طباعة
المجموعة الأم: شرح الأدعية
الزيارات: 1901

موضوع البرنامج: شرح فقرة: "بموالاتكم تمت الكلمة وعظمت النعمة وأئتلفت الفرقة..."حوار مع الشيخ باقر الصادقي حول معنى اكمال الدين وإتمام النعمة بالامامة

بقلم: الدكتور محمود البستاني
لا زلنا نحدثك عن الزيارة الجامعة، ونعني بها: الجامعة الكبيرة الخاصة بزيارة الائمة عليهم السلام، وقد حدثناك عن مقاطع متسلسلة منها، وانتهينا الى مقطع ورد فيه (بموالاتكم تمت الكلمة، وعظمت النعمة، وائتلفت الفرقة) ان هذه الفقرات تحفل بدلالات في غاية الاهمية، انها تضمين او اقتباس قد اعتمد القران الكريم متناً له، ونعني بذلك الآية الكريمة القائلة «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا...».
انه من الواضح ان حادثة الغدير التي نصب فيها النبي(ص) الامام علياً(ع) وصيا له تظل الامامة امتداد لها طوال التاريخ، وما نلحظه في مقطع الدعاء من الاشارة الى الاتمام او الاكمال، والاشارة الى (النعمة)، هي: هذا التضمين للآية المتقدمة: المزيد من التوضيح لهذه الحقيقة نستمع له من ضيف البرنامج سماحة الشيخ الصادقي في الاتصال الهاتفي التالي الذي اجراه زميلنا:
المحاور: بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم احباءنا، معكم ومع خبير البرنامج سماحة الشيخ باقر الصادقي وهو يتفضل مشكوراً بهذا اللقاء بالاجابة عن سؤالنا بشأن معنى ان في الامامة اكمال للدين الالهي واتماماً للنعمة الربانية؟
الشيخ باقر الصادقي: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا السؤال يذكرنا بالآية الكريمة حينما نزلت آية البلاغ: «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ»، حينما نصب الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم امير المؤمنين علماً بينه وبين عباده وبين خلقه واشار الى مقام الامامة والولاية والمنصب القيادي للامام بعد الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله، بعد ذلك تأتي الآيات تقول: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا، فكان اكمال الدين بعد ما نصب امير المؤمنين اماماً وولياً للناس، ثم بين النبي بالشكل الواضح ألستُ انا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ؟
قالوا اللهم بلا قال: ومن كنت مولاه فهذا علي (واخذ بيد امير المؤمنين ورفعها حتى يقول الراوي بان بياض ابطيهما)، فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم والي من والاه وعادي من عاداه، فاذن هذا جانب يشير الى ان تمام النعمة وكمال الدين كان بعد ان نصب امير المؤمنين علماً بينه وبين الخلق، وهنا تشير الى اهمية مسألة الامامة في حياة الناس لان في علم الله ان الرسول صلى الله عليه وآله سوف ينتقل من هذه الدار، إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ فهل تبقى الرسالة هكذا؟ من دون راعي ومن دون قائد فلا يمكن، النبي حينما كان يسافر سفر بسيط سفر قريب مثلاً من المدينة الى خارج المدينة او الى غزوة من الغزوات كان يستخلف، كما في غزوة تبوك استخلف امير المؤمنين، فهل من المعقول في هذا السفر الطويل الذي يعرف بانه سينتقل الى تلك الدار هل من المعقول ان يترك الامة بلا قائد وبلا امام يواصل المسيرة ويكون قيم على القرآن وقيم على الامة، فهذا غير متوقع وغير متصور في حق النبي ان يهمل هكذا مسألة او شريعة كاملة اتعب نفسه في تبليغها خلال "23" سنة هكذا يمضي من هذه الدار ولا يقوم ولا ينصب في مقامه، لا يمكن ان نتوقع او نتصور هذا التصور في حق النبي صلى الله عليه وآله، لذلك كان يقول في غزوة تبوك اما ترضى يا علي ان تكون مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي من بعدي، فان في الامامة كمال للدين وفي الامامة اتمام للنعمة، ولذلك اشار الامام الهادي عليه السلام في زيارة الجامعة الكبيرة بابي انتم وامي بموالاتكم علمنا الله معالم ديننا واصلح ما كان فسد من دنيانا وبموالاتكم تمت الكلمة وعظمت النعمة، اشارة الى هذا الجانب وهو جانب ارتباط الناس والامة بمن يخلف الرسول وهو القائد الذي نصب من قبل الرب تبارك وتعالى حينما نزل جبرائيل وامر النبي بتخليفه في هذه الامة وتنصيبه، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
المحاور: صلوات الله عليهم اجمعين سماحة الشيخ باقر الصادقي شكراً جزيلاً، وشكراً لاحباءنا وهم يتابعون ما تبقى من هذه الحلقة من برنامج امناء الرحمان.
نعود اعزاءنا الى مقطع هذه الحلقة من نص الزيارة الجامعة فالعبارة الاولى من النص المتقدم تقول عن الائمة عليهم السلام: (بموالاتكم تمت الكلمة) هنا، نواجه نصا بلاغيا في غاية ما تتخيله من الصياغة الفنية، فالكلمة هنا - اي قوله (ع) (تمت الكلمة) - تشير الى دلالة رمزية هي: ليس هذه الحروف الهجائية بل المقصود من (الكلمة) ما توحي به من تأويلات متنوعة، حيث ان (الكلمة) ترمز الى الاسلام، وترمز الى الايمان، وترمز الى الموالاة، و...، واتمام الكلمة هنا في حصيلة دلالاتها هي: اكمال الدين، اي: اكماله بالولاية: ولاية الائمة عليهم السلام تبعاً للتوصية القرآنية القائلة بما مؤداه: «أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ»، وها هم اولو الامر الذين تمت الكلمة بهم من خلال مفهوم الموالاة: كما هو واضح، وهذا فيما يتصل برمز (الكلمة)، ولكن ماذا بالنسبة الى العبارة الثانية وهي (وعظمت النعمة)؟
هذه الكلمة (النعمة) تظل بدورها اقتباسا من الاية الكريمة «وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي»، فالنعمة هنا هي: اكمال الدين من خلال الولاية التي اشرنا اليها، وبالفعل فان النعمة لا تتحقق الا بالمحور الثلاثي الذي اشار القران الكريم اليه الله تعالى، الرسول(ص)، اهل البيت عليهم السلام، وهذا المحور الاخير هو: ما اشارت العبارة من الدعاء المذكور اليه عندما قالت: وبموالاتكم... عظمت النعمة.
هنا لا مناص من الاشارة الى كلمة (عظمت) ايضاً، حيث ان النعمة قد اكتملت بكمال الدين «أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ»، وولكن النعمة ليست مكتملة فحسب بل (منظمة) ايضاً، اي: النعمة العظيمة وليست النعمة العادية، وهذا ما يفسر لنا دلالة ذكر كلمة (عظمت النعمة).
وهناك المعطى الثالث للموالاة، الا وهو عبارة (وأئتلفت الفرقة).
والسؤال الآن هو: ماذا نستخلص من عبارة (وائتلفت الفرقة)؟ اننا عرفنا الان المقصود من عبارة:
(تمت الكلمة) وعبارة (عظمت النعمة) ولكننا لم نتحدث بعد عن عبارة (وأئتلفت الفرقة)، فماذا تعني من حيث علاقتها بالموالاة للائمة عليهم السلام؟
الجواب هو: من المؤسف جداً ان من انتسب الى الاسلام لم يجمع كلمته على محور واحد بل تنوعت الاتجاهات نتيجة عدم الالتزام بوصايا النبي (ص)، من هنا فان الاشارة الى أُولِي الأَمْرِ، او الاشارة الى حادثة الغدير او الاشارة الى الثقلين، او…، هذه الاشارات البادئة من بداية الرسالة الى نهايتها في حادثة الغدير على تنوع المناسبات: هذه الاشارات هي في ذاتها: هي المحددة لمحور واحد لا فرقة من خلالها، الا وهو محور ولي الامر او محور الموالاة للائمة عليهم السلام، وبه يأتلف ما تفرق من الاراء: كما هو واضح.
اذن اتضح لنا الان ماذا تعني هذه الفقرات الثلاث، اي: فقرة: (بموالاتكم تمت الكلمة) وفقرة: (عظمت النعمة) وفقرة: (ائتلفت الفرقة)، وهي فقرات تتسم ببالغ الاهمية لانها الموشر الى اكمال الدين، وهل ثمة اهمية اكثر من ذلك؟
ختاماً نسأله تعالى ان يوفقنا الى الموالاة بتمام دلالتها، وان يوفقنا تعالى الى ممارسة الطاعة، انه وليّ التوفيق.