طباعة

6 ) أنّه تعالى قديم


  قال الشيخ الصدوق : ( القديم معناه أنّه المتقدّم للأشياء كلّها ، وكلّ متقدّم لشيء يسمّى قديماً إذا بولغ في الوصف ، ولكنّه سبحانه قديم لنفسه بلا أوّل ولا نهاية ، وسائر الأشياء لها أوّل ونهاية ، ولم يكن لها هذا الإسم في بدئها فهي قديمة من وجه ومحدثة من وجه ) (1).
  وقال في المجمع : ( القديم من أسمائه تعالى وهو الموجود الذي لم يزل ... وإن شئت فسّرته بالموجود الذي ليس لوجوده ابتداء .
  وأصل القديم في اللسان : السابق ، فيقال : الله قديم ، بمعنى أنّه سابق الموجودات كلّها ) (2).
  وقال الشيخ الكفعمي : ( القديم هو المتقدّم على الأشياء الذي ليس لوجوده أوّل ، والذي لا يسبقه العدم ) (3).
  وقد تطابق على قدمه تعالى الدليل النقلي والعقلي المفيدان للعلم بأنّه تعالى قديم جلّ جلاله وعظم شأنه .

  أمّا الدليل النقلي فكما يلي :
  1 ـ خطبة أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة :
  ( الحمد لله الذي لا تدركه الشواهد ، ولا تحويه المشاهد ، ولا تراه النواظر ، ولا تحجبه السواتر ، الدالّ على قدمه بحدوث خلقه ... ) (1).
 
2 ـ رواية أبي الحسن الموصلي ، عن أبي عبدالله الصادق (عليه السلام) قال : ( جاء حبر من الأحبار إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال : يا أمير المؤمنين ! متى كان ربّك ؟
  فقال له : ثكلتك اُمّك ! ومتى لم يكن حتّى يقال : متى كان ؟! كان ربّي قبل القبل بلا قَبل ، ويكون بعد البعد بلا بَعد ، ولا غاية ولا منتهى لغايته ، انقطعت الغايات عنه فهو منتهى كلّ غاية ) (2).
 
 3 ـ رواية ميمون البان قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) وقد سُئل عن قوله جلّ وعزّ : ( هُوَ الاَْوَّلُ وَالاْخِرُ ) (3) ?
  فقال : ( الأوّل لا عن أوّل قبله ولا عن بدء سبقه ، وآخر لا عن نهاية كما يعقل من صفات المخلوقين ، ولكن قديم أوّل آخر ، لم يزل ولا يزال بلا بدء ولا نهاية ، لا يقع عليه الحدوث ، ولا يحول من حال إلى حال ، خالق كلّ شيء ) (4).

  4 ـ رواية نافع بن الأزرق عن أبي جعفر (عليه السلام) قال :
  ( أخبرني عن الله عزّ وجلّ متى كان ؟
  فقال له : ويلك ! أخبرني أنت متى لم يكن حتّى اُخبرك متى كان ; سبحان من لم يزل ولا يزال فرداً صمداً لم يتّخذ صاحبة ولا ولداً ) (1).
 
5 ـ رواية أبي بصير قال : أخرج أبو عبدالله (عليه السلام) حُقّاً (2) فأخرج منه ورقة فإذا فيها :
  ( سبحان الواحد الذي لا إله غيره ، القديم المبدئ الذي لا بدء له ، الدائم الذي لا نفاد له ، الحي الذي لا يموت ، الخالق ما يرى وما لا يرى ، العالم كلّ شيء بغير تعليم ، ذلك الله الذي لا شريك له ) (3).
 
 6 ـ رواية النزال بن سبرة قال : جاء يهودي إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال : يا أمير المؤمنين ! متى كان ربّنا ؟
  قال : فقال له علي (عليه السلام) : ( إنّما يقال : ( متى كان ) لشيء لم يكن فكان ، وربّنا هو كائن بلا كينونة كائن ، كان بلا كيف يكون ، كان لم يزل بلا لم يزل وبلا كيف يكون تبارك وتعالى . ليس له قبل ، هو قبل القبل بلا قبل وبلا غاية ولا منتهى غاية ، ولا غاية إليها ، غاية انقطعت الغايات عنه ، فهو غاية كلّ غاية ) (4).

  7 ـ رواية محمّد بن سماعة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : ( قال رأس الجالوت لليهود : إنّ المسلمين يزعمون أنّ عليّاً من أجدل الناس وأعلمهم ، اذهبوا بنا إليه لعلّي أسأله عن مسألة اُخطّئه فيها ، فأتاه فقال : يا أمير المؤمنين ! إنّي اُريد أن أسألك عن مسألة .
  قال : سل عمّا شئت .
  قال : يا أمير المؤمنين ! متى كان ربّنا ؟
  قال : يا يهودي ! إنّما يقال : ( متى كان ) لمن لم يكن فكان ; هو كائن بلا كينونة كائن ، كان بلا كيف .
  يا يهودي ! كيف يكون له قبل وهو قبل القَبل ؟ بلا غاية ولا منتهى غاية ... انقطعت الغايات عنه فهو غاية كلّ غاية .
  فقال : أشهد أنّ دينك الحقّ وأنّ ما خالفه باطل ) (1).
 
 وأمّا الدليل العقلي :
  فالعقل يحكم ، والضرورة تقضي ، والبرهان يفيد أنّه تعالى قديم ، ثبت له القدم بالوجوه العقليّة الثلاثة التالية :
 
 الأوّل : ما في تقريب المعارف (2) وهو أنّه لو كان فاعل الأجناس محدَثاً غير قديم لاحتاج إلى محدِث ، وذلك المحدِث يحتاج إلى محدِث آخر ، وذلك يقتضي وجود ما لا يتناهى ، أو إثبات قديم بدون دليل ، وكلا الأمرين محال .

  الثاني : ما في حقّ اليقين (1) ، وهو أنّه تعالى لو لم يكن قديماً ، لم يكن وجوده واجباً ، فيكون محتاجاً ، يعني محتاجاً إلى ما يوجده ، تعالى الله عن ذلك فهو الغني بذاته عمّا سواه ، فيكون غنيّاً عن الإيجاد وموجوداً بالقدم .

  الثالث : ما في شرح نهج البلاغة (2) ، وهو أنّ الأجسام كلّها حادثة ، لأنّها غير خالية عن الحركة والسكون ، وكلّ حادث مفتقر إلى محدِث وخالق له ، وذلك المحدِث الخالق إمّا ان يكون محدَثاً فيحتاج إلى خالق ويتسلسل ... وإمّا أن يكون محدِثاً لنفسه وهو باطل ، فإنّ ما لا يوجد لا يمكن أن يصدر منه الوجود .
  فلابدّ أن يكون المحدِث الخالق قديماً أزليّاً غنيّاً لا بداية لوجوده كما لا نهاية له ، وهو الله تعالى .
  وأوضح الأدلّة على قدمه تعالى بحكم العقل الجازم ، هو ما أرشد إليه سيّد الموحّدين وأمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله :
  ( الحمد لله الدالّ على وجوده بخلقه ، وبمحدَث خلقه على أزليّته ... ) (3).
  وكذلك قوله (عليه السلام) :
  ( الدالّ على قِدَمه بحدوث خلقه ) (4).
  فإنّ العقل حينما يرى المخلوقات حوادث متّصفة بالحدوث يكشف ويحكم بأنّ خالقها قديم أزليّ ، لمباينته مع خلقه ، وعدم اتّصافه بالصفات التي أوجدها في خليقته .
  فيستدلّ بحدوث الخلق على قدم الخالق ، تعالى شأنه وجَلّ كماله .


---------------------------
(1) التوحيد : (ص209) .
(2) مجمع البحرين : (ص531 مادّة ـ قدم ـ ) .
(3) المصباح : (ص344) .
(4) نهج البلاغة : (ص137 رقم الخطبة180 من الطبعة المصرية) .
(5) بحار الأنوار : (ج3 ص283 ب12 ح1) .
(6) سورة الحديد : (الآية 3) .
(7) بحار الأنوار : (ج3 ص284 ب12 ح2) .
(8) بحار الأنوار : (ج3 ص284 ب12 ح3) .
(9) الحُقّ والحُقّة بضمّ الحاء : وعاءٌ من خشب .
(10) بحار الأنوار : (ج3 ص285 ب12 ح4) .
(11) بحار الأنوار : (ج3 ص285 ب12 ح6) .
(12) بحار الأنوار : (ج3 ص286 ب12 ح7) .
(13) تقريب المعارف : (ص76) .
(14) حقّ اليقين : (ج1 ص29) .
(15) منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة : (ج9 ص174) .
(16) نهج البلاغة : (ص53 رقم الخطبة148 من الطبعة المصرية) .
(17) نهج البلاغة : (ص137 رقم الخطبة180 من الطبعة المصرية) .