وهل كان أبو بكر وعمر في الجيش؟ وماذا عن علي عليه السلام؟ أولاً : حديث "لعن الله من تخلّف عن جيش أسامة" رواه الإمام الشريف الجرجاني في (شرح المواقف في علم الكلام) والإمام الشهرستاني في (الملل والنحل ص ٦ الطبعة الاولى المصرية وفي صفحة ٣٠ ط دار المعرفة) وجاء فيها ان رسول الله صلى الله عليه واله قال : ( انفذوا بعث اسامة ، لعن الله من تخلف عن جيش أسامة) وفي الطبعات اللاحقة حذفت العبارة واستبدلت ب( لعن الله قوماً اتخذوا قبور انبيائهم مساجد ) وانت تلاحظ ان العبارة محشورة في غير محلها.
وممن رواه ايضاً: الحاكم الحسكاني الحنفي في (شواهد التنزيل -1/338 ) قال: - ونزل فيه أيضاًً : ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ، سبحان الله أسامة أحب إلى رسول الله من نفسه؟ وقد سمع مراراًًً تأكيد رسول الله له أن يزحف بجيشه إلى مؤتة حتى قال : صلوات الله عليه : لعن الله من تخلف ، عن جيش أسامة ، فتعلل ولم يزل ، عن عسكره حتى توفي رسول الله (ص) . ثانياً : ورواه غيرهم أيضاً لكنّ الأكثر لا يروونه لما سيأتي من كون أبي بكر وعمر وغيرهما في الجيش وقد تخلّفوا كلّهم ! ثالثاً : من قال ان ابا بكر وعمر وابا عبيدة ..في جيش اسامة : كون أبي بكر وعمر وأبي عبيدة وسعد بن أبي وقاص وأمثالهم من كبار المهاجرين والأنصار في جيش أسامة أمرٌ مسلّم عند المؤرخين المعتمدين من أهل السنة، كابن اسحاق صاحب (السيرة النبوية) وابن سعد صاحب (الطبقات) وابن الجوزي صاحب (المنتظم) وابن عساكر صاحب (تاريخ دمشق) وغيرهم من الأئمة. وأكّده الحافظ ابن حجر العسقلاني _شيخ اسلامهم العظيم_ في أشهر وأهمّ شروح البخاري وهو كتاب (فتح الباري في شرح صحيح البخاري ج8 ص124) رابعاً : قد حاول ابن تيميّة وأتباعه إنكار وجود أبي بكر في الجيش، والسبب في ذلك أمور : 1. إن تخلّفه عن الجيش طعنٌ له. 2. إنّ تأمير أسامة عليه منقصة له. 3. إن كونه في الجيش يفيد كذب خبر صلاته في مكان النبي، مع أنّهم يدّعون أنّ هذه الصلاة دليل إمامته وخلافته بعد رسول الله. 4. إنه من أدلّة أفضلية أمير المؤمنين على بن أبي طالب، لأنّ أحداً لم يدّع كون إمامنا في الجيش، فيدلّ على أنّ النبي أراد إبقاء الإمام عنده في المدينة وإبعاد غيره عنها. و خامساً : إنه قد أكدّ الأئمة في الحديث والسيرة وجود أبي بكر في الجيش وتخلّفه وردّوا على ابن تيميّة إنكاره للقضيّة. لقد صار غرض رسول الله من هذا البعث منقوضاً لانه اراد ابعادهم عن المدينة بعدما طردهم من بيته حينما سمع اهانة عمر له بقوله ( ان النبي ليهجر .. غلب عليه الوجع ..) فقال : قوموا عني . فاراد النبي تنفيذ وصيته بغيابهم . لكنهم فهموا مراده وتأذوا من طرده لهم ، فتمردوا على اسامة أميرهم ، ورجعوا لينفذوا بيعة السقيفة صلاة ابي بكر في المسلمين : ومن هذا يُعلم أن صلاة أبي بكر في مكان النبي صلى الله عليه وآله في مرضه لم تكن بأمرٍ من النبي، وإنّما كانت . انه تسلل لواذاً وتخلف عن جيش أسامة وعصى امر الله ورسوله . ولقد تأذى النبي من هذه الفعلة حتى عقد الراية مجدداً لأسامة وهو مرهق ومريض ، وأمره بالاسراع في المسير . ولعن من يتخلف عنه . لكن القوم منعوا اسامة من التقدم اكثر من الجرف خارج المدينة بانتظار وفاة النبي ليكونوا قريبين من الحدث الجلل.ورجعوا مرة اخرى وتخلفوا عن بعث أسامة وعقدوا البيعة لانفسهم في السقيفة في غياب المهاجرين والانصار ما عدا جماعة قليلة من الانصار وساندهم الأعراب وهم بنو اسلم باربعة الاف سيف وهم الاعراب المنافقون حول المدينة . اذاً الامر مبيت ليلاً .
بسم الله الرحمن الرحيم تمهيد الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين ، من الأولين والآخرين . كما تعلمون ، لعلّ من خير الأعمال في ليالي شهر رمضان هو مذاكرة العلم ، والأمور الاعتقادية والمسائل التي تتعلق بأصول الدين من أشرف المسائل العلميّة ، ومسألة الإمامة من بين المسائل الاعتقاديّة من أشرفها . ونسأل الله التوفيق لانْ نتمكّن من إلقاء بعض الأضواء على بعض القضايا المتعلّقة بمسألة الإمامة ، لنرى ما يدلّ عليه الكتاب والسنّة في هذه المسألة المهمّة العقائديّة الحسّاسة . ولست أدّعي أنّي مستوعب لجميع ما يتعلّق بهذه المسألة ، ولست أدّعي أنّي على استعداد للإجابة على كلّ سؤال يطرح حول هذه المسألة. ولست من أهل الخطابة والبيان والقدرة على تنضيد الكلمات والتلاعب بالألفاظ كما يقال في هذه الايّام . وسأحاول أنْ أبحث في هذه الليالي عن الإمامة بذكر عدّة من أدلّة الإمامية ، وعمدة أدلّة غيرهم ، ثم تحقيق الحال في جملة من المباحث المتعلّقة بالإمامة ، وسأحاول أنْ أبسّط الألفاظ والمطالب بقدر الإمكان ، حتّى لا يكون هناك تعقيد في البيان وصعوبة في استيعاب البحوث . قد يحمل هذا الكلام منّي على التواضع ، ولكن هذا من باب حسن الظن .
مقدّمات البحث قبل الشروع في البحوث ، وقبل الدخول في المسائل الاساسيّة التي تقرّر أن نبحث عنها طبق المنهج المعلن عنه ، لابدّ من تقديم مقدمات ، فنقول : المقدّمة الأولى : بحث المسائل على أُسس متقنة في كلّ مسألة لابدّ وأنْ يكون البحث في تلك المسألة على أُسس متقنة مدروسة ، فتارةً يكون طرف البحث والخطاب شيعيّاً إماميّاً مثلك ، فأنت تباحثه وتحتج عليه بما هو حجة في داخل المذهب ، فلك حينئذ أنْ تستدلّ على رأيك برواية في كتاب الكافي مثلاً . وأمّا إذا لم يكن شيعيّاً اثني عشريّاً مثلك ، فالأمر يختلف . . . لابدّ وأنْ يكون البحث بينكما ابتناءً على قضايا مشتركة ، وعلى أدلّة مشتركة . الادلّة المشتركة : أوّلاً :القرآن الكريم . ثانياً : العقل السليم . ثالثاً : الروايات الواردة في السنّة المتفق عليها بين الطرفين ، أو تحتجّ عليه من السنّة بما هو حجّة عنده وإنْ لم يكن حجةً عندك ، وليس لك أنْ تحتج عليه بكتاب الكافي ، كما ليس له أنْ يحتج عليك بكتاب البخاري . إذن ، لابدّ وأن تكون هناك نقطة وفاق واشتراك حتّى يتحاكم الطرفان إلى تلك النقطة ، من كتاب ، أو سنّة مسلّمة بين الطرفين ، أو قاعدة عقليّة قرّرها جميع العقلاء في بحوثهم . أمّا إذا كان طرف الخطاب سنّيّاً ، ولا يوافق على كتاب البخاري ، بل لا يرى صحّة شيء من الصحاح الستّة ، فلابدّ حينئذ من إقامة الدليل له ممّا يراه حجّة ، من الكتاب أو العقل ، فإن أردنا أن نقيم الدليل عليه من السنّة ، فلابدّ وأن نصحّح الرواية التي نحتجّ بها ، لكي يلتزم بتلك الرواية ، لانّها إذا صحّت على ضوء كلمات علماء الجرح والتعديل عندهم ، فلابدّ وأن يلتزم بتلك الرواية . قد يكون في هذا الزمان بعض الباحثين من لا يقول بصحّة روايات الصحيحين فضلاً عن الصحاح كلّها ، وإنّما يطالب برواية صحيحة سنداً ، سواء كانت في الصحيحين أو في غير الصحيحين ، فإثبات صحّة تلك الرواية لابدّ وأنْ يكون على ضوء كلمات علماء الجرح والتعديل من أهل السنّة بالنسبة لرواة تلك الرواية ، حتّى تتمّ صحّة الرواية ، ويمكنك الاستدلال بتلك الرواية ، فإنْ عاد وقال : ليست كلمات علماء الجرح والتعديل عندي بحجّة ، هذا الشخص حينئذ لا يتكلّم معه ويترك ، لانّ المفروض أنّه لا يقبل بالصحيحين ، ولا يقبل بالصحاح ، ولا يقبل برواية فرض صحّتها على ضوء كلمات علماء الجرح والتعديل من أئمّتهم ، حينئذ لا مجال للتكلّم مع هكذا شخص أبداً . لكن المشهور بين السنّة أنّهم يرون صحّة أخبار الصحيحين ، وإن كنّا أثبتنا في بعض بحوثنا أنّ هذا المشهور لا أصل له ، لكن المشهور بينهم هذا . وأيضاً المشهور بينهم صحّة روايات الصحاح الستّة ، وإنْ اختلفوا في تعيين تلك الصحاح بعض الاختلاف . وإنّ المسانيد أيضاً كثير منها معتبر ، كمسند أحمد مثلاً ، وإنْ كان بعض كبارهم لا يرون التزام أحمد في مسنده بالصحة ، لكنْ عندنا شواهد وأدلّة تنقل بالأسانيد عن أحمد بن حنبل نفسه أنّه ملتزم في مسنده بالصحّة . وهناك كتب أُخرى أيضاً مشهورة . ونحن في بحوثنا هذه لا نعتمد إلاّ على الصحاح ، والمسانيد ، والكتب المشهورة ، بعد الاستدلال بالكتاب ، وبالعقل ، فإذا وصلت النوبة إلى السنّة نستدلّ بالأحاديث المعروفة المشهورة الموجودة في الكتب المعتبرة المعتمدة ، الروايات المتفق عليها بين الطائفتين . فكما أشرنا من قبل ، لابدّ وأن تكون الرواية متّفقاً عليها بين الطائفتين ، بين الطرفين . هذا الاتفاق على الرواية من نقاط الاشتراك ، كالقرآن الكريم وكالعقل السليم .
المقدمة الثانية : الاستدلال بالكتاب و العقل و السنة ثمّ الاستدلال كما أشرنا في خلال كلماتنا هذه ، تارةً يكون بالكتاب ، وتارةً يكون بالعقل ، وتارةً يكون بالسنّة . أمّا الكتاب ، فآياته المتعلّقة بمباحث الإمامة كثيرة ، لكنّ المهمّ هو تعيين شأن نزول هذه الآيات ، وتعيين شأن نزول هذه الآيات إنّما يكون عن طريق السنّة ، إذن ، يعود الأمر إلى السنّة . وفي الاستدلال بالعقل أيضاً ، هناك أحكام عقلية هي كبريات عقليّة ، وتطبيق تلك الكبريات على الموارد لا يكون إلاّ بأدلّة من خارج العقل ، مثلاً يقول العقل بقبح تقدّم المفضول على الفاضل ، أمّا من هو المفضول ؟ ومن هو الفاضل ليقبح تقدّم المفضول على الفاضل بحكم العقل ؟ هذا يرجع إلى السنّة ، إذنْ رجعنا إلى السنّة . والسنّة أيضاً قد أشرنا إلى قواعدنا في إمكان التمسّك بها ، وإثبات مدّعانا واحتجاجنا على ضوئها ، فنحن لا نستدل على أهل السنّة بكتبنا ، كما لا يجوز لهم أن يستدلّوا بكتبهم علينا . نصّ على ذلك عدّة من أكابر علمائهم ، كابن حزم الاندلسي في كتابه الفصل ، فإنّه ينصّ على هذا المعنى ويصرّح بأنّه لا يجوز الاحتجاج للعامّة على الاماميّة بروايات العامّة ، يقول : لا معنى لاحتجاجنا عليهم برواياتنا ، فهم لا يصدّقونها ، ولا معنى لاحتجاجهم علينا برواياتهم فنحن لا نصدّقها ، وإنّما يجب أن يحتجّ الخصوم بعضهم على بعض بما يصدّقه الذي تقام عليه الحجة به ، سواء صدّقه المحتج أو لم يصدّقه ، لان مَن صدّق بشيء لزمه القول به أو بما يوجبه العلم الضروري ، فيصير حينئذ مكابراً منقطعاً إن ثبت على ما كان عليه 1 . إنّ من الواضح أنّ الشيعي لا يرى حجّية الصحيحين فضلاً عن غيرهما ، فلا يجوز للسنّي أنْ يحتجّ بهما عليه ، كما لا يجوز للشيعي أن يستدلّ على السنّي بكتاب شيعي ، لانّ السنّي لا يرى اعتبار كتاب الكافي مثلاً . فنحن إذن نستدلّ بروايات الصحاح ، وبروايات المسانيد ، وبالروايات المتفق عليها بين الطرفين ، و لربّما نحتاج إلى تصحيح سند بخصوصه على ضوء كتب علمائهم وأقوال كبارهم في الجرح والتعديل ليتمّ الاحتجاج ، ولا يكون حينئذ مناص من التسليم ، أو يكون هناك تعصّب وعناد ، ولا بحث لنا مع المعاند والمتعصّب .
بعض التقسيمات في الاستدلال بالسنّة وعندما يعود الأمر إلى الاستدلال بالسنّة ، فالروايات المتعلّقة ببحث الإمامة تنقسم إلى أقسام ، نذكر أوّلاً انقسامها إلى قسمين أساسيّين رئيسيّين : القسم الاوّل الروايات الشارحة للآيات ، والمبيّنة لشأن نزول الآيات ، فكما قلنا من قبل ، فإنّ الاستدلال بالقرآن لا يتمّ إلاّ بالسنّة ، إذ ليس في القرآن اسم لأحد ، فهناك آيات يستدلّ بها في مباحث الإمامة ، لكن ما ورد معتبراً في السنّة في تفسير تلك الآيات وشأن نزول تلك الآيات ، هو المتمّم للاستدلال بالقرآن الكريم . القسم الثاني الروايات المستدلّ بها على الإمامة والولاية والخلافة بعد رسول الله ، وليس بها أيّة علاقة بالآيات . ثمّ الروايات تنقسم إلى أقسام ، فهذه الروايات من القسم الثاني تنقسم إلى ثلاثة أقسام . القسم الاوّل : ما يدلّ على الإمامة بالنص . القسم الثاني : ما يدلّ على الإمامة عن طريق إثبات الافضليّة ، هذه الافضليّة التي هي الصغرى بإصطلاحنا لكبرى قاعدة قبح تقدّم المفضول على الفاضل . القسم الثالث : الروايات الدالّة على العصمة ، واشتراط العصمة واعتبارها في الامام أيضاً حكم عقلي ، وفي مورده أيضاً أدلّة من الكتاب والسنّة .
المقدمة الثالثة : أهمية البحث عن الإمامة والبحث عن الإمامة بحث في غاية الحساسيّة والاهميّة ، لانّنا نرى وجوب معرفة الإمام ، وعندما نبحث عن الإمام وتعيين الإمام بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، نريد أن نعرف الحقّ في هذه المسألة الخلافية ، ثمّ لنتّخذه قدوةً واُسوة ، لنقتدي به في جميع شؤوننا ، وفي جميع أدوار حياتنا . إنّما نريد أن نعرفه ولنجعله واسطة بيننا وبين ربّنا ، بحيث لو سئلنا في يوم القيامة عن الإمام ، بحيث لو سئلنا يوم القيامة لماذا فعلت كذا ؟ لماذا تركت كذا ؟ أقول : قال إمامي إفعل كذا ، قال إمامي لا تفعل كذا ، فحينئذ ينقطع السؤال . عندما نريد البحث عن الإمام لهذه الغاية ، فبالحقيقة يكون البحث عن الإمام والإمامة بحثاً عن الواسطة والوساطة بين الخالق والمخلوق ، نريد أنْ نجعله واسطة بيننا وبين ربّنا ، نريد أن نحتجّ بما وصلنا وبلغنا من أقواله وأفعاله في يوم القيامة على الله سبحانه وتعالى ، أو نعتذر أمامه في كلّ فعل أو ترك صدر منّا وسألنا عنه ، فنعتذر بأنّه قول إمامنا أو فعل إمامنا ، وهكذا بلغنا ووصلنا عنه ، هذا هو ـ في الحقيقة ـ لبّ البحث عن الإمامة . إذن ، يظهر أنّ البحث عن الإمامة بحث مهمّ جدّاً ، لانّ الإمام حينئذ يكون كالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) واسطةً بيننا وبين ربّنا عند فقد النبي . أمّا أنْ يكون الإمام حاكماً بالفعل أو لا يكون حاكماً ، أنْ يكون مبسوط اليد أو لا يكون مبسوط اليد ، أن يكون مسموع الكلمة أو لا يكون مسموع الكلمة ، أن يكون في السجن أو يكون غائباً عن الأنظار ، أو أن يقتل ، وإلى غير ذلك ، هذه الاُمور كلّها أُمور أُخرى تتفرّع على بحث الإمامة ، ليس البحث عن الإمامة بحثاً عن الحكومة ، وإنّما الحكومة من شؤون الإمام . وكثيراً ما يختلط الأمر على الباحثين ، وكثيراً ما نراهم يعترضون على مذهبنا بعدم التمكّن من الحكومة والسيطرة والسلطنة على الناس ، وإلى غير ذلك ، وهذه الاُمور خارجة الآن عمّا نحن بصدده . إذن ، لابدّ من البحث عن الإمام بعد النبي ، لانّا نريد أن نعرف الحق ونعرف الواسطة بيننا وبين ربّنا . أمّا طريق معرفته ، فهذا الطريق أيضاً يجب أنْ يكون تعيّنه من قبل الله سبحانه وتعالى ، لانّه لو رجع وطالبنا في يوم القيامة وقال : من أيّ طريق عرفت هذا الإمام ؟ فلو ذكرت له طريقاً لا يرتضيه ، لقال هذا الإمام ليس بحق ، ومن قال لك هذا الطريق موصل إلى معرفة الإمام الواسطة بينك وبيني ليكون عمله وقوله حجة لك في يوم القيامة ؟ إذن ، نفس الطريق أيضاً لابدّ وأن ينتهي إلى الله سبحانه وتعالى ، إنتهاؤه إلى الله أي انتهاؤه إلى الكتاب والسنّة والعقل السليم كما أشرنا من قبل . ومن هنا ، فقد اخترنا آيات من القرآن الكريم ، وأحاديث من السنّة النبويّة ، لكي نستدلّ بها على إمامة علي ، ورجعنا إلى العقل في المسألة لنعرف حكمه فيها .
دوران البحث بين علي و أبي بكر البحث يدور بين علي وأبي بكر ، أمّا خلافة عمر وعثمان فيتفرّعان على خلافة أبي بكر . إذن ، يدور الأمر بين علي وأبي بكر . قالت الاماميّة : بأنّ عليّاً هو الخليفة ، هو الإمام ، بعد رسول الله بلا فصل . وقال أهل السنّة : الخليفة بعد رسول الله هو أبو بكر بن أبي قحافة . استدلّت الاماميّة بآيات من القرآن الكريم ، وبأحاديث ، على ضوء النقاط التمهيدية التي ذكرتها ، وسترون أنّا لا نخرج عن الإطار الذي ذكرناه قيد شعرة .
آية المباهلة قوله تعالى : ﴿ فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ﴾ 2 . هذه الآية تسمّى بـ «آية المباهلة» . المباهلة في اللغة المباهلة : من البهل ، والبهل في اللغة بمعنى تخلية الشيء وتركه غير مراعى ، هذه عبارة الراغب في كتاب المفردات 3 . وعندما تراجعون القاموس وتاج العروس وغيرهما من الكتب اللغوية ترونهم يقولون في معنى البهل أنّه اللعن 4 . لكنّي رأيت عبارة الراغب أدق ، فالبهل هو ترك الشيء غير مراعى ، كأنْ تترك الحيوان مثلاً من غير أن تشدّه ، من غير أن تربطه بمكان ، تتركه غير مراعى ، تخلّيه وحاله وطبعه . وهذا المعنى موجود في رواياتنا بعبارة : «أوكله الله إلى نفسه» ، فمن فعل كذا أوكله الله إلى نفسه . وهذا المعنى دقيق جدّاً . تتذكّرون في أدعيتكم تقولون : «ربّنا لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين أبداً» ، وإنّه لمعنى جليل وعميق جدّاً ، لو أنّ الإنسان ترك من قبل الله سبحانه وتعالى لحظة ، وانقطع ارتباطه بالله سبحانه وتعالى ، وانقطع فيض الباري بالنسبة إليه آناً من الانات ، لانعدم هذا الإنسان . لهلك هذا الإنسان . ولو أردنا تشبيه هذا المعنى بأمر مادّي خارجي ، فانظروا إلى هذا الضياء ، هذا المصباح ، إنّه متّصل بالمركز المولّد ، فلو انقطع الاتصال آناً ما لم تجد هناك ضياءً ولا نوراً من هذا المصباح . هذا معنى إيكال الانسان إلى نفسه ، تقول «ربّنا لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين أبداً» . هناك كلمة لأمير لمؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة ، أُحبُّ أن أقرأ عليكم هذه الكلمة ، لاحظوا ، أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول : «إنّ أبغض الخلائق إلى الله رجلان ، رجل وكله الله إلى نفسه فهو جائر عن قصد السبيل ، مشغوف بكلام بدعة ودعاء ضلالة ، فهو فتنة لمن افتتن به ، ضالٌّ عن هدي من كان قبله ، مضلٌّ لمن اقتدى به في حياته وبعد وفاته ، حمّالٌ لخطايا غيره ، رهنٌ بخطيئته» 5 . وجدت عبارة الراغب أدق ، معنى البهل ، معنى المباهلة : أن يدعو الإنسان ويطلب من الله سبحانه وتعالى أن يترك شخصاً بحاله ، وأنْ يوكله إلى نفسه ، وعلى ضوء كلام أمير المؤمنين أن يطلب من الله سبحانه وتعالى أن يكون هذا الشخص أبغض الخلائق إليه ، وأيّ لعن فوق هذا ، وأيّ دعاء على أحد أكثر من هذا ؟ لذا عندما نرجع إلى معنى كلمة اللعن في اللغة نراها بمعنى الطرد ، الطرد بسخط ، والحرمان من الرحمة ، فعندما تلعن شخصاً ـ أي تطلب من الله سبحانه وتعالى أن لا يرحمه ـ تطلب من الله أن يكون أبغض الخلائق إليه ، فالمعنى في القاموس وشرحه أيضاً صحيح ، إلاّ أنّ المعنى في مفردات الراغب أدق ، فهذا معنى المباهلة . إذن ، عرفنا لماذا أُمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمباهلة ، ثمّ عرفنا في هذا المقدار من الكلام أنّه لماذا عدل القوم عن المباهلة ، لماذا تراجعوا ، مع أنّهم قرّروا ووافقوا على المباهلة ، وحضروا من أجلها ، إلاّ أنّهم لمّا رأوا رسول الله ووجوه أبنائه وأهله معه قال أُسقفهم : «إنّي لأرى وجوهاً لو طلبوا من الله سبحانه وتعالى أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله» 6 . فلماذا جاء رسول الله بمن جاء ؟ لا نريد الآن أن نعيّن من جاء مع رسول الله ، لكن يبقى هذا السؤال : لماذا جاء رسول الله بمن جاء دون غيرهم ؟ فهذا معنى المباهلة إلى هنا . تعيين من خرج مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في المباهلة إنّه ـ كما أشرنا من قبل ـ ليس في الآية المباركة اسم لأحد ، لا نجد اسم علي ولا نجد اسم غير علي في هذه الآية المباركة . إذن ، لابدّ أن نرجع إلى السنّة كما ذكرنا ، وإلى أيّ سنّة نرجع ؟ نرجع إلى السنّة المقبولة عند الطرفين ، نرجع إلى السنّة المتّفق عليها عند الفريقين . ومن حسن الحظ ، قضيّة المباهلة موجودة في الصحاح ، قضيّة المباهلة موجودة في المسانيد ، قضيّة المباهلة موجودة في التفاسير المعتبرة . إذن ، أيّ مخاصم ومناظر وباحث يمكنه التخلّي عن هذا المطلب وإنكار الحقيقة ؟ وتوضيح ذلك : إنّا إذا رجعنا إلى السنّة فلابدّ وأن نتمّ البحث دائماً بالبحث عن جهتين ، وإلاّ لا يتمّ الاستدلال بأيّ رواية من الروايات : الجهة الاُولى جهة السند ، لابدّ وأن تكون الرواية معتبرة ، لابدّ وأن تكون مقبولة عند الطرفين ، لابدّ وأن يكون الطرفان ملزمين بقبول تلك الرواية . هذا ما يتعلّق بالسند . الجهة الثانية جهة الدلالة ، فلابدّ وأن تكون الرواية واضحة الدلالة على المدعى . وإلى الآن فهمنا أنّ الآية المباركة وردت في المباهلة مع النصارى ، نصارى نجران ، ونجران منطقة بين مكّة واليمن على ما في بالي في بعض الكتب اللغوية ، أو بعض المعاجم المختصة بالبلدان . وإذا رجعنا إلى السنّة في تفسير هذه الآية المباركة ، وفي شأن من نزلت ومن خرج مع رسول الله ، نرى مسلماً والترمذي والنسائي وغيرهم من أرباب الصحاح 7 يروون الخبر بأسانيد معتبرة ، فمضافاً إلى كونها في الصحاح ، هي أسانيد معتبرة أيضاً ، يعني حتّى لو لم تكن في الصحاح بهذه الأسانيد ، هي معتبرة قطعاً : خرج رسول الله ومعه علي وفاطمة والحسن والحسين ، وليس معه أحد غير هؤلاء . فالسند معتبر ، والخبر موجود في الصحاح ، وفي مسند أحمد ، وفي التفاسير إلى ما شاء الله ، من الطبري وغير الطبري ، ولا أعتقد أنّ أحداً يناقش في سند هذا الحديث بعد وجوده في مثل هذه الكتب . نعم ، وجدت حديثاً في السيرة الحلبيّة بلا سند ، يضيف عمر بن الخطّاب وعائشة وحفصة ، وأنّهما خرجتا مع رسول الله للمباهلة 8 . ووجدت في كتاب تاريخ المدينة المنوّرة لابن شبّة 9 أنّه كان مع هؤلاء ناس من الصحابة ، ولا يقول أكثر من هذا . ووجدت رواية في ترجمة عثمان بن عفّان من تاريخ ابن عساكر 10 أنّ رسول الله خرج ومعه علي وفاطمة والحسنان وأبو بكر وولده وعمر وولده وعثمان وولده . فهذه روايات في مقابل ما ورد في الصحاح ومسند أحمد وغيرها من الكتب المشهورة المعتبرة . لكن هذه الروايات في الحقيقة : أوّلاً :روايات آحاد . ثانياً : روايات متضاربة فيما بينها . ثالثاً :روايات انفرد رواتها بها ، وليست من الروايات المتفق عليها . رابعاً : روايات تعارضها روايات الصحاح . خامساً :روايات ليس لها أسانيد ، أو أنّ أسانيدها ضعيفة ، على ما حقّقت في بحثي عن هذا الموضوع . إذن ، تبقى القضيّة على ما في صحيح مسلم ، وفي غيره من الصحاح ، وفي مسند أحمد ، وغير مسند أحمد من المسانيد ، وفي تفسير الطبري والزمخشري والرازي ، وفي تفسير ابن كثير ، وغيرها من التفاسير إلى ما شاء الله ، وليس مع رسول الله إلاّ علي وفاطمة والحسنان .
دلالة آية المباهلة على إمامة عليّ (عليه السلام) أمّا وجه الدلالة في هذه الآية المباركة ، بعد بيان شأن نزولها وتعيين من كان مع النبي في تلك الواقعة ، دلالة هذه الآية على إمامة علي من أين ؟ وكيف تستدلّون أيّها الاماميّة بهذه الآية المباركة على إمامة علي ؟ فيما يتعلّق بإمامة أمير المؤمنين في هذه الآية ، وفي الروايات الواردة في تفسيرها ، يستدلّ علماؤنا بكلمة : (وأنفسنا) ، تبعاً لائمّتنا (عليهم السلام) . ولعلّ أوّل من استدلّ بهذه الآية المباركة هو أمير المؤمنين (عليه السلام) نفسه ، عندما احتجّ في الشورى على الحاضرين بجملة من فضائله ومناقبه ، فكان من ذلك احتجاجه بآية المباهلة ، وهذه القصّة ، وكلّهم أقرّوا بما قال أمير المؤمنين ، وصدّقوه في ما قال ، وهذا الاحتجاج في الشورى مروي أيضاً من طرق السنّة أنفسهم 11 . وأيضاً هناك في رواياتنا 12 أنّ المأمون العباسي سأل الإمام الرضا (عليه السلام)قال : هل لك من دليل من القرآن الكريم على إمامة علي ، أو أفضليّة علي ؟ السائل هو المأمون والمجيب هو الإمام الرضا (عليه السلام) . المأمون كما يذكرون في ترجمته كما في تاريخ الخلفاء للسيوطي وغيره 13 أنّه كان من فضلاء الخلفاء ، أو من علماء بني العباس من الخلفاء ، طلب المأمون من الامام أن يقيم له دليلاً من القرآن ، كأنّ السنّة قد يكون فيها بحث ، بحث في السند أو غير ذلك ، لكن لا بحث سندي فيما يتعلّق بالقرآن الكريم ، وبآيات القرآن المجيد . فذكر له الإمام (عليه السلام) آية المباهلة ، واستدلّ بكلمة : (وأنفسنا) . لانّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما أُمر أنْ يخرج معه نساءه ، فأخرج فاطمة فقط ، وأبناءه فأخرج الحسن والحسين فقط ، وأُمر بأن يخرج معه نفسه ، ولم يخرج إلاّ علي ، وعلي نفس رسول الله بحسب الروايات الواردة بتفسير الآية ، كما أشرنا إلى مصادر تلك الروايات ، ولم يخرج رسول الله إلاّ عليّاً ، فكان علي نفس رسول الله ، إلاّ أن كون علي نفس رسول الله بالمعنى الحقيقي غير ممكن ، فيكون المعنى المجازي هو المراد ، وأقرب المجازات إلى الحقيقة يؤخذ في مثل هذه الموارد كما تقرّر في كتبنا العلمية ، فأقرب المجازات إلى المعنى الحقيقي في مثل هذا المورد هو أن يكون علي مساوياً لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، إلاّ أنّ المساواة مع رسول الله في جميع الجهات وفي جميع النواحي حتّى النبوّة ؟ لا . فتخرج النبوّة بالإجماع على أنّه لا نبي بعد رسول الله ، وتبقى بقيّة مزايا رسول الله ، وخصوصيات رسول الله ، وكمالات رسول الله ، موجودةً في علي بمقتضى هذه الآية المباركة . من خصوصيّات رسول الله : العصمة ، فآية المباهلة تدلّ على عصمة علي بن أبي طالب قطعاً . من خصوصيّات رسول الله : أنّه أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فعلي أولى بالمؤمنين من أنفسهم كرسول الله قطعاً . من خصوصيّات رسول الله : أنّه أفضل جميع الخلائق ، أفضل البشر والبشريّة ، منذ أن خلق الله سبحانه وتعالى العالم وخلق الخلائق كلّها ، فكان أشرفهم رسول الله محمّد بن عبدالله ، وعلي كذلك . وسنبحث إن شاء الله في ليلة من الليالي عن مسألة تفضيل الائمّة على الأنبياء ، وسترون أنّ هذه الآية المباركة ـ وهناك أدلّة أُخرى أيضاً ـ تدلُّ على أنّ عليّاً أفضل من جميع الأنبياء سوى نبيّنا (صلى الله عليه وآله وسلم) . فحينئذ حصل عندنا تفسير الآية المباركة على ضوء الأحاديث المعتبرة ، حصل عندنا صغرى الحكم العقلي بقبح تقدّم المفضول على الفاضل ، بحكم هذه الأحاديث المعتبرة . وناهيك بقضيّة الاولويّة ، رسول الله أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، وعلي أولى بالمؤمنين من أنفسهم . وفي جميع بحوثنا هذه ، وإلى آخر ليلة ، سترون أنّ الأحاديث كلّها وإنْ اختلفت ألفاظها ، اختلفت أسانيدها ، اختلفت مداليلها ، لكنّ كلّها تصبّ في مصب واحد ، وهو أولويّة علي ، وهو إمامة علي ، وهو خلافة علي بعد رسول الله بلا فصل . لابدّ وأنّكم تتذكّرون حديث الغدير : «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا بلى ، قال : فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه» . نفس المعنى الذي قاله في حديث الغدير ، هو نفس المفهوم الذي تجدونه في آية المباهلة ، وبالنظر إلى ما ذكرنا من المقدّمات والممهّدات ، التي كلّ واحد منها أمر قطعي أساسي ، لا يمكن الخدشة في شيء ممّا ذكرت .
مع ابن تيمية في آية المباهلة ولو أنّ مدّعياً يدّعي أو متعصّباً أو جاهلاً يقول كما قال ابن تيميّة في منهاج السنّة 14 بأنّ رسول الله إنّما أخرج هؤلاء معه ، ولم يخرج غيرهم ، يعترف بعدم خروج أحد مع رسول الله غير هؤلاء ، يعترف ابن تيميّة ، واعتراف ابن تيميّة في هذه الايام وفي أوساطنا العلميّة وفي مباحثنا العلميّة له أثر كبير ، لانّ كثيراً من الخصوم يرون ابن تيميّة «شيخ الإسلام» ، إلاّ أنّ بعض كبارهم قال : من قال بأنّ ابن تيميّة شيخ الإسلام فهو كافر !! المهم ، فابن تيميّة أيضاً يعترف بعدم خروج أحد مع رسول الله في قضية المباهلة غير هؤلاء الأربعة ، يعترف بهذا ، وراجعوا كتابه منهاج السنّة ، موجود ، إلاّ أنّه يقول بأنّ عادة العرب في المباهلة أنّهم كانوا يخرجون أقرب الناس إليهم ، كانوا يخرجون معهم إلى المباهلة من يكون أقرب الناس إليهم ، كانت عادتهم أن يخرجوا الأقرب نسباً وإنْ لم يكن ذا فضيلة ، وإن لم يكن ذا تقوى ، وإنْ لم يكن ذا منزلة خاصة أو مرتبة عند الله سبحانه وتعالى ، يقول هكذا . لكنّه يعترض على نفسه ويقول : إنْ كان كذلك ، فلم لم يخرج العباس عمّه معه ؟ والعباس في كلمات بعضهم ـ ولربّما نتعرّض إلى بعض تلك الكلمات في حديث الغدير ـ أقرب إلى رسول الله من علي ، فحينئذ لِمَ لمْ يخرج معه ؟ يقول في الجواب : صحيحٌ ، لكنْ لم يكن للعباس تلك الصلاحية والقابليّة واللياقة لان يحضر مثل هذه القضية ، هذا بتعبيري أنا ، لكن راجعوا نصّ عبارته هذا النقل كان بالمعنى ، يقول بأنّ العباس لم يكن في تلك المرتبة لان يحضر مثل هذه القضيّة ، يقول ابن تيميّة فلذا يكون لعلي في هذه القضية نوع فضيلة . بهذا المقدار يعترف ، ونغتنم من مثل ابن تيميّة أن يعترف بفضيلة لعلي في هذه القضيّة . ولو أنّك راجعت الفضل ابن روزبهان الخنجي ، ذلك الذي ردّ كتاب العلاّمة الحلّي رحمه الله بكتاب أسماه إبطال الباطل ، لرأيته في هذا الموضع أيضاً يعترف بثبوت فضيلة لعلي لا يشاركها فيها أحد 15 . نعم ، يقول ابن تيميّة : لم تكن الفضيلة هذه لعلي فقط ، وإنّما كانت لفاطمة والحسنين أيضاً ، إذن ، لم تختصّ هذه الفضيلة بعلي . وهذا كلام مضحك جدّاً ، وهل الحسنان وفاطمة يدّعون التقدم على علي ؟ وهل كان البحث في تفضيل علي على فاطمة والحسنين ، أو كان البحث في تفضيل علي على أبي بكر ؟ أو كان البحث في قبح تقدم المفضول على الفاضل بحكم العقل ؟ والعجب أنّ ابن تيميّة يعترف في أكثر من موضع من كتابه منهاج السنّة بقبح تقدّم المفضول على الفاضل ، يعترف بهذا المعنى ويلتزم ، ولذلك يناقش في فضائل أمير المؤمنين لئلاّ تثبت أفضليّته من الغير . ثمّ مضافاً إلى كلّ هذا ، ترون في قضيّة المباهلة أنّ رسول الله يقول لعلي وفاطمة والحسنين : «إذا أنا دعوت فأمّنوا» 16 ، أي فقولوا آمين ، وأيّ تأثير لقول هؤلاء آمين ، أن يقولوا لله سبحانه وتعالى بعد دعاء رسول الله على النصارى أن يقولوا آمين ، أيّ تأثير لقول هؤلاء ؟ ألم يكف دعاء رسول الله على النصارى حتّى يقول رسول الله لفاطمة والحسنين وهما صغيران أن يقول لهم قولوا آمين ؟ خاتمة المطاف إذن ، كان لعلي ولفاطمة وللحسنين سهم في تقدّم الإسلام ، كان علي شريكاً لرسول الله في رسالته . وهذا معنى ﴿ ... فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي ... ﴾ 17 ، فهارون كان ردءاً يصدّق موسى في رسالته ، وهارون كان شريكاً لموسى في رسالته . وهذا معنى : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي» ، وقد قلت من قبل : إنّ الأحاديث هذه كلّها تصب في مصبّ واحد ، ترى بعضها يصدّق بعضاً ، ترى الآية تصدّق الحديث ، وترى الحديث يصدّق القرآن الكريم ، وهكذا الأمر فيما يتعلّق بأهل البيت : رسول الله يجمع أهله تحت الكساء فتنزل الآية المباركة آية التطهير ، وفي يوم الغدير ينصب عليّاً ويعلن عن إمامته في ذلك الملا فتنزل الآية المباركة : ﴿ ... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ... ﴾ 18 . وأي ارتباط هذا بين أفعال رسول الله والآيات القرآنيّة النازلة في تلك المواقف ، ترون الارتباط الوثيق ، يقول الله سبحانه وتعالى : ﴿ ... فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ... ﴾ 19 ويخرج رسول الله بعلي وفاطمة والحسن والحسين فقط ، وهذا هو الارتباط بين الوحي وبين أفعال رسول الله وأقواله . إذن ، فالآية المباركة غاية ما دلّت عليه هو الأمر بالمباهلة ، وقد عرفنا معنى المباهلة ، لكن الحديث دلّ على خروج علي وفاطمة والحسن والحسين مع رسول الله . الآية المباركة ليس فيها إلاّ كلمة : (وأنفسكم) لكن الحديث فسّر تفسيراً عملياً هذه الكلمة من الآية المباركة ، وأصبح علي نفس رسول الله ، ليس نفس رسول الله بالمعنى الحقيقي ، فكان كرسول الله ، كنفس رسول الله ، فكان مساوياً لرسول الله ، ولهذا أيضاً شواهد أُخرى ، شواهد أُخرى من الحديث في مواضع كثيرة . يقول رسول الله مهدّداً إحدى القبائل : «لتنتهنّ أو لأرسل إليكم رجلاً كنفسي» ، وكذا ترون في قضيّة إبلاغ سورة البراءة ، إنّه بعد عودة أبي بكر يقول : بأنّ الله سبحانه وتعالى أوحى إليه بأنّه لا يبلّغ السورة إلاّ هو أو رجل منه ، ويقول في قضيّة : «علي منّي وأنا من علي وهو وليّكم من بعدي» ، وهو حديث آخر ، وهكذا أحاديث أُخرى يصدّق بعضها بعضاً . إلى هنا ينتهي البحث عن دلالة آية المباهلة على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وإنْ شئتم المزيد فهناك كتب أصحابنا من الشافي للسيد المرتضى ، وتلخيص الشافي ، وكتاب الصراط المستقيم للبيّاضي ، وكتب العلاّمة الحلّي رحمة الله عليه ، وأيضاً كتب أُخرى مؤلّفة في هذا الموضوع . ولي ـ والحمد لله ـ رسالة في هذا الموضوع أيضاً ، وتلك الرسالة مطبوعة ، ومن شاء التفصيل فليراجع . وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين 20 . ******************************************** 1. الفصل في الأهواء و الملل و النحل 4 / 159 . 2. القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 61 ، الصفحة : 57 . 3. المفردات في غريب القرآن : «بهل» . 4. تاج العروس : «بهل» . 5. نهج البلاغة : 51 ، الخطبة رقم 17 . 6. راجع : الكشاف 1 / 369 ، تفسير الخازن 1 / 242 ، السراج المنير في تفسير القرآن 1 / 222 ، تفسير المراغي 13 / 175 ، وغيرها .
سماحة العلامة السيد علي الحسيني الميلاني 7. راجع : صحيح مسلم 7 / 120 ، مسند أحمد 1 / 185 ، صحيح الترمذي 5 / 596 ، خصائص أمير المؤمنين : 48 ـ 49 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 150 ، فتح الباري في شرح صحيح البخاري 7 / 60 ، المرقاة في شرح المشكاة 5 / 589 ، أحكام القرآن للجصاص 2 / 16 ، تفسير الطبري 3 / 212 ، تفسير ابن كثير 1/319 ، الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور 2 / 38 ، الكامل في التاريخ 2 / 293 ، أسد الغابة في معرفة الصحابة 4 / 26 ، وغيرها من كتب التفسير والحديث والتاريخ . 8. إنسان العيون 3 / 236 . 9. تاريخ المدينة المنورة 1 / 581 . 10. ترجمة عثمان من تاريخ دمشق : 168 . 11. ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق 3 / 90 الحديث 1131 . 12. الفصول المختارة من العيون والمحاسن : 38 . 13. تاريخ الخلفاء : 306 . 14. منهاج السنة 7 / 122 ـ 130 . 15. أنظر : إحقاق الحق 3 / 62 . 16. الكشاف 1 / 368 ، الخازن 1 / 243 ، وغيرهما . 17. القران الكريم : سورة القصص ( 28 ) ، الآية : 34 ، الصفحة : 389 . 18. القران الكريم : سورة المائدة ( 5 ) ، الآية : 3 ، الصفحة : 107 . 19. القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 61 ، الصفحة : 57 . 20. كتاب : آية المباهلة من سلسلة الندوات الإعتقادية للسيد علي الحسيني الميلاني .
سماحة الشيخ صالح الكرباسي حفظه الله تسمى الآية (61) من سورة آل عمران بآية المباهلة ، و هي : ﴿ فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ﴾ 1 . أما المعنى اللغوي للمباهلة فهي الملاعنة و الدعاء على الطرف الآخر بالدمار و الهلاك ، و قوله عَزَّ و جَلَّ { نَبْتَهِلْ } أي نلتعن . و قد نزلت هذه الآية حسب تصريح المفسرين جميعاً في شأن قضية و قعت بين رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) و نصارى نجران ، و اليك تفصيلها . قصة المباهلة : كتب النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) كتابا إلى " أبي حارثة " أسقف نَجران دعا فيه أهالي نَجران إلى الإسلام ، فتشاور أبو حارثة مع جماعة من قومه فآل الأمر إلى إرسال وفد مؤلف من ستين رجلا من كبار نجران و علمائهم لمقابلة الرسول ( صلَّى الله عليه و آله ) و الاحتجاج أو التفاوض معه ، و ما أن وصل الوفد إلى المدينة حتى جرى بين النبي و بينهم نقاش و حوار طويل لم يؤد إلى نتيجة ، عندها أقترح عليهم النبي المباهلة ـ بأمر من الله ـ فقبلوا ذلك و حددوا لذلك يوما ، و هو اليوم الرابع و العشرين 2 من شهر ذي الحجة سنة : 10 هجرية .
لكن في اليوم الموعود عندما شاهد وفد نجران أن النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) قد إصطحب أعز الخلق إليه و هم علي بن أبي طالب و ابنته فاطمة و الحسن و الحسين ، و قد جثا الرسول ( صلَّى الله عليه و آله ) على ركبتيه استعدادا للمباهلة ، انبهر الوفد بمعنويات الرسول و أهل بيته و بما حباهم الله تعالى من جلاله و عظمته ، فأبى التباهل . قال العلامة الطريحي ـ صاحب كتاب مجمع البحرين ـ : و قالوا : حتى نرجع و ننظر ، فلما خلا بعضهم إلى بعض قالوا للعاقِب و كان ذا رأيهم : يا عبد المسيح ما ترى ؟ قال والله لقد عرفتم أن محمدا نبي مرسل و لقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم ، والله ما باهَل قومٌ نبيًّا قط فعاش كبيرهم و لا نبت صغيرهم ، فإن أبيتم إلا إلف دينكم فوادعوا الرجل و انصرفوا إلى بلادكم ، و ذلك بعد أن غدا النبي آخذا بيد علي و الحسن و الحسين ( عليهم السَّلام ) بين يديه ، و فاطمة ( عليها السَّلام ) خلفه ، و خرج النصارى يقدمهم أسقفهم أبو حارثة ، فقال الأسقف : إني لأرى و جوها لو سألوا الله أن يزيل جبلا لأزاله بها ، فلا تباهلوا ، فلا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة ، فقالوا : يا أبا القاسم إنا لا نُباهِلَك و لكن نصالحك ، فصالحهم رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) على أن يؤدوا إليه في كل عام ألفي حُلّة ، ألف في صفر و ألف في رجب ، و على عارية ثلاثين درعا و عارية ثلاثين فرسا و ثلاثين رمحا . و قال النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) : " و الذي نفسي بيده إن الهلاك قد تدلّى على أهل نجران ، و لو لاعنوا لمسخوا قردة و خنازير و لأضطرم عليهم الوادي نارا ، و لما حال الحول على النصارى كلهم حتى يهلكوا " 3 .
في من نزلت آية المباهلة : لقد أجمع العلماء في كتب التفسير و الحديث على أن هذه الآية نزلت في خمسة هم : 1. النبي الأكرم محمد رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) . 2. الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) . 3. السيدة فاطمة الزهراء ( عليها السَّلام ) . 4. الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) . 5. الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) . ففي صحيح مسلم : و لما نزلت هذه الآية : ﴿ ... فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ ... ﴾ 4 دعا رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) عليا و فاطمة و حسنا و حسينا فقال : " اللهم هؤلاء أهلي " 5 . و في صحيح الترمذي : عن سعد بن أبي وقَّاص قال : لما أنزل الله هذه الآية : ﴿ ... نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ ... ﴾ 4 دعا رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) عليا و فاطمة و حسنا و حسينا ، فقال : " اللهم هؤلاء أهلي " 6 . و في مسند أحمد بن حنبل : مثله 7 . و في تفسير الكشاف : قال في تفسير قوله تعالى : ﴿ ... فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ ... ﴾ 4 ، فأتى رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) و قد غدا محتضنا الحسين ، آخذا بيد الحسن ، و فاطمة تمشي خلفه و علي خلفها ، و هو يقول : " إذا أنا دعوت فأَمّنوا " فقال أسقف نجران : يا معشر النصارى لأرى و جوها لو شاء الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله بها فلا تباهلوا فتهلكوا و لا يبقى على وجه الأرض نصارى إلى يوم القيامة ... " 8 . و هناك العشرات من كتب التفسير و الحديث ذكرت أن آية المباهلة نزلت في أهل البيت ( عليهم السَّلام ) لا غير ، و لا مجال هنا لذكرها . نقاط ذات أهمية : و ختاماً تجدر الإشارة إلى نقاط ذات أهمية و هي : 1. إن تعيين شخصيات المباهلة ليس حالة عفوية مرتجلة ، و إنما هو إختيار إلهي هادف و عميق الدلالة ... و قد أجاب الرسول ( صلَّى الله عليه و آله ) حينما سئل عن هذا الإختيار بقوله : " لو علم الله تعالى أن في الأرض عبادا أكرم من علي و فاطمة و الحسن و الحسين لأمرني أن أباهل بهم ، و لكن أمرني بالمباهلة مع هؤلاء فغلبت بهم النصارى " 9 . 2. إن ظاهرة الإقتران الدائم بين الرسول ( صلَّى الله عليه و آله ) و أهل بيته ( عليهم السَّلام ) تنطوي على مضمون رسالي كبير يحمل دلالات فكرية ، روحية ، سياسية مهمة ، إذ المسألة ليست مسألة قرابة ، بل هو إشعار رباني بنوع و حقيقة الوجود الامتدادي في حركة الرسالة ، هذا الوجود الذي يمثله أهل البيت ( عليهم السَّلام ) بما حباهم الله تعالى من إمكانات تؤهلهم لذلك . 3. لو حاولنا أن نستوعب مضمون المفردة القرآنية { أنفسنا } لأستطعنا أن ندرك قيمة هذا النص في سلسلة الأدلة المعتمدة لإثبات الإمامة ، إذ أن هذه المفردة القرآنية تعتبر علياً ( عليه السَّلام ) الشخصية الكاملة المشابهة في الكفاءات و الصفات لشخصية الرسول الأكرم ( صلَّى الله عليه و آله ) بإستثناء النبوة التي تمنح النبي خصوصية لا يشاركه فيها أحد مهما كان موقعه و منزلته . 4. فالإمام علي ( عليه السَّلام ) إنطلاقاً من هذه المشابهة الفكرية و الروحية هو المؤهل الوحيد لتمثيل الرسول ( صلَّى الله عليه و آله ) في حياته و بعد مماته لما يملكه من هذه المصداقية الكاملة . و قد أكَّد رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله) هذه الحقيقة في أحاديث واضحة الشكل و المضمون . ************************************** 1. القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 61 ، الصفحة : 57 . 2. ما ذكرناه هو المشهور بين المفسرين و المؤرخين ، و هناك أقوال أخرى . 3. مجمع البحرين : 2 / 284 ، للعلامة فخر الدين بن محمد الطريحي ، المولود سنة : 979 هجرية بالنجف الأشرف / العراق ، و المتوفى سنة : 1087 هجرية بالرماحية ، و المدفون بالنجف الأشرف / العراق ، الطبعة الثانية سنة : 1365 شمسية ، مكتبة المرتضوي ، طهران / إيران . 4. a. b. c. القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 61 ، الصفحة : 57 . 5. صحيح مسلم : 4/1871 ، طبعة : دار إحياء التراث العربي/ بيروت . 6. صحيح الترمذي : 5/225 حديث : 2999 ، طبعة : دار الكتاب العربي / بيروت . 7. مسند أحمد بن حنبل : 1/ 185 ، طبعة : دار صادر / بيروت . 8. تفسير الكشاف : 1/ 193 ، طبعة : دار الكتاب العربي / بيروت . 9. المباهلة : 66 ، لعبد الله السبيتي ، طبعة : مكتبة النجاح ، طهران / إيران .
إن حادثة المباهلة من قضايا التاريخ الاسلامي المعروفة المتواترة التي جاء ذكرها في كتب التفسير، والتاريخ والحديث بصورة مبسوطة ومفصَّلة لمناسبة واُخرى، وتتلخصُ هذه القصة فيما يلي: لقد كتبَ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله- يوم راسلَ ملوك العالم وامراءه يدعوهم الى الاسلام- كتب كتاباً الى اسقف نجران "ابو حارثة" دعا فيه أهل نجران إلى الاسلام ولما تسلّم أبو حارثة كتاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله شاور جماعة من اصحابه، فأشاروا عليه بأن يَبعثوا وفداً يمثلون أهل نجران إلى المدينة، ليتفاوضوا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله عن كثب. وفعلاً قدم الوفد المذكور المدينة، والتقى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وبعد مداولات ومفاوضات كثيرة اقترح النبي الاكرم صلّى اللّه عليه وآله على ذلك الوفد المباهلة بأمر اللّه سبحانه، بأن يخرج الجميع (الطرفان) إلى الصحراء، ويدعُو كلُ واحد من الجانبين على الآخر فرضوا باقتراح رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، ولكنّهم أحجموا عن المباهلة لما شاهدوا ما عليه رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله من حالة معنوية، وروحانية عظيمة، حيث أن رسول اللّه صلّى اللّه وآله اصطحب معه إلى المباهلة أربعة انفار من أفضل أحبته وأعزته، وتقرّر أن ينضوي نصارى نجران تحت مظلة الحكومة الاسلامية وهم على دينهم شريطة أن يدفعوا جزية (وهي مبلغ ضئيل). هذه هي خلاصة قضية المباهلة التي لا يستطيع انكارها وإخفاءها أي مفسِّر أو مؤرخ على النحو الذي ذكر، والآن يجب أن نرى متى وفي أي يوم وشهر وعام وقعت هذه الحادثةُ الاسلامية الكبرى.
عام المباهلة حسب المشهور يقول مؤلف كتاب مكاتيب الرسول في هذا الصدد: لا خلاف عند المؤرخين ان كتاب الصُّلح كتب سنة عشرة من الهجرة، فيكون سنة المباهلة نفس هذه السنة أيضاً، لان كتاب الصلح هذا انما كتب عندما أحجم الوفد النجراني النصراني من مباهلة النبي صلّى اللّه عليه وآله. وقد ادرج نصُّ كتاب الصلح هذا في مصادر عديدة نذكر بعضها في الهامش1.
الشهر واليوم الذي وقعت فيه المباهلة إن المشهور بين العلماء هو أن المباهلة وقعت في اليوم الخامس والعشرين من شهر ذي الحجة، وذهب المرحوم الشيخ الطوسي إلى أنها وقعت في اليوم الرابع والعشرين من ذلك الشهر، وروى في كتابه دعاء خاصاً في هذه المناسبة2. واما المرحوم السيّد ابن طاووس فقد نقل حول يوم المباهلة أقوالاً ثلاثة، وذكر بأن أصح تلك الأقوال والروايات هو القائل بان يوم المباهلة هو الرابع والعشرون من شهر ذي الحجة، وقد ذهب البعض إلى أنه اليومُ الواحد والعشرون بينما ذهب آخرون إلى أنه اليوم السابع والعشرون3.
ثم انه رحمه اللّه روى في آخر كتابه4 قصة المباهلة بصورة مفصّلة لم ترد في أي كتاب أو مؤلَّف آخر، ونوّه بأن محتويات هذا الباب اقتبست من الكتابين التاليين 1- كتاب المباهلة تأليف أبي المفضل محمَّد بن عبد المطلب الشيباني5. 2- كتاب عمل ذي الحجة تصنيف الحسن بن اسماعيل بن أشناس6.
إلى هنا اتضح ان يوم المباهلة على المشهور هو اليوم الرابع والعشرون أو الواحد العشرون أو الخامس والعشرون أو السابع والعشرون من شهر ذي الحجة. وأمّا رأينا حول التاريخ الدقيق لهذه الواقعة من حيث العام والسنة. إن خلاصة القول هي أنَّ هذه الأقوال والآراء حول عام ويوم المباهلة لا توافق النقول التاريخية الاُخرى التي يتسم بعضُها بطابع القطعية إلى حدّ بعيد، واليك ادلتنا على ذلك فيما يلي:
رأينا حول عام المباهلة لقد جاء في ختام الكتاب الذي بعثه النبيّ صلّى اللّه عليه وآله الى اُسقف نجران عبارة: "وإن أبيتم فالجزية"، وقد جاءت لفظةُ الجزية في القرآن الكريم في سورة التوبة والظاهر أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله استخدم هذه الجملة واللفظة في الكتاب المذكور اتباعاً للآية المذكورة، وقد نزلت سورة التوبة قبيل غزوة تبوك بقليل، وقد وقعت هذه الغزوة بعد شهر رجب من السنة التاسعة. وبناء على هذا يبعد أن يكون رسول اللّه قد كتب لأهل نجران كتاباً، بعثوا بجوابه إليه صلّى اللّه عليه وآله بعد عام ونصف العام على يد وفدهِم. إن هذه الواقعة التاريخية تحكي عن أن هذه الحادثة قد وقعَت في السنة العاشرة من الهجرة.
2- اتفق كتّاب السيرة على أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بعث عليّاً عليه السَّلام إلى اليمن للقضاء وتعليم الاحكام الدينية، وقد مكث علي عليه السَّلام هناك ردحاً من الزمان لأداء مهامّه المخوّلة اليه، وعندما علم بتوجه النبي صلّى اللّه عليه وآله الى مكة للحج، خرج هو أيضاً إلى مكة على رأس جماعة من أهل اليمن، فلقي النبيّ بمكة، وقدَّم اليه الف حلة من البز كان قد أخذها من أهل نجران من باب الجزية التي فرضت وكتبت عليهم في معاهدة الصلح7. إن هذه القضية التاريخية تفيد ان واقعة المباهلة وكتابة العهد لا ترتبط بالسنة العاشرة من الهجرة، وذلك لأن أهل نجران تعهدوا في وثيقة الصلح أن يدفعوا الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في كل سنة ألفي حلة (مخيَّطة وغير مخيّطة)، الف حلة منها في شهر رجب، والف حلة اُخرى في شهر صفر8. فاذا سلّمنا بأن وثيقة الصلح كتبت في شهر ذي الحجة وجب أن نقول ان المقصود منه هو شهر ذي الحجة من الاعوام السابقة على السنة العاشرة. لأنه كيف يمكن أن نقول بأن كتابة وثيقة الصلح، وتنفيذها بواسطة الامام علي عليه السَّلام قد تمّا معاً في السنة العاشرة. وإذا ارتضينا القول المشهور حول اليوم والعام الذي كتبت فيهما وثيقة الصلح، امكن في هذه الصورة أن يكون عقدُ الصلح قد تمَّ في السنة العاشرة، ولكن يجب أن نُرجع تاريخ كتابته إلى ما قبل شهر رجب لأن الفرض هو أن الامام علياً عليه السَّلام قد استلم أول قسط من الجزية المقررة في شهر رجب في السنة العاشرة.
والخلاصة أنه مع ملاحظة هذه القضية التاريخية (وهي أن الامام علياً استلم القسط الاول من الجزية من أهل نجران في شهر رجب وسلمه إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في مكة في شهر ذي الحجّة) وجب أن نختار احد القولين التاليين: أ- إذا سلّمنا بان يوم وشهر تنظيم وثيقة الصلح هو شهر ذي الحجة وجب ان نقول إن المقصود منه هو أشهر ما قبل السنة العاشرة. ب- إذا ترددنا في يوم وشهر كتابة الصلح على نحو التردد في تحديد عامِه، أمكن في هذه الصورة ان نقول بان يوم المباهلة وكذا يوم تنظيم وثيقة الصلح يرتبطان باشهر ما قبل شهر رجب من السنة العاشرة للهجرة.
زمن المباهلة يوماً وشهراً إلى هنا اتضح انه من غير الممكن ان يكون عام المباهلة هو السنة العاشرة من الهجرة حتماً، إلا في صورة واحدة وهي أن نغيّر رأينا في اليوم والشهر اللذين تمت فيهما كتابة وثيقة الصلح. وقد حان الحين الآن لأن نحدّد تاريخ المباهلة من حيث اليوم والشهر في ضوء الاحداث والوقائع التاريخية، فنقول: إن الشهر واليوم اللَّذين وقعت فيهما قضية المباهلة هما- حسب ما هو مشهور بين العلماء كما أسلفنا- شهر ذي الحجة واليوم الرابع والعشرون أو الخامس والعشرون، وعلى قول: الحادي والعشرون، أو السابع والعشرون من ذلك الشهر.
والآن يجب أن نرى هل تنطبقُ هذه الاقوال على غيرها من الحوادث التاريخية القطعية أم لا؟ إن الدراسة التالية تثبتُ لنا أن قضية المباهلة من غير الممكن أن تكون قد وقعت في شهر ذي الحجة من السنة العاشرة مطلقاً، لأنَّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قد توجَّه الى مكة المكرمة لتعليم مناسك الحج في السنة العاشرة من الهجرة، وفي اليوم الثامن عشر من هذا الشهر (وهو يوم الغدير) نصب في منطقة غدير خم التي تبعد عن الجحفة9 بميلين10، علياً خليفة على المسلمين من بعده. ولم تكن حادثة الغدير بالحادثة التي تنتهي ذيولُها في يوم واحد ليتابع النبي سفرَه الى المدينة فوراً لأن النبي- بشهادة التاريخ- أمر بعد نصب عليّ عليه السَّلام للخلافة أن يجلس علي في خيمة، وان يدخل عليه المسلمون الحاضرون ثلاثة ثلاثة، ويهنئونه بالخلافة والإمرة وقد استمر هذا العمل حتى الليلة التاسعة عشرة من شهر ذي الحجة، وقد هَنّأت "اُمهاتُ المؤمنين" علياً عليه السَّلام في نهاية مراسيم التهنئة11. من هنا لا يمكن القول بان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله غادر ارض غدير خم في اليوم التاسع عشر، خاصة ان تلك المنطقة كانت المحل الذي تتشعب فيه طرق المدنيين والمصريين والعراقيين، وبناء على هذا لا بدَّ أن الجماعات المختلفة الاوطان التي كانت تريد التوجه إلى أوطانها قد ودَّعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، ولا شك أن عملية التوديع هذه قد أوجبت مكث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في أرض الغدير مدة أطول. وحتى لو فرضنا- افتراضاً- أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله توجه نحو المدينة في اليوم التاسع عشر، فهل يمكن ان نقول- في ضوء المحاسبات التي نملكها من التاريخ حول مقدار طيّ هذه المسافة- أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قدم المدينةَ في اليوم الرابع والعشرين أو الخامس والعشرين، واخذ بمقدمات قضية المباهلة ثم كتب وثيقة الصلح بينه وبين أهل نجران؟، كلاً حتماً، لأن المسافة بين مكة والجحفة كما ذكرنا في الهامش المتقدم هي ثلث المسافة بين مكة والمدينة.
ويجب أن نرى الآن كم كان يستغرقُ من الزمن مجموع سفر القوافل- آنذاك- من مكة المكرمة الى المدينة المنورة؟ لا توجد هنا أيّة وثيقة توضح ذلك إلا حديث سفر النبي الاكرم صلّى اللّه عليه وآله نفسه الذي وضعه التاريخ تحت تصرفنا فان التاريخ يقول: إِنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قطع هذه المسافة عند هجرته من مكة الى المدينة في مدة تسعة أيام12. كما أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قطع هذه المسافة في مدة أحد عشر يوماً13. وسبب التفاوت بين هاتين الرحلتين هو أن النبي صلّى اللّه عليه وآله قطع المسافة المذكورة في الرحلة الاُولى برفقة شخصين، بينما قطع تلك المسافة في الرحلة الثانية بصحبة جيش قوامُه عشرة آلاف رجل، ومن الطبيعي أن تتم الحركة في الصورة الثانية بصورة اكثر بُطؤاً. ولنفترض أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله غادر أرض "غدير خم" في اليوم التاسع عشر، فاننا إذا اتخذنا تسعة ايام مقياساً لتقييمنا وجب أن نقول أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله لا بدّ أنه قطع المسافة بين الجحفة والمدينة في ستة أيام لأن المسافة بينهما هي ثلثا مجموع المسافة بين مكة والمدينة، وبالتالي دخل المدينة في اليوم الرابع والعشرين. واذا اعتبرنا الثاني (أي احد عشر يوماً) انه هو المقياس وجب أن يقطع تلك المسافة (أي بين الجحفة والمدينة) في سبعة ايام ونصف اليوم، فيكون- حسب القاعدة- قد قدم المدينة في اليوم السادس والعشرين حوالي الظهر منه. فهل يمكن القول- في ضوء هذه المحاسبة- بأن قضية المباهلة وقعت في اليوم الرابع والعشرين أو الخامس والعشرين او السابع والعشرين. إن بطلان هذا القول، وخلوّه عن الصحة يتضح اكثر اذا عرفنا بأن وفد نجران قبلوا بالتباهل بعد سلسلة من المفاوضات والمداولات، وقد انصرفوا عن التباهل في المآل ووقَّعوا على وثيقة صلح بينهم وبين النبي صلّى اللّه عليه وآله، تحت شروط خاصة. فإن أعضاء الوفد المذكور دخلوا المدينة وهم يرتدون ثياباً راقية من الديباج والحرير، وفي أيديهم خواتيم من ذهب، وعلى صدورهم صلبان من ذهب، وتوجه فور قدومهم- وعلى هذه الهيئة- إلى مسجد النبي صلّى اللّه عليه وآله ولكن النبي واجههم بالكره بسبب الهيئة التي دخلوا بها عليه. فانتهى هذا اللقاء من دون عمل شيء وتفرق أعضاء الوفد، وهم في حيرة من موقف النبي صلّى اللّه عليه وآله فالتقى الوفد علياً عليه السَّلام وسألوه عن سبب استياء النبي واعراضه عنهم، فأخبرهم الامام علي عليه السَّلام بأن عليهم أن ينزعوا تلك الثياب والحليّ عنهم، ويدخلوا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بثياب عادية حتى يرتاح اليهم النبيُّ ويستقبلهم بوجه منبسط. فعاد أعضاء الوفد ودخلوا على النبي صلّى اللّه عليه وآله ثانية ولكن بثياب عادية خالية عن الزينة والحليّ، فاستقبلهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ببشاشة خاصة، ورحّب بهم ترحيباً كبيراً، ثم سألوا النبي صلّى اللّه عليه وآله أن يؤدوا صلاتهم في المسجد، فأذن لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بذلك، ثم دخلوا مع النبي صلّى اللّه عليه وآله في مناظرات ومناقشات مفصّلة، وبعد مناظرات مفصلة ذكرها اكثر المفسرين والمؤرخين ومنهم ابن هشام في سيرته14 اتفقوا على أن يحسموا الأمر بالمباهلة، وحُدّدَ يوم المباهلة. ولما كان ذلك خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في ذلك اليوم مع ابنته الزهراء وصهره عليّ بن أبي طالب، وسبطيه الحسن والحسين، إلى الصحراء للمباهلة مع وفد نجران. ولكن وفد نجران بعد أن رأوا النبي ومن معه وما هم عليه من البساطة والجلال انصرفوا عن الدخول في المباهلة ورضخوا طائعين لدفع جزية سنوية الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله. فهل هذه الوقائع التي استغرقت- كما يقول بعض المؤرخين- اربعة مجالس يمكن أن تكون قد تمّت في يوم واحد؟ إن المحاسبات تقضي وتفيد بأن مراسيم المباهلة، وكتابة وثيقة الصلح من غير الممكن أن تكون قد وقعت في اليوم الواحد والعشرين أو الرابع والعشرين، أو الخامس والعشرين أو السابع والعشرين من شهر ذي الحجة من السنة العاشرة للهجرة. هذا مضافاً إلى أن "نجران" مدينة حدودية بين الحجاز واليمن، ولا بد أن تردّد القبائل كان من شأنه ان ينقل الى مسامع النجرانيين أنباء وجود رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في مكة لاداء مناسك الحج، ولهذا فان من المستبعد ان يكون وفد نصارى نجران قد اقدم على التوجه إلى المدينة للحضور عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قبل التأكُّد الكامل من عودته إلى المدينة والاستقرار الكامل فيها.
هل كانت قضية المباهلة في السنة التاسعة؟ هنا يمكن أن يقال بأن قضية المباهلة وقعت في شهر ذي الحجة من السنة التاسعة، وقد ذهب إلى هذا الرأي بعض المؤرخين أيضاً15. ولكن المحاسبات التاريخية تثبت أيضاً بطلان هذا الرأي، وذلك لأن الامام علياً الذي كان من الشاهدين لقضية المباهلة، كما أنه هو الذي كتب وثيقة الصلح بيده الشريفة كان قد كلِّف في التاسع من شهر ذي الحجة من هذه السنة (التاسعة) من قِبَل النبي صلّى اللّه عليه وآله بمهمة إبلاغ آيات البراءة- على المشركين في يوم الحج الاكبر بمنى، وفي الحقيقة كانت السنة الثانية التي كانت قد أنيطت امارة الحج وادارة امر الحجيج إلى المسلمين، وكان قد اختير أمير المؤمنين أميراً على الحج فيها. ونحن نعلم أن مناسك الحج تنتهي في اليوم الثاني عشر من شهر ذي الحجة، ولا شك أن شخصية بارزة ومسؤولة كالامام علي عليه السَّلام الذي كان يرأس الحج في ذلك العام من غير الممكن أن يكون قد غادر مكة في اليوم الثالث عشر ويتوجه الى المدينة وهو الذي كانت له أقرباء وانسباء كثيرون في مكة، هذا مضافاً إلى أن حركة الحجيج لم تكن في تلك العصور حركة انفرادية حتى يستطيع كلُّ واحد منهم أن يقطع الفيافي القفراء والصحاري القاحلة الموحشة بمفرده فكان على من يريدون الحج ان يتوجَّهوا بصورة جماعية الى مكة أو يغادروها إلى بلادهم. ولهذا فان عليّاً عليه السَّلام مهما اسرع وجدّ في السير قافلاً الى المدينة، وقطع المسافة بين مكة والمدينة بسرعة فائقة فانه من غير الممكن أن يكون قدم المدينة قبل اليوم الرابع والعشرين، ولهذا كيف يمكن أن يقوم بارشاد وفد نجران ودلالتهم على ما يجب ان يفعلوه حتى يستقبلهم النبي ببشاشة ويرحّب بهم، ويشهد المباهلة مع المتباهلين. إن الشواهد والادلة التاريخية تشهد بان النظرية المشهورة حول زمن المباهلة (يوماً وشهراً وعاماً) لا تحظى بالاعتبار الكافي، ولا بدَّ- لمعرفة زمن هذه الحادثة التي هي من مسلّمات القرآن والتفسير والحديث- من مزيد التحقيق، ومزيد الدراسة، والتقصّي.
وهنا يبقى سؤال لا بدَّ من الإجابة عليه وهو: كيف اختار المشهورون من العلماء مثل هذه النظرية حول يوم المباهلة وشهرها وعامها. والجواب هو: أن المرحوم الشيخ الطوسي اختار هذا القول استناداً الى رواية مسندة نقلها في كتابه ولكن في سند الحديث المذكور رجالاً غير ثقات في نظر علماء الرجال، نظراء: 1- محمَّد بن أحمد بن مخزوم استاذ التلعكبري في الحديث فهو ممن لم يوثَّق16. 2- الحسن بن علي العدويّ وقد ضعّفه العلامة17. 3- محمَّد بن صدقة العنبري وقد وصفه الشيخ الطوسي بالغلوّ18.
وقد ذكر المرحوم السيد ابن طاووس في كتاب "الاقبال" اموراً تتعلق بالمباهلة نقلاً عن كتاب أبي المفضل وقد ذكرنا في الهامش (ص 2073) أن ابا المفضل له فترتان في حياته، فهو موثق في حال وغير موثق في حال آخر، ولا يُدري في أي حال من الحالين كتب أبو المفضل قضايا المباهلة، واخذها عنه العلماء. كما ان السيّد استند في كتابه المذكور (ص 743) على حديث مرفوع (وهو ما فيه نقص في رجال سنده)، وذكر في ضوئه ان يوم المباهلة هو اليوم الرابع والعشرون على حين لا تقوم مثل هذه الرواية باثبات المدعى. ***************************************** 1- تاريخ اليعقوبي: ج 2 ص 65، الدر المنثور: ج 2 ص 38. 2- مصباح المتهجد: ص 704. 3- الإقبال: ص 743. 4- الاقبال: ص 743. 5- لم ينقل المرحوم السيد نسبه بصورة صحيحة، فقد ذكر النجاشي نسبه على النحو التالي: محمَّد بن عبد اللّه بن محمد بن عبد اللّه بن بهلول بن الهمام بن المطلب وعلى هذا الاساس يكون جده المطلب وليس عبد المطلب كما انه يكون المطلب جده الخامس. وينبغي الاشارة هنا إلى أن لمحمَّد بن عبد اللّه- حسب ما يرى النجاشي- فترتين من الحياة، كان في إحداهما موثوقاً به، وفي الاُخرى غير موثوق به ولهذا يقول: اجتنب الرواية عنه الا عندما يروي الثقات عنه ايام استقامته وصلاحه (راجع فهرست النجاشي ص 281- 282). 6- جاء ذكره في اسناد الصحيفة السجادية وهو من مشايخ الطائفة الامامية وقد توفي عام 460 هجري وقد نقل احاديث المباهلة (راجع الذَّريعة ج 15 ص 344). 7- السيرة النبوية: ج 2 ص 602 و603، الارشاد: ص 89. 8- الطبقات الكبرى: ج 1 ص 348، والارشاد: ص 92. 9- "الجحفة" على وزن طُعمة تقع على بعد ثلاثة منازل من مكة وسبعة منازل من المدينة وتبعد عن البحر الاحمر بستة اميال تقريباً وتقرب من رابغ التي تقع الآن على الطريق بين مكة والمدينة راجع كتاب التحرير للنووي والتهذيب له أيضاً، هذا ويقول الياقوت الحموي في مراصد الاطلاع ص 109: ان الجحفة تقع على بعد أربعة أميال من مكة وهي ميقات أهل مصر والشام، وتبعد عن البحر بستة أميال، وعن غدير خم بميلين. وهي الآن تبعد عن مكة- حسب المقاييس الحديثة- بمائتين وعشرين كيلو متراً ويقول المسعودي في كتابه "التنبيه والاشراف" ص 221- 222 أيضاً: أن غدير خم يقرب من الماء المعروف بالخرار بناحية الجحفة، وولد علي رضي اللّه عنه وشيعته يعظمون هذا اليوم. 10- الميل عبارة عن ثلاثة آلاف ذراع، والفرسخ عبارة عن تسعة آلاف ذراع وقيل: ان الميل عبارة عن أربعة آلاف ذراع، والفرسخ عبارة عن اثني عشر الف ذراع، وعلى أيّة حال فان الميل ثلث الفرسخ، وثلاثة اميال تعادل فرسخاً كاملاً (راجع القاموس مادة: ميل). 11- جاء تفصيل مراسيم التهنئة في موسوعة الغدير: الجزء 1 ص 245- 257. 12- غادر رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله مكة مهاجراً الى المدينة في الليلة الرابعة من شهر ربيع، ووصل إلى محلة "قب" حوالي الظهر في اليوم الثاني عشر من نفس ذلك الشهر، وتدلّ القرائنُ على أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قطع هذه المسافة بسرعة بسبب ملاحقة قريش له (السيرة النبوية: ج 2 ص 399، الطبقات الكبرى: ج 1 ص 135). 13- بحار الأنوار: ج 22 ص 19. 14- السيرة النبوية: ج 2 ص 575، مجمع البيان: ج 1 ص 410. 15- جاء ذكر هذا عند تفسير سورة التوبة. نقل صاحب الغدير: في ج 6 ص 318- 321 هذا الرأي من اثنين وسبعين شخصاً من علماء السنة، وكأن قضية المباهلة بين النبي ووفد نجران وقعت في آخر هذه الستة (التاسعة)، لأنه ورد أن هذا الأمر قد تم في شهر ذي الحجة بعد فتح مكة، ولا بد ان المراد بذي الحجة ليس هو ذو الحجة من عام حجة الوداع وهي السنة العاشرة التي وقعت فيها قضية الغدير فاذن هو ذو الحجة من السنة السابقة على عام الغدير واستغرقت اربعة مجالس (بتخليص). 16- وان حاول المامقاني في تنقيح المقال توثيقه لكونه استاذ حديث. 17- تنقيح المقال: ج 1 ص 294. 18- رجال الشيخ الطوسي: ص 39.
تمر علي الامة الاسلامية في مثل هذا اليوم 24 من ذي الحجة ذكرى مباهلة الرسول الكريم (ص) في مثل هذا اليوم استجاب رسول الله (ص) الي نصارى نجران حينما طلبوا منه المباهلة‘ فخرج صلي الله عليه و آله ومعه علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام فلما رآهم العاقب و السيد و هما من كبار شخصيات النصارى
السؤال : هل النبي محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يعلم الغيب في جميع الأمور ، وما هو الدليل على ذلك؟ الجواب : من سماحة السيّد جعفر علم الهدى الدليل على ذلك قوله تعالى : { عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ }{الجن/26 ـ 27}. وفي الحديث : « إنّ الله تعالى أكرم وأجلّ وأعظم من أن يفرض طاعة أحد على الخلق (سواء كان نبيّاً أو إماماً معصوماً) ، ثمّ يحجب عنه أخبار السموات والأرض» . وفي حديث آخر : « الله أكرم من أن يفرض طاعة أحد على الخلق ، ثمّ يحجب عنه ما يحتاجون إليه » مضافاً إلى أنّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أخبر بكثير من الأمور الغيبية التي تحقّقت في المستقبل ، منها إخباره بأنّ الارضة قد أكلت صحيفة المشركين الذين تعاقدوا على مقاطعة النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والمسلمين. وفي سنن الدارمي : (ج1، ص33 ) روى بسنده عن جابر بن عبد الله : إنّ يهودية من أهل خيبر سمّت شاة مصلية ، ثمّ اهدتها إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، فأخذ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) منها الذراع ، فأكل منها وأكل الرهط من أصحابه معه ، ثمّ قال لهم النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : « إرفعوا أيديكم » . وأرسل النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى اليهودية ، فدعاها فقال لها : « اسممت هذه الشاة»؟ فقالت : نعم ؟ ومَن أخبرك ؟ فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : « أخبرتني هذه في يدي » (أيّ ذراع الشاة). فقالت : نعم . قال : « فماذا أردت إلى ذلك » ؟ قالت : قلت : إن كان نبيّاً لم يضرّه ، وإن لم يكن نبيّاً استرحنا منه . فعفا عنها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، ولم يعاقبها .
عندما توفي الرسول يبدو أن ذلك النفر من أبناء قريش المهاجرين لم يكونوا كلهم متواجدين في المدينة ، فقد كان أبو بكر غائبا في السنح، وكان أبو عبيدة غير موجود أيضا ، وكانت مهمة عثمان أن يكون قريبا من المسجد ومعه بنو أمية ، لمراقبة آل محمد وأهل بيت النبوة ! ! وعمر نفسه لم يكن متأكدا من وفاة الرسول ، لذلك أخذ معه المغيرة بن شعبة ، ليتأكد من وفاة الرسول ، وعندما دخل كشف الثوب عن وجه رسول الله ، ويروي أولياؤه أنه قد قال : واغشياه ما أشد غشي رسول الله !!! كان عمر بحاجة إلى شئ يشغل به الناس ريثما يتجمع ذلك النفر من المهاجرين ثم ينطلق بهم ليقود جموع التحالف ويستولي على ملك النبوة بالقوة والتغلب وكثرة الأتباع ، ويضع المؤمنين أمام أمر واقع ! لقد اهتدى عمر إلى ما يشغل به الناس فرفع شعار أن الرسول لم يمت ، ولكنه ذهب لملاقاة ربه كما ذهب موسى !!! ويروي أولياؤه أن رفيقه وحليفه المغيرة بن شعبة الذي اصطحبه معه ليتأكدا معا من وفاة الرسول قد قال : ( مات والله رسول الله ) فقال له عمر : كذبت ، ما مات رسول الله ، ولكنك رجل تحوسك فتنة ، ولن يموت رسول الله حتى يفني المنافقين ( 1 ) . وأخذ عمر يقول : ( إن رجالا من المنافقين يزعمون أن رسول الله توفي ، إن رسول الله ما مات ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى عن قومه وغاب أربعين يوما ، والله ليرجعن رسول الله فليقطعن أيدي وأرجل من يزعمون أنه مات ) ( 2 ) ( ومن قال بأنه مات علوت رأسه بسيفي ) ( 3 ) فتلى عليه من في المسجد ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ) ) ( 4 ) . قال العباس بن عبد المطلب : ( إن رسول الله قد مات وإني رأيت في وجهه ما لم أزل أعرفه في وجوه بني عبد المطلب عند الموت ، ثم قال : هل عند أحدكم عهد من رسول الله في وفاته فليحدثنا ؟ قالوا : لا ، فقال العباس : اشهدوا أيها الناس إن أحدا لا يشهد على رسول الله بعهد عهد إليه في وفاته ) ( 5 ) . ومع هذا فلم يتوقف عمر ، بل استمر في الكلام حتى أزبد شدقاه ( 6 ) . وجاء أبو بكر من السنح وتلا قوله تعالى : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ) فقال عمر لأبي بكر : هل هذه الآية في كتاب الله ؟ ! فقال أبو بكر نعم عندئذ سكت عمر ! ! ! ! ( 7 ) أنت تلاحظ أن الخليفة لا يدري إن كانت هذه الآية من القرآن الكريم ، وأنت تلاحظ أن من في المسجد قد تلوا عليه هذه الآية قبل مجئ أبي بكر ، ولكنه لم يتوقف عن الكلام والادعاء بأن الرسول لم يمت ، لأنه قد خشي أن يبيت الناس في الأمر قبل قدوم أبي بكر ، لذلك افتعل هذا الموقف ليشغل الناس حتى يحضر أبو بكر وأبو عبيدة ، بدليل أنه بعد حضور أبي بكر بدقائق غادر وإياه المكان وذهبوا إلى سقيفة بني ساعدة ومعهم أبو عبيدة ، وهذا يؤكد أن ما فعله عمر كان تمثيلا وإلهاء للناس ! ! وليس من قبيل الصدمة أو التفجع على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، لأنه قبل سويعات فقط من وفاة الرسول ، كان عمر بن الخطاب قد جلب أركان حزبه ، واقتحم بهم منزل الرسول ، وقال للرسول أمامهم ، ( أنت تهجر - أي لا تعي ما تقول - ولسنا بحاجة إلى وصيتك ، ولا إلى توجيهاتك النهائية لأن عندنا القرآن وهو يكفينا ويغنينا عنك ! ! فقط قبل سويعات معدودة كسر بخاطر الرسول ، واستخف بمقام النبوة ، وجرأ أركان حزبه على أن يقولوا للرسول ، أنت تهجر ! ! ، وأحدث وحزبه ، اللغط واللغو ، وافتعلوا الخلاف والتنازع بين يدي رسول الله وفي منزله ، ورفعوا أصواتهم فوق صوته ! ! ! وقبل أن يعلم بوفاة النبي كان يحرض الناس على عدم الخروج في جيش أسامة ، ويشكك الناس بشرعية تأمير الرسول لأسامة ، وحتى بعد أن تيقن من وفاة الرسول كان يحرض الخليفة الأول على عزل أسامة ، لأن تأمير الرسول لأسامة عمل غير صائب ! ! فما الذي حدث حتى ينقلب عمر هذا الانقلاب خلال سويعات فيمثل دور المصدوم وعدم المصدق بأن الرسول قد مات ! ! ! كل هذه الأمور تكشف بأن العملية كلها تصنع وتمثيل ، لإشغال الناس ، وإلهائهم حتى يتجمع ذلك النفر من حلفائه المهاجرين ، بدليل أنه بعد دقائق من حضور أبي بكر وأبي عبيدة خرج الثلاثة معا واتجهوا إلى سقيفة بني ساعدة تاركين وراءهم رسول الله لم يجهز ولم يدفن ! ! كل هذا يؤكد بأن إحساس عمر بن الخطاب بالصدمة والفجيعة كان مفتعلا . --------------------------------------------------------------------------------------------------------------------- ( 1 ) راجع على سبيل المثال مسند أحمد بن حنبل ج 6 ص 219 ، ومعالم المدرستين ج 1 ص 113 . ( 2 ) تاريخ الطبري ط أوربا ج 1 ص 1818 . ( 3 ) تاريخ أبي الفداء ج 1 ص 164 . ( 4 ) الطبقات لابن سعد ج 2 ص 57 ، وكنز العمال ج 4 ص 53 الحديث رقم 1092 ، وتاريخ ابن كثير ج 5 ص 243 ، وابن ماجة الحديث 627 . ( 5 ) الطبقات لابن سعد ج 2 ف 2 ص 57 ، وتاريخ ابن كثير ج 5 ص 243 ، والسيرة الحلبية ج 3 ص 390 - 391 ، وكنز العمال ج 4 ص 53 الحديث رقم 1092 ، والتمهيد للباقلاني ص 192 - 193 . ( 6 ) أنساب الأشراف ج 1 ص 567 ، والطبقات لابن سعد ج 2 ف 2 ص 53 ، وكنز العمال ج 4 ص 53 ، وتاريخ الخميس ج2 ص 185 ، والسيرة الحلبية ج 3 ص 392 . ( 7 ) سورة آل عمران ، الآية 144 ، الطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 ف 2 ص 54 ، وتاريخ الطبري ج 1 ص 1817 - 1818 ، وتاريخ ابن كثير ج 5 ص 343 ، والسيرة الحلبية ج 3 ص 392 ، وابن ماجة الحديث 1627 .
نسبة الهجر إلى النّبي صلي الله عليه وآله و في بعض الألفاظ بدل: «إن النبي قد غلب عليه الوجع» جملة: «هجر رسول اللّه»، فقد أخرج البخاري عن ابن عباس أنه قال: «يوم الخميس وما يوم الخميس؟» ثم بكى حتى خضب دمعه الحصباء فقال: «اشتدّ برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وجعه يوم الخميس، فقال: ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع. فقالوا: «هجر رسول اللّه قال: دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه. وأوصى عند موته بثلاث: «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم، (قال): ونسيت الثالثة». وهذا الحديث أخرجه مسلم أيضاً في آخر كتاب الوصايا من صحيحه. وأحمد من حديث ابن عباس في مسنده، ورواه سائر المحدّثين. وأخرج مسلم في كتاب الوصايا من الصحيح عن سعيد بن جبير من طريق آخر عن ابن عباس، قال: «يوم الخميس وما يوم الخميس» ثم جعل تسيل دموعه حتى رؤيت على خدّيه كأنها نظام اللؤلؤ، قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: ائتوني بالكتف والدّواة أو اللّوح والدواة، أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً. فقالوا: إن رسول اللّه يهجر». ويظهر من التأمل في الأخبار أن قائل «هَجَرَ» هو عمر بن الخطاب ثم تبعه من تبعه من الحاضرين. وقد تقدّم في الحديث الصحيح عن ابن عباس قوله: فاختلف أهل البيت فاختصموا، منهم من يقول: قرّبوا يكتب لكم النبي كتاباً لن تضلّوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر ـ أي يقول: هجر رسول اللّه. وفي رواية أخرجها الطبراني في الأوسط عن عمر قال: «لمّا مرض النبي قال: ائتوني بصحيفة ودواة أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً. فقال النسوة من وراء الستر: ألا تسمعون ما يقول رسول اللّه؟ قال عمر: فقلت: أنكن صواحبات يوسف، إذا مرض عصرتن أعينكن وإذا صح ركبتن عنقه؟ قال: فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «دعوهن فإنهن خير منكم». هذا، وقد جاء التصريح في كلام بعض الأعلام، بأن قائل ذلك هو عمر. فقد أخرج أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب السقيفة بالإسناد إلى ابن عباس، قال: «لما حضرت رسول اللّه الوفاة وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب، قال رسول اللّه: ائتوني بدواة وصحيفة أكتب لكم كتاباً لا تضلّون بعده، قال: فقال عمر كلمة معناها أن الوجع قد غلب على رسول اللّه ثم قال: عندنا القرآن حسبنا كتاب اللّه. فاختلف من في البيت واختصموا، فمن قائل يقول: القول ما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، ومن قائل يقول: القول ما قال عمر، فلما أكثروا اللّغط واللّغو والاختلاف، غضب صلّى اللّه عليه وآله فقال: قوموا...»(1). وقال أبو حامد الغزالي: «ولمّا مات رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، قال قبل موته: إيتوني بدواة وبياض لاُزيل عنكم إشكال الأمر، وأذكر لكم من المستحقّ لها بعدي، فقال عمر: دعوا الرجل فإنه ليهجر وقيل يهذو»(2). وسيأتي كلام ابن الأثير في كتاب (النهاية). وقال العكبري في (التبيان ـ شرح ديوان المتنبّي) بشرح قول المتنبّي: أنطق فيك هجراً بعد علمي *** بأنك خير من تحت السماء قال: «الهجر، القبيح من الكلام والفحش، وهجر إذا هذى، وهو ما يقوله المحموم عند الحمّى. ومنه قول عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه عند مرض رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إن الرجل ليهجر، على عادة العرب». وقال يوسف الأعور الواسطي في رسالته في الردّ على الشيعة: «وأمّا ما ذكروه في عمر. فمنها قولهم: إنه منع كتاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الذي أراد أن يكتبه في مرض موته وقال: إن الرجل ليهجر» فأجاب: «فأما: إن الرجل ليهجر، يعني كلامه حينئذ أي في مرضه خارج عن حدّ الصحّة، يعني من جهة الكثرة والعلّة ونحو ذلك، لاحتمال السّهو عليه من إشغال المرض القلب الذي هو وعاء للإيعاء، ومثل ذلك واقع للبشر في حال المرض، للأنبياء وغيرهم. وقد وقع منه صلّى اللّه عليه وسلّم السّهو في حال الصحة، كحديث ذي اليدين في تسليمه من صلاة العصر على ركعتين. فالسّهو في المرض أقرب احتمال» (3). وقال الخفاجي: «وفي بعض طرقه ـ أي طرق هذا الحديث ـ المرويّة عنه قال عمر: «إن النبي يهجر. بفتح أوله وضم ثالثه، أي: يأتي بهجر من القول. وهو على تقدير الإستفهام الإنكاري، وليس من الهجر بمعنى ترك الكتابة والإعراض عنها كما قيل. وهذه رواية الإسماعيلي من طريق ابن خلاد عن سفيان. وفي رواية ـ كما في البخاري ـ هجر، ماض بدون استفهام» (4).
------------------------------------------------------------------------------- (1) شرح نهج البلاغة 6 / 51 . (2) سرّ العالمين وكشف ما في الدارين: 21. (3) الرسالة المعارضة في الرد على الرافضة ـ مخطوط. (4) نسيم الرياض ـ شرح شفاء القاضي عياض 4 / 278. شرح منهاج الكرامة في معرفة الإمامة (3) تأليف: (آية الله السيد علي الحسيني الميلاني (دام ظله))
الشورى وسقيفة بني ساعدة: اعتمد أهل السنة والجماعة على المرتكز الأساس والواقع الشرعي الذي من خلاله قد حكموا لأبي بكر بالخلافة بطرح نظرية الشورى كوسيلة لتنصيبه خليفة للمسلمين بعد النبي صلى الله عليه وآله فسوف أستعرض لك عزيزي القارئ حادثة السقيفة والشورى التي هي التطبيق الخارجي لهذه النظرية. لنرى من خلال التحليل وعرض الأدلة مدى صدق الالتزام بهذه النظرية أم عدم الالتزام والأخذ بها. السقيفة في تاريخ الطبري ذكر الطبري هذه الحادثة بشكل مفصل في تاريخه ج 2 مطبعة الاستقلال بالقاهرة سنة 1385 هـ - 1929 م - ننقل منه مختصرا على قدر الحاجة من ص 455 - ص 460 - كالآتي: اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة، وتركوا جنازة الرسول يغسله أهله، فقالوا: نولي هذا الأمر بعد محمد، سعد بن عبادة، وأخرجوا سعدا إليهم وهو مريض.. فحمد الله وأثنى عليه، وذكر سابقة الأنصار في الدين وفضيلتهم في الإسلام، وإعزازهم وقال: استبدوا بهذا الأمر دون الناس فأجابوه بأجمعهم أن قد وفقت في الرأي وأصبت في القول، ولن نعدو ما رأيت، نوليك هذا الأمر، ثم إنهم ترادوا الكلام بينهم فقالوا: فإن أثب مهاجرة قريش فقالوا: نحن المهاجرون وصحابة رسول الله الأولون ونحن عشيرته وأولياؤه، فعلام تنازعوننا هذا الأمر بعد؟ فقالت طائفة منهم: فإنا نقول إذا: منا أمير ومنكم أمير فقال سعد بن عبادة: هذا أول الوهن. سمع أبو بكر وعمر بأمر الأنصار، فأسرعا إلى السقيفة مع أبي عبيدة بن الجراح وانحاز معهم أسيد بن حضير وعويم بن ساعدة وعاصم بن عدي من بني العجلان، تكلم أبو بكر - بعد أن منع عمر من الكلام - فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكر سابقة المهاجرين في التصديق بالرسول دون جميع العرب، وقال: (فهم أول من عبد الله في الأرض وآمن بالرسول، وهم أولياءه وعشيرته وأحق الناس بهذا الأمر من بعده ولا ينازعهم ذلك إلا ظالم). ثم ذكر فضيلة الأنصار، وقال: (فليس بعد المهاجرين الأولين أحد عندنا بمنزلتكم فنحن الأمراء وأنتم الوزراء). فقام الحباب بن المنذر وقال: يا معشر الأنصار أملكوا عليكم أمركم فإن الناس في فيئكم وفي ظلكم، ولن يجترئ مجترئ على خلافكم ولا تختلفوا فيفسد عليكم رأيكم، وينتقض عليكم أمركم. فإن أبى هؤلاء إلا ما سمعتم فمنا أمير ومنهم أمير. فقال عمر: هيهات! لا يجتمع اثنان في قرن واحد والله لا ترضى العرب أن يؤمروكم ونبيها من غيركم، ولكن العرب لا تمتنع أن تولي أمرها من كانت النبوة فيهم، وولي أمورهم منها، ولنا على من آمن الحجة الظاهرة والسلطان المبين، من ذا ينازعنا سلطان محمد وإمارته ونحن أولياؤه وعشيرته إلا مول بباطل أو متجانف لإثم أو متورط في هلكة؟! فقام الحباب بن المنذر وقال: يا معشر الأنصار أملكوا على أيديكم ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر، فإن أبوا عليكم ما سألتموهم فأجلوهم عن هذه البلاد وتولوا عليهم هذه الأمور فأنتم والله أحق بهذا الأمر منهم فإنهم بأسيافكم دان لهذا الدين من لم يك يدين به. أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب. أما والله لو شئتم لنعيدنها جذعة. قال عمر: إذا يقتلك الله. قال: بل إياك يقتل. فقال أبو عبيدة: يا معشر الأنصار، إنكم كنتم أول من نصر وازر فلا تكونوا أول من بدل وغير. فقام بشير بن سعد الخزرجي أبو النعمان بن بشير فقال: يا معشر الأنصار إنا والله لئن كنا أولي فضيلة في جهاد المشركين، وسابقة في هذا الدين، ما أردنا به إلا رضا ربنا وطاعة نبينا والكدح لأنفسنا فما ينبغي لنا أن نستطيل على الناس بذلك ولا نبتغي به من الدنيا عرضا فإن الله ولي النعمة وأولى، وأيم الله لا يراني الله أنازعهم هذا الأمر أبدا فاتقوا الله ولا تخالفوهم ولا تنازعوهم. فقال أبو بكر: هذا عمر، وهذا أبو عبيدة، فأيهما شئتم فبايعوا. فقالا: والله لا نتولى هذا الأمر عليك... وقام عبد الرحمن بن عوف، وتكلم فقال: يا معشر الأنصار إنكم وإن كنتم على فضل فليس فيكم مثل أبي بكر وعمر وعلي، وقام المنذر ابن الأرقم فقال: ما ندفع فضل من ذكرت، وإن فيهم لرجلا لو طلب هذا الأمر لم ينازعه فيه أحد - يعني علي بن أبي طالب -. (فقالت الأنصار أو بعض الأنصار: لا نبايع إلا عليا). (فقال عمر: فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى تخوفت الاختلاف قلت: إبسط يدك لأبايعك، فلما ذهبا ليبايعاه، سبقهما إليه بشير بن سعد فبايعه. فناداه الحباب بن المنذر: يا بشير سعد عققت عقاق! أنفست على ابن عمك الإمارة؟ فقال: لا والله، ولكني كرهت أن أنازع قوما حقا جعله الله لهم ولما رأت الأوس ما صنع بشير بن سعد وما تدعوا إليه قريش وما تطلب الخزرج من تأمير سعد بن عبادة قال بعضهم لبعض - وفيهم أسيد بن حضير وكان أحد النقباء -: والله لئن وليتها الخزرج عليكم مرة، لا زالت لهم عليكم بذلك الفضيلة ولا جعلوا لكم معهم فيها نصيبا أبدا، فقوموا فبايعوا أبا بكر فقاموا إليه فبايعوه، فأنكر على سعد بن عبادة وعلى الخزرج ما كانوا اجتمعوا من أمر... فأقبل الناس من كل جانب يبايعون أبا بكر وكادوا يطأون سعد بن عبادة. فقال أناس من أصحاب سعد: اتقوا سعدا لا تطأوه. فقال عمر: اقتلوه قتله الله. ثم قام على رأسه فقال: لقد هممت أن أطأك حتى تندر عضوك. فأخذ قيس بن سعد بلحية عمر فقال: والله لو حصصت منه شعره ما رجعت وفي فيك واضحة. فقال أبو بكر: مهلا يا عمر! الرفق ها هنا أبلغ. فأعرض عنه عمر. وقال سعد: أما والله لو أن بي قوة أقوى بها على النهوض لأسمعت من في أقطارها وسككها زئيرا يحجرك وأصحابك، أما والله إذا لألفينك بقوم كنت فيهم تابعا غير متبوع احملوني من هذا المكان فحملوه فأدخلوه في داره. أقول: هذه الحادثة لا تحتاج إلى شرح وتعليق فهي بنفسها تكشف عن كيفية تولي أبي بكر للخلافة. أين هي الشورى التي تنسجم مع الحوار والتفاهم العقلاني؟! هل الشورى تتم في سقيفة أو في مزرعة خارج المدينة. ولماذا؟ لا تتم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله الأولى بانعقاد الأمر فيه لماذا تتم في مزرعة خارج عن المدينة؟ وجسد الرسول صلى الله عليه وآله مسجى بعد لم يدفن. فأين أبو بكر وعمر (رض) لماذا لم يشهدا دفن الرسول ولا تغسيله ولا تجهيزه حيث كانوا مشغولين بمتاعب الانقلاب (1) ومن باب أولى أن لا يشهد الغسل والتكفين والتجهيز، عائشة زوجة النبي فقد قالت: (ما علمنا بدفن النبي حتى سمعنا صوت المساحي من جوف الليل ليلة الأربعاء) (2). هل هناك عاقل يسمي هذا الأمر شورى؟! فقول سعد: استبدوا بهذا الأمر دون الناس، أجابوه، أن قد وفقت في الرأي وأصبت في القول، نعدوا ما رأيت. وقول عمر: من ذا ينازعنا سلطان محمد وإمارته. وقول الحباب: املكوا على أيديكم ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهب بنصيبكم من هذا الأمر. فكل هذه الكلمات من الطرفين تجد أن القوم يريد سلطة وجاها. بالإضافة إلى المفردات الحادة التي صدرت من عمر لسعد بن عبادة: اقتلوه قتله الله. وقول عمر للحباب: قتلك الله. وقام قيس بن سعد لعمر وهو ماسك بلحيته: والله لو حصصت منه شعرة ما رجعت وفي فيك واضحة. هل هذا مستوى الشورى يا مسلمون؟!! علي عليه السلام لم يحضر في السقيفة لماذا..؟ لأنه كان مشغولا في دفن سيد الكائنات، وخاتم الرسالات بوصية من نبيه ومعلمه محمد صلى الله عليه وآله أنت تغسلني، أنت تكفنني، أنت تهيل علي التراب، أنت تصلي علي، لم يهتم بقضية الخلافة أو الزعامة وهو القائل (إن خلافتكم لا تساوي عندي عفطة عنز أو ورقة تقضمها جرادة). فكان ماكثا في بيته هو ومجموعة من أصحابه فقال في صدد ذلك أبو بكر الجواهري في احتجاج علي عليه السلام: وعلي يقول: (أنا عبد الله وأخو رسول الله) حتى انتهوا به إلى أبي بكر، فقيل له: بايع فقال: أنا أحق بهذا الأمر منكم لا أبايعكم وأنت أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من رسول الله فأعطوكم المقادة وسلموا إليكم الإمارة، وأنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار، فأنصفونا إن كنتم تخافون الله من أنفسكم، واعرفوا لنا من الأمر مثل ما عرفت الأنصار لكم وإلا فبوؤا بظلم وأنتم تعلمون. فقال عمر: إنك لست متروكا حتى تبايع. فقال له علي: (إحلب له يا عمر حلبا لك شطره، أشدد له اليوم أمره ليرده عليك غدا). ... لا والله لا أقبل قولك ولا أتبعك) (3). فحاولوا بعدة طرق أن يكسبوا عليا عليه السلام فقد حاولوا يوما أن يغيروا العباس فقالوا أعطوه نصيبا يكون له ولعقبه من بعده فتقطعون به ناحية علي بن أبي طالب وتكون لكم حجة على علي إذا حال معكم (4). وجاء في رد العباس: (فأما ما قلت إنك تجعله لي، فإن كان حقا للمؤمنين فليس لك أن تحكم فيه، وإن كان لنا فلم ترضى ببعضه دون بعض؟! وعلى رسلك فإن رسول الله من شجرة نحن أغصانها وأنتم جيرانها) (5). وعندما لم ينجح هذا الأسلوب لجأوا إلى أسلوب الإكراه. قال عمر بن الخطاب: وإنه كان من خيرنا حين توفى الله نبيه أن عليا والزبير ومن معهما تخلفوا عنا في بيت فاطمة (6). فبعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطاب ليخرجهم من بيت فاطمة. وقال له: إن أبوا فاقتلهم. فأقبل - عمر بن الخطاب ومن معه - بقبس من نار على أن يضرم عليهم النار فلقيتهم فاطمة فقالت: يا بن الخطاب أجئت لتحرق دارنا؟! قال: نعم أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأمة (7). وفي أنساب الأشراف: فتلقته فاطمة على الباب فقالت فاطمة: يا بن الخطاب أتراك محرقا علي بابي؟! قال: نعم (8). وقد عد المؤرخون من الرجال الذين تعدوا على دار فاطمة لإحراقها: 1. عمر بن الخطاب. 2. خالد بن الوليد. 3. عبد الرحمن بن عوف. 4. ثابت بن قيس بن شماس. 5. زياد بن لبيد. 6. محمد بن مسلم. 7. زيد بن ثابت. 8. سلمة بن سلامة بن وغشى. 9. سلمة بن أسلم. 10. أسيد بن خضير. قال اليعقوبي: فأتوا في جماعة حتى هجموا على الدار - إلى قوله وكسر سيفه - أي سيف علي ودخلوا الدار (9). وقال الطبري: أتى عمر بن الخطاب منزل علي وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين، فخرج عليه الزبير مسلطا بالسيف، فعثر فسقط السيف من يده فوثبوا عليه فأخذوه (10). ورأت فاطمة ما صنع بهما - أي بعلي والزبير - فقامت على باب الحجرة وقالت: يا أبا بكر، ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول الله والله لا أكلم عمر حتى ألقى الله (11). ولهذا ولمنع فاطمة إرثها ومصائب أخرى، غضبت فاطمة، ووجدت على أبي بكر فهجرته ولم تكلمه حتى توفيت، وعاشت بعد النبي ستة أشهر فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلا ولم يؤذن بها أبا بكر (12) أي لم يحضر جنازتها. وفي رواية أخرى أنها قالت له: والله لأدعون عليك في كل صلاة أصليها (13). ولهذا قال أبو بكر في مرض موته: أما إني لا آسي على شئ من الدنيا إلا على ثلاث فعلتهن، وددت أني تركتهن - إلى قوله: فأما الثلاث التي فعلتهن: فوددت أني لم أكشف بيت فاطمة عن شئ وإن كانوا قد أغلقوه على الحرب (14). وفي اليعقوبي: وليتني لم أفتش بيت فاطمة بنت رسول الله وأدخله الرجال ولو كان أغلق على الحرب (15). وفي هذا يقول شاعر النيل حافظ إبراهيم: وقولة لعلي قالها عمر * أكرم بسامعها أعظم بملقيها حرقت دارك لا أبقي عليك بها * إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها ما كان غير أبي حفص يفوه بها * أمام فارس عدنان وحاميها (16) فهذه الطريقة التي بدأت فيها الخلافة بالغلبة وانتهت بالإكراه والتهديد والقتل.. بالله عليكم هل هذه هي الشورى؟!
-------------------------------------------------------------- (1) كنز العمال: 3 - 140 تجد أنهما لم يشهدا الدفن. (2) سيرة ابن هشام: 4 - 344، تاريخ الطبري: 2 - 452 و 455 طبعة أوروبا، تاريخ ابن كثير: 5 - 270، ابن الأثير في أسد الغابة: 1 - 34 في ترجمة الرسول، وطبقات ابن سعد: ج 2 ت 2 - 78، وتاريخ الخميس: 1 - 191، تاريخ الذهبي: 1 - 327، مسند أحمد بن حنبل: 6 - 62. (3) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 2 - ص 2 - 5. (4) الإمامة والسياسة: لابن قتيبة: ج 1 - ص 14، تاريخ اليعقوبي: ج 2 - ص 124 و 125. (5) تاريخ اليعقوبي: ج 2 - ص 124. (6) مسند أحمد بن حنبل: ج 1 - ص 55، الطبري: ج 2 - ص 466، ابن كثير: ج 5 - ص 246، ابن الأثير: ج 2 - ص 124. (7) العقد الفريد: لابن عبد ربه: ج 3 - ص 64، وأبو الفداء: ج 1 - ص 156. (8) أنساب الأشراف: ج 1 - ص 586، كنز العمال: ج 3 - ص 140، الرياض النضرة: ج 1 - ص 167. (9) تاريخ اليعقوبي: ج 2 - ص 126. (10) الطبري: ج 2 - ص 443 - 446 عبقرية عمر: للعقاد ص 173. (11) شرح النهج لابن أبي الحديد: ج 1 - ص 142، ج 2 - ص 2 - 5. (12) صحيح البخاري: ج 5 - ص 177، ج 4 - ص 96. (13) الإمامة والسياسة: ابن قتيبة: ج 1 - ص 25. (14) الطبري: ج 2 - ص 619، مروج الذهب للمسعودي: ج 1 - ص 414، العقد الفريد: ج 3 - ص 569، تاريخ الذهبي: ج 1 - ص 388، الإمامة والسياسة، ج 1 - ص 18، كنز العمال: ج 3 - ص 125. (15) تاريخ اليعقوبي: ج 2 - ص 115، نقلا عن كتاب (الحقيقة الضائعة للشيخ معتصم سيد أحمد ص (151). (16) ديوان حافظ إبراهيم (الطبعة المصرية).
(وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين ) آل عمران| 144 . جبرائيل بحزن ردد ......عنكم رحل اليوم محمد
تمر علينا الجريمة الكبرى النكراء في اغتيال الرسول محمد (ص) بالسم , وكان فعل مدبر ومخطط له ,وأذا بحثنا في الوضع السياسي الاجتماعي في المدينة سنتجد بأن النبي (ص) مات مستشهدا مسموما من قبل اناس كان همهم السلطة الدنيوية . ولذلك دخلت أراء دخيله على الاسلام تمنع البحث في الماضي وتعتبره غير جائز . وللبحث يجب أن نتجرد من تلك الافكار المتمثلة بالعادات والتقاليد ولاتمت بصلة للاسلام. وبسبب قمع حريات التفكير تخرجت اجيال لاتعرف الا القهر والاستبداد والقتل والكراهية وقطع الرؤوس ..ولايسمح الاحرار اليوم بقمع حريات التفكير في أهم قضية تخص المؤمنين الابرار الصادقين الموالين . وا ن الله حث الانسان على التفكير والاستنباط وعدم الركون الى امور جرت عليها عادات وتقاليد . والسراج المنير الرسول الكريم (ص) قد ابتلي بجهلة عاصروة وجائوا بعده وتعاملوا واتفقوا مع جهات سياسية لاجل قتله (ص) واهل بيته (ع) . والمصادر التاريخية الشيعية والسنية تتفق على ان النبي صلى الله عليه وآله مات مسموماً,ولكن بعض المصادر السنية تحاول ان تتغاضى عن ذلك .. وهذا بحد ذاته يشير الى تورط شخصيات مهمة عندهم في عملية القتل .. وكان استشهاد النبي (صلّى الله عليه وآله) في اليوم الثامن والعشرين من شهر صفر في السنة العاشرة من الهجرة . جاء في السيرة النبوية لآبن كثير :ـ عن الأعمش عن عبد الله بن نمرة عن اب الاحوص عن عبد الله بن مسعود إذقال: لئن أحلف تسعا أن رسول الله قتل قتلا أحب إلي من أن أحلف واحدة أنه لم يقتل،وذلك لأن الله اتخذه نبيا واتخذه شهيدا. (1) وقال الشعبي: والله لقد سم رسول الله (2) . ومما يؤيد هذه الحقيقة أيضا: أن أعراض السم ظهرت على وجه وبدن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) قبيل وبعيد وفاته، إذ تذكر كتب السيرة أن درجة حرارة رسول الله ارتفعت ارتفاعا خطيرا في مرضه الذي توفي فيه و بصروة غير طبيعية ،وأن صداعا عنيفا في رأسه المقدس الشريف قد صاحب هذا الارتفاع في الحرارة. ومن المعروف طبياً أن ارتفاع حرارة الجسم والصداع القوي هو من نتاج تجرع السم. يذكرابن سعد: فلما كان يوم الأربعاء بدأ برسول الله المرض فحم وصدع (3) وكانت أم البشر بن البراء قد قالت للرسول: ما وجدتمثل هذه الحمى التي عليك على أحد(4). وهذا النص يثبت بدلالة قاطعة أن الحمى التي اعترت المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) لم تكن حمى طبيعية و ذلك لأنها لم ترى مثل هذه الحمى من قبل ، وهذه الحمى ما هي إلا من السم الذي جرعوه فقد تغير لونه و حالته . و الرواية التي ذكرها عبد الله الاندلسي في كتابه تقول :ـ بعدما لدوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رغما ً عنه قال صلى الله عليه و آله وسلم : من فعل هذا ؟؟ فقالوا : عمك العباس !!! ويتضح من قبل المنفذين انكار فعلتهم الشنيعة وأتهموا العباس عم النبي صلى الله عليه وآله و سلم إلا إن ذلك لم يخف عن رسول الله الذي برأ عمه العباس منتلك الفعلة و اتهامهم و دليل ذلك حينما طردهم من داره و ابقى العباس يعاين حاله . إذ قال صلى الله عليه و آله : لا يبقى أحد منكم إلا لد غير العباس فإنه لميشهدكم(5) . وقالت عائشة بنت ابوبكر: لددنا (قمنا بتطعيم) رسول الله فيمرضه. فقال: ( لا تلدوني). فقلنا: كراهية المريض للدواء. فلما أفاق قال (لا يبقى منكم أحد إلا لد غير العباس فإنه لم يشهدكم(6). وجاء في كتاب الطبقات ج 2/235 فأُغمِيَ عليه صلى الله عليه وآله حين أفاق والنساء يلددنه, وهو صائم . و قالت عائشة: لددنا رسول الله في مرضه فجعل يشير إلينا أن لا تلدوني، فقلنا: كراهية المريض للدواء. فقال: (لايبقى أحد في البيت إلا لد، وأنا أنظر إلا العباس فإنه لم يشهدكم.(7) ومعنى لغوياً : ( لدننا ) أي جرعنا و سقينا ما الذي جرعته عائشة للنبي صلى الله عليه و آله حتى نهى عنها ذلك فغضب و أمر بخروجها من الدار ؟ ويجيبنا ابن القيم الجوزي :ـ كان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أمر من في الدار بأن لا يلدوه و لا يجرعوه أي دواء مهما كان ، إذ رويأنه قال لهم بعد سقيه إياهم ذلك الدواء المزعوم: (ألم أنهكم أن لا تلدوني)(8). وبعد قيامهم بلدالنبي، قال (صلى الله عليه وآله وسلم) عن عائشة: (ويحها لو تستطيع ما فعلت)(9). ويلاحظ من تلك الروايات التي ينقلها علماء من السنة تكشف لنا وجود مؤمره بتخطيط مسبق للسيطرة على دفة الحكم وقلب النظام الاسلامي بأغتيال الرسول الاكرم (ص) وتجريعة سما على انه دواء للشرب . و عند مراجعة الرواية السابقة بشكل دقيق نفهم من كلام عائشة ان الفاعل بلد ( سقي ) رسول الله صلى الله عليه وآله في منامه كانوا أكثر من شخص إذ قالت عائشة " لددنا رسول الله فيمرضه ، فقال : لا تلدوني و دل على كونهم جمع و ذلك من الجمع في فعل ( لددنا) و إذا افترضنا انها الوحدية التي فعلت ذلك لقالت ( لددت رسول الله في مرضه). و لما أحس الرسول بسقيهم أيهاه و شعر بالسم استيقظ من منامه وقال مخاطبا اياهم : لا تلدوني وقال صلى الله عليه و آله لم بصيغى الجمع: " ألم أنهكم !!! " و هذا يشير ايضا ً على كونهم جماعة . و الأرجح ان من نفذ هذه العملية هي عائشة و حفصة زوجتا النبي صلى الله عليه وآله و بتخطيط من عمر بن الخطاب و ابي بكر و أمر منهما حيث ان المستفيد الاكبرهما و هما اللذان تحققت اهدافهما و مصالحهما بقتل النبي صلى الله عليه و آله ولم يكتف عمر باغتيال النبي صلى الله عليه وآله مادياً .. بل قام باغتياله معنوياً في اللحظات الاخيرة من حياته المقدسة ...عندما قال قولته المشهورة : ان الرجل ليهجر .. ولا نعلم اي القتلتين كانتا اشد على النبي صلى الله عليه وآله .. اغتيال جسده .. ام اغتيال نبوته وشخصه المقدس .. الذي قال عنه رب العالمين : وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يُوحى . ؟؟ وبعد تلك الحقائق الدامغة نبحث عن افعال عمر بن الخطاب لنرى الوضوح في ان قتل الرسول صلى الله عليه واله وسلم كان معد له منذوا زمن بعيد ,ولكن بطرق مختلفة جاء في سيرة ابن كثير فخرج عمر يوما متوشحاً سيفه ، يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورهطاً من أصحابه قد ذكروا له أنهم قد اجتمعوا في بيت عند الصفا ، ... فلقيه نعيم بن عبدالله فقال : أين تريد يا عمر ؟ قال : أريد محمداً ، هذا الصابئ الذي فرق أمر قريش ، وسفه أحلامها وعاب دينها وسب آلهتها ، فأقتله . فقال له نعيم : والله لقد غرتك نفسك يا عمر ! أترى بني عبد مناف تاركيك تمشى على الأرض وقد قتلت محمدا ؟ ! أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم ؟ قال : وأي أهل بيتي ؟ قال : ختنك وابن عمك سعيد بن زيد وأختك فاطمة ، فقد والله أسلما وتابعا محمداً صلى الله عليه وسلم على دينه ، فعليك بهما . فرجع عمر عائداً إلى أخته فاطمة ، وعندها خباب بن الارت معه صحيفة فيها " طه " يقرئها إياها . فلما سمعوا حس عمر تغيَّب خباب في مخدعٍ لهم أو في بعض البيت ، وأخذت فاطمة بنت الخطاب الصحيفة فجعلتها تحت فخذها ، وقد سمع عمر حين دنا إلى الباب قراءة خباب عليها . فلما دخل قال : ما هذه الهينمة التي سمعت ؟ قالا له : ما سمعت شيئاً . قال : بلى والله لقد أخبرت أنكما تابعتما محمدا على دينه . وبطش بختنه سعيد بن زيد ، فقامت إليه أخته فاطمة بنت الخطاب لتكفه عن زوجها فضربها فشجها . فلما فعل ذلك قالت له أخته وختنه : نعم قد أسلمنا وآمنا بالله ورسوله ، فاصنع ما بدا لك . فلما رأى عمر ما بأخته من الدم ندم على ما صنع وارعوى ، وقال لأخته : أعطيني هذه الصحيفة التي كنتم تقرأون آنفا ، أنظر ما هذا الذي جاء به محمد . وكان عمر كاتباً . فلما قال ذلك قالت له أخته : إنا نخشاك عليها . قال : لا تخافي . وحلف بآلهته ليردنها إذا قرأها إليها (10). ومحاولة ثالثة لاغتيال الرسول (ص) لدى عودة النبي صلى الله عليه وآله من غزوة تبوك (ابن حزم في المحلي بالاثار ج12 ح2203 كتاب الحدود ) يقول- و اما حديث حذيفة فساقط لانه من طريق الوليد بن جميع- و هو هالك و لانراه يعلم من وضع الحديث فانه قد روي اخبارا فيها ان ابابكر و عمر و عثمان و طلحة و سعد بن ابي وقاص رضي الله عنهم ارادوا قتل النبي صلي الله عليه و اله و القاءه من العقبة في التبوك.....نر ي ان ابن حزم يسقط الحديث لوليدبن جميع. و الحال ان وليد من رجال البخاري و مسلم و سنن ابي داود و صحيح ترمذي و سنن نسائي. و الحال ان كثير من كتب الرحال صرحوا بوثاقة وليد بن جميع وفي زمن حكم عثمان بن عفان ، صرح حذيفة بن اليمان ( رضوان الله عليه ) باسماء الذين حاولوا قتل النبي في العقبة .. وكان منها أسماء ابو بكر وعمر وعثمان وسعد بن أبي وقاص وأبا موسى الاشعري وأبوسفيان بن حرب وطلحة بن عبيد الله وعبد الرحمن بن عوف (11). ونطرح سؤال واجابته للدلالة على أن استشهاد النبي (ص) مسموما بمخطط من قبل المذكورين للوصول للسلطة الدنيوية بعيدا عن المنهج الاسلامي .. فهل ممكن أن يستشهد الرسول (ص) بدون أن يكتب وصيته والله تعالى قال ( كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية ) ال عمران |144 . فهل من المعقول أن يموت صاحب الشريعة الإسلامية والمقتدى لقوافل المسلمين على مر القرون والأجيال ـ بلا وصية؟؟ هل يمكن أن يأمر النبي أمته بالوصية ويتركها هو؟ وعمله حجة وسنة يأخذ بها المسلمون؟ وهو القائل: (من مات بلا وصية مات ميتة جاهلية). والاجابة أن الرسول (ص) كتب وصيته ..ولكن لماذا لم يطبقها عمر وابو بكر والمذكورين اعلاه ؟ اين حديث الغدير ! وهذا ايضاح فقط على ان النبي (ص) مات مستشهدا مسموما من قبل أول من تسلم مايسمى بالخلافة المفتعلة سياسيا لا ربانيا . وإذا أراد الله نشر فضيلـــة ... طويت أتاح لها لسان حسود . استشهاد النبي (ص) في حجر علي (ع) في مسند احمد والمستدرك عن أم سلمة قالت : والذي أحلف به ، ان كان علي بن أبي طالب لأقرب الناس عهدا برسول الله ( ص ) عدنا رسول الله ( ص ) غداة وهو يقول : ( جاء علي ، جاء علي " مرارا فقالت فاطمة : كأنك بعثته في حاجة قالت : فجاء بعد ، قالت أم سلمة : فظننت ان له إليه حاجة ، فخرجنا من البيت فقعدنا عند الباب وكنت من أدناهم إلى الباب ، فأكب عليه رسول الله ( ص ) وجعل يساره ويناجيه ، ثم قبض رسول الله ( ص ) من يومه ذلك فكان علي أقرب الناس عهدا (12). و في تاريخ ابن كثير بسنده عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله قال في مرضه : " ادعوا لي أخي " فدعوا له أبا بكر فأعرض ، عنه ثم قال : " ادعوا لي أخي " فدعوا له عمر فأعرض عنه ، ثم قال : " ادعوا لي أخي " فدعوا له عثمان فأعرض عنه ، ثم قال : " ادعو لي أخي " فدعي له علي بن أبي طالب فستره بثوب وأكب عليه فلما خرج من عنده قيل له : ما قال ؟ قال : علمني ألف باب يفتح كل باب إلى ألف باب (13). في طبقات ابن سعد في " ذكر من قال توفي رسول الله ( ص ) في حجر علي بن ابي طالب " بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري ان كعب الأحبار قام زمن عمر فقال ونحن جلوس عند عمر : ما كان آخر ما تكلم به رسول الله ( صى ) ؟ فقال عمر : سل عليا ، قال : أين هو ؟ قال : هو هنا ، فسأله فقال علي : اسندته إلى صدري فوضع رأسه على منكبي فقال : الصلاة الصلاة ! فقال كعب : كذلك آخر عهد الأنبياء وبه أمروا وعليه يبعثون ، قال : فمن غسله يا أمير المؤمنين ؟ قال : سل عليا ، قال : فسأله فقال : كنت أنا أغسله وكان عباس جالسا ، وكان أسامة وشقران يختلفان إلي بالماء (14). وكان ابن عبّاس يعبّر عن أساه لما حدث بقوله: «الرزيّة كلّ الرزيّة ما حال بيننا وبين كتاب رسول الله». ولمّا قرب أجله (ص) أوصى عليّا ً بجميع وصاياه، ثمّ فاضت نفسه الطاهرة في حجر علي (ع) (15). وعن عمر من حديث قال فيه رسول الله لعلي: وأنت غاسلي ودافني الحديث، (11). ولما وضع على السرير وأرادوا الصلاة عليه (صلّى الله عليه وآله) قال علي (ع): لا يؤم على رسول الله أحد، هو إمامكم حياً وميتاً، فكان الناس يدخلون رسلاً رسلاً، فيصلون صفاً صفاً، ليس لهم إمام ويكبرون، وعلي قائم حيال رسول الله يقول: سلام الله عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، اللهم إنا نشهد أن قد بلغ ما أنزلت إليه، ونصح لأمته وجاهد في سبيل الله حتى أعز الله عز وجل دينه، وتمت كلمته، اللهم فاجعلنا ممن يتبع ما أنزل الله إليه، وثبتنا بعده وأجمع بيننا وبينه، فيقول الناس: آمين آمين، حتى صلى عليه الرجال ثم النساء ثم الصبيان، روى هذا كله باللفظ الذي أوردناه ابن سعد عند ذكره غسل النبي من طبقاته، وأول من دخل على رسول الله يومئذ بنو هاشم، ثم المهاجرون، ثم الأنصار ثم الناس، وأول من صلى عليه علي والعباس وقفا صفاً وكبرا عليه خمساً. عن الإمام الصادق عن أبيه عن جده (عليهم السلام) قال لما حضرت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الوفاة دعا العباس بن عبد المطلب وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال للعباس: يا عم محمد تأخذ تراث محمد وتقضي دينه وتنجز عداته؟ فرد عليه وقال: يا رسول الله: أنا شيخ كبير كثير العيال، قليل المال، من يطيقك وأنت تباري الريح؟ قال: فأطرق هنيئة ثم قال: يا عباس أتأخذ تراث رسول الله وتنجز عداته وتؤدي دينه. فقال: بأبي أنت وأمي أنا شيخ كبير كثير العيال قليل المال، من يطيقك وأنت تباري الريح؟ فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): أما إني سأعطيها من يأخذ بحقها. ثم قال: يا علي يا أخا محمد أتنجز عداة محمد وتقضي دينه وتأخذ تراثه؟ قال: نعم بأبي أنت وأمي. فنزع خاتمه من إصبعه فقال: تختم بهذا في حياتي فوضعه علي (عليه السلام) في إصبعه اليمنى فصاح رسول الله (صلّى الله عليه وآله): يا بلال علي بالمغفر والدرع والراية وسيفي: ذي الفقار وعمامتي: السحاب والبرد والأبرقة والقضيب. فقال: يا علي أن جبرائيل أتاني بها. فقال: يا محمد إجعلها في حلقة الدرع واستوفر بها مكان المنطقة ثم دعا بزوجي نعال عربيين إحداهما مخصوفة والأخرى غير مخصوفه، والقميص الذي اسري به فيه، والقميص الذي خرج فيه يوم أحد والقلانس الثلاث قلنسوة السفر وقلنسوة العيدين وقلنسوة كان يلبسها. ثم قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): يا بلال علي بالبغلتين: الصهباء والدلدل والناقتين: العضباء والصهباء والفرسين الجناح الذي كان يوقف بباب مسجد رسول الله لحوائج الناس، يبعث رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الرجل في حاجته فيركبه وحيزوم وهو الذي يقول أقدم حيزوم. والحمار اليعفور. ثم قال: يا علي إقبضها في حياتي حتى لا ينازعك فيها أحد بعدي. وعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في مرضه الذي قبض فيه لفاطمة (عليها السلام) بأبي وأمي أنت!!! أرسلي إلى بعلك فادعيه لي. فقالت فاطمة للحسين (عليه السلام): إنطلق إلى أبيك فقل: يدعوك جدي. فانطلق إليه الحسين فدعاه فأقبل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) حتى دخل على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وفاطمة (عليها السلام) عنده وهي تقول: واكرباه لكربك يا أبتاه. فقال لها رسول الله (صلّى الله عليه وآله): لا كرب على أبيك بعد اليوم يا فاطمة، إن النبي لا يشق عليه الجيب، ولا يخمش عليه الوجه، ولا يدعى عليه بالويل ولكن قولي كما قال أبوك على إبراهيم: تدمع العينان وقد يوجع القلب ولا نقول ما يسخط الرب وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون ولو عاش إبراهيم لكان نبياً. ثم قال يا علي أدن مني. فدنا منه فقال أدخل أذنك في في. ففعل. فقال: يا أخي ألم تسمع قول الله تعالى في كتابه (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية)؟(17) قال: بلى يا رسول الله. قال: هم أنت وشيعتك يجيئون غراً محجلين، شباعاً مرويين، أولم تسمع قول الله في كتابه (إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية)(18)؟ قال: بلى يا رسول الله. قال: هم أعداؤك وشيعتهم، يجوزون يوم القيامة ظماء مظمئين، أشقياء معذبين، كفار منافقين، ذلك لك ولشيعتك، وهذا لعدوك ولشيعتهم. ولما حضره الموت كان أمير المؤمنين (عليه السلام) حاضراً عنده فلما قرب خروج نفسه (صلّى الله عليه وآله) قال له: ضع يا علي رأسي في حجرك فقد جاء أمر الله تعالى فإذا فاضت نفسي فتناولها بيدك وامسح بها وجهك، ثم وجهني إلى القبلة وتول أمري وصل علي أول الناس، ولا تفارقني حتى تواريني في رمسي، واستعن بالله تعالى. فأخذ علي (عليه السلام) رأسه فوضعه في حجره فأغمي عليه فأكبت فاطمة (عليها السلام) تنظر في وجهه وتندبه وتبكي وتقول: وأبيض يستقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة الأرامل ففتح رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عينه، وقال بصوت ضئيل: يا بنية هذا قول عمك أبي طالب لا تقوليه ولكن قولي (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل أنقلبتم على أعقابكم) 19. فبكت طويلاً وأومأ إليها بالدنو منه فدنت منه فأسرّ إليها شيئاً تهلل وجهها له. ثم قبض (صلّى الله عليه وآله) ويد أمير المؤمنين (عليه السلام) تحت حنكه ففاضت نفسه (صلّى الله عليه وآله) فيها فرفعها إلى وجهه فمسحه بها، ثم وجهه وغمضه ومد عليه إزاره واشتغل بالنظر في أمره. وقال جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أوصى إلى علي (عليه السلام) أن لا يغسلني غيرك فقال علي (عليه السلام): يا رسول الله من يناولني الماء؟ إنك رجل ثقيل لا أستطيع أن أُقلّبك؟ فقال: جبرائيل معك يعاونك، ويناولك الفضل الماء، وقل له فليغمض عينيه، فإنه لا أحد يرى عورتي غيرك إلا انفقأت عيناه. كان الفضل بن العباس يناوله الماء وجبرائيل يعاونه، وعلي يغسله، فلما أن فرغ من غسله وكفنه أتاه العباس فقال: يا علي إن الناس قد اجتمعوا على أن يدفن النبي (صلّى الله عليه وآله) في بقيع المصلى، وأن يؤمهم رجل منهم، فخرج علي إلى الناس فقال: يا أيها الناس: أما تعلمون أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إمامنا حياً وميتاً؟ وهل تعلمون أنه (صلّى الله عليه وآله) لعن من جعل القبور مصلى؟ ولعن من يجعل مع الله إلهاً؟ ولعن من كسر رباعيته وشق لثته؟ فقالوا: الأمر إليك فاصنع ما رأيت. فقال: إني أدفن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في البقعة التي قبض فيها. ثم قام على الباب فصلى عليه ثم أمر الناس عشرة عشرة يصلون عليه ثم يخرجون. لما أراد أمير المؤمنين (عليه السلام) غسل الرسول (صلّى الله عليه وآله) استدعى الفضل بن العباس فأمره أن يناوله الماء لغسله فغسله بعد أن عصب عينيه، ثم شق قميصه من قبل جيبه حتى بلغ إلى سرته وتولى (عليه السلام) غسله وتحنيطه وتكفينه والفضل يعطيه الماء ويعينه عليه فلما فرغ من غسله وتجهيزه تقدم فصلى عليه وحده، ولم يشترك معه أحد في الصلاة عليه، وكان المسلمون في المسجد يخوضون فيمن يؤمهم بالصلاة عليه، وأين يدفن، فخرج إليهم أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال لهم: إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إمامنا حياً وميتاً فيدخل عليه فوج بعد فوج منكم فيصلون عليه بغير إمام، وينصرفون، وإن الله تعالى لم يقبض نبياً في مكان إلا وقد ارتضاه لرمسه فيه، وإني لدافنه في حجرته التي قبض فيها. فسلم القوم لذلك ورضوا به، ولما صلى المسلمون عليه أنفذ العباس بن عبد المطلب برجل إلى أبي عبيدة بن الجراح وكان يحفر لأهل مكة ويضرح، وكان ذلك عادة أهل مكة، وأنفذ (أرسل) إلى زيد بن سهل وكان يحفر لأهل المدينة ويلحد، فاستدعاهما وقال: اللهم خر لنبيك. فوجد أبو طلحه فقيل له: احفر لرسول الله. فحفر له لحداً، ودخل أمير المؤمنين والعباس بن عبد المطلب والفضل بن العباس وأسامة بن زيد ليتولوا دفن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فنادت الأنصار من وراء البيت: يا علي إن نذكرك الله وحقنا اليوم من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أن يذهب، أدخل منا رجلاً يكون لنا به حظ من مواراة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقال ليدخل أنس بن خولي وكان بدرياً فاضلاً من بني عوف من الخزرج، فلما دخل قال له علي (عليه السلام) انزل القبر. فنزل ووضع أمير المؤمنين رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على يديه ودلاّه في حفرته، فلما حصل في الأرض قال له أخرج. فخرج ونزل علي (عليه السلام) إلى القبر، فكشف عن وجه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ووضع خده على الأرض موجهاً إلى القبلة على يمينه ثم وضع عليه اللبن وأهال عليه التراب. وكان (عليه السلام) يرثي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ويقول: الموت لا والداً يبقي ولا ولـد ... هذا السبيل إلى أن لا ترى أحد هذا النبي ولم يخلد لأمتــــــه ... لـــو خلّد الله خلقاً قبله خلـــــدا للموت فينا سهام غير خاطئة ... من فاته اليوم سهم لم يفته غدا وكان (عليه السلام) يصلح قبر رسول الله بمسحاته، وكانت وفاة النبي (صلّى الله عليه وآله) سقيفة بني ساعدة لمّا استشهد الرسول (ص) اجتمع بعض الأنصار في سقيفة بني ساعدة، واختاروا سعد بن عبادة الخزرجي أميرا ً وخليفة للمسلمين، فوصل الخبر إلى أبي بكر وعمر فأسرعا إلى السقيفة ومعهم أبي عبيدة بن الجرّاح، ودخلوا على الأنصار، واحتجّوا عليهم بأن الرسول منهم فهم أحقّ بمقامه، فقالوا: منّا أمير ومنكم أمير، فقال أبو بكر: منّا الأ ُمراء ومنكم الوزراء، وبعد جدلٍ طويل، ضعفت جبهة الأنصار حينما ضمّ رأي البشير بن سعد واُسيد بن حضير الأنصاريين إلى جانب أبي بكر وصاحبيه، وعندما بايع بشير الأنصاري أبا بكر وبايعه عمر وأبو عبيدة، وبايع الحاضرون سوى سعد بن عبادة وقليل ممّن يرى رأيه، فتمّت البيعة لأبي بكر، والرسول (ص) بعد لم يجهّز، وكان بنو هاشم وغيرهم من المسلمين مشغولين بتجهيزه والصلاة عليه، إلى أن أخبرهم البراء بن عازب بما جرى في السقيفة، فاحتج بنو هاشم وعدد آخر من صحابة النبيّ (ص) على البيعة لأبي بكر، واستمرّ الجدل والخلاف في الرأي حول بيعة السقيفة مدّة ستّة أشهر تقريبا ً20. وعن موقف الإمام في ذلك العهد: فلقد أخذوا البيعة من الناس لأبي بكر، وجاؤا إلى علي (ع) ليخرجوه من البيت ليبايع لأبي بكبر فلم تأذن لهم فاطمة (ع) بالدخول في بيتها، فصدر الأمر بالهجوم فهجموا وأخذوا علياً (ع) بعد أن خلعوا عنه سلاحه وأخرجوه من البيت يريدون به المسجد، وخرجت فاطمة (ع) خلفهم وهي بأشد الأحوال، إذ إنها أجهضت جنينها فكأنها نسيت آلامها فجعلت تعدو وتصيح: خلوا عن ابن عمي؟ خلوا عن بعلي! والله لأكشفن عن رأسي ولأضعن قميص أبي على رأسي وأدعوا عليكم!!! ووصلت إلى باب المسجد فرأت منظراً مؤلماً لا نستطيع أن نصفه إلا إنها استطاعت أن تخلص زوجها من أيدي الناس وتحول بينهم وبين أخذ البيعة منه، ورافقت زوجها إلى البيت سالماً. زيارة االنبي محمد (صلوات الله وسلامه عليه واله وسلم ) اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا رَسُولَ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا نَبِيَّ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا خاتَمَ النَّبِيّينَ، اَشْهَدُ اَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ الرِّسالَةَ، وَاَقَمْتَ الصَّلاةَ، وَآتَيْتَ الزَّكاةَ، وَاَمَرْتَ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهَيْتَ عَنِ الْمُنَكَرِ، وَعَبَدْتَ اللهَ مُخْلِصاً حَتّى اَتاكَ الْيَقينُ، فَصَلَواتُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ وَعَلى اَهْلِ بَيْتِكَ الطّاهِرينَ،اَشْهَدُ اَنْ لا اِلـهَ اِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَاَشْهَدُ اَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَاَشْهَدُ اَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، وَاَنَّكَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَاَشْهَدُ اَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ رِسالاتِ رَبِّكَ، وَنَصَحْتَ لاُِمَّتِكَ، وَجاهَدْتَ في سَبيلِ اللهِ، وَعَبَدْتَ اللهَ حَتّى اَتاكَ الْيَقينُ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ، وَاَدَّيْتَ الَّذي عَلَيْكَ مِنَ الْحَقِّ، وَاَنَّكَ قَدْ رَؤُفْتَ بِالْمُؤْمِنينَ، وَغَلُظْتَ عَلَي الْكافِرينَ، فَبَلَّغَ اللهُ بِكَ اَفْضَلَ شَرَفِ مَحَلِّ الْمُكَرَّمينَ، اَلْحَمْدُ للهِ الَّذي اِسْتَنْقَذَنا بِكَ مِنَ الشِّرْكِ وَالضَّلالَةِ، اَللّـهُمَّ فَاجْعَلْ صَلَواتِكَ، وَصَلَواتِ مَلائِكَتِكَ الْمُقَرَّبينَ، وَاَنْبِيائِكَ الْمُرْسَلينَ، وَعِبادِكَ الصّالِحينَ، وَاَهْلِ السَّماواتِ وَالاَْرَضينَ، وَمَنْ سَبَّحَ لَكَ يا رَبَّ الْعالَمينَ مِنَ الاَْوَّلينَ وَالاْخِرينَ عَلى مُحَمَّد عَبْدِكَ وَرَسُوِلِكَ وَنَبِيِّكَ وَاَمينِكَ وَنَجِيِّكَ وَحَبيبِكَ وَصَفِيِّكَ وَخاصَّتِكَ وَ صَفْوَتِكَ وَخِيَرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ، اَللّـهُمَّ اَعْطِهِ الدَّرَجَةَ الرَّفيعَةَ، وَآتِهِ الْوَسيلَةَ مِنَ الْجَّنَةِ، وَابْعَثْهُ مَقاماً مَحْمُوداً يَغْبِطُهُ بِهِ الاَْوَّلُونَ وَالاْخِرُونَ، اَللّـهُمَّ اِنَّكَ قُلْتَ: (وَلَوْ اَنَّهُمْ اِذْ ظَلَمُوا اَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوّاباً رَحيماً) وَاِنّي اَتَيْتُكَ مُسْتَغْفِرًا تائِباً مِنْ ذُنُوبي، وَاِنّي اَتَوَجَّهُ بِكَ اِلَي اللهِ رَبّي وَرَبِّكَ لِيَغْفِرَ لي ذُنُوبي ..
المصادر
------------------------------------------------------------------------------------------------- 1. السيرة النبوية لابن كثير الدمشقي ج 4ص 449 . 2. مستدرك الحاكم ج 3 ص 60 3. الطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 ص 249 و عيون الأثر لابن سيد الناس ج 2 ص 281 4. الطبقات الكبرى ج 2 ص 236 5. تاريخ الطبري ج 2 ص 438 + صحيح البخاري و كذلك في صحيح مسلم 6. تاريخ الطبري ج 2 ص 438 7. صحيح البخاري ج 7 ص 17 وصحيح مسلم ج 7 ص 24 و ص 198 . 8. الطب النبوي لابن القيم الجوزي ج 1 ص 66 . 9. الطبقات لابن سعد ج 2 ص 203 . 10. سيرة ابن كثير ج2 ص 32 11. المحلى لابن حزم الأندلسي ج 11 ص 225ومنتخب التواريخ ص 63 12. مسند أحمد ج 6 / 300 أخرجه الحاكم في المستدرك ج 3 / 138 - 139 وقال : هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه ، واعترف بصحته الذهبي في تلخيص المستدرك ، وأخرجه ابن عساكر في بابه أنه كان أقرب الناس عهدا برسول الله ( ص ) من ترجمة الإمام علي ج 3 / 16 - 17 بطرق متعددة ، ومجمع الزوائد لابي بكر الهيثمي 9 / 112 ط . دار الكتاب بيروت ، وكنز العمال ج 15 / 128 ط . الثانية بحيدرآباد ، كتاب الفضائل ، باب فضائل علي بن أبي طالب ، وتذكرة خواص الأمة لابن الجوزي باب حديث النجوى ، والوصية عن كتاب الفضائل لاحمد بن حنبل وخصائص النسائي . 13. تاريخ ابن كثير ج 7 / 359 14. طبقات ابن سعد وكنز العمال ج 2 / 262 - 263 . 15. مسند أحمد 2: 300؛ كفاية الطالب 133 . 16. ص393 ج 6 في الكنز، وفي هامش ص45 ج 5 من مسند أحمد . 17. البينة | 7 18. البينة 6 19. ال عمران |144 . 20. تاريخ اليعقوبي 2: 123؛ الإمامة والسياسة 1: 6 وما بعدها، وغيرهما.