بطاقات الكترونية إسلامية

بطاقات الكترونية إسلامية

فهرس المقال


بسم اللَّه الرحمن الرحيم
يقول سيّدنا السيّد الإمام العامل الفقيه الفاضل العلّامة الكامل المحقّق المخلص البارع الورع رضيّ الدِين ركن الإسلام جمال العارفين أفضل السادة عمدة أهل بيت النبوّة شرف العترة الطاهرة ذو الحسبين أبو القاسم عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن محمّد الطاووس الحسنيّ، أكمل اللَّه لديه فضله وكرّم فرعه وأصله:
أحمد اللَّه جلّ جلاله بلسان وجنان وجودُهما من جود المولى المعبود، وموادّهما من كرم ذلك المالك المحمود، وأعترف له بالمنّة جلّ جلاله على إطلاق لساني بحمده، وعلى تأهيلي للثناء على مقدّس مجده.
وأجد قلبي وعقلي في ذلّ الخجالة على ما ضيّعا من حقوق تلك الجلالة، وكيف تركا لي جناناً ولساناً يشتغلان بغير وظائف تحميده ومترادف تمجيده؟!
وأراهما بلسان الحال يبكيان ويندبان على زمان أو مكان ضاع في الاشتغال بغيره جلّ جلاله عنه، ويتوسّلان بمراحمه ومكارمه في طلب العفو منه، ويسمعان من لسان حال عموم ذلك الكرم والإحسان بيان ملاطفة الموافقة والمعاتبة على ما جرى منهما من المفارقة والمجانبة، وكانا جَديرَين‏(1) أن يقال لهما: إنّ الحمد وظيفة مَن كان في حال حمده سليماً من قيود سوء الآداب، ومشغولاً بالمراقبة لمولاه مالك يوم الحساب. فأمّا من لا يخلو من إهمال حقّ حرمة اطّلاعنا عليه، ومن الاشتغال بغيرنا عن ملاحظة دوام إحساننا إليه، وإذا نطقَ بحمدِنا فليس على وجهِ حمده برهانُ المعرفة بهيبة جلالنا، ولا ذلّ العبوديّة لإقبالنا، ولا خضوعُ التعظيم لعظمة سلطاننا، ولا أثرُ الخوف من معرفته بالتقصير في حقوق إحساننا. فوظيفة مثل ذلك المملوك السقيمِ الاشتغالُ بطلب العفو من المالك الرحيم الحليم الكريم، وإلّا فقد ضيّع أوقات طهارة قلبه وجنَانِه ولسانه، واشتغل عن إحساننا وشأننا بشأنه‏(2) ويضيّع الآن الوقت الثاني بالتواني والأماني، وترك الاستدراك فما يؤمنه -إن بقى على ذلك - من خطر الهلاك.
ونشهد أنّ لا إله إلّا هو شهادةً صدرت إلى مملوكه عن جوده، وشرّفه بها على من لم يعرفها من سائر مماليكه وعبيده؛ وأشهد أنّ جدّي محمّداً عبده ورسوله أشرف الخواصّ، وأعرف من خلع عليه جلّ جلاله خلعةَ الاختصاص، صلّى اللَّه عليه وعلى آله أفضل صلوات، تبلغ به وبهم أكمل نهايات الغايات.
وأشهد أنّ اللَّه جلّ جلاله قطع بحججه العقليّة والنقلية(3) حججَ الخلائق، ولطف للعباد برؤساءَ وشهداءَ يحتجّ بهم على من يحتجّ عليه من أهلِ المغارب والمشارق، وأودعهم مّا يحتاج المكلّفون منهم إليه، وكشف برحمته وجوده عن آيات باهرات وبيّنات نيّرات تهدي إلى من اعتمد في الرئاسة عليه، لا يشتبه معدنُها ومكانها، ولايخفى نورُها وبرهانها على كلّ من صدّقه جلّ جلاله في قوله الذي وعاه ورعاه العارفون:
(وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (4).
فإنّه إذا كان مراده جلّ جلاله من خلقهم سعادتَهم بمعرفته وعبادته، وتشريفَهم بخدمته ومراقبته، وكانت آراؤهم وأهواؤهم مفسدةً لتدبيره كما نطق به كتابه المصون‏(5) جلّ جلاله: (وَلَو اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهم لَفَسَدَتِ السَّمَاواتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِم فَهُمْ عَن ذِكرِهِم مُعْرِضُونَ) (6) وجب أن يكون لهم ما يمنع أهواءهم من الفساد، ويقمع آراءهم عن هلاكِ أنفسهم والعباد، على كمال صفات الحقّ الذي لو اتّبع أهواءهم لفسدوا، وهذه صفة المعصوم الذي يلزمهم أن يهتدوا به ويقتدوا، وكيف تكون آراؤهم وأهواؤهم كافية في تدبير اُمور الدنيا والدِين وهو جلّ جلاله يقول: (ولا يَزالُونَ مُخْتَلِفِيْنَ) (7).
ولقد أوضح جلّ جلاله بما استدرك على بعض اختيارات جماعة من الأنبياء والمرسلين، أنّ مَن يكون دون المعصومين صلوات اللَّه عليهم أجمعين، لاتقوم الحجّة باختيارهم على الكشف واليقين، كما جرى لآدم (ع) في اختيارِه الأكلَ من الشجرة بما تضمّنه صريحُ الآيات، وجرى لداود (ع) فيما نطق به القرآن في بعض المحاكمات، وما جرى لموسى (ع) في اختياره سبعين رجلاً من قومه للميقات.
فإذا كان هذا اختيار أنبياءَ قد بلغوا من المكاشفات والعنايات غايات ونهايات، وقد احتاجوا إلى استدراك اللَّه جلّ جلاله عليهم بل لهم في بعض المقامات، فكيف يكفي تدبير من هو دونهم في كمال التدبيرات والإرادات؟!
وإذا اعتبرت اختلاف أهل الأمانة والورع والاجتهاد، من سائر فرق المسلمين العلماء منهم والزهّاد، وجدتَهم مختلفين في تفسير أكثر مراد اللَّه جلّ جلاله من آيات الكتاب والسنن والآداب، وعلمت أنّ كثيراً من المختلفين في هذه الأسباب ما عاندوا ولا كابروا في ترك الصواب، وإنّما أكثر الآيات والروايات محتملات لبعض ما وقع من اختلاف التأويلات. وظهر لك بذلك إن كنت قابلاً للألطاف أو مريداً للإنصاف، أنّ اختيارات العباد غير المعصومين لا تقوم بها الحجّة البالغة عليهم لسلطان العالمين، وأنّها لا تكفيهم في اُمور الدنيا وحفظ الدين، وأنّه لابدّ من رئيس يتولّى اللَّه جلّ جلاله بلطفه وعطفه تهذيب اختياره، وتأديب أسراره، وتكميل صفاته، ويكون هو جلّ جلاله من وراء حركات ذلك المعصوم وسكناته يمدّها بالعنايات الباطنة والظاهرة، ويرعاها بالهدايا المتناصرة، كما كان من وراء تدبير الأنبياء والمرسلين، ومن وراء تدبير من جعله رسولاً من الملائكة المقرّبين، وهذا واضح لا يخفى على ذوي الألباب، ويكون ذلك المعصوم هو الحجّة لسلطان يوم‏الحساب.
وقوله وفعله (ع) هو القدوة (8) التي لا تحتمل اختلاف التأويلات، وهو الكاشف عن مراد اللَّه جلّ جلاله بالآيات والروايات.
وبعد... فإنّني لمّا رأيت - بما وهبني اللَّه جلّ جلاله من عين العناية الإلهيّة في مرآة جود تلك المراحم والمكارم الربّانيّة- كيف أنشأني وربّاني وحملني في سفن النجاة على ظهور الآباء، وأودعني في البطون، وسلّمني ممّا جرى على من هلك من القرون، وهداني إلى معرفته، وهو ربّي الذي يقول للشي‏ء كن فيكون ! ونظرت به جلّ جلاله في معنى تاريخ: (وَلَقَد عَلِمْتُمُ النَشْأَةَ الأوْلَى‏ فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ) (9) وعرّفني مراده جلّ جلاله منّي، وكاشفني عقلاً ونقلاً بما يرضيه عنّي، وجدت المنّة له جلّ جلاله في هدايتي بسعادتي في إخلاص العبادة لذاته، من غير تعلّقِ خاطر بطلب هباته أو خوفِ نقماته.
وتيقّنت أنّه جلّ جلاله مَلَك حياتي ولم يزل أحقّ بها منّي، وكان جلّ جلاله أهلاً لأن يشغلني عظمُ جلاله وإقباله عنّي، وهل كان للألباب عدول عن هذا الباب؟! لأنّ معرفة ذاته وصفاته ولزوم أدب حضرة وجوده ومراداته ومناجاته كانت قبل المعرفة بالثواب والعقاب.
فكلّ عاقل عارف بهذه الأسباب يعبده لأنّه جلّ جلاله أهل للعبادة، وهل كان ذلك الكمال والجلال يحتاج إلى بذلِ رشوة من ثواب أو تخويف من عقاب عند المعترفين له بحقّ الملكة والسيادة؟
حوشي ذلك المالك الأعظم والمقام المعظّم من أنّه لا يرغب مملوكُه في حبّه وقربه وخدمته إلّا بالرشوات، بل يجب على مماليكه أن يبذلوا المجهودَ في قبولهم وتأهيلهم للخدمة والعبادات.
فالعقول السليمة مشغولةٌ بما لزمها بمعرفِته من حقّ إنشائه وتربيته وهدايته، ومُغْرَمَةٌ(10) بحفظ حرمة وجوده وهيبته، ومتشرّفةٌ بما خلقها له من طلبِ كمال معرفته وعبادته.
ولقد وجدت من السعادة والإقبال - بهدايته جلّ جلاله وما عرّفني من ملاطفته ومكاشفته ولذّة مشافهته المنزّهة عن كلّ ما لا يليق بكمال ربوبيّته - ما لا أقدر على وصفهِ بمقال.
ألا ترى أنّ كلّ مَلَك وسلطان إذا بالغ مع مملوكه بالإحسان أدخله حضرة وجوده، وشرّفه (بخلع جوده، وشافهه (11) وأذِن له في مشافهته (12)) تارةً في الإذن له في الخطابِ وتارةً بالجواب.
ولقد كان بعض العارفين يكثر الخلوات، فقيل له: أما تستوحش لمفارقة الأهل والجماعات؟ فقال: أنا جليس ربّي، إن أحببت أن يحدّثَني تلوتُ كتابه، وإذا أحببت أن اُحدّثَه دعوتُه وكرّرتُ خطابه.
قلت أنا: وكم من مطلبٍ عزيز وحصنٍ حريز في الخلوة بمالك القلوب؟ وكم هناك من قربٍ محبوب وسرٍّ غير محجوب؟
فلمّا رأيت فوائد الخلوة والمناجاة وما فيها من مراده لعبده من العزّ والجاه والظفر بالنجاة، والسعادة في الحياة وبعد الوفاة، وجدتُ في المصباح الكبير الذي صنّفه جدّي - لبعض اُمّهاتي - أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ(ره) شيئاً عظيماً من الخير الكثير.
ثمّ وقفت بعد ذلك على مهمّات وتتمّات فيها مراد لمن يحبّ لنفسه بلوغَ غايات، ولا يقنع بالدون، ولا يرضى بصفقةِ(13) المغبون.
وعرفت أنّ لسان حال المالك المعبود، يقول لكلّ مملوك مسعود: أي عبدي، قد قيّدت السابقين من الموقنين والمراقبين والمتّقين وأصحاب اليمين بالموتِ‏(14)، فلايقدرون على زيادة الدرجات الآن، وأنت مطلق في الميدان، فما يمنعك من سبقهم بغاية الإمكان، أو لحاقهم في مقامات الرضوان. فعزمت أن أضيف (15) ما أختاره باللَّه جلّ جلاله ممّا رويتُه من زيادة على المصباح‏(16) أو وقفت عليه، وما يأذن جلّ جلاله لي في إظهاره من أسراره.
(كما يهديني إليه، وما أجده من كيفية الإخلاص، وما يريه اللَّه جلّ جلاله لعقلي وقلبي من مقاماتِ الاختصاص، وما ينكشف لي بلطف مالك الكشف من عيوب الأعمال وإحضار الغفلة والإهمال، وما لم يخطر الآن على بالي معناه، ولا يحضرني سرّه ونَجواه‏(17) واجعل ذلك كتاباً مؤلّفاً اُسمّيه كتاب مهمّات في صلاح المتعبّد وتتمّات لمصباح المتهجّد)(18).
أقول‏(19): وها أنا مرتّب ذلك باللَّه جلّ جلاله في (عدّة مجلدات ما أرجوه من المهمّات والتتمّات.
المجلّد الأوّل: اُسمّيه كتاب فلاح السائل ونجاح المسائل (20) في عمل يومه وليله، وهو مجلّدان.
والمجلد الثالث: اُسمّيه كتاب زهرة الربيع في أدعية الأسابيع.
والمجلّد الرابع: اُسمّيه كتاب جمال الاُسبوع بكمال العمل المشروع.
والمجلّد الخامس: اُسمّيه كتاب الدروع الواقية من الأخطار فيما يعمل مثله كلّ شهر على التكرار.
والمجلّد السادس: اُسمّيه كتاب المضمار للسباق واللحاق بصوم شهر إطلاق الأرزاق وعتاق الأعناق.
والمجلّد السابع: اُسمّيه كتاب السالك المحتاج إلى معرفة مناسك الحجّاج.
والمجلّد الثامن والتاسع: اُسمّيها كتاب الإقبال بالأعمال الحسنة فيما نذكره ممّا يعمل ميقاتاً واحد كلّ سنة.
والمجلّد العاشر: اُسمّيه كتاب السعادات بالعبادات التي ليس لها وقت محتوم معلوم في الروايات، بل وقتُها بحسب الحادثات المقتضية لها والإرادات المتعلّقة بها. وإذا أتمّ اللَّه جلّ جلاله هذه الكتب على ما أرجوه من فضله، رجوتُ أن يكون كلّ كتاب منها لم يسبقني فيما أعلم أحداً إلى مثله، ويكون من ضرورات من يريد قبول العبادات والاستعداد للمعاد قبل الممات) (21)'(22).
يقول السيّدالإمام العالم العامل الفقيه‏الفاضل العلّامة الكامل، رضيّ‏الدين ركن‏الإسلام جمال العارفين أفضل السادة قدوة المجتهدين، أبو القاسم عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن محمّد الطاووس بلّغه اللَّه أمانيه وكبت أعاديه:
واعلم أنّني أروي فيما أذكر من هذا الكتاب روايات، وطريقي إليها من خواصّ أصحابنا الثقات، وربّما يكون في بعضها بين بعض الثقات المشار إليهم وبين النبيّ(ص) أو أحد الأئمّة صلوات اللَّه عليهم رجلٌ مطعون عليه بطعن من طريق الآحاد، ويكون الطعنُ عليه بروايةِ مطعونٍ عليه من العباد (23)، أو بسببٍ محتملٍ لعذرٍ للمطعون عليه يُعرف ذلك السبب، أو يمكن تجويزُه عندأهل الانتقاد.
وربّما يكون عذري أيضاً - فيما أرويه عن بعض من يُطعَن عليه - أنّني أجد مَن أعتمد عليه من ثقات أصحابنا الذين أسندت إليهم عنه أو إليه عنهم، قد رووا ذلك عنه ولم يستثنوا تلك الرواية ولا طعنوا عليها ولا تركوا روايتها فأقبلها منهم، واُجوّز أن يكون قد عرفوا صحّةَ الرواية المذكورة بطريقة اُخرى محقّقة مشكورة، أو رأوا عمل الطائفة عليها فاعتمدوا عليها، أو يكون الراوي المطعونُ على عقيدته ثقة في حديثه وأمانته. فقد يكون في الكفّار مَن هو ثقة في نقل ما يحكيه من الأخبار، كما اعتمد علماء أهل الإسلام على أخبار أطبّاء أهلِ الذمّة في أخبارهم بما يصلح لشفاء الأسقام.
ولولا المانع الذي منع من الاعتماد على رواية مَن خرج عن عموم لفظ "الأتباع لأهل البيت " أو لبعضهم بالكلّية عليهم أفضل السلام، لقد كان يمكن العمل برواية كلّ من عرف منه الصدق والأمانة في حديثه من سائر فرق الإسلام.
أقول: ومن أعذاري في بعض ما أرويه من رواية - وإن كان في بعض رجالها مطعونٌ عليه - أنّ أصحاب الأئمّة: كانوا في زمن تقيّة شديدة، فيمكن أن يُظهِر أحدُهم خلافَ ما تنطوي سريرتُه‏(24) عليه، إمّا في أكثر زمانِه، أو في بعض وقته لضرورة إباحته لتعذّر إمكانه، وربّما شاع (25) إظهار عقيدة قالها على سبيل التقيّة فيظهر ذلك عنه، ولعلّه يعتذر عنها فلا يقبل بعضُ من سمع العذرَ منه.
أقول: ومن العذر في نقل حديث في رواية من ينقل الطعن عليه أنّني وجدت ذلك الطعن عن غير معصوم وعن معصوم لم يثبت إسنادُ الطعن إليه، فإنّ الطعن يحتاج إلى شهادة ثابتة (26) مرضيّة في الشريعة المحمّديّة (ص) أو طريقٍ يكون عذراً واضحاً عند الجلالة الإلهيّة.
أقول: ومن الأعذار أنّني وجدت أنّ الإنسان قد يغضب على واحد في الأزمان، فيقول عنه في حال غضبه غير ما كان، إمّا على عمد ونسيان، ثمّ يشيع ذلك حتّى يعتقدَ أو يظنَّ كثيرٌ من السامعين أنّ ذلك حقّ وأنّه على اليقين، ثمّ ينكشف بعد هذا لبعضِ‏(27) من يستكشف عنه أنّه ما كان شي‏ء من ذلك قد وقع منه، وربّما اعترف الذي قال في حال غضبه بأنّه أخطأ في الطعن والمقال، فيعرف ذلك منه مَن سمع اعترافه، ويبقى الذي ما سمع الاعتراف على اعتقاد ذلك الطعن الأوّل، وهذا رأيناهُ في كثير من الأحوال.
أقول: ومن الأعذار أنّني رأيت اللَّه جلّ جلاله وخواصّ عباده وكلّ مَن اعتبرت‏(28) حال أعدائه وحسّاده، فما وجدت أحداً منهم سلم أن يقال عنه ما لم يكن وقع منه، فوجب ترك الطعن إلّا بيقين أو ما يقوم مقامَه واضحاً كالشمس، مقطوعاً على سلامةِ الطعن من الغلطِ واللبس.
أقول: وهذا يكفي في الجواب عن الطعن في‏الاُمور الظواهر، وأمّا العقائد فإنّ الطعنَ على فسادها يحتاج أن يعلم ذلك يقيناً من جانبِ صادقٍ عن اللَّه جلّ جلاله العالم بالسرائر.
أقول: ومن الأعذار أنّني إن ذكرت شيئاً من الحديث مطعوناً على بعض رواته، فإنّه قد يكون لي طريق آخر إلى ذلك الحديث غير الطريق الذي نقلتها عن المطعون عليه في منقولاته، إمّا طريق إلى الإمام المعصوم غير ذلك الطريق، أو طريق إلى غيره من الحجج في مثل الحديث المشار إليه، أو طريق إلى الرجل الثقة الذي روى المطعونُ عليه عنه، فإنّني ما أذكر إلّا ما لي مخرج عنه.
أقول: ولو لم يكن من العذر الواضح والمخرج الصالح في كلّ ما يكون في هذا الكتاب، من رواية عنه عن من روى عنه مطعن بسبب من الأسباب، أو حديث لم أذكر إسناده لبعض الأعذار، إلّا ما رويت عن جماعة من ذوي الاعتبار، وأهل الصدق في نقل الآثار، بإسنادهم إلى الشيخ المجمع على عدالته، أبي جعفر محمّد بن بابويه تغمّده اللَّه برحمته، فيما رواه من كتاب ثواب الأعمال:
عن صفوان بن يحيى - المتّفق على ورعه وأمانته - عن أبي عبداللَّه(ع) أنّه قال: "مَن بلغه شي‏ءٌ من الخير فَعمِلَه كان له أجرُ ذلك، وإن كان رسول اللَّه(ص) لم يَقُلْهُ"(29).
ومن ذلك ما رويتُه بعدّة طرق إلى الشيخ الممدوح المجمع عليه، محمّد بن يعقوب الكلينيّ رضوان اللَّه جلّ جلاله عليه، في كتاب الكافي في باب " من بلغه ثواب من اللَّه تعالى على عمل فصنعه " فقال ما هذا لفظه:
عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي‏عبداللَّه(ع) قال: "مَن سمع شيئاً من الثواب على شي‏ء فصنَعَه كان له، وإن لم يكن على ما بلَغَه" (30).
ومن ذلك بإسنادناأيضاً إلى محمّد بن يعقوب الكلينيّ، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن سنان، عن عمران الزعفراني، عن محمّد بن مروان قال: سمعت أبا جعفر(ع) يقول: "من بلغه ثواب من اللَّه عزّوجلّ على عمل (31)، فعمل ذلك العملَ التماسَ ذلك الثواب، اُوتِيهِ وإن كان لم يكن الحديثُ كما بلغه" (32).
أقول: وسمعت من يذكر طعناً على محمّد بن سنان، لعلّه لم يقف إلّا على الطعن عليه، ولم يقف (33) على تزكيته والثناء عليه، وكذلك يُحتمل أكثرُ الطعونِ.
فقال شيخنا المعظّم المأمون المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان في كتاب كمال شهر رمضان لمّا ذكر محمّد بن سنان (34) ماهذا لفظه: على أنّ المشهور عن السادة(ع) من الوصف لهذا الرجل خلافُ ما به شيخنا(35) أتاه وصفه.
والظاهر من القول ضدّ ما له به ذكر، كقول أبي جعفر (ع) فيما رواه عبداللَّه بن الصلت‏(36) القمّي قال: دخلت على أبي جعفر (ع) في آخر عمره فسمعته يقول: "جزى اللَّه محمّد بن سنان عنّي خيراً، فقد وفى‏ لي" (37).
وكقوله (ع) فيما رواه عليّ بن الحسين بن داود قال: سمعنا أبا جعفر (ع) يذكر محمّد بن سنان بخير ويقول: "رضى اللَّه عنه برضائي عنه، فما خالفني ولا خالف أبي قطّ" (38).
هذا مع جلالته في الشيعة وعلوّ شأنه ورئاسته وعظم قدره، ولقائِه من الأئمّة(ع) ثلاثةً، وروايته عنهم، وكونِه بالمحلّ الرفيع، منهم: أبو إبراهيم موسى بن جعفر، وأبو الحسن عليّ بن موسى، وأبو جعفر محمّد بن عليّ عليهم أفضل السلام.
ومع معجزة أبي جعفر (ع) الذي أظهرها اللَّه تعالى فيه (39)، وآيته التي أكرمه بها، فيما رواه محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب: أنّ محمّد بن سنان كان ضريرَ البصر، فتمسّح بأبي جعفر الثاني (ع)، فعاد إليه بصرُه بعد ما كان افتقدهُ‏(40).
أقول: فمن جملة أخبارِ الطعون على الأخيار أن يقفَ الإنسان على طعن ولم يستوف النظر في أخبار المطعون عليه، كما ذكرناه عن محمّد بن سنان رحمة اللَّه عليه، فلا يعجل طاعنٌ في شي‏ء ممّا أشرنا إليه أو يقف من كتبنا عليه، فلعلّ لنا عذراً ما اطّلع الطاعنُ عليه.
أقول: ورويت بإسنادي إلى هارون بن موسى التلعكبريّ(ره) بإسناده الذي ذكره في أواخر الجزء السادس من كتاب عبداللَّه بن حمّاد الأنصاريّ ما هذا لفظه:
أبومحمّد هارون بن موسى قال: حدّثنا محمّد بن هَمّام قال: حدّثنا الحسين بن أحمد المالكيّ، قال: قلت لأحمد بن هليك (41) الكرخيّ: أخبِرني عمّا يقال في محمّد بن سنان من أمرِ الغلوّ، فقال: معاذ اللَّه، هو واللَّه علّمني الطَّهورَ، وحَبسَ‏(42) العيال، وكان مُتَقَشِّفاً متعبّداً (43).
وقال أبوعليّ بن هَمّام: وُلِدَ أحمد بن هليل سنة ثمانين ومائة، ومات سنة سبع وستّين ومائتين.
أقول: وربّما لا أذكر أوّلَ طريقي في كلّ حديث من هذا الكتاب لئلّا يطول، ويكفي أنّني أذكر طريقي إلى روايةِ كلّما رواه جدّي السعيد أبوجعفر الطوسيّ تلقّاه اللَّه جلّ جلاله ببلوغ المأمول، فإنّه روى في جملة ما رواه عن الشيخ الصدوق هارون بن موسى التلعكبريّ قدّس اللَّه روحه ونوّر ضريحه كلّما رواه، وكان ذلك الشيخ الصدوق قد اشتملت روايته على جميع الاُصول والمصنّفات إلى زمانه، تلقّاه اللَّه جلّ جلاله برضوانه.
فقال جدّي أبوجعفر الطوسيّ تلقّاه اللَّه جلّ جلاله ببلوغ الآمال، في أواخر كتابه الذي صنّفه في أسماء الرجال، ما هذا لفظه: هارون بن موسى التلعكبريّ، يكنّى أبامحمّد، جليل القدر، عظيم المنزلة، واسع الرواية، عديم النظير، ثقة، روى جميعَ الاُصول والمصنّفات، مات سنة خمس وثمانين وثلاثمائة، أخبرنا عنه جماعة من أصحابه (44).
ثمّ رويت بعدّة طرق عن جدّي أبي جعفر الطوسيّ كلَّ ما رواه محمّد بن يعقوب الكلينيّ، وكلَّ ما رواه أبوجعفر محمّد بن بابويه، وكلَّ ما رواه السعيد المفيد محمّد بن محمّد بن‏(45) النعمان، وكلَّ ما رواه السيّد المعظّم المرتضى، وغيرهم ممّن تضمّن الفهرست وكتاب أسماء الرجال وغيرهما روايةَ جدّي أبي جعفر الطوسيّ عنهم، رضوان اللَّه عليهم وضاعفَ إحسانَه إليهم.
أقول: فمن طرقي في الرواية إلى كلِّ ما رواه جدّي أبوجعفر الطوسيّ في كتاب الفهرست وكتاب أسماء الرجال وغيرهما من الروايات، ما أخبرني به جماعة من الثقات منهم: الشيخ حسين‏(46) بن أحمد السوراويّ إجازةً في جمادى الآخرة سنة تسع وستمائة، قال: أخبرني محمّد بن أبي القاسم الطبريّ، عن الشيخ المفيد أبي عليّ، عن والده جدّي السعيد أبي جعفرالطوسيّ.
أقول: ومن طرقي ما أخبرني به الشيخ عليّ بن يحيى الخيّاط (47). الحلّيّ إجازةً تاريخُها شهر ربيع الأوّل سنة تسع وستّمائة قال: أخبرنا الشيخ عربيّ بن مسافر العباديّ، عن محمّد بن أبي القاسم الطبريّ، عن أبي عليّ، عن والده جدّي أبي جعفر الطوسيّ.
أقول: ومن طرقي في الرواية ما أخبرني به الشيخُ الفاضل أسعد بن عبدالقاهر الإصفهانيّ في مسكني بالجانب الشرقيّ من بغداد، الذي أسكنني به الخليفة المستنصر جزاه اللَّه جلّ جلاله عنّا جزاء المحسنين، في صفر سنة خمس وثلاثين وستّمائة، عن أبي الفرج عليّ بن السعيد أبي الحسن (48) الراونديّ، عن الشيخ أبي‏جعفر محمّد بن عليّ بن المحسن الحلبيّ، عن جدّي السعيد أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ.
أقول: وهذه روايتي عن أسعد بن عبدالقاهر الإصفهانيّ اشتملت على روايتي عنه للكتب والاُصول والمصنّفات، وبعيد أن يكون قد خرج عنها شي‏ء من الذي أذكره من الروايات.
أقول: واعلم أنّ كتابي هذا لم يكن له عندي‏مسودّة مهيّئة قبل الاهتمام بتأليفه ، بل أحضرت الناسخ عندي وشرعت أكتب قائمة، ثمّ اُسلّمها إليه ويكتبها، ثمّ أكتب كذلك قائمة بعد قائمة واُسلّمها إليه وهو يكتب أوّلاً أوّلاً، وكان لي اشتغال غير هذا الكتاب يقطعني عن تصنيفه.
ولو لم يكن إلّا أنّني شرعت في‏تأليفه في شهر رجب وشعبان وشهر رمضان، ولهذه الشهور وظائف كثيرة تستوعب أكثر أوقات الإنسان، وما كنت أقدر على التفرّغ لكتابة كرّاس بعد كرّاس، لأنّه كان يبطل من النسخ لو عملت ذلك، هذا مع ما كان أيضاً يأمرني اللَّه جلّ جلاله به من قضاء حوائج الناس، ولكن اللَّه جلّ جلاله فتح أبواب القدرة على ما ينتهي حالنا إليه، ونعتمد عليه من تتمّات مصباح المتهجّد ومهمّات في صلاح المتعبّد، فإن وجد أحدفيه نقصاناً فعذرُنا ما ذكرناه من العجلة وضيق الأوقات، وإن وجد فيه تماماً ورجحانا فليشكر اللَّه جلّ جلاله وحده، فإنّه جلّ جلاله الذي وهبنا القدرة على ذلك، وفتح عيونَ الإراداتِ للمُرادات.
أقول: وإذا وقفتَ على كتابنا هذا فلعلّك تجد فيه من الهدايةِ إلى اللَّه جلّ جلاله، والدلالة على وجوب العناية بإقبالِه، وكشف طريق التحقيق لأهل التوفيق مايدلّك على أنّ هذا ما هو من كسبِنا واجتهادنا، بل هو ابتداءً من فضل المالك الرحيم الشفيق.
فإذا انتفعتَ بشي‏ء من تلك الأقوال والأعمال، فاقتصِر على الشكر للَّه جلّ جلاله وتعظيمِ ذلك الجلال، ولا تشتغل عنه بذكري ولا شكري فيكون ذلك اشتغالاً منك بالمملوكِ عن المالك، ومخاطرةً منك في المسالكِ وتعرّضاً للمهالك، فإنّه جلّ جلاله قال: (وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى‏ مِنكُم مِنْ أَحَدٍ أَبَداً) (49) وقال جلّ جلاله: (وَمَا بِكُم مِن نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ) (50).
وقد تحقّق مملوكه مؤلّف هذا الكتاب - الذي خلقه سبحانه من العدمِ ونقله إلى القوّة بعد الضعف والقلّة - أنّه لولا فضل مولاه عليه ورحمته له ما وصل إلى شي‏ء ممّا وصل إليه ممّا دلّه عليه أبداً، فإنّ ما به من نعمة فمن فضل ذلك المالكِ المعبود، ومن أبوابِ الرحمة والجود.
فإذا اتّفق المالك والمملوك على صحّة هذه الحال، فكيف تخالفهما أنت في المقال، وتقول: إنّها من فضل المملوك الذي خُلِق من تراب وطين، وحمأ(51) مسنون‏(52)، وماء مهين (53)، ونطفة وعلقة ومضغة وجنين وراضع ويافع، وفي كلّ تلك الطبقات كان هذا المملوك جاهلاً لذاته، لولا أن مولاه تفضّل عليه برحماته، ثمّ تمّم ما كان تفضّل به وأنعم (وَعَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) (54).
يقول السيّد الإمام العالم العامل الفقيه العلّامة الفاضل الكامل رضيّ الدين ركن الإسلام جمال العارفين ذو الحسبين أفضل السادة أبو القاسم عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن محمّد الطاووس بلّغه اللَّه آماله وختم بالحسنى أعماله:
واعلم أنّني لمّا أردت الشروعَ في هذا الكتاب، كان عزمي إثبات ما زاد على المصباح دون نقل شي‏ء من سائر الأسباب، فرأيت أنّ ذلك يكون غيرَ كاملٍ في المراد، فعزمت على أن اُرتّبه كتاباً كافياً لمن أراد العمل به من العارفين العالمين بشرفِ خدمة سلطانِ العباد، العاملين المجتهدين في الاستعدادِ ليوم المعاد. وربّما جاء في بعض الدعوات المذكورة، مشابهةُ لفظ أو معنى لأجل ما عرفته في ذلك من الأسرار المأثورة التي يذكرها خواصّه عنه جلّ جلاله، وبإذنه وإذن رسوله (ص) في زمان دون زمان ولإنسان دون إنسان، فنحن نذكرها على ما وجدناها وإن تكرّر لفظها ومعناها.

 

الأدعية والزيارات الصوتية

loading...

أدعية فلاشية

loading...

شرح الأدعية

loading...