طباعة
المجموعة الأم: شرح الأدعية
الزيارات: 2905

موضوع البرنامج: شرح فقرة (يا من دلَّ على ذاته بذاته، وتنزه عن مجانسة مخلوقاته وجل عن ملائمة كيفياته
بقلم: الدكتور محمود البستاني
نواصل حديثنا عن الادعية المباركة ومنها دعاء الصباح للامام علي بن ابي طالب(ع) حيث يحفل هذا الدعاء بكثافة صوره الاستعارية والرمزية وسواهما من فنون التعبير البلاغي مما تسهم جميعاً في تعميق المعاني واستكشاف نكاتها واستخلاص دلالاتها التي ترشح بجملة تفسيرات وتأويلات تضاعف من معرفتنا العبادية في معاني التوحيد والتواصل مع الله تعالى...
المهم: نواصل تقديم الفقرات الجديدة من الدعاء المذكور حيث نتسلسل مع الدعاء مقطعاً بمقطع وحيث وصلنا الآن الى المقطع الآتي (يا من دل على ذاته بذاته، وتنزه عن مجانسة مخلوقاته، وجل عن ملاءمة كيفياته...)
هذا المقطع من الدعاء يتناول ايماءة الى ذات الله تعالى وتفردها عن مخلوقاته وهذا ما نبدأ بالحديث عنه ...
نتناول العبارة الاولى من مقطع الدعاء المذكور ظاهرة المعرفة لذات الله تعالى (يا من دل على ذاته بذاته).. ان هذه الفقرة او العبارة تحتمل اكثر من تفسير او تأويل انها من جانب تشير الى ان الله تعالى عرف ذاته الى مخلوقاته أي انه تعالى هو المصدر لمعرفته والا لم يتم لمخلوق ان يتعرف عليه لو لا انه تعالى هو الذي ارشد المخلوق الى معرفته.
من جانب آخر من الممكن ان يستخلص قارئ الدعاء ان نفسك وجود الله تعالى دالٌ على معرفته بصفة ان الانسان مفطور على الايمان بخالقه او ان العقل اساساً يهتدي من خلال مبدأ العلية الى معرفته تعالى ... وفي الحالات جميعاً نخلص الى القول بان الله تعالى قد عرف المخلوقات بذاته وهو بطبيعة الحال أي التعريف او المعرفة حجة عليهم عبر تكليفهم بممارسة العمل العبادي من الانس والجن...، واذ نتجه الى العبارتين الآخريين وهما (وتنزه عن مجانسة مخلوقاته، وجل عن ملاءمة كيفياته) نجد ان هاتين العبارتين تتحدثان عن الفارق بين المخلوقات التي عرفها الله تعالى بذاته عن ذاته، وبين تفرده عنهم من حيث ازليته تعالى، وحدوث المخلوقات...
لذلك يمكنكم ملاحظة هذا الجانب حينما يقرر اولاً انه تعالى منزه عن مماثلة او شاكلة مخلوقاته أي بصفته تعالى لم يلد ولم يولد، وبصفته مخلوقين ومولودين...، وهذا فيما يتصل بالعبارة التي تتحدث عن تنزهه تعالى عن الجانسة للمخلوقات بعامة...
ولكن ماذا بالنسبة الى العبارة التي تجل الله تعالى عن ملاءمة الكيفيات أي الاشارة الى الكيفية بعد الاشارة الى الاصل.
بالنسبة الى الكيفيات ايضاً فان الله تعالى هو اعظم من من ان يقارن بالكيفيات التي تطيح مخلوقاته لكن ثمة نكات هنا ينبغي لفت النظر اليها فبغض النظر عن عدم امكانية المقارنة بين الله تعالى ومخلوقاته من حيث الاصل ومن حيث الكيف نجد ان الدعاء المذكور قد استخدم عبارات متنوعة ومتقاربة في دلالاتها أي انها تتماثل وتشترك في دلالاتها من جانب وتفترق الان ذاته في دلالاتها من جانب آخر.
فالامام(ع) يستخدم عبارة التنزه ويستخدم عبارة الملاءمة والاجلال في الفقرة الثانية..
فما هو السر الكامن وراء ذلك؟ هذا ما ينبغي على قارئ الدعاء ان يتبينه ....
في تصورنا الاحتمالي بطبيعة الحال ان النص عندما تحدث عن المخلوقات من حيث الاصل، فان الموقف الدلالي يتطلب التعبير عن الفارق بين الخالق والمخلوق، بعبارة التنزه لان التنزه هو التقديس والتبعيد ايضاً أي انه تعالى يباعد او بعد عن ان يكون من جنس مخلوقاته وبعبارة اوضح بما انه أي الامام(ع) تحدث عن المقارنة في الاصل بين الله تعالى ومخلوقاته لذلك استخدم عبارة المجانسة فقال: (يا من تنزه على مجانسة مخلوقاته)، أي عن المماثلة في الجنس وهو الاصل.
ولكن عندما تحدث عن الكيفيات استخدم عبارة جل عن ملاءمة كيفياته، فالاجلال هنا و الترفع والملاءمة هنا هي التوافق والتصالح بين الاشياء ولذلك فان المعنى سيكون على هذا النحو يا من ترفع عن التوافق في الكيفيات بين مخلوقاته وبينه تعالى فيكون بذلك قد انفرد في رفعته من هنا يستطيع قارئ الدعاء ان يستخلص بالاضافة الى ما تقدم بان الله تعالى ينزه ويجل او يقدس ويترفع عن المماثلة اصلاً وكيفية بينه وبين المخلوقات.
والمهم بعد ذلك هو استثمار قارئ الدعاء لهذا الجانب وذلك بان يثري معرفته بمعاني التوحيد ومنها تقديسه تعالى وترفعه عن المماثلة بينه وبين المخلوقات وهو امر يضاعف من حرص الانسان على ممارسة وظيفته العبادية تجاه الله تعالى والتصاعد بها الى النحو المطلوب.