إنّ هذا لايُمكِن مُقاوَمَتُه
في سنة 1309 هـ منح شاه ايران ناصر الدين القاجاري امتيازاً لشركة انكليزية بحصر التبغ ، و كان المرجع الديني الاول يومذاك السيد محمد حسن المشهور بالميرزا الشيرازي ، فأدرك ان هذه الشركة أكبر خطر يهدد اقتصاد ايران ، و آنهاطريق لتحكّم الاستعمار بمصير البلاد ، فلم يجد سبيلا للقضاء عليها الاّ بتحريم التدخين على الايرانيين ، و ما شاع خبر التحريم حتى تركه أهل ايران ، و كُسّرتْ كل نارجيلة و كل آلة من آلات التدخين ، حتى نساء الشاه حطّمن آلات التدخين في القصر بما فيها نارجيلة الشاه ، و لما علم الشاه بذلك لم يحرك ساكناً تجاه نسائه و خدمه ، و اضطر الى فسخ الامتياز ، و استراحت البلاد من شرور الشركة .
و قيل : ان مدير الشركة سأل : كم يملك هذا السيد من الجيوش و الأساطيل ؟
فقيل له : لاشيء .
فقال : و كم تبلغ ثروته من الملايين ؟
فقيل له : لايملك شيئاً .
قال : ان هذا لايمكن مقاومته . .
أجل ، لو كان يملك الأموال و الأساطيل لأمكن أن يقاوم بأساطيل أعظم ، و بثروة أضخم ، و لكنه يملك القلوب التي لاحول و لاقوة معها بالنار و الدينار . .
و هكذا امد الله سبحانه هذا السيد بعونه ، و سدّده بتوفيقه حين علم منه الاخلاص في النية ، و الصدِ في العمل .
و يضيف العلامة الشيخ محمد جواد مغنية (رحمه الله) قائلا : ان صلة المعصوم بالناس انما هي صلة الأب الرؤوف بأبنائه الكبار و الصغار ، الأبرار و الفجار ، على السواء ، و محال ان تكون للعالِم الأهلية لهذا التمثيل اذا لم يكن له عقل كعقل السيد الشيرازي ، و قلب كقلبه ، محال ان يكون سيداً للجميع اذا لم يكن اباً للجميع . . و اذا كان الانسان لايبلغ درجة الاجتهاد الاّ بعد أن يتقن القواعد و الأصول المقررة فإن المجتهد لاينوب عن المعصوم الاّ اذا ملك القلوب ، و لايملكها الاّ من كان بأوصاف السيد الشيرازي الذي أوجزها السيد الأمين في كتاب الأعيان بقوله : « كان ثاقب الفكر ، راجع العقل ، بعيد النظر ، مصيب الرأي ، حسن التدبير ، واسع الصدر ، منير الخلق ، طليق الوجه ، صادِ النظر ، أصيل الرأي ، صائب الفراسة ، قوي الحفظ ، على جانب عظيم من كرم الخُلْق ، يوقِّر الكبير ، و يحنو على الصغير ، و يرفق بالضعيف و الفقير ، أعجوبة في احاطته ، وسعة مادته ، وجودة قريحته ، آية في الذكاء و دقة النظر و الغور ، و كان بالاضافة الى ذلك اديباً يحب الشعر و انشاده ، و يجيز عليه ، فقصده الشعراء عرباً و عجماً ، و راجت بضاعة الأدب في أيامه » .
و بالتالي ، لو كان السيد الشيرازي عند الأجانب لوضعوا في أفعاله و آرائه مئات المجلدات ، و لعرضوا حياته على المسرح مرات و مرات ، و ملأوا بها الصحف و الإذاعات . . و لكنه عند الشيعة . . و اتمنى لو توجه النجف و طلاّبها و من يتخرج منها الى الاهتمام برجالنا من امثال هذا السيد الذين تفاخر بهم الأمم مدى الاجيال . . . .
و في النهاية لقد أرسى السيد الشيرازي (رحمه الله) المبادىء الأساسية للزعامة الدينية . فعلى كلّ مرجع من مراجع الدين أن يتخذ من سيرته دستوراً لجميع اقواله و أفعاله .([1])
--------------------------------------------------------------------------------
[1]ـ مع علماء النجف الأشرف / ص 109 .