طباعة
المجموعة الأم: شرح الأدعية
الزيارات: 2346

موضوع البرنامج: شرح فقرة (يا من دلع لسان الصباح بنطق تبلجه)
بقلم: الدكتور محمود البستاني
لا نزال نحدثكم عن الادعية المباركة وما تتضمنه من بلاغة فائقة ونكات متنوعة فضلاً عما تنطوي عليه من معرفة عبادية في ميدان العقائد والاخلاق والسلوك العام، وقد اخترنا في هذا اللقاء وما بعده احد الادعية للامام علي بن ابي طالب(ع) وهو الدعاء الموسوم بدعاء الصباح، حيث يحفل هذا الدعاء من حيث المضمون بتمجيد الله تعالى ويحفل من حيث التعبير ببلاغة رفيعة من حيث صوره الاستعارية والرمزية وما الى ذلك.
اذن: لنتحدث عن هذا الدعاء ...
قبل ان نحدثكم مفصلاً عن الدعاء المذكور ينبغي ان نلفت نظركم الى الاساليب التي يسلكها المعصومون عليه في صياغتهم للادعية وسواها من النصوص الشرعية وفي مقدمتهم امام البلاغة علي بن ابي طالب(ع) حيث يسلكون جملة اساليب منها الاسلوب المباشر الذي يتسم بالوضوح وبالعبارات المألوفة ومنها ما يتصل بالاسلوب الصوري أي الاسلوب غير المباشر كالتوكؤ على التشبيه والاستعارة والتمثيل والرمز وسواها ومنها أي الاساليب التي يتبعها المعصومون عليهم السلام صياغة نصوص تتسم بشيء من الغموض استخلاص الدلالة حتى يستمتع بما يكشفه او يتذوقه من المعاني ودعاء الصباح يتناول هذه الاقسام الثلاثة من الاساليب وهو امر سنبدأ بمواصلة عرضه وفق الاساليب المذكورة ...

يبدأ دعاء الصباح بمقطع من العبارات الصورية الاستعارية بشكل مكثف على النحو الآتي: (بسم الله الرحمن الرحيم يا من دلع لسان الصباح بنطق تبلجه وسرح قطع الليل المظلم بغياهب تلجلجه واتقن صنع الفلك الدوار في مقادير تبرجه، وشعشع ضياء الشمس بنور تأججه ...).

هنا يمكنكم ان تلاحظوا بوضوح حشداً مكثفاً بالصور المتتابعة وهي صور استعارية تبدأ بعبارة "يا من دلع لسان الصباح بنطق تبلجه" وهذه الصورة تظل مرتبطة بموضوع الدعاء او بزمنه الذي يتحدث عن الصباح من حيث كونه ظاهرة ابداعية من ظواهر الكون، وبصفته استهلالاً زمنياً ليوم جديد حيث ان الزمن متمثلاً في ايامه ليس الا سلسلة من عمر الانسان الذي وظفه تعالى لممارسة العمل العبادي وبصفته استهلالاً لليوم، أي بصفته ان الصباح هو الاستهلال ليوم جديد من عمر الانسان الذي خلقه الله تعالى ليمارس وظيفته العبادية تبعاً لقوله تعالى (وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون) ...
اذن: الاهمية لهذا الاستهلال من الدعاء او تخصيصه اساساً لزمن خاص هو استفتاح يوم جديد من عمر الانسان هذه الاهمية ينبغي الا تغيب عن اذهاننا لانها ببساطة تذكير بوظيفة الانسان اولاً ثم تذكير بعظمة الله تعالى ثانياً من حيث الظواهر الابداعية للكون من صباح ومساء وشمس وقمر، وارض وسماء ..الخ.
تأسياً على ما تقدمت الاشارة اليه نبدأ حديثنا عن العبارة الاستهلالية لهذا الدعاء وهي القائلة (يا من دلع لسان الصباح بنطق تبلجه) ... ولعل هذا الاستهلال للدعاء من حيث الاشارة الى اطلالة الصباح وشروقه تذكرنا باحدى الآيات القرآنية الكريمة، حيث تتعرض للصباح وفق صورة استعارية مدهشة ومثيرة وممتعة وهي قوله تعالى: (والصبح اذا تنفس)، حيث عبر عن الصباح من حيث شروقه واطلالته بعبارة "التنفس" وهي استعارة ملفتة يحسن بنا ان نحدثكم عنها ما دامت ذات صلة بما قدمه الامام علي(ع) من عبارات تتحدث عن الصباح ...
لكن: نحدثكم عن هذا الموضوع في لقاء لاحق ان شاء الله تعالى.
بيد انه ينبغي تذكير انفسنا قبل ان نختم لقاءنا الحالي بضرورة ان نستثمر موضوع الدعاء وذلك بان نمجده من خلال عظمته الابداعية كما ينبغي ان نتذكر وظيفتنا العبادية المتمثلة في عدم ضياع اليوم الجديد من العمر، وذلك بان نستهله بالطاعة ونختمه بالطاعة وان ندرب ذواتنا دوماً على ممارسة وظيفتنا العبادية والتصاعد بها الى النحو المطلوب.