طباعة

تبليغ سورة براءة


لقد استفاضت كتب التفسير عند السنة(1) أنّه في العام التاسع للهجرة الشريفة وبعد فتح مكّة بعام واحد ندب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)الناس للحج، فبدأوا يتهيّأون له، ولا يرون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يتهيّأ مثل تهيّوئهم إذ أنّ البيت يحج به المشرك ويطوف به العريان والكاسي، وهو (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يحج حتى يتطهّر البيت من طواف المشرك والعريان، وأمّر على الحجيج أبا بكر بن أبي قحافة.
ونزلت الآيات العشر من سورة براءة مستهلة بقوله عز شأنه: (بَرَاءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إلى اللَّذِينَ عَاهَدتُمْ مِنَ المُشرِكينَ * فَسِيحُوا في الأرْضِ أربَعَةَ أشهُر وَاعلَمُوا أنّكُمْ غَيرُ مُعْجِزي اللهِ وَأنَّ اللهَ مُخزي الكافِرينَ * وَأذانٌ منَ اللهِ وَرَسولِهِ إلى النَّاسِ يَوْمَ الحَجِّ الأكْبَرِ أنَّ اللهَ بريءٌ مِنَ المُشرِكينَ وَرَسُولُهُ...)(2).
فسورة براءة تعني أن هذا العام الذي يحجّ فيه أبو بكر بن أبي قحافة أميراً على الحجيج هو آخر عام يحجّ فيه الناس بين مشرك ومسلم، وأنّه لا يجوز للمشركين، (إنَّمَا المُشرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْربُوا المَسْجِدَ الحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا)(3).
فلمّا نزلت الآيات أرسل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علياً (عليه السلام)ليبلّغ هذه السورة، ورجع أبو بكر إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)فقال: يا رسول الله أنزل فيّ شيء؟ فقال: لا ولكن جبريل جاءني فقال: لن يؤدّي عنك إلاّ أنت أو رجل منك.
فهذا الأمر الإلهي كشف عن أن عليّاً (عليه السلام) من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو الذي عبّر عنه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في حديث صحيح بقوله: " إنّ عليّاً منّي وأنا منه "(4).
وذهب علي يتلو على الناس سورة براءة نائباً عن رسول الله نيابة النفس عن النفس ونيابة الجزء عن الكلّ.
هذا الحادث دليل قطعي على منصب إلهي، اجتبى الله فيه عليّاً (عليه السلام)، ومن قبله أحداث ومن بعده أحداث، فمن قبله فتح خيبر وما أدراك ما فتح خيبر؟!

____________
1 - أنظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير: 2 / 346، التفسير الكبير للفخر الرازي: 15 / 523 ـ 524، تفسير روح المعاني للآلوسي: 5 / 240، الدر المنثور للسيوطي: 3 / 209.
2 - التوبة: 1 ـ 3.
3 - التوبة: 28.

4 - الخصائص للنسائي: 87 و 98، مستدرك الحاكم: 3 / 111، كما أخرجه البخاري بلفظ آخر: 3 / 168.