وصول الإمام (عليه السلام) إلى البصرة ، وقتال الناكثين
واصل الإمام (عليه السلام) مسيره إلى البصرة فدخلها ممّا يلي الطف، ثمّ نزل بالموضع المعروف بالزاوية، وعندها صلّى اربع ركعات، ثمّ عفّر خدّيه على التربة، وقد خالط ذلك دموعه، ورفع يديه قائلاً: «اللّهمّ رب السموات والأرض ـ إلى أن قال ـ اللّهمّ هؤلاء القوم قد خلعوا طاعتي، وبغوا عليّ، ونكثوا بيعتي ، اللّهمّ احقن دماء المسلمين».
ثمّ بعث إليهم من أصحابه من يناشدهم الله في الدماء والأموال فلم يستجيبوا له، واصرّوا على القتال، ولكنّه مع ذلك استمرّ (عليه السلام) ببذل نصحه من أجل حقن الدماء ، ورأب الصدع.
فأمر (عليه السلام) أحد أصحابه أن يخرج بين الصفين وبيده مصحف يدعوهم إلى الرجوع إليه، وقد أخبره بأنّ الناكثين يرمونه بالنبل وهو يدعوهم إلى الرجوع لحكم كتاب الله.
ولم يتردد الفتى، ومضى وبيده المصحف ، فلمّا وقف بين الصفّين رفعه بكلتا يديه ووقف باتّجاه معسكر الناكثين ودعاهم إلى الرجوع إلى حكمه، فكان جوابهم أن رموه بسهامهم من كلّ جانب حتّى وقع قتيلاً، فحملوه إلى أمير المؤمنين فاسترجع وترحّم عليه.
وبعدها قتلوا أخاً لعبد الله بن بديل، ثم أصابوا آخر وقتلوه، ومع كلّ ذلك لم يأمر الإمام جيشه بقتال ، بل خرج بين الصفين واستدعى طلحة والزبير. كمحاولة أخيرة لتلافي وقوع حرب دامية ـ فخرجا إليه ، فقال لهما: ألم تبايعاني؟ قالا: بايعناك كارهين، ولست أحقّ بهذا الأمر منّا. ثمّ التفت إلى طلحة وقال له: أحرزت عرسك وخرجت بعرس رسول الله تعرضها لما تتعرّض له؟!!
وقال للزبير : كنا نعدك من آل عبد المطّلب حتى نشأ ابنك ابن السوء ففرّق بيننا وبينك ـ إلى أن قال له: أتذكر يوم قال لك رسول الله ستقاتله وأنت ظالم له؟ فقال الزبير: الآن ذكرت ذلك، ولو ذكرته قبل اليوم ما خرجت عليك.
وقد عزم الزبير على اعتزال الناس، غير أنّ ابنه عبد الله وصفه بالجبن إن هو أقدم على ذلك، فغضب وحمل على معسكر أمير المؤمنين (عليه السلام).
وهكذا اندلع القتال بين المعسكرين ، ودارت رحى الحرب طاحنة لم تذر ولم تبق حتّى أسفرت عن انتصار ساحق لمعسكر أمير المؤمنين ، فقد اُصيب طلحة في المعركة وسقط، ثم رماه مروان بن الحكم بسهم ـ ثأراً لعثمان ـ فأصابه في أكحله ومات.
وأمّا الزبير فإنّه ترك المعركة أو انهزم مع المنهزمين، فأدركه ابن جرموز وقتله على حين غفلة منه.
وحاول بعض أنصار الإمام (عليه السلام) من قتل عائشة ، لكنّه أنكر عليهم ذلك وأمر قوماً يحرسونها ، وأمر مناديه ينادي في اصحابه:
«لا تجهزوا على جريح ولا تتبعوا هارباً ولا تطعنوا مدبراً، ومن القى سلاحه فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن».
وهكذا حسمت معركة فتنة البصرة لصالح الاسلام والمسلمين، وقد أبدى الإمام (عليه السلام) خلالها وبعدها أنبل المشاعر وأصدقها لاُولئك المغرّر بهم محاولاً جمع الشمل وإعزاز الاُمّة.