بطاقات الكترونية إسلامية

بطاقات الكترونية إسلامية

فهرس المقال


الفصل الأوّل في تعظيم حال الصلاة، وأنّ مهملَها من أعظم الجُناة
الفصل الثاني في صفة الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، وشرطها الأكبر.
الفصل الثالث فيما نذكره من فضيلة الدعاء من صريح القرآن
الفصل الرابع فيما نذكره من أخبار فضل الدعاء صريحة البيان
الفصل الخامس فيما نذكره من أنّ الدعاء ومناجاة الرحمن أفضل من تلاوة كلامِ اللَّه‏جلّ‏جلاله العظيمِ الشأن
الفصل السادس فيما نذكره بالعقل من صفات الداعي التي ينبغي أن يبلغ إليها
(1) 1 - أروي بحذف الإسناد عن سيّدة النساء فاطمة ابنة سيّد الأنبياء صلوات اللَّه عليها وعلى أبيها وعلى بعلها وعلى أبنائها الأوصياء: أنّها سألت أباها محمّداً(ص)، فقالت: "يا أبتاه، ما لمن تهاون بصلاته من الرجال والنساء؟ قال: يا فاطمة، من تهاون بصلاته من الرجال والنساء ابتلاه اللَّه بخمس عشرةَ خصلة، ستّ منها في دار الدنيا، وثلاث عندموته، وثلاث في قبره، وثلاث في القيامة إذا خرج من قبره.
فأمّا اللواتي تصيبه في دار الدنيا: فالاُولى: يرفع اللَّه البركة عن عمره، ويرفع اللَّه البركة من رزقه، ويمحو اللَّه عزّوجلّ سيماء الصالحين من وجهه، وكلّ عملٍ يعمله لا يؤجر عليه، ولا يرتفع دعاؤه إلى السماء، والسادسة: ليس له حظّ في دعاء الصالحين.
وأمّا اللواتي تصيبه عند موته: فأوّلهن: أنّه يموت ذليلاً، والثانية: يموت جائعاً، والثالثة: يموت عطشاناً، فلو سقي من أنهارالدنيا لم يَرْوَ عطشُه.
وأمّا اللواتي تصيبه في قبره: فأوّلهنّ: يوكّل اللَّه به مَلكاً يزعجه في قبره، والثانية: يضيّق عليه قبره، والثالثة: تكون الظلمة في قبره.
وأمّا اللواتي تصيبه يوم القيامة إذا خرج من قبره: فأوّلهنّ: أن يوكّل اللَّه به مَلكاً يسحبه على وجهه والخلائق ينظرون إليه، والثانية: يحاسب حساباً شديداً ، والثالثة: لا ينظر اللَّه إليه، ولا يزكّيه، وله عذاب أليم".
الفصل الثاني في صفة الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، وشرطها الأكبر(1).
(2) 1 - ذكر الكراجكيّ في كتاب كنزالفوائد، قال: جاء في الحديث أنّ أباجعفر المنصور خرج في يوم‏جمعة متوكّئاً على يد الصادق جعفربن محمّد(ع)، فقال رجل - يقال له: رزام مولى خالد (2) بن عبداللَّه -: من هذا الذي بلغ من خطره ما يعتمد أميرالمؤمنين على يده؟ فقيل له: هذا أبو عبداللَّه جعفر بن محمّد الصادق(ع) فقال: إنّي واللَّه ما علمت، لوددت أنّ خدّ أبي جعفر نعلٌ لجعفر.
ثمّ قال: فوقف بين يدي المنصور، فقال له: أسأل (3) يا أميرالمؤمنين، فقال المنصور: سل هذا، فقال: إنّي اُريدك بالسؤال، فقال له المنصور: سل هذا(4).
فالتفت رزام إلى الإمام جعفر بن محمّد (ع) فقال: أخبرني عن الصلاة وحدودها، فقال له (5) الصادق (ع): "للصلاة أربعة آلاف حدّ لست تؤاخذ بها".
فقال: أخبرني بما لايحلّ تركه ولاتتمّ الصلاة إلّا به، فقال أبوعبداللَّه(ع): "لاتتمّ الصلاة إلّا لذي طهر سابغ، وتمام‏(6) بالغ، غير نازع ولا زائغ، عرف فوقف، وأخبت (7) فثبت، وهو واقف بين اليأس والطمع، والصبر والجزع، كأنّ الوعد له صُنع والوعيد به وَقع، بذل عَرَضَه (8). وتمثّل غَرَضَه‏(9)، وبذل في اللَّه المهجةَ، وتنكّب إليه المحجّة (10)، غير مرتغم بإرغام (11) يقطع علائق الاهتمام، بعين (12) من له قصد، وإليه وفد، ومنه (13) استرفد، فإذا أتى بذلك كانت هي الصلاة التي بها اُمروا وعنها اُخبروا، إنّها هي الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر.
فالتفت المنصور إلى أبي عبداللَّه (ع) فقال له: يا أبا عبداللَّه، لا نزال من بحرك نغترف، وإليك نزدلف (14)، تُبَصِّر من العمى، وتجلو بنورِك الطخياء(15)، فنحن نقوم في سبحات قدسك، وطامي (16) بحرك (17).
أقول: وربّما لا أذكر صورة ألفاظ النيّات في كثير من مواضع العبادات، اتّكالاً على ما نبّهت عليه في خطبة هذا الكتاب، من كون العبد يعبد اللَّه جلّ جلاله لأنّه أهل للعبادة، وأوضحت ذلك على وجه الصواب، ولأنّ قصد الإنسان للعبادة كما نشير إليه هو النيّة، وما ذلك ممّا يخفى عليه.
أفلا ترى مولانا الصادق (ع) لمّا ذكر شروط الصلاة، ما احتاج إلى ذكر نيّتها، لأنّها تدخل فيما أشار (ع) إليه.
الفصل الثالث فيما نذكره من فضيلة الدعاء من صريح القرآن
فمن ذلك: قول اللَّه جلّ جلاله: (قُلْ مَا يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُم فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامَاً) (18).
أقول: فلم يجعل لهم لولا الدعاء محلّاً ولا مقاماً، فقد صار مفهوم ذلك أنّ محلّ الإنسان ومنزلته عند اللَّه جلّ جلاله على قدر دعائه، وقيمته بقدر اهتمامه بمناجاته وندائه. وعساك تجد من يقول لك: إنّ المرادَ بالدعاء في هذه الآية العبادةُ، والحقّ ما رواه الثقات عن أهل الإمامة والسيادة، في أنّ المراد بالدعاء في هذه الآية هو الدعاء المفهوم بعرف الشرع من غير زيادة.
ومن الآيات: قول اللَّه جلّ جلاله: (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ) (19) فَنبّه اللَّه جلّ جلاله على أنّهم لو تضرّعوا أزال بأسه وغضبه (20) وعقابه عنهم، وكشف كروبهم، وما قال: ولو أنّهم إذ جاءهم بأسنا صلّوا أو صاموا أو حجّوا أو قرؤوا القرآن، وفي ذلك بيان لأهل الأفهام من الأعيان.
ومن ذلك: وعده المقدّس بأنّ الدعاء مفتاح بلوغ الآمال والأماني‏(21) في قوله جلّ جلاله: (وَإِذَا سأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيْبٌ أُجِيْبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) (22).
ومن ذلك: قوله جلّ جلاله: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادِتَي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) (23) فنبّه جلّ جلاله على أنّ تركَ الدعاء استكبارٌ عن عبادته وسببٌ لدخول النار والعذاب المهين.
(3) 1 - وقد روى الحسين بن سعيد بإسناده عن الصادق (ع): "إنّ المراد بالعبادة يستكبر الإنسان عنهافي هذه الآية هو الدعاء، وإنّ تاركه مع هذا الأمر من المستكبرين" (24).
وفي بعض ذلك كفاية للعارفين، ولو لم يكن في فضيلة الدعاء إلّا قول اللَّه جلّ جلاله لسيّد الأنبياء صلوات اللَّه عليه وآله: (وَاصْبِر نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ ربَّهُم بِالغَداوَةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ) (25) وهذا عظيم لأنّه صدر على مقتضى المدح لهم، وكان دعاؤهم بالغداة والعشيّ سببَ أمر اللَّه جلّ جلاله لرسوله(ع) بملازمتهم، وأن لا تَعْدُ عيناه الشريفتان عن صحبتهم.
الفصل الرابع فيما نذكره من أخبار فضل الدعاء صريحة البيان
هذا الفصل يشتمل على عدّة معان من فوائد الدعوات
(1)
منها: أنّه أحبّ الأعمال إلى اللَّه جلّ جلاله.
(4) 1 - كما رواه محمّد بن الحسين‏(26) بن الوليد، عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن جعفر بن محمّد بن عبيداللَّه، عن عبداللَّه بن ميمون القدّاح، عن جعفر بن محمّد(27)، عن أبيه، عن عليّ (ع) قال: أحبّ الأعمال إلى اللَّه سبحانه في الأرض الدعاء، وأفضل العبادة العفافُ‏(28).
(2)
ومنها: أنّه ينجي من الأعداء
وأهل الشقاق، ويفتح أبواب الأرزاق.
(5) 2 - كما رواه محمّد بن الحسن بن الوليد، عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن إبراهيم بن هاشم وأحمد بن أبي عبداللَّه والحسين بن عليّ بن عبداللَّه المغيرة، عن الحسين بن يزيد النوفلي، عن السكوني، عن جعفر، عن أبيه قال: "قال رسول اللَّه (ص): ألا أدلّكم على سلاح ينجيكم من عدوّكم، ويُدِرُّ أرزاقَكم؟ قالوا: بلى، قال: تدعون ربّكم بالليل والنهار، فإنّ الدعاء سلاح المؤمنين"(29).
(6) 3 - وفي حديث آخر عن الصادق (ع): "إنّ الدعاء أنفذ من السلاحِ الحديدِ"(30).
(3)
ومنها: أنّ الدعاء عمودالدِين ونور السماوات والأرضين.
(7) 4 - كما رواه محمّد بن الحسن بن الوليد بهذا الإسناد عن جعفر بن محمّد عن أبيه قال: قال رسول اللَّه (ص): "الدعاء سلاح المؤمنين، وعمود الدِين، ونور السماوات والأرض" (31).
(4)
"أنّ الدعا يردّ ما قُدِّر وما لم يُقَدَّر"
(8) 5 - (ومنها: ما رواه جعفر بن محمّد بن شريح الحضرمي بإسناده إلى عمر بن يزيد، عن أبي إبراهيم (ع) قال: سمعته يقول: "إنّ الدعاء يردّ ما قُدِّر وما لم يُقَدَّر"(32). قال: قلت: جعلت فداك، هذا "قُدّر" قد عرفناه، أفرأيت "مالم يُقَدَّر". قال: حتّى لايُقَدَّر.
(5)
(أنّ الدعا يردّ البلاء)
(9) 6 - ومنها: من كتاب المشيخة للحسن بن محبوب، في حديث أبي ولّاد حفص بن سالم الخيّاط قال: دخلت على أبي‏الحسن موسى (ع) بالمدينة، وكان معي شي‏ء فأوصلته إليه، فقال:" أبلغ أصحابك وقل لهم: اتّقوا اللَّه عزّوجلّ، فإنّكم في إمارة جبّار - يعني أبا الدوانيق - فامسكوا ألسنتكم، وتوقّوا على أنفسكم ودينكم، وادفعوا ما تحذرون علينا وعليكم منه بالدعاء، فإنّ الدعاء - واللَّهِ - والطلبَ إلى اللَّه يردّ البلاء وقد قُدِّر وقُضِي ولم يبقَ إلّا إمضاؤه، فإذا دُعِيَ اللَّهُ وسُئل صَرْفَ البلاءِ صَرَفَه، فألحّوا في الدعاء أنّ يكفيكموه اللَّه.
قال أبو ولّاد: فلمّا بلّغت أصحابي مقالة أبي‏الحسن (ع) قال: ففعلوا ودعوا عليه، وكان ذلك في السنة التي خرج فيها أبوالدوانيق إلى مكّة، فمات عند بئر ميمون قبل أن يقضي نُسكَه، وأراحنا اللَّه منه.
قال أبو ولّاد: وكنت تلك السنة حاجّاً، فدخلت على أبي الحسن (ع)، فقال: يا أبا ولّاد، كيف رأيتم نجاح ما أمرتكم به وحثثتكم (33) عليه من الدعاء على أبي الدوانيق؟ يا أبا ولّاد، ما من بلاءٍ ينزل على عبدٍ مؤمن فيلهمه اللَّه الدعاء إلّا كان كشف ذلك البلاء وشيكاً (34)، وما من بلاء ينزل على عبدٍ مؤمن فيمسك عن الدعاء إلّا كان ذلك البلاء طويلاً، فإذا نزل بكم البلاء فعليكم بالدعاء") (35)'(36).
(6)
ومنها: أنّه المراد بقوله جلّ جلاله:
(مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا)(37).
(10) 7 - كما رواه محمّد بن الحسن بن الوليد، عن محمّد بن الحسن بن الصفّار، عن محمّد بن عيسى، عن زياد العبديّ، عن حمّاد بن عثمان رفعه إلى أبي‏عبداللَّه(ع) "في قول اللَّه: (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا) قال: الدعاء" (38).
(7)
ومنها: أنّ الدعاء شفاء من كلّ داء
(11) 8 - كما رواه أيضاً محمّد بن الحسن بن الوليد، عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن عليّ بن ا سماعيل الميثميّ، عن ربعيّ، عن محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي جعفر (ع) قال رسول اللَّه(ص) في هذه الحبّة السوداء: "فيها شفاء من كلّ داء إلّا السامّ. فقال : نعم، ثمّ قال: ألا اُخبرك بما فيه شفاء من كلّ داء وسامّ؟ قلت: بلى، قال: الدعاء"(39).
(8)
ومنها: أنّ الدعاء يردّ القضاء المبرم‏
(12) 9 - كما رواه الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد،عن ابن سنان وابن‏فضّال، عن عليّ بن عقبة قال: سمعت أبا عبداللَّه (ع) يقول: "إنّ الدعاء يردّ القضاء المبرم بعدما أُبْرِمَ إبراماً، فأَكثِر من الدعاء، فإنّه مفتاح كلّ رحمة، ونجاح كلّ حاجة، ولا يُنال ما عند اللَّه إلّا بالدعاء، فإنّه ليس من باب يكثر قرعُه إلّا أوشك أن يُفتح لصاحبه" (40).
(9)
ومنها: أنّ من تخوّف من نزول البلاء
فدفعه بالدعاء بلّغه اللَّه جلّ جلاله ما أراده من الرجاء
(13) 10 - كما رواه الحسين بن سعيد، عن محمّد بن سنان، عن عبيسة(41) قال: سمعت أبا عبداللَّه (ع) يقول: "من تخوّف بلاءً يصيبه فيقوم فيه بالدعاء لم يُره اللَّه ذلك البلاء أبداً" (42).
يقول السيّد الإمام العالم العامل الفقيه العلّامة الفاضل الكامل رضيّ الدِين ركن الإسلام جمال العارفين، أبو القاسم عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن محمّد الطاووس الحسني بلغه اللَّه أمانيه وكبت أعاديه:
كلّ ما تضمّنته هذه الأخبار من فوائد الدعاء وجدناه على العيان، ممّا تفضّل اللَّه تعالى به علينا من إنعامه والإحسان، فمن كان يحسن ظنّه بنا في صدق المقال، فلا يشكّ فيما ذكرناه من حقيقة هذه الحال.
(14) 11 - ومنها: إنّ الدعاء يستقبل نزول البلاء فيمنعه ويدفعه إلى يوم الجزاء .
كما رواه الحسين بن سعيد بهذا الإسناد (43) عن الحسن ابن بنت إلياس (44) قال: سمعت الرضا (ع) يقول: "سمعت أبي (ع) يقول: إنّ الدعاء يستقبل البلاء فيتواقفان إلى يوم القيامة" (45).
(15) 12 - ومنها: إنّ يد الداعي لا ترجع فارغة من فضل رحمةاللَّه جلّ‏جلاله.
كما رويناه بإسنادنا عن محمّد بن يعقوب الكلينيّ، عن ابن القدّاح، عن أبي عبداللَّه (ع) قال: "ما أبرز عبدٌ يدَه إلى اللَّه العزيز الجبّار إلّا استحيى اللَّه عزّوجلّ أن يردّها صِفراً حتّى يجعل (46) فيها من فضل رحمته، فإذا دعا أحدكم فلا يردّ يده حتّى يمسح على وجهه ورأسه" (47).
الفصل الخامس فيما نذكره من أنّ الدعاء ومناجاة الرحمن أفضل من تلاوة كلامِ اللَّه‏جلّ‏جلاله العظيمِ الشأن
(16) 1 - فمن ذلك ما رواه الحسين بن سعيد، عن حمّاد بن عيسى وفضالة، عن‏(48) معاوية بن عمّار قال: قلت لأبي عبداللَّه(ع): رجلان افتتحا الصلاة في ساعة واحدة، فتلا هذا من القرآن فكانت تلاوتُه أكثرَ من دعائه، ودعا هذا فكان دعاؤه أكثرَ من تلاوته، ثمّ انصرفا في ساعة واحدة، أيّهما أفضل؟ فقال: "كلّ فيه فضل، كلّ حسن، قلت: قد علمت أنّ كلّاً حسن وأنّ كلّاً فيه فضل. فقال: الدعاء أفضل، أما سمعت قول اللَّه تعالى: (وقالَ رَبُّكُم ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)(49) هي واللَّه العبادة، هي واللَّه أفضل، هي واللَّه أفضل (50)، أليست هي العبادة؟ هي واللَّه العبادة، هي واللَّه العبادة، أليست هي أشدّهنّ؟ هي واللَّه أشدّهنّ واللَّه أشدّهنّ، هي واللَّه أشدّهنّ"(51).
(17) 2 - ومن ذلك ما رواه الحسن بن محبوب السرّاد يرفعه إلى أبي جعفر(ع) أنّه سُئل: أيّهما أفضلُ‏(52) في الصلاة كثرةُ القراءة أو طولُ اللبث في الركوع والسجود؟ فقال: "كثرة اللبث في الركوع والسجود، أما تسمع لقول اللَّه تعالى: (فاقرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ)(53) إنّما عنى بإقامةِ الصلاة طولَ اللبث في الركوع والسجود"، قال: قلت: فأيّهما أفضل، كثرةُ القراءة أو كثرة الدعاء؟ قال: "كثرة الدعاء، أما تسمع لقوله تعالى (قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ)"(54)'(55).
(أقول: وقد يوجد في المعقول موافقة لهذا المنقول في تفضيل الدعاء على القراءة، وذلك أنّه ليس كلّ من تلا كلام اللَّه جلّ جلاله كان عارفاً به، ولا عارفاً بقدر كلامه، ولا طالباً رضاه بتلاوته.
وأمّا الداعي فكيف يكون داعياً وسائلاً وآملاً وهو لايعرف المدعوَّ جلّ‏جلاله والمسؤول والمأمول. والدعاء يشتمل على معرفة المدعو، معرفة صفاته، ومعرفة رسوله الداعي عليه(ص)، ومعرفة التفويض إليه والطلب بين يديه، وعلى أدب الافتقار إليه، وعلى تعلّق الخاطر بالاعتماد عليه، وعلى معجزات وكرامات عندكلّ ما يحصل به من إجابة دعوات وقضاء حاجات وتفريج كربات.
وهذه فوائد ومواهب يزيد فضلها ويتضاعف محلّها على كلّ ما لا يجري مجراها، وهي واضحة الترجيح على كلّ من عرف معناها، وعسى يقول قائل: إنّ الدعاء أيضاً قد يقع من غير العارفين باللَّه.
والجواب: أنّ الدعاء قد حصل الانتفاع به حتّى لإبليسَ عدوّ اللَّه جلّ جلاله في قوله: اجْعَلْنِي مِنَ الْمُنْظَرِينَ فأجاب سؤله، وقال جلّ جلاله: (إِنَّك مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلَى‏ يَوْمِ الوَقْتِ المْعَلُومِ)(56) والقران الشريف لا يثاب على تلاوته، ولا يظفر بثمرته عدوّ للَّه جلّ جلاله في حال عداوته، كما انتفع بالدعاء إبليس عند مسألته.
أقول: ومن ترجيح الدعاء بالمعقول أن السائل والداعي يعطي مَن سأله ودعاه من إقباله عليه وخشوعه بين يديه على نحو ضرورته في حاجته إليه، فهو كالمضطرّ إلى إخلاص العبوديّة لكثرة حوائج الناس إلى اللَّه جلّ جلاله في‏الحياة الدنيويّة، وتلاوة القرآن الشريف في غالب الأوقات خالية من هذه الصفات، وربّما كانت تلاوته بالغفلات وصارت سيّئات‏(57)).
الفصل السادس فيما نذكره بالعقل من صفات الداعي التي ينبغي أن يبلغ‏(58) إليها
يقول عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن محمّد الطاووس: الذي ينبغي أن يكون الداعي عليه أن يعرف أنّه عبد مملوك لمالكٍ قادر قاهر مطّلع عليه، وأنّ هذا العبد لا غَناء له عند سيّده، ولا يخلو أبداً من الحاجة إليه، وأنّ هذا المالك جلّ جلاله في أعظم الجلالة والمهابة وعلوّ الشأن، وأنّ هذا العبد في أدون الرذالة والمهانة والنقصان، وأنّ أصله من التراب ومن طين ومن حمأ مسنون ومن ماء مهين، ثمّ يده صِفر من حياته ومن وجوده ومن عافيته، ومن تدبير اُصول سعادته في دنياه وآخرته.
فإذا أصاب‏(59) هذا العبدُ - إلى هذا الأصل - الضعيفُ السقيمُ المهينُ الذميمُ مخالفةَ مولاه المحسن إليه القادر القاهر المطّلع عليه، وهوّن بجلاله وإقباله، وعارضه في فعاله ومقاله، ورؤي غير ما يَرَى له من مصالح أحواله، فيجب أن يكونَ حالُه عند الدعوات والمناجات كما يكون العبد الخائنُ الذليل بينَ يدي مولاه، فيخاطب خطابَ الذليل للعزيزِ الجليل، وخطابَ الحقيرِ الفقيرِ للمالك الغنيّ العليّ الكبير، وخطابَ الضعيف السخيف للمولى المرهوبِ المخوف (60)، وخطابَ أهل الخيانات والجنايات لأعظم مالك قادر على الانتقام في سائر الأوقات.
وأن يكون مرادُه جلّ جلاله من دعائك له في مقدّس حضرة وجوده مقدّماً على مرادك من رحمته وجوده، فيكون تلذّذُك بحمده وتقديس مجده (61) وتعظيم شأنه والاعتراف بإحسانه أحبَّ إليك في أوقات الدعاء من ذكر حوائجك، ولو كانت من مهمّاتك في دار الفناء أو لدفع أعظم البلاء، فإنّك أيّها العبد لو عرفته جلّ جلاله على اليقين عرفتَ أنّ اشتغالَك بحفظ حرمته وحقّ رحمته أبلغُ فيما تريد من إجابته ومساعدته.
(18) 1 - كما رويناه بإسنادنا إلى محمّد بن يعقوب الكلينيّ، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبداللَّه (ع) قال: "إنّ اللَّه عزّوجلّ يقول: من شُغل بذكري عن مسألتي أعطيتُه أفضلَ ما أعطي من سألني"!(62).
أقول أنا: ما(63) عرفت في هذا المقام عن أهل القدوة من أئمّة الإسلام، أنّ النبيّ(ص) قال: أفضل الدعاء دعائي ودعاء الأنبياء قبلي.
ثمّ ذكر تهليلاً وتمجيداً وتحميداً(64) فقيل لبعض العلماء ما معناه: أين هذا من الدعاء؟ فقال ما معناه: فأيّما أعرف بمراد الداعي والسائل وأكمل في طلب الفضائل، اللَّهُ جلّ جلاله أو عبداللَّه بن جدعان حيث مدحه اُميّة بن أبي‏الصلت فقال‏(65):
أَأَذْكُرُ حاجَتِي أَمْ قَدْ كَفانِي
حَياؤكَ إنّ شِيْمَتَكَ الحَياءُ
إذا أثْنَى عليكَ المَرْءُ يَوْمَاً
كفاه من تَعَرُّضِهِ الثَّناءُ(66)؟!
قلت أنا: فجعلُ المادحِ ثناءه على الممدوح يكفي في قضاءِ حاجته، فاللَّه جلّ جلاله أحقّ بذلك لكمال جوده ورحمته، فإذا رأيت قلبك وعقلك ونفسك بين يدي اللَّه جلّ جلاله على هذه الصفات عند الضراعات فاعلم أنّك في حضرة وُجُوده وجُوْده، فيالها من عنايات ومفتاح سعادات وتعجيل إجابات.
وإذا رأيت قلبك غافلاً وعقلك ذاهلاً ووجدت نفسك لها عن اللَّه جلّ جلاله شغلاً شاغلاً، وكأنّك تدعو ولست بحضرة أحد على اليقين، ولا أنت بين يدي مالكٍ عظيم الشأن مالك العالمين، ولا على وجهك ذلّ العبوديّة، ولا خوف الهيبة المعظّمة الإلهيّة، ولا رعدةُ الجُناةِ العصاة إذا رأى أحدهم مولاه، فاعلم أنّك محجوب بالذنوب عن علّام الغيوب، ومعزول بالعيوب عن ذلك المقام المحبوب، وممنوع بخراب القلوب عن بلوغ المطلوب.
واحذر أن يكون اللَّه تعالى قد شهد عليك أنّك لا تؤمن به، ومن شهد اللَّه جلّ جلاله عليهم بعدم الإيمان فإنّهم هالكون، أما قال سبحانه وتعالى: (إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيْمَاناً وَعَلَى‏ رَبِّهِمْ يَتَوكَّلُونَ)(67).
فابكِ عند ذلك على نفسك بكاء من اطّلع مولاه على سوء عبوديته وخُبثِ سريرته وسوء سيرته، فطرده عن أبوابه وأبعده عن أعتابه، وجعل من جملة عقابه أنّه شغله بدنياه عن شرف رضاه. فإذا تأخّرت عنك إجابة الدعوات وأنت على ما ذممناه من الصفات، فالذنب لك على التحقيق، وما كنت داعياً لمولاك على بساط(68) التصديق، ولا وقفت عنده على باب التوفيق.


الأدعية والزيارات الصوتية

loading...

أدعية فلاشية

loading...

شرح الأدعية

loading...