعهم عمرو بن العاص ، فتوافى الطرفان في دومة الجندل.

ثم اُخلي للحكمين مكان يجتمعان فيه، فأمهله عمرو ثلاثة أيّام ثم أقبل إليه بأنواع من الطعام يشتهيه بها، وأعطاه صدر المجلس ، وكان لا يتكلّم قبله، وأعطاه التقدّم في الصلاة وفي الطعام، لا يأكل حتى يأكل، وإذا خاطبه فإنّما يخاطبه بأجلّ الاسماء، ويقول له: يا صاحب رسول الله حتّى اطمأن إليه، وظنّ أنّه لا يفثَّه ، فلما انمخضت الزبدة بينهما قال له عمرو: أخبرني ما رأيك يا أبا موسى؟

قال: أرى أن أخلع هذين الرجلين، ونجعل الأمر شورى بين المسلمين يختارون من يشاؤون!! فقال عمرو : الرأي والله مارأيت.

فأقبلا إلى الناس وهم مجتمعون فتكلّم أبو موسى فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إنّ رأيي ورأي عمرو قد اتّفق على أمر نرجوا أن يصلح الله به شأن هذه الاُمّة، فقال عمرو: صدق، ثم قال له: تقدّم يا أبا موسى فتكلّم.

فقام أبو موسى ليتكلّم فدعاه ابن عبّاس ، فقال: ويحك والله إنّي لأظنّه خدعك، إن كنتما قد اتفقتما على أمر فقدّمه قبلك ليتكلّم به، ثم ّ تكلّم أنت بعده، فإنّه رجل غدّار ولا آمن أن يكون أعطاك الرضا فيما بينك وبينه، فإذا قمت به في الناس خالفك ـ وكان أبو موسى رجلاً مغفّلاً ـ فقال: إيهاً عنك، إنّا قد اتّفقنا.

فتقدّم أبو موسى فحمد الله واثنى عليه، ثم قال: أيّها الناس إنّا قد نظرنا في أمر هذه الاُمّة فلم نر شيئاً هو أصلح لأمر هؤلاء ولا ألمّ لشعثها من أن لا يبين اُمورها، وقد اجتمع رأيي ورأي صاحبي على خلع علي ومعاوية، وأن يستقبل هذا الأمر فيكون شورى بين المسلمين يولّون اُمورهم مَن أحبّوا، وإنّي قد خلعت عليّاً ومعاوية فاستقبلوا اُموركم وولّوا من رأيتموه لهذا الأمر أهلاً. ثم تنحّى.

فقام عمرو بن العاص في مقامه فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن هذا قد قال ما سمعتم، وخلع صاحبه، وأنا اخلع صاحبه كما خلعه، وأثبت صاحبي معاوية في الخلافة، فإنّه ولي عثمان ، والطالب بدمه، وأحقّ الناس بمقامه.

فقال أبو موسى: مالَكَ لا وفّقك الله قد غدرت وفجرت إنّما مثلك كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث وإن تتركه يلهث.

فقال له عمرو: إنّما مثلك كمثل الحمار يحمل أسفاراً.

وهكذا انتهت قضية التحكيم التي لم يعمل فيها الحكمان إلاّ للدنيا خالصة، وتركا الآخرة خلف ظهريهما. وكانت النتيجة ضربة قاسية وجّهت للمسلمين؛ إذ جرّت الويلات والمآسي على الاُمّة الاسلامية، ومزّقت صفوفهم وقد كتب التأريخ سجلاً أسود لمعاوية وابن العاص مملوءاً بالغدر والخيانة والخداع والزيغ والضلال [1].

 

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] انظر: بحار الأنوار 33: 300 ـ 302، والعقد الفريد 4: 347ـ 348، مع اختلاف يسير بينهما.