بطاقات الكترونية إسلامية

بطاقات الكترونية إسلامية

محو القمر

تتمة:
وأما محو القمر : - وهي الظلمة المحسوسة في صفحته - فأمره ملتبس ، والآراء فيه متشعبة والأقوال متخالفة ، وابن سينا في الشفاء (1) أطنب في بيان
** الاحتمالات التي يمكن القول بها ، ولم يجزم بشيء منها ، وقد وصل إلينا من الأقوال إثنى عشر قولا ، أوردتها مع ما يرد عليها في المجلد الثاني من كتابي الموسوم بالكشكول (2)وأذكر هنا [24 | ب] منها خمسة .
الأول : في وجهه المظلم ، تأدت إلى وجهه المضيء .
وأورد عليه : أنه لو كان كذلك لكانت أطرافه أشد ظلمة ، وأوساطه أشد ضوءاً .
الثاني : أنها أجرام مختلفة مركوزة مع القمر في تدويره،غير قابلة للإنارة بالتساوي،وهو مختار سلطان المحققين - قدس سره - في التذكرة (3)
وأورد عليه : أن ما يتوسط بينه وبين الشمس من تلك الأجرام وكذا بيننا وبينه في كل زمان ، ووضع شيء اخر لتحرك التدوير على نفسه ، فكيف يرى دائما على نهج واحد غيرمختلف .
وقد يعتذر له : بأن التفاوت المذكور لا يحس به في صفحة القمر ، لصغرها وبعد المسافة .
الثالث : أن الأشعة تنعكس إليه من البحار ،وكرة البخار- لصقالتها- انعكاسا بينا ، ولا تنعكس كذلك من سطح الربع المكشوف لخشونته ، فيكون المستنير من وجهه - بالأشعة النافذة إليه على الاستقامة ، والأشعة المنعكسة معا - أضوء من المستنير بالأشعة المستقيمة والمنعكسة من الربع المكشوف ، وهذا مختار صاحب التحفة (4) .
وأورد عليه : أن ثبات الانعكاس دائما على نهج واحد - مع اختلاف أوضاع الأشياء المنعكس عنها من البحار والجبال في جانبي المشرق والمغرب - مستحيل .
واعتذر له بما اعتذر لأستاذه .
الرابع : إن سطح القمر لما كان صقيلا كالمرآة فالناظر يرى فيه صور البحار ، والقدر المكشوف من الأرض ، وفيه عمارات وغياض وجبال ، وفي البحار مراكب وجزائر مختلفة الأشكال ، وكلها يظهر للناظر أشباحها في صفحة القمر ، ولا يميز بينها لبعدها ، ولا يحس منها إلآ بخيال ، وكما لا ترى مواضع الأشباح في المرايا مضيئة ، فكذلك لا يرى تلك المواضع فيه براقة ، أو أنه يرى صورة العمارات والغياض والجبال مظلمة كما هي عليه في الليل ، وصورة البحار مضيئة، أو بالعكس فإن صورتي الأرض والماء منطبعان فيه ، كما أن الأرض لكثافتها تقبل ضوء الشمس أكثر مما يقبله الماء للطافته ، فكذا صورتاهما ، وهذا الوجه مختار الفاضل النيسابوري (5) في شرح التذكرة (6) [25 | أ] ومال إليه أستاذ أستاذنا المحقق البرجندي (7) ، في شرح التذكرة أيضا (8) ، والإيراد والاعتذار كما سبق .
الخامس : أن أجراما صغيرة نيرة مركوزة في جرم الشمس ، أو في فلكها الخارج المركز ، بحيث تكون متوسطة دائما بين جرم الشمس والقمر ، وهي مانعة من وقوع شعاع الشمس على مواضع المحو من القمر ، وهذا الوجه للمدقق الخفري (9) أورده في شرح التذكرة (10) ، ومنتهى الإدراك (11) واستحسنه .
وأقول : فيه نظر ، فإن تلك الأجرام إن كانت صغيرة جدا ، تلاقت الخطوط الخارجة من حولها إلى القمر بالقرب منها ، ولم يصل ظلها إليه ، وإن كان لها مقدار يعتد به بحيث يصل ظلها إلى جرم القمر فوصوله إلى سطح الأرض في بعض الأوقات كوقت الاستقبال أولى ، فكان ينبغي أن يظهر على سطح الأرض كما يظهر ظل الغيم ونحوه ، وليس فليس ، والله أعلم بحقائق الأمور .
خاتمة :
ما مر من أن اكتساب النور من الشمس مختص بالقمر لا يشاركه فيه غيره من الكواكب هو القول المشهور(12) ، وعليه الجمهور فإنهم مطبقون على أن أنوار ما عداه من الكواكب ذاتية غير مكتسبة من الشمس ، واستدلوا على ذلك : بأنها لو استفادت النور من الشمس لظهر فيها التشكلات البدرية والهلالية ، بالبعد
والقرب منها كما في القمر ، هكذا أورده [25 | ب] فيها (13) وفي نهاية الإدراك (14).
وأقول : فيه نظر ، فإن القائل باستفادتها النور من الشمس ليس عليه أن يقول بأن المستضيء منها إنما هو وجهها المقابل للشمس فقط ، ليلزمه اختلاف تشكلاتها كالقمر ، بل أن يقول بنفوذ الضوء في أعماقها كالقطعة من البلور إذا وقع عليها ضوء الشمس ، بان الناظر إليها من جميع الجهات يبصرها مضيئة باجمعها ، فتبصر .
** ثم إن صاحب التحفة أورد على الدليل المذكور : أن اختلاف التشكلات إنما يلزم في السفليين لا في بقية الكواكب التي فوق الشمس ، لكون وجهها المقابل لنا هو المقابل للشمس ، بخلاف القمر فيمكن أن يستفيد النور منها ولا يظهر فيها التشكلات الهلالية بالقرب من الشمس (15).
وما يقال من أنه : يلزم انخسافها في مقابلات الشمس مدفوع بأن ظل الأرض لا يصل إلى أفلاكها .
ثم إنه أجاب عن هذا الإيراد : بأن تلك الكواكب إذا كانت على سمت الرأس ، غير مقابلة للشمس ، ولا مقارنة لها ، لم يكن وجهها المقابل لنا هو المقابل لها بل بعضه ، ويلزم اختلاف التشكلات الهلالية .
ثم قال ، فإن قيل : إنما لا يرى شيء منها هلاليا لخفاء طرفيه ، لصغر حجم الكوكب في المنظر ، وظهوره من البعد المتفاوت مستديرا .
قلنا [26 | أ] : لو كان كذلك لرؤي الكوكب في قرب الشمس أصغر منه في بعدها هذا كلامه .
وأقول : فيه نظر ، فإن للخصم أن يقول : إنما يلزم ذلك لو وقعت دائرة
الرؤية فيها مقاطعة لدائرة النور ، ولم لا يجوز أن لا تقع أبدا إلا داخلها ؟ إما موازية لها إذا كان الكوكب على سمت الرأس في مقابلة الشمس ، أو غير موازية إما مماسة لها كما لعله يتفق في التربيع ، أوغيرمماسة كما في غيره .
ولا يندفع هذا إلا إذا ثبت لقاطع الدائرتين على سطح الكوكب كما في القمر ، ودون ثبوته خرط القتاد (16) .
** ثم إن الذي ما زال يختلج بخاطري : أن القول بعدم الفرق بين القمر وسائر الكواكب في أن أنوار الجميع مستفادة من الشمس غير بعيد عن الصواب ، وقد ذهب إليه جماعة من أساطين الحكماء ، ووافقهم الشيخ السهروردي (17) حيث قال في الهياكل : إن رخش - يعني الشمس - قاهر الغسق ، رئيس السماء ، فاعل النهار ، صاحب العجائب ، عظيم الهيئة ، الذي يعطي جميع الأجرام ضوءها ، ولا يأخذ منها (19). هذا كلامه .
وقد ذهب الشيخ العارف محيي الدين بن عربي (18) أيضا إلى هذا القول ،
وصرح به في الفتوحات المكية (20) ، ووافقه جمع من الصوفية ، والله أعلم بحقائق الأشياء .
ولي في هذا الباب رسالة مبسوطة فمن أرادها فليقف عليها(21).
***
ورسالة ، منها : الفتوحات المكية ، التفسير ، إحياء علوم الدين ، محاضرة الأبرار ، فصوص الحكم وغيرها سمع من ابن بشكوال بمرسيه ، ورحل إلى بغداد ، ومكة ، ودمشق ، له شعر يوصف بالرقة منه :
إذا حـــل ذكركم خاطري * فــرشت خدودي مكان التراب
وأقعدني الذل في بابكــــم * قعود الأسارى لضرب الرقاب
مات سنة 638 هـ = 1240 م ودفن في صالحية دمشق له ترجمة في : البداية والنهاية 13 : 156 | فوات الوفيات 2 : 435 ت 484 | ميزان الاعتدال 3| 659 ت 7984| لسان الميزان 5 : 311 ت 1038 | شذرات الذهب 5: 190 | طبقات الأولياء : 469 ت 153 .
** قال مولانا وإمامنا (عليه السلام) [26 | ب] .
** "سبحانه ما أعجب ما دبر في أمرك ، والطف ما صنع في شأنك ، جعلك مفتاح شهر حادث لأمر حادث ، فأسأل الله ربي وربك ، وخالقي وخالقك ، ومقدري ومقدرك ، ومصوري ومصورك ، أن يصلي على محمد وآله ، وأن يجعلك هلال بركة لا تمحقها الأيام ، وطهارة لا تدنسها الآثام ، هلال أمن من الأفات ، وسلامة من السيئات ، هلال سعد لانحس فيه ، ويمن لا نكد معه ، ويسر لا يمازحّه عسر ، وخير لا يشوبه شر ، هلال أمن وإيمان ، ونعمة واحسان ، وسلامة واسلام" .
** "سبحان" مصدر كغفران ، بمعنى التنزيه عن النقائص ، ولا يستعمل إلا محذوف الفعل منصوبا على المصدرية ، فسبحان الله معناه تنزيه الله ، كأنه قيل أسبحه سبحانا ، وابرؤه عما لا يليق بعزجلاله براءة .
قال الشيخ أبو علي الطبرسي طاب ثراه : أنه صار في الشرع علما لأعلى مراتب التعظيم ، التي لا يستحقها إلا هو سبحانه ، ولذلك لا يجوز أن يستعمل في غيره تعالى ، وإن كان منزها عن النقائص (22) .
** وإلى كلامه هذا ينظر ما قاله بعض الأعلام : من أن التنزيه المستفاد من سبحان الله ثلاثة أنواع :
** [ أ ] : تنزيه الذات عن نقص الإمكان الذي هومنبع السوء .
** [ب] : وتنزيه الصفات عن وصمة الحدوث ، بل عن كونها مغايرة للذات المقدسة ، وزائدة عليها .
** [جـ] : وتنزيه الأفعال عن القبح والعبث ، وعن كونها جالبة إليه تعالى نفعا أودافعة عنه سبحانه ضررا كأفعال العباد [27 | أ].
** و"ما" في قوله (عليه السلام) : "ما أعجب " إما موصولة ، أو موصوفة ، أو استفهامية ، على خلاف المشهور في ما التعجبية.
وهي مبتدأ والماضي بعدها صلتها أو صفتها على الأوليين ، والخبر محذوف ،أي الذي - أو شيء - صيره عجيبا أمر عظيم أو هو الخبر على الأخير .
** و"ما" في "ما دبر" مفعول أعجب ، وهي كالأولى على الأوليين ، والعائد المفعول محذوف ، والأمر والشأن مترادفان .
** وفصل جملة "جعلك " عما قبلها للاختلاف خبرا وانشاء مع كون السابقة لا محل لها من الإعراب .
** و"الشهر" مأخوذ من الشهرة ، يقال : شهرت الشيء شهرا أي أظهرته وكشفته ، وشهرت السيف أخرجته من الغلاف (23) وتشبيه الشهر في النفس بالبيت المقفول استعارة بالكناية ، وإثبات المفتاح له استعارة تخييلية ، ولا يخفى لطافة تشبيه الهلال بالمفتاح .
** والجار - في قوله (عليه السلام) "لأمر حادث " - متعلق بحادث السابق ، أي أن حدوث ذلك الشهر وتجدده لأجل إمضاء أمر حادث مجدد ، ويجوز تعلقه بـ "جعل".
وتنكير "أمر" للإبهام وعدم التعيين ، أي أمر مبهم علينا حاله ، كما قالوه في
قوله تعالى : ( أو اطرحوه أرضا ) (24) : أن المراد أرضا منكورة مجهولة .
** والفاء في "فاسال الله " فاء السببية ، كما في قوله تعالى : ( ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة ) (25) .
فإن ذلك الأمر المجدد الذي جعل تجدد الشهر لإمضائه فيه لما كان مبهما صارإبهامه سببا لأن يسأل الله سبحانه أن يكون بركة وأمنا وسلامة ، وما هو من هذا القبيل ، ولا يبعد أن تجعل فصيحة كما قالوه في قوله تعالى : ( فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانبجست ) (26) ، إما بتقدير شرط كما هو رأي صاحب الكشاف ، أي [27 | ب] إذا كان كذلك فأسأل الله ؟ أو غير شرط ، كما هو رأي صاحب المنهاج ، أي وهو مبهم فأسأل الله (27) .
والحق أن تصدير الشرط لاعتباره لا ينافي كون الفاء فصيحة ، وأن الناقل واهم كما نبه المحقق الشريف في بحث الإيجاز والإطناب من شرح المفتاح .
تتمة :
عدوله (عليه السلام) في قوله : "فاسأل الله " عن الإضمار الذي هو مقتضى الظاهر ، جريا على وتيرة الضمائر الأربعة السابقة ، أي الإظهار لعله للتعظيم ، والاستلذاذ ، والتبرك ، وإرادة الوصف بما بعده إذ المضمر لا يوصف ، وقول الكسائي ، بجواز وصف ضمير الغائب ضعيف ، وأما جعل ما بعده هنا حالا فلا
يخلومن بعد بحسب المعنى .
والكلام فيما يتعلق بلفظ الجلالة المقدسة تقدم مبسوطا في فواتح الشرح (28) .
** وإضافة الرب" إلى ياء المتكلم من إضافة الصنعة إلى غير المعمول نحو كريم البلد ، إذ الصفة المشبهة لاشتقاقها من اللازم لا مفعول لها ، لاضافتها اللفظية منحصرة في إضافتها إلى الفاعل ، فلذلك جاز وصف المعرفة بها .
فإن قلت : المعطوف على النعت نعت ، واسم الفاعل أعني"خالقي" مضاف إلى المفعول .
قلت : بعد تسليم أنه نعت حقيقة هو بمعنى الماضي ، فإضافته معنوية من قبيل "ضارب زيد أمس " . وتسميتهم المضاف إليه حينئذ مفعولا نظرا إلى المعنى لا إلى أن محله النصب ، كما إذا كان إسم الفاعل بمعنى الحال والاستقبال ، على أنا لو قطعنا النظر عن كونه بمعنى الماضي لأمكن جعل مثل هذا من جزئيات قاعدتهم المشهورة وهي أنه "يغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل " كما قالوا في نحو : "رب شاة وسخلتها" .
والمباحث [28 | أ] المتعلقة بالصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) ، وتحقيق تشبيهها في بعض الأدعية بم الصلاة على إبراهيم وآل إبراهيم ، والكلام في تحقيق معنى الال واشتقاقه من آل يؤل ، وإيراد ما يرد على أن آل النبي (صلى الله عليه وآله) حقيقة هم الأئمة المعصومون سلام الله عليهم قد مر الكلام فيها في الفواتح (29) فلا معنى لإعادته .
** و"البركة" : النماء والزيادة في الخير ، ولعل المراد بها هنا الترقي في معارج القرب ، ومدارج الا نس يوما فيوما ، فإن "من استوى يوماه فهو مغبون "(30) .
** و"محق " : الشيء محقا أبطله ومحاه ، ومنه سميت الليالي الثلاث الأخيرة من الشهر محاقا ، لمحق نور القمر فيها .
** و "الطهارة" : النزاهة من الأدناس ، ويندرج فيها نزاهة الجوارح عن الأفعال المستقبحة ، واللسان عن الأقوال المستهجنة ، والنفس عن الأخلاق المذمومة ، والأدناس الجسمانية ، والغواشي الظلمانية ، بل النزاهة عن كل ما يشغل عن الإقبال على الحق تعالى كائنا ما كان ، وذلك بخلع النعلين والتجرد عن الكونين ، فإنهما محرمان على أهل الله تعالى .
** و "الدنس " : الوسخ ، وتدنيس الآثام للطهارة القلبية ظاهر ، فإن كل معصية يفعلها الإنسان يحصل منها ظلمة في القلب ، كما يحصل من نفس الإنسان ظلمة في المراة ، فإذا تراكمت ظلمات الذنوب على القلب صارت رينا وطبعاً، كما تصير الأنفاس والأبخرة المتراكمة على جرم المراة صدءً .
وإسناد المحق إلى الأيام ، والتدنيس إلى الآثام مجاز عقلي ، والملابسة في الأول زمانية ، وفي الثاني سببية .
** و "الأمن " : اطمئنان القلب ، وزوال الخوف من مصادمة المكروه .
** و "السعد" والسعادة مترادفان ، وربما فسرا بمعاونة الأمور الإلهية الانسان على نيل الخير ، ويضادهما النحس [28| ب] والشقاوة .
** والمراد "بالنكد" عسر المعاش وضيقه ، أو تعسر الوصول إلى المطلب الحقيقي، لما يعتري السالك من العوائق الموجبة لبعد المسافة ، وطول الطريق والله أعلم .
تبصرة:
أمثال ما تضمنه هذا الدعاء من سؤاله (عليه السلام) الطهارة الغير المدنسة بالاثام ، والسلامة من السيئات ، والتوفيق للتوبة ، مع أنه (عليه السلام) معصوم
عن الأدناس والذنوب ، قد تقدم الكلام فيه في الفواتح (31) وذكرت هناك أن مثل هذا كثيرفي كلام أئمتنا سلام الله عليهم ، كما نقل عن الكاظم (عليه السلام) أنه كان يقول في سجدة الشكر : "رب عصيتك بلساني ، ولو شئت وعزتك لأخرستني ، وعصيتك ببصري ولو شئت وعزتك لأكمهتني " (32) إلى آخرالدعاء .
بل وقع مثل ذلك في كلام سيد المرسلين وأشرف الأولين والاخرين (صلى الله عليه وآله) الطاهرين كما روي عنه (صلى الله عليه وآله) أنه قال : (إني لاستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثرمن سبعين مرة)(33) وقد قلنا هناك : إن النبي (صلى الله عليه وآله) ، وكذلك المعصومين من عترته سلام الله عليهم ، لغاية اهتمامهم باستغراق أوقاتهم في الإقبال على الله سبحانه ، والإعراض عما عداه ، وانجذابهم بكليتهم إلى جنابه جل شأنه ، وترك ما سواه ، كانوا يعدون صرف لمحة من اللمحات في الأشغال البدنية ، واللوازم البشرية من المأكل والمشرب والمنكح ، وأمثالها من المباحات ، نقصا وانحطاطا ، ويسمون توجه البال في آن من الانات إلى شيء من هذه الحظوظ الدنيوية إثما وعصيانا وذنبا، ويستغفرون الله تعالى منه .
وقد سلك على منوالهم ، واقتدى بأقوالهم ، وأفعالهم ، المتألهون والعرفاء من أصحاب الحقيقة ، الذين نفضوا عن [29 | أ] ذيول سرائرهم غبار هذه الخربة الدنية ، وكحلوا عيون بصائرهم بكحل الحكمة النبوية .
وأما نحن معاشر القاصرين عن الارتقاء إلى هذه الدرج العلية والمحجوبين عن سعادة الاعتلاء على تلك المراتب السنية ، فلا مندوحة لنا عن جعل عظائم
جرائمنا - حال قراءة تلك الفقر - نصب أعيننا ؛ وقبائح أعمالنا - عند تلاوة تلك الفصول - مطمح نظرنا .
تذكرة :
ينبغي لنا إذا تلونا قوله (عليه السلام) : "هلال أمن من الافات " أن لا نقصرها على الافات البدنية ، بل نطلب معها الأمن من الآفات النفسية أيضا ، من الكبر والحسد ، والغل والغرور ، والحرص وحب المال والجاه ، وغير ذلك من دواعي النفس وحظوظها ، ومشتهياتها البهيمية والسبعية ، فإن طلب الأمن من هذه الآفات التي بمنزلة الكلاب العاوية والحيات الضارية الموجبة للهلاك الحقيقي أهم وأحرى وأليق وأولى ، وقد قدمنا في الحديقة الأخلاقية من شرحنا هذا وهي الحديقة العشرون في شرح دعائه (عليه السلام) في مكارم الأخلاق كلاما فيما يعين على إلاحتراز عن هذه الافات ، وقلنا هناك : أنه لا يحصل الأمن التام منها إلا بإخراج التعلق بالدنيا من سويداء الفؤاد ، وقلع هذه الشجرة الخبيثة من أرض القلب ، فإنه ما دام الإقبال على الدنيا متمكنا في النفس ، لا يمكن حسم مواد هذه الافات عنها رأسا ، بل كلما دفعتها وحسمتها عادت إلى ما كانت عليه أولا (34).
وقد شبه بعض أصحاب القلوب (35)ذلك بحال شخص عرض له مهم يحتاج إلى فكر وتأمل تام ، فاراد أن يصفو وقته ، ويجتمع باله ، ليتفكر في هذا المهم ، فجلس تحت شجرة ، واشتغل بالفكر فيه ، وكانت العصافير- وغيرها من الطيور- تجتمع على تلك الشجرة ، وتشوش عليه فكره باصواتها وتكدر وقته ، فأخذ خشبة وضرب بها الشجرة ، فهربت العصافير والطيور عنها ، ثم اشتغل بفكره فعادت كما كانت فطردها مرة أخرى فعادت أيضا ، وهكذا مرارا فقال له شخص : يا هذا،إن أردت الخلاص فاقطع الشجرة من أصلها فإنها ما دامت باقية فإن العصافيروالطيور تجتمع عليها ألبتة .
** وبعضهم شبه ذلك بقصة الكردي الذي قتل أمه ، كما يحكى أن شخصا من الأكراد كانت أمه معروفة بعدم العفة وتدنس الأزار ، وكان الناس يعيرونه بذلك وهو يتوقع الفرصة لحسم تلك المادة .
فدخل يوما إلى البيت فوجد معها رجلا يزني بها ، فشق بالسكين صدرها واستراح من شنعتها .
فقال له أصحابه ومعارفه : يا هذا، إن قتل الرجل كان أولى من قتل الأم ، فإنه أمرمستقبح !!
فقال : إني لو لم أقتلها كان يلزمني [30 | ] أن أقتل في كل يوم شخصا جديدا ، وهذا الأمر لا يتناهى إلى حد .
وأنا قد نظمت قصة هذا الكردي في كتابي الموسوم بسوانح سفر الحجاز(36)؟ هكذا :
كـــان في الأكراد شخص ذو سداد * امــــه ذات اشتــــهار بالفساد
لــم تـخيب مــــن نـوال طالبا * لـن تـكف عــن وصال راغبــا
دارهـا مـــفتوحـة للداخلـــين * رجلـــها مــرفــوعة للفاعليـن
فهي مــفعول بها فـي كل حــال * فــعـلها تمييز أفــعال الرجــال
كـــان ظـرفا مستقراً وكـــرها * جــــاء زيد قــام عمرو ذكرها
جـاءها بعـض الليالــي ذو أمـل * فاعتـراها الابن فــي ذاك العـمـل
شـق بالسكـين فــورا صـدرهـا * في مـحاق الموت أخــفى بدرهــا
مكن الغيلان مــــن أحشائـــها * خـلـص الجيران مــن فحشائـهـا
قـال بعض القوم مـن أهل الملام : * لـــم قتلت الاُم يــا هذا الغلــام ؟
كان قتل الـمرء أولـى يـــا فتى * إن قـتل الام لــم شيء ما أتــى !!
قــال : يا قـوم اتركوا هذا العتاب * إن قــتل الام أدنــى للصــواب !
كــنت لـــو أبقيتها فيـما تريد * كـل يـــوم قـاتلا شخصــا جديـد
إنــها لـو لم تذق حــد الـحسام * كـان شغلــي دائمـا قتــل الأنام !!
أيها المأسور فــي قيــد الـذنوب * أيــها المحـروم مـــن سرّ الغيوب
أنت في أســر الكلــاب الـعاويه * مــن قـوى النـفــس الكفور الجانيه
كل صبـح مـع مــسـاء لا تزال * مع دواعي النفس في قيل وقال [31 | أ]
كــــل داع حية ذات الــتقـام * قــل مــع الحيات كم هذا المقــام ؟
إن تكـن من لسع ذي تبـغ الخلاص * أو تــرم مــن عض هاتيك المناص
فــاقـتل النفــس الكفور الجانيه * قــتل كـــردي لأم زانــــيـه
أيـــها الساقي أدر كــأس المدام * واجــعلن فـي دورها عيشي المـدام
خلــص الأرواح مـن قيد الهـموم * أطــلق الأشباح من أسر الغمـــوم
فــالبهائي الحـزيـن الممتــحن * مــن دواعي النفس في أسر المحن (37)
تبيين:
يمكن أن يراد بالإحسان : في قوله (عليه السلام) : "ونعمة وإحسان " معناه الظاهري المتعارف ، والأنسب أن يراد به المعنى المتداول على لسان أصحاب القلوب ، وهو الذي فسره سيد الأولين والآخرين (صلى الله عليه وآله) أجمعين ، بقوله : (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك )(38) .
** وينبغي حينئذ أن يراد بالإيمان والإسلام في قوله (عليه السلام) : "هلال أمن وإيمان ، وسلامة وإسلام " ، المرتبتان المعروفتان بعين اليقين ، وحق اليقين ، على ما مر شرحه في الفواتح .
** هذا ، وقد طلب (عليه السلام) الأمن في هذا الدعاء مرتين ، مرة مقيدا بكونه من الآفات ، ومرة مطلقا ، وكذلك طلب السلامة مرتين مرة مقيدا بكونها


الهوامش

(1) الشفاء ، الطبيعيات 2 : 37
(2)الكشكول : مع دقة البحث وتكراره لم أجده .
(3)التذكرة : أواخر الفصل السابع من الباب الأول .
(4)التحفة:مخطوط . ، الفصل الخامس أحوال الكواكب ومحو القمر .
(5) الحسن بن محمد بن الحسين القمي النيسابوري ، نظام الدين أو النظام الاعرج ، عالم فاضل ، محقق مشارك في علوم عدة ، له : شرح النظام في فن التصريف ، وشرح التذكرة النصيرية ، واسمه توضيح التذكرة ، وتفسير غرائب القرآن ، شرح الشافية قسم التصريف لابن الحاجب ، الشمسية في الحساب .
لم أعثرعلى من صرح بتاريخ وفاته على نحو القطع ، نعم فرغ من تاليف توضيح التذكرة في أول ربيع الأول سنة 711 هـ ، وقيل انه توفي بعد سنة 850 وقيل 828 وقيل أنه من أعلام القرن التاسع = 1424 ، 1446 م .
روضات الجات 3 : 102 ت 260 | الكنى والالقاب 3 : 256 | أعيان الشيعة5 : 248 | بغية الوعاة 1 :25 ت 1088 | معجم المؤلفين 3: 281 ، 291 . معجم المفسرين 1 : 145 كشف الظنون : 392، 1021، 1062 | الذريعة 4 : 492 ت 2206 ، و 13 : 144 ت 478 ، وغيرها .
(6)مخطوط .
(7) المحقق البيرجندي ، عبد العلي بن محمد حسين ، فقيه أصولي مشارك ، له في الفلك والرياضيات مؤلفات ، منها : شرح التذكرة فرغ منه سنة 984 ، وشرح زبدة الأصول ، شرح المجسطي ، شرح المنار للنسفي في علم الأصول ، شرح الرسالة العضدية ، وغيرها توفي سنة 932 هـ = 1525 م .
هدية الاحباب : 126 | هدية العارفين 1 : 586 | معجم المؤلفين 5 : 266 | الذريعة 13 : 144 ت 478 | الأعلام 4 : 30 | كشف الظنون 1 : 41 ، 392 ، و 2 : 1296 ، 1826 ، 1971 .
(8) في شرحه على أواخر الفصل السابع من الباب الأول من التذكرة .
(9) شمس الدين ، محمد بن أحمد الخفري الشيرازي ، فاضل حكيم محقق ، من تلامذة صدر الحكماء الدشتكي الشيرازي ، كان في غاية الفطنة ، وسرعة الخاطر ، جمع أقسام الحكمة ، سكن كاشان ، وكان معاصرا للمحقق الشيخ علي بن عبد العالي الكركي ، له مؤلفات ، منها : رسالة في اثبات الواجب ، وحل ما لا ينحل ، ومنتهى الإدراك ، وشرح التذكرة باسم التكملة ، وغيرها والخفري نسبة إلى خفر بلدة من بلاد شيراز ، فيها قبر الحكيم جاماسب ، توفي سنة 957 = 1550 م .
مجالس المؤمنين 2 : 233 | الكنى والألقاب 2 : 218 | هدية الأحباب : 151 | الذريعة 13 : 144 ت 479 و 4 : 409 ت 1805 .
(10) في شرحه على أواخر الفصل السابع من الباب الأول من التذكرة .
(11) مخطوط .
(12) قد فصّل الكلام على ذلك في الكشكول 1 : 71 - 76 ، فراجع .
(13) التحفة : مخطوط .
(14) نهاية الادراك : مخطوط .
(15) التحفة : مخطوط .
(16) ولا يخفى أيضا أنه لا يكفي اثبات مجرد التقاطع على أي وجه كان بل لا بد من اثبات وقوعه على وجه يظهر أثره للحس ولعل في قولنا كما في القمرنوع اشارة إلى هذا ، منه . قدس سره ، هامش الخطوط .
(17) شهاب الدين السهروردي ، يحيى بن حبش بن أميرك السهروردي صاحب السيمياء الشافعي الحكيم الصوفي المتكلم له في الفقه والأُصول يد ، ولد في سهرورد من قرى زنجان نشأ في مراغة وعاش في أصفهان ثم رحل إلى بغداد وحلب له في الشعر والنثر والأدب عامة يد . أفتى الفقهاء بإباحة دمه لما نسب إليه من انحلال في العقيدة ، له مؤلفات منها . التلويحات ، التنقيحات ، حكمه الإشراق ، هياكل النور ، الألواح العمادية .
مات خنقا في السجن سنة 587هـ = 1191 م .
ترجم له في : وفيات الأعيان 6 : 268 ت 813 | معجم الادباء 19 : 314 ت 123 | لسان الميزان 3 : 156 ت 553 | مرآة الجنان 3 : 434 | شذرات الذهب 4 : 290 | سير أعلام النبلاء 21 : 207 ت 102 | عيون الأنباء : 641 وغيرها .
(18) الهياكل : 39 ، أواخر الهيكل الخامس منه .
(19) محيي الدين بن عربي ، محمد بن علي بن محمد الطائي ، الأندلسي المكي ، الشامي ، أبو بكر ، لقب بالشيخ الأكبر ، من كبار المتكلمين في العلوم ، قدوة القائلين بوحدة الوجود ، اختلف فيه علماء الرجال بين مزندق له وموثق بل وجعله قطبا،له من المؤلفات - على ما قيل -أربعمائة كتاب
(20) الفتوحات المكية 3 : 437 ، ذيل الفصل الرابع .
(21) وهي رسالة في أن أنوار سائر الكواكب مستفادة من الشمس . انظرالكشكول 1 : 17 .
(22) مجمع البيان 1 : 73 ، عند تفسير الآية 30 من سورة البقرة .
(23) أنظر : تاج العروس 3 : 320 | معجم مقاييس اللغة 3 : 222 مادة ( شهر) فيهما
(24) يوسف ،مكية،12 : 9 .
(25) الحج ، مدنية ، 22 : 63 .
(26) الأعرا ف ، مكية ، 7 : 160 .
(27) رأي الزمخشري لم اعثر عليه في كتبه المتوفرة لدي ، هذا وفي الأصل المخطوط ورد (المنهاج ) وفي المطبوعة (المفتاح ) . ولدى مراجعة مفتاح العلوم : 117 -118 وجدناه يصرح بالشرطية حيث يقول : . . . "وفي خبر المبتدأ متضمناً لمعنى الشرط بكونه موصولاً أو موصوفا ..." إذن يحتمل أن يكون المنهاج إشارة إلى أحد مؤلفات الزمخشري ، وهو مذكور في عدادها . ولم أعثر عليه .
وانظر: رصف المعاني 1 : 448 حيث يؤيد فيه نظرية صاحب الكشاف عند قوله : "واعلم أن النصب على الجواب بالفاء إنما هو بعد الشرط والجزاء أصلا" . ..
(28) أنظر صحيفة : 93 ، هامش 2 .
(29) أنظر الهامش المتقدم .
(30) معاني الأخبار : 342 حديث 3 | امالي الصدوق : 531حديث 4 مجلس 95 .
(31) أنظر صحيفة : 128هامش 1 .
(32) مصباح المتهجد : 58 - 59 ، مقطع من دعاء طويل .
(33) درر اللالي العمادية 1 : 32 | ب ، مخطوط .
(34)انظر صحيفة : 130هامش : 1.
(35) لعله اشارة الى الشهيد الثاني في اسرار الصلاة: 11 .
وصحيح مسلم 4 : 2075 رقم 2702| وسنن أبي داود 2 : 84 رقم 1515 ، وفيهما "مائة مرة" ، وأنظر النهاية في غريب الحديث 3 : 403 مادة "غين " وتاج العروس 9 : 297 | والفائق 3 : 82 وفيه "كذا وكذا مرة" .
(36) سوانح سفر ألحجاز : مخطوط ، أحتمل البعض أنها منظومة "نان وحلوا" أورد في السلافة منها حدود 60 بيتا ، انظر الذريعة 19 : 319 ، 12 : 253 ، 24 : 30 .
(37) أورد الأبيات في الكشكول أيضاً 1 : 228 .
(38) صحيح البخاري 6 : 144 | سنن الترمذي 4 : 6 رقم 2610 | سنن أبن ماجة 1 : 24، 25 رقم 63 ، 64 | سنن ابو داود 4 :223 رقم 4695 | مسند أحمد بن حنبل 1 : 51 ، 52 و 2 : 107 ، 426 و 4 : 129 ، 164 | كنز العمال 3 : 21 رقم 5249 و 5250 | حلية الأولياء 8 : 202 .

الأدعية والزيارات الصوتية

loading...

أدعية فلاشية

loading...

شرح الأدعية

loading...