التاريخ: 2009/10/21
شرح فقرة: "يا شافي من استشفاه، ..."
بقلم الدكتور محمود البستاني
لا نزال نحدثکم عن الأدعية المبارکة، ومنها دعاء (الجوشن الکبير)، حيث حدثناکم عن مقاطع متسلسلة منه، ونحدثکم الآن عن احد مقاطعه الذي ورد فيه: (يا شافي من استشفاه، يا قاضي من استقضاه، يا مغني من استغناه،...).
هذه العبارات مع وضوحها تتطلب مزيدا من القاء الاضاءة علی دلالاتها، ونقف اولاً عند عبارة (يا شافي من استشفاه). العبارة من الوضوح بمکان، ولکن النکتة هي: ان طلب الشفاء من الله تعالی يظل اعّم من الشفاء البدني والشفاء الروحي، هذا من جانب. من جانب آخر، جاءت هذه العبارة بعد عبارة حدثناکم عنها (في لقاء سابق) هي: (يا راعي من استرعاه)، فهنا نجد ان الرعاية التي التمسها قارئ الدعاء، قد تجسد احد مصاديقها في عبارة (يا شافي من استشفاه) حيث ان الصحة البدنية والروحية هي: في مقدمة ما تحتاج الی الرعاية، بصفة ان الصحة البدنية هي المساعدة علی ممارسة العبد وظيفته العبادية التي خلق الله تعالی الانسان من اجل ممارستها، حيث لا يمکن ممارسة العمل التام ما لم يقترن بالقدرة البدنية: کما هو واضح.
واما الصحة الروحية فلا بدّ ان تتوفر في الشخصية حتی تتحقق الممارسة العبادية في افضل صورها: کما هو واضح ايضاً.
بعد ذلک نواجه عبارة (يا قاضي من استقضاه). فماذا نستخلص منها؟
الجواب: مع ان (القضاء) يحتمل جملة دلالات، الا ان السياق الذي يرد فيه هذا المصطلح يعني: قضاء او انجاز الحاجات، اي: ان قارئ الدعاء يلتمس من الله تعالی ان ينجز حاجاته، وهي حاجات متنوعة، لم يحددها الدعاء بقدر ما ترکها مفتوحة لتشمل ما يتوافق ونمط الانجاز الذي يلتمسه العبد: من رزق أو أمن.
بعد ذلک تواجهنا عبارة (يا مغني من استغناه)، فماذا نستخلص منها؟
في تصورنا ان هذه العبارة بدورها ذات دلالة عامة او مطلقة لا تعني: الغناء المادي أو ما يماثله بقدر ما تشمل جميع الاشباعات الی يحتاج اليها قارئ الدعاء. ان النکتة هنا هي: ان قارئ الدعاء عند ما التمس من الله تعالی ان يحقق له انجازاته التي يتطلع اليها، انما يعني: تحقيق الاشباع الی درجة الغنی بحيث لا تبقی حاجة غير مشبعة، وهذا ما تضطلع به عبارة (يا مغني من استغناه)، بحيث - کما اشرنا - لا يفتقر قارئ الدعاء الی احد من البشر مادام الله تعالی قد اغناه من فضله.
بعد ذلک نواجه عبارة (يا موفي من استوفاه)، فماذا نستلهم منها؟
الجواب: ان قارئ الدعاء من الممکن ان يثير الآن سؤالاً هو: ان ايفاء الشيء هو: بمعنی الغناء، اي: ان العبارة السابقة (يا مغني من استغناه) تتناغم مع عبارة (يا موفي من استوفاه)، اذن ما الفارق بين تينک العبارتين؟
الجواب: هنا نجد ان النکتة الدلالية في الفارق بين دلالة (الايفاء) ودلالة (الغناء) او (الغنی) هي: ان کلمة (اوفی) تعني: الوفاء بالوعد، وتعني: الزيادة، اي: من الممکن ان تقصد العبارة الی ان الله تعالی يفي بما وعد عباده من الثواب او انه تعالی يزيد بما وعد او بما انجز من الحاجات، وحينئذ يکون المعنی: ان الله تعالی يغني عباده ويوفيهم المزيد من ذلک، او ان الله تعالی يزيد عباده علی ما وعدهم او انجز لهم، وبهذا يتناسق المعنيان فيما بينهما، اي: معنی عبارة (يا مغني من استغناه) وعبارة (يا موفي من استوفاه).