بطاقات الكترونية إسلامية

بطاقات الكترونية إسلامية

فهرس المقال

السيد الجليل أبي القاسم علي بن موسى
ابن طاووس الحسني الحلي
تأليف
السيد الجليل أبي القاسم علي بن موسى
ابن طاووس الحسني الحلي
"589 ـ 664 هـ"
تحقيق
حامد الخفاف


بسم اللّه الرحمن الرحيم

ربّ سهل (1)
يقول عليّ بن موسى بن جعفربن محمد بن محمد الطاووس : أحمدُ الله جلَّ جلاله الّذي عطف على أوليائه وخاصَّته ، ولطف لهم بما أراهم من أسرار ملكوته ومملكته ، وكشف الحجب بينهم وبين عظمة ربوبيَّته ، فأشرقت على سرائر قلوبهم شموس إقباله ، وتحقَّقت بصائرهم بما شاء من مُقدَّسِ جلاله ، فعَصَمهم بتلك الهيبة(2) أن يقع في حضرته الاشتغال عَنه منهم ، واشتغلوا بمراقبته جل جلاله عنهم ، واقتدّى بهم قومٌ من أهل الأحلام (3) والأفهام في شرف ذلك المقام ، فلم تبقَ لهم إرادة تعارض مولاهم ، وهو يراهم في إرادته ، ولا كراهية تخالف مُقدَّسِ كراهته ، وصارت كلّ الإرادات (4) غير إرادته عندهم مدحوضة ، وجميع الاختيارات غير اختياراته مرفوضة ، وسائر المشورات غير مشوراته منقوضة (5) ، وجميع الإشارات غير
إشاراته مبغوضة(6) ، فهم في سَفَر اليقين إليه سائرون ، وعلى بساط الأنس والقُدسِ بين يديه متعاشرون ، ولمّا أراد منهم النظر إليه من أنوار جوده (7) ، وثمار وعوده ناظرون ، وصارت إرادتهم وكراهاتهم وحركاتهم وسكناتهم صادرة عن تدبير مولاهم الذي هم بين يديه حاضرون وإليه صائرون ، فاستراحوا وسَلِمُوا من مواقف الحساب ، وقال لسان حالهم لمالك آمالهم في يوم المآب : التدبير في الدنيا لنا كان بك ومنك ، فصدَّقهم سبحانه في مقالهم ولسان حالهم بغير ارتياب ، وقال ببيان المقال أو لسان الحال : لقد كنتم في الدنيا مُتدبّرين بمشورتي في جميع الأسباب ، فسيروا على مَراكب السعد والإقبال ، إلى ما أعددت لخاصّتي من تمام دوام الثواب ، وبقي الذين قدّموا رأيهم على رأيه ، وتدبيرهم على تدبيره ، أيام كانوا في دار الفناء والذهاب موقوفين في ذلَّ العتاب أو العقاب .
وأشهد أن لا إله إلا هو(8) شهادةَ صدر الاعتقاد في الانقياد(9) ، والاعتراف بها من مُقدَّس باب جوده (10) ، وأنطق بها لساننا اختياراً لا اضطراراً ، كما أراد من عبيده (11) ، وصانها بدروع الملاطفة وحصون المكاشفة عن حيرة التائهين في الشك (12) في وجوده ، وعن الإِقدام على هول جحوده ، وأشهد أن جدّي محمداً ( صلّى الله عليه واله ) أعظم واعٍ لمراده ومقصوده ، وأكمل داعٍ إلى الوقوف عند حدوده الذي أغناه عند المخصوصين
بلطفه جلَّ جلاله وعناياته عن النظر في براهينه صلوات الله عليه الباهرة وآياته ، بما أفرده ( عليه السلام ) عن العالمين من كمال ذاته وجلال صفاته ، فهو( صلوات الله عليه وآله ) أحقُّ بقول الشاعر لانفراده بكماله :
لقد بهرت (13) فما تخفى على أحد * إلاّ على أكمهٍ لا يعرف القمر(14)
ثم زاده غنىً بعد وفاته عن النظر في دلائل (15) التحدي وكثير من معجزاته بما اشتهر وبهر من تصديقه جلّ جلاله في الأخبار التي أخبر ( عليه السلامِ ) عنها في مغيّباته ، وبما عجّل لداعٍ من امّته في (16) سرعة إجاباته ، وبما فرّج بالتوسل به ( صلوات الله عليه ) إلى الله جل جلاله ، عن مكروب هائل كرباته ، وبما أظهر على قبره الشريف وقبور عترته من بيّناته ، وبما كفى وشفى بتراب (17) قبورهم ، عمَن عجز الأطباء عنه ، ويئسوا من حياته ، ذلك الحد الذي أودعه ما يحتاج إليه (18) ( عليه السلام ) وأمَّته من أسرار الأوّلين والأخرين ، وجمع لهم مواريث الأنبياء والمرسلين ، وجعل طاعة رسوله ( عليه السلام ) طاعتهُ سبحانه إلى يوم الدين ، حتى قال جل جلاله : ( مَنْ يطِعِ الرسُولَ فَقَدْ أطَاعَ الله ) (19) وهذه شهادةٌ صريحة منه جلَّ جلاله أن رسوله
ما ينطق بل ما يعمل عملاً عن الهوى ، إنْ هوإلآ وحيٌ يوحى من ربّ العالمين .
وأشهد أن تلك الودائع والأسرار ومواريث الأنبياء والرسل والأطهار يحتاج رسوله محمد (صلىِ الله عليه وآله ) في حفظها ونقلها مع بقاء شريعته إلى من يكون مقطوعاً سراً وجهراً على عصمته ، ليؤمن على مستودعها من التعمّد(20) لتضييع أمانته ، ومن السهو والنسيان اللذين لا يدخلان تحت طاقته (21) ، كيلا تنقطع فوائد رسالته ، وتضيع ذخائر نبوته .
وبعد : فإنني وجدت العبد المؤدّب والمملوك المهذب ، يجتهد أن لا يقع منه شيء إلا بإذن مولاه ومالك نعمته ، ليَسْلَم بذلك من معاقبته أو معاتبته ، وليكون ضمان درك أعمال العبد على مولاه الذي تابعه في إشارته ، وكان معه في إرادته ، ووجدت العمل بالمشاورة للهِ جل جلاله بالاستخارة قد دلّني العقل والنقل عليها ، كما سيأتي في أبواب هذا الكتاب من المعنى والعبارة ، وأنّها طريق إلى ضمان درك حركاتي وسكناتي بها على من وفَقني لها ، وعرفت أنّ الله جل جلاله العالم بالعواقب يدلّني بالمشاورة له على عواقب المطالب ، ويكشف لي عن مصالحي فيما أشاوره فيه من كل أمرٍ ، حاضر وغائب ، ويؤمنني بذلك من الغلط في المسالك والمذاهب ، فلو وجدتُ ذلك عند ملكٍ مقرّب روحانيّ ، أو نبي أو وصي ، أو تابع لهما بَشَريّ ، أو منجّمٍ دنيويّ ، لعذرني على المشاورة له عقلاء المسلمين ، بل ما كان يعذرني على ترك مشاورته أحد من الفاضلين ، ولا أعلم كيف قال قوم واعتقدوا أن مشاورة الله جلّ جلاله ـ وهو أرحم الراحمين ، وأكرم الأكرمين ، المحسن إلى
المسيئين ، الذي لا يتَهمُ في مشورته وإشارته على اليقين (22) ، العالم بعواقب ما يشير به من أمور الدنيا والدين ـ تكون دون مشاورة ملكٍ روحانيّ ، أو نبيّ ، أو وصيّ ، أو غيرهما من العالمين ، إنّ هذا بعيد من مذاهب العارفين .
وقد رأيت عندي يوم الثلاثاء رابع عشرين من شهر رجب ، سنة اثنتين وأربعين وستمائة باعثاً قوياً ، عرفت أنّه من جانب العناية الإلهية عَلَيَّ أنْ أصنّف ـ في المشاورة لله جلّ جلاله ـ كتاباً ما أعلم أنّ أحداً سبقني إلى مثله ، يعرف قدر هذا الكتاب من نظره بعين إنصافه وفضله ، واتّفقَ أنّ هذا يوم رابع عشرين ، يوم فتح الله جلّ جلاله أبواب النصرة في حرب البصرة على مولانا أمير المؤمنين ( صلوات الله وسلامه عليه ) ، ويوم إعزاز الدين ، ويوم كشف الحقّ بين المختلفين ، فوجدته أهلاً أن يكشف الله جلَّ جلاله فيه على يدي الحق في مشاورته جل جلاله ، واستخارته بلطفه وعطفه ورحمته وعنايته ، وقد سمّيته كتاب " فتح الأبواب بين ذوي الألباب وبين ربّ الأرباب " ، ويصير حجةً لله جلّ جلاله على من عرفه ، أو بلغه من المكلّفين في تقديم مشاورته جلّ جلاله على العالمين ، وقاطعاً لأعذار من تخلّف عن مشاورته سبحانه فيما يُشاور فيه جلّ جلاله من أمور الدنيا والدين .
وهذه أبواب الكتاب ، نذكرها باباً باباً جملةً قبل الشروع في التفصيل ، ليعرف الناظر فيها ما يتضمّنه كلّ باب منه ، فيقصد إلى ما يريد من ذلك على التعجيل ، ولعلّه يكون أربعة وعشرين باباً ، حيث كان شروعي فيه ـ بالله جلَّ جلاله ـ يوم رابع عشرين ، وفيها بلاغ لقومٍ عابدين (23) .
: في بعض ما هداني الله جلّ جلاله إليه من

الأدعية والزيارات الصوتية

loading...

أدعية فلاشية

loading...

شرح الأدعية

loading...