طباعة

تعزية المسلمين للامام الصادق

و هرع المسلمون و قد نخر الحزن قلوبهم إلى الامام الصادق عليه السلام، و هم يعزونه بمصابه الأليم، و يشاركونه اللوعة و الأسى بفقيد أبيه، و ممن وفد عليه يعزيه سالم بن أبي حفصة، قال: لما توفي أبو جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام، قلت لأصحابي انتظروني حتى أدخل على أبي عبد اللّه جعفر بن محمد فأعزيه به، فدخلت عليه فعزيته، و قلت له إنا للّه، و إنا إليه راجعون، ذهب و اللّه من كان يقول:
قال رسول اللّه «ص» : فلا يسأل عمن بينه و بين رسول اللّه «ص» و اللّه لا يرى مثله أبدا قال: و سكت الامام أبو عبد اللّه (ع) ساعة، ثم التفت إلى أصحابه فقال لهم: قال اللّه تبارك و تعالى: إن من عبادي من يتصدق بشق من تمرة فاربيها له، كما يربي أحدكم فلوه  ١ .
و خرج سالم و هو متبهر فالتفت إلى أصحابه قائلا: ما رأيت أعجب من هذا! ! كنا نستعظم قول أبي جعفر عليه السلام قال رسول اللّه «ص» بلا واسطة، فقال لي أبو عبد اللّه عليه السلام قال اللّه بلا واسطة  ٢ .
إن حديث الامام الصادق عليه السلام مستمد من أحاديث آبائه الذين أخذوا علومهم من جدهم رسول اللّه (ص) .
و بهذا ينتهي بنا الحديث عن حياة الامام أبي جعفر عليه السلام، و قبل أن أطوي هذه الصفحة الأخيرة أود أن أؤكد ما أعلنته غير مرة من أن هذا الكتاب-على ما فيه من جهد و تتبع-لم يلم بحياة هذا الامام العظيم، و إنما يلقي أضواء أو مؤشرات على بعض معالم شخصيته، أما الاحاطة بها و تسجيل ما أثر عنه من العلوم و روائع الحكم و الآداب فان ذلك-بصورة جازمة-يستدعي وضع موسوعة كبيرة، و قبل أن أنصرف عن القراء أرى من الحق علي أن أشيد بالجهد المشرق لسماحة الحجة العلامة الكبير الأخ الشيخ هادي القرشي، فله الفضل مشكورا على ملاحظاته العلمية القيمة في بحوث هذا الكتاب، كما اشكر ولدنا
الوجيه عبد الحسين و يسين على تشجيعه لي في الاستمرار في خدمة أهل البيت عليهم السلام. . . كما إن من الخير أن أختم كتابي بما ختم به العالم الزاهد الشيخ و رام كتابه القيم المسمى بمجموعة و رام فقد ختمه بوصية الامام أبي جعفر (ع) إلى تلميذه الفقيه الكبير محمد بن مسلم فقد قال عليه السلام له:
«لا يغرنك الناس من نفسك فان الأمر يصل إليك دونهم، و لا يقطع النهار عنك كذا و كذا، فان معك من يحصي عليك، و لا تستصغرن حسنة تعملها فانك تراها حيث تسرك، و لا تستصغرن سيئة تعملها فانك تراها حيث تسوءك، و أحسن فاني لم أر شيئا قط أشد طلبا و لا أسرع دركا من حسنة لذنب قديم، و ليس بتقوى اللّه طول عبادة، و لكنما التقوى مجانبة الشبه»
____________
 ١ ) الفلو بفتح الفاء، و ضم اللام و تشديد الواو-المهر الصغير، و الأنثى فلوة، و الجمع أفلاء.
 ٢ ) أمالي الشيخ الطوسي [ص  ١٢۵ ].