طباعة

المفاوضات بين الحسين(عليه السلام) و ابن سعد

المفاوضات بين الحسين(عليه السلام) و ابن سعد


و أرسل الحسين(عليه السلام) إلى عمر بن سعد مع عمرو بن قرظة الأنصاري أنّي اُريد أن اُكلّمك فالقني الليلة بين عسكري و عسكرك ، فخرج إليه ابن سعد في عشرين و خرج الحسين(عليه السلام) في مثلها فأمر الحسين(عليه السلام) أصحابه فتنحّوا و بقي معه أخوه العبّاس و ابنه عليّ الأكبر و أمر ابن سعد أصحابه فتنحّوا و بقي معه ابنه حفص و غلام له، فقال له الحسين(عليه السلام): ويلك يا ابن سعد أما تتّقي الله الّذي إليه معادك؟ أتقاتلني و أنا ابن من علمت؟ ذر هؤلاء القوم و كن معي فإنّه أقرب لك إلى الله؟

 

فقال ابن سعد: أخاف أن تهدم داري، فقال الحسين أنا أبنيها لك، فقال: أخاف أن تؤخذ ضيعتي؟ فقال الحسين: أنا اُخلف عليك خيراً منها من مالي بالحجاز. فقال: لي عيال و أخاف عليهم، ثمّ سكت و لم يجبه إلى شيء، فانصرف عنه الحسين و هو يقول: مالَكَ ذَبَحَكَ الله على فراشك عاجلاً و لا  غفر لك يوم حشرك فوالله إنّي لأرجو أن لا  تأكل من بُرّ العراق إلاّ يسيراً، فقال: في الشعير كفاية عن البر، مستهزئاً بذلك القول.

و أرسل إليه مرّة اُخرى إنّي اُريد أن ألقاك فاجتمعا ليلاً بين العسكرين و تناجيا طويلاً، و التقى الحسين و عمر بن سعد مراراً ثلاثاً أو أربعاً ثمّ كتب عمر إلى ابن زياد: أمّا بعد فإنّ الله قد أطفأ النائرة و جمع الكلمة و أصلح أمر الاُمّة، هذا الحسين قد أعطاني أن يرجع إلى المكان الّذي منه أتى أو أن يسير إلى ثغر من الثغور فيكون رجلاً من السملمين له ما لهم و عليه ما عليهم أو أن يأتي أميرالمؤمنين يزيد فيضع يده في يده فيرى فيما بينه و بينه رأيه، و في هذا لك رضا و للاُمة صلاح.

و عن عقبة بن سمعان أنّه قال: و الله ما أعطاهم الحسين(عليه السلام) أن يضع يده في يد يزيد و لا  أن يسير إلى ثغر من الثغور، و لكنّه قال: دعوني أرجع إلى المكان الّذي أقبلت منه أو أذهب في هذه الأرض العريضة.

قال: فلمّا قرأ ابن زياد الكتاب، قال: هذا كتاب ناصح لأميره مشفق على قومه، فقام إليه شمر بن ذي الجوشن و قال: أتقبل هذا منه و قد نزل بأرضك و إلى جنبك و الله لئن رحل من بلادك و لم يضع يده في يدك ليكوننّ أولى بالقوّة و العزّة و لتكوننّ أولى بالضعف و العجز، و لكن لينزل على حكمك هو و أصحابه فإن عاقبت فأنت أولى بالعقوبة و إن عفوت كان ذلك لك. فقال له ابن زياد: نعم ما رأيت، الرأيّ رأيك . اُخرج بهذا الكتاب إلى عمر بن سعد فليعرض على الحسين و أصحابه النزول على حكمي فإذا فعلوا فليبعث بهم إليّ سلماً و إن أبوا فليقاتلهم فإن فعل فاسمع له و أطع و إن أبى فأنت أمير الجيش فاضرب عنقه و ابعث إليّ برأسه.

و كتب إلى ابن سعد أنّي لم أبعثك إلى الحسين لتكفّ عنه و لا  لتطاوله و لا  لتمنّيه السلامة و البقاء و لا  لتعتذر عنه و لا  لتكون له عندي شافعاً اُنظر فإن نزل حسين و أصحابه على حكمي و استسلموا فابعث بهم إليّ سلما و إن أبوا فازحف اليهم حتّى تقتلهم و تمثّل بهم فإنّهم لذلك مستحقّون، فإن قتلت حسيناً فاوطىء الخيل صدره و ظهره فإنّه عاقّ شاقّ قاطع ظلوم و لست أرى أنّ هذا يضر بعد الموت شيئاً و لكن على قول قد قلته لو قد قتلته لفعلت هذا به فإن أنت مضيت لأمرنا جزيناك جزاء السامع المطيع و إن أبيت فاعتزل عملنا و جندنا و خل بين شمر بن ذي الجوشن و بين العسكر فإنّا قد أمرناه بأمرنا و السلام.

فلمّا قرأ ابن سعد الكتاب، قال له: مالكَ، ويلكَ لا  قَرّبَ الله دارك و قبّح الله ما قدمت به عليّ و الله إنّي لأظنّك أنت نهيته أن يقبل ما كتبت به إليه و أفسدت علينا أمراً كنّا قد رجونا أن يصلح، لا  يستسلم و الله حسين إنّ نفس أبيه لَبَيْنَ جنبيه. فقال له شمر بن ذي الجوشن: أخبرني بما أنت صانع، أتمضي لأمر أميرك و تقاتل عدوّه؟ و إلاّ فخلّ بيني و بين الجند و العسكر قال: لا  و لا  كرامة لك، و لكن أنا أتولّى ذلك فدونك، فكن أنت على الرّجالة.