طباعة

مناظرة الشيخ معتصم السوداني مع الدكتور عمر مسعود في صلح الإمام الحسن (عليه السلام) وحديث الثقلين

قال الشيخ معتصم السوداني : بعد رجوعي من مدينة ( مروي ) وأنا في طريقي إلى الخرطوم ، مررت بجامعة وادي النيل ، كلّيّة التجارة ، فالتقيت بالدكتور عمر مسعود ، ودار بيني وبينه حوار حول صلح الإمام الحسن (عليه السلام) مع معاوية .
الدكتور : أنتم تقولون : إنّ الإمام الحسن (عليه السلام) معصوم ، ونحن نقول : إنه من الصحابة العظام ، ومرتبته عالية عند كل المسلمين ، ولكنه غير معصوم ، وهذه هي النظرة الصحيحة ; لأنّ القول بعصمة الإمام الحسن (عليه السلام) مع أنه صالح معاوية فيكون هذا الصلح أعطى الشرعيّة لمعاوية .. أمَّا إذا قلنا ـ على حسب ما نرى ـ إنه رجلٌ مجتهد اجتهد وأخطأ ، فله أجر الاجتهاد ، ولا يستلزم ذلك أن نحمِّله ما جرى ، وهذا يدلُّ على أن أهل السنّة تقدِّس الإمام الحسن (عليه السلام) أكثر من الشيعة ..
قال الشيخ معتصم : لم أفهم ما هو وجه الملازمة بين أن يكون الإنسان معصوماً ، وبين أن نحمِّله ذنب الآخرين .
قال الدكتور عمر مسعود : أنا لم أقل ذلك على إطلاقه ، وإنما بخصوص حادثة محدودة ، وهذه الحادثة غيَّرت مسار الأمّة الإسلاميّة ، فالملازمة موجودة ، فإذا لم يصالح الإمام الحسن (عليه السلام) وثار كما ثار أخوه الحسين (عليه السلام) لكان مصير الأمَّة غير الذي كانت عليه ، بل كان بإمكانه أن يجلس في بيته كما فعل عبدالله بن عمر وغيره ، ولا يصالح ولا يبايع .
قال الشيخ معتصم : أولا : هذا الكلام خلاف الفرض ، فإذا ثبتت عصمته فيكون كل ما يفعله هو عين الصواب ، سواء صالح أو حارب ، والمعصوم لا يحاسب .
ثانياً : هناك مهم وأهم ، وتزاحم في المصالح ، فحكم الإمام الحسن (عليه السلام)مصلحة ، والحفاظ على بيضة الإسلام مصلحة ، فصلح الإمام (عليه السلام) هو تقديم مصلحة الحفاظ على بيضة الإسلام على مصلحة حكمه(1) ، خاصة أن الظروف كانت تعاكسه تماماً بعد أن خذله جماعته ، وهرب منه قادة جيشه ، كما حدث لنبيِّ الله هارون (عليه السلام) عندما جعله موسى (عليه السلام) خليفة على بني إسرائيل ، فأضلّهم السامريُّ ، وعبدوا العجل ، فصبر هارون على ذلك لمصلحة عدم التفريق بين بني إسرائيل ، قال تعالى : {قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي}(2) .
قال الدكتور : هذا الكلام ضعيف جداً ، ويمكن أن يقال كتبرير لاجتهاده الخاطىء إذا قلنا بالرأي الثاني ، إنّه اجتهد وأخطأ ، وسبب اجتهاده وخطأه هو ما ذكرته ، فكلامك ينسجم مع القول الثاني لا القول بالعصمة .
قال الشيخ معصتم : .. ولكن هذا لا ينفي أن يكون معصوماً ، خاصة أنّ عصمته ثابتة بالقرآن والسنة وبحكم العقل ، وبعد ثبوت العصمة لا يمكن أن يقدح فيها لوجود حادثة لم تفهم مقاصدها ، وإلاَّ يعتبر خلفاً .
قال الدكتور : خُلف بالنسبة لكم ، أمَّا نحن فلا نسلِّم بالعصمة .
قال الشيخ معتصم : إذن يتحدَّد النقاش ويتعيَّن في مسألة العصمة والأدلّة عليها ، أمَّا صلح الإمام الحسن (عليه السلام) فلا يكون كافياً لإثبات العصمة أو نفيها ، وخاصَّة أنه كان صلح المغلوب على أمره ، وليس هو كعبد الله بن عمر ، فإنّ عبدالله لا يشكِّل خطراً على الدولة الأمويّة كالإمام الحسن (عليه السلام) ، ولذلك كان أخذ البيعة منه من أهمِّ الأمور ، حتى وإن لم يبايع كل المسلمين ، فبالتالي لا يكون هنالك ملازمة بين صلحه وما جرى على المسلمين في العهد الأموي ; لأنه لا خيار غيره .
قال الدكتور : هذا الكلام غير مقنع وكاف ، وكل الشيعة يقولون بالظروف .
وفي هذه الأثناء دخل عينا الدكتور أبشر العوض ، وهو متخصِّص في علم الحديث ، وقد كان أستاذي في الجامعة في علم مصطلح الحديث ، فما إن رآني حتى سلَّم عليَّ ببشاشة ، وقال : أين هذه الغيبة الطويلة ؟
وقبل أن أجيب تدخَّل الدكتور عمر قائلا : معتصم الآن صار من الشيعة الكبار ، وقد درس في الحوزة العلميّة ، وله كتاب اسمه " الحقيقة الضائعة " .
قال الدكتور أبشر : وما هي المواضيع التي تناقشها في هذا الكتاب ؟
قلت : موضوعه هو الخلاف بين السنّة والشيعة ، وقد أثبتُّ فيه ممَّا لا يدع مجالا للشك أن الشيعة هي الطائفة المحقّة ، وغيرها باطل وضلال .
وهنا تدخَّل الدكتور عمر قائلا : أيّ فرقة في الشيعة تقصد ؟ الزيديّة ، أم الإماميّة ، أم الإسماعيليّة ؟ فالفرق الشيعيّة متعدِّدة ، فأيُّها الحقُّ ؟
قال الشيخ معتصم : سماحة الدكتور ! بغضّ النظر عن هذه التفاصيل ، فنحن الآن أمام إطار عام وعناوين مجرّدة ، وبعد تجاوزها يكون المجال مفتوحاً لمناقشة التفاصيل ، والإطار العام هو وجوب اتّباع أهل البيت(عليهم السلام) والأخذ عنهم ، ويمكننا أن نثبت هذا الإطار بشتّى الطرق ، سواء كان قرآناً أو سنّة ، ويكفيك مفارقة واحدة بين السنّة والشيعة ، وهو أخذ الشيعة بحديث : إني تارك فيكم ما إن تمسَّكتم بهما لن تضلُّوا بعدي أبداً ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي(3) ، وتمسّك أهل السنة بحديث " كتاب الله وسنّتي " وهذا الشاهد كاف في الحكم بأحقّيّة الشيعة ، وبطلان أهل السنّة في هذه الحيثيّة ، وهكذا يمكن أن نتدرَّج في بقيَّة المسائل .
وهنا واصل الدكتور عمر قائلا : إنّ حديث العترة نؤمن به ، ولكن لا نفهم منه ما فهمته الشيعة ، فإنّ الحديث يدلّ على التمسُّك بالقرآن فحسب .
قال الشيخ معتصم : قلت : سبحان الله ! إنّ واو العطف في الحديث واضحة " كتاب الله وعترتي " هذا بالإضافة إلى قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : " الثقلين " ، " ما إن تمسَّكتم بهما " .
عارضني قائلا : ليس كل واو دالة على العطف ، فإن للواو معاني عدَّة ، ولقد كتبت رسالة خاصة في هذا المورد .
قال الشيخ معتصم : لا خلاف في ذلك ، ولكن معنى كل حرف يعرف من خلال السياق العام للجملة ، فسياق الحديث واضح في العطف في قوله " الثقلين " ، و" ما إن تمسَّكتم بهما " كافية لإثبات المدّعى ، وهو وجوب اتباع أهل البيت(عليهم السلام) .
قال الدكتور : على العموم ، ليس لنا اعتراض على مذهب أهل البيت(عليهم السلام) ، ونحن نعتقد أنّه الحقُّ ، ولكنّه لم يتعيَّن لنا ، ولو تعيَّن لكنت أول الناس اتّباعاً له .
قال الشيخ معتصم : قلت : لماذا تتبعه ؟
قال الدكتور : لأنّه الحقُّ .
قال الشيخ معتصم : قلت : وما عليه أنت الآن ؟! فإذا كان مذهب أهل البيت(عليهم السلام)فقد تعيَّن لك ، وإن كان لا ، فإذن أنت على ضلالة ، بحكمك على نفسك .
قال : هذه سفسطة !
وفي هذه الأثناء استأذن الدكتور أبشر ، وأخذ يتحدَّث مع الدكتور عمر في موضوع جانبيٍّ ، فاستأذنته وخرجت ; لعلمي أنّه ليس هناك فائدة(4) .






____________
1- روى أبو الحسن المدائني ، قال : خرج على معاوية قوم من الخوارج بعد دخوله الكوفة وصلح الحسن (عليه السلام) له ، فأرسل معاوية إلى الحسن (عليه السلام) يسأله أن يخرج فيقاتل الخوارج ، فقال الحسن : سبحان الله ! تركت قتالك وهو لي حلال لصلاح الأمَّة وألفتهم ، أفتراني أقاتل معك ! راجع : شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 16/14 .
2- سورة طه ، الآية : 94 .
3- تقدَّمت تخريجاته في المناظرة الخامسة .
4- ( حوارات ) للكاتب السوداني المستبصر ، الفاضل الشيخ معتصم السيّد أحمد السوداني : 95 ـ 100 .