دخول عائشة وطلحة والزبير البصرة
لمّا وصلت عائشة البصرة ومعها طلحة والزبير اصطف لها الناس في الطريق وقالوا: يا اُمّ المؤمنين، ما الذي أخرجك من بيتك؟! فلمّا أكثروا عليها قالت: أيها الناس والله ما بلغ من ذنب عثمان أن يستحلّ دمه، ولقد قُتل مظلوماً، غضبنا لكم من السوط والعصا، ولا نغضب لعثمان من القتل، وإنّ من الرأي أن تنظروا إلى قتلة عثمان فيقتلوا به، ثمّ يردّ هذا الأمر شورى ولا يدخل فيهم من شرك في دم عثمان.
فلمّا سمعوا كلامها هذا اختلفوا عليها، فمن قائل يقول: صدقت. وآخر يقول: كذبت. ثم تفرّق الناس، فصارت فرقة مع عثمان بن حنيف والي الإمام على البصرة، وفرقة مع طلحة والزبير بقيادة عائشة[1].
وبدخول عائشة البصرة، ساد الاضطراب والفوضى فيها، فلا يتلاقى رجلان من أهل البصرة أو ثلاثة إلاّ وجرى بينهم نزع حاد قد يؤدي إلى القتال، إذ دهاهم خطب عظيم فإن الجيوش زاحفة إليهم وستدور المعارك على أرضهم، فلم يذوقوا طعم الهدوء والاستقرار وتفرّق الناس أشتاتاً وتشعّبوا شعباً.
وقد ذكر المؤرّخون قصّة نزول عائشة وأتباعها إلى البصرة وموقفهم من عاملها عثمان بن حنيف، فقالوا: أنّه لما توافق الفريقان للحرب، أقبل حكيم بن جبلة العبدي وهو على الخيل فأنشب القتال... واقتتلوا على فم السكّة إلى أن حجزهم الليل، ولمّا أصبح الصباح اقتتلوا ، وكثرت القتلى في الطرفين ، ثم تنادوا إلى الصلح وتصالحوا بأن يبعثوا كعب بن سور إلى المدينة يسأل أهل المدينة عن بيعة طلحة والزبير إلى علي (عليه السلام) طوعاً أو كرهاً، فان كانت طوعاً خرج طلحة والزبير من البصرة وإن كانت كرهاً ترك عثمان بن حنيف البصرة لهما. واتفقوا على ذلك وتفرقوا ورجع عثمان بن حنيف إلى قصره وأمر أصحابهُ بالتفرق، لكن الغدر والخيانة كان من شيم طلحة والزبير ومَن جاء معهم، فقد هجموا على دار عثمان ابن حنيف ليلاً فقتلوا أربعين رجلاً من الحرس وأخذوا عثمان بن حنيف أسيراً ونتفوا لحيته ورأسه وحاجبيه بعد أن ضربوه أربعين سوطاً، ثم حبسوه. ثم انتهبوا بيت المال، وأخذوا ما فيه [2].
--------------------------------------------------------------------------------
[1] انظر الإمامة والسياسة لابن قتيبة 1: 68 ـ 69.
[2] انظر في هذا : تاريخ الطبري 3: 484 وما بعدها؛ الكامل في التاريخ لابن الاثير 3: 110؛ الإمامة والسياسة لابن قتيبة 1: 69 ـ 70.