السيّد خورشيد حسين الحنفي الباكستاني
موظّف حكومي في لاهور ـ الباكستان
إعتنق مذهب الشيعة الإماميّة لعدم ثبوت صحة خلافة الخلفاء، وأن عقيدة الشيعة الإماميّة في الخلافة يدعمها العقل والنقل، كتاباً وسنة.
ولد خورشيد حسين في سيالكوت الباكستان عام 1959 م. بعث إليّ كتاباً من لاهور جواباً على كتاب وجهته إليه حول سبب رفضه مذهبه، واختياره مذهب الشيعة الإماميّة، جاء فيه ما معناه:
كانت افكاري تضطرب ويشتبك بعضها ببعض حول الخلافة حسب عقيدة السنّة فيها، وأخيراً تحقق عندي أنـّها ليست إلاّ رياسة دنيوية لا ارتباط لها بالنيابة الالهيّة بشيء، والخلفاء ملوك كملوك الدنيا.
أمّا الآن، فإني أعتقد أنّ الخلافة كالنبوّة، لا تثبت إلاّ بجعل الله تعالى وتعيينه، وأنّ الإمام يجب أن يكون منصوصاً عليه ومنصوباً من قبل الله تعالى، وليس لسواه حقّ نصبه وتعيينه([1]) حتى الرسول(صلى الله عليه وآله) فلم يكن نصبه الإمام من قبل نفسه، بل بأمر من الله تعالى.
مضافاً إلى ذلك يشترط في الإمام العصمة لكونه هادياً للخلق ومبلّغاً رسالات ربه، وغير المعصوم لا يصلح للهداية لإمكان صدور الخطأ منه. فشرائط الإمامة لا توجد إلاّ في أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، فهو الإمام بالحق، وخليفة رسول الله بلا فصل([2]).
تركت مذهب السنّة، وإعتنقت مذهب الشيعة لما وجدت في المذهب السابق من ضعف وفساد من وجوه، واليك بيانها:
1 ـ سلب الحريّة الفكرية في المنع عن التكلم في أصول مذهبهم إلاّ بما قرّره السلف، لا سيّما في موضوع الخلافة وسيرة الخلفاء، فلا يجوز لاحد في مذهبهم أن يتكلم في أطراف هذه المواضيع بحريّة تامة، على ضوء العقل، أو ينتقد أعمال الخلفاء وأفعالهم وسيرتهم انتقاداً حرّاً([3]) كانما على السنتهم أقفالها مع أن القرآن الكريم يدعو الناس إلى التفكّر([4]) والعقل أيضاً يحكم بحسنه، فسلب الحرية الفكرية، وتقييد الأفكار والآراء يخالف العقل والنقل معاً، وليس غرضهم من ذلك إلاّ ستر معائب مذهبهم ومساوي خلفائهم.
2 ـ فقدان التصوّر الصحيح في مذهبهم في باب الإمامة والخلافة بنشر الأحاديث الموضوعة، والأخبار الكاذبة، وبثِّها بين العوام كحديث (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم)([5]) بحيث لم يبق مجال للفكر والنظر، فكل من أدرك صحبة النبيّ(صلى الله عليه وآله) سواء كان فاسقاً أو فاجراً فهو منار الرشد والهداية وإمام تفترض طاعته على الأمّة. فلا يجوز لأحد أن ينتقد سيرة الصحابة وأعمالهم الشنيعة، وأفعالهم القبيحة على ضوء العقل والقرآن، مع وجود هذه القيود في مذهبهم لا يمكن التصوّر الصحيح لمفهوم الخلافة والإمامة، والمعرفة بحقيقة الإمام وصفاته، وماهو شرط فيه. بخلاف مذهب الشيعة فإنّ فيه حريّة تامة للنقد والنظر، فهم لا يجيزون الإقتداء بكل إنسان فاسق، فاجر([6]) ولا يقولون بامامة غير المعصوم، بل في اعتقادهم يجب أن يكون الإمام معصوماً من الخطأ([7]) ومنصوباً من قبل الله تعالى([8]) وهذا الإعتقاد يؤيده العقل والآيات القرآنية، والأحاديث النبوية.
3 ـ النهي عن الحضور في مجالس العزاء ومجتمعات الشيعة([9]) والإستماع الى أقوالهم وآرائهم([10]) مع أنّ الدين إذا كان حقاً لا يخاف عليه من غلبة الباطل، ولا يؤثر فيه شيء، ولا يبطله أيُّ دليل وبرهان من براهين الخصم وحججه، بل مخالفة الحق تزيده وضوحاً وظهوراً عند أهل الحق.
فالمذهب الذي تبتني اُصوله على الحق لا يردع معتنقيه عن استماع آراء الآخرين، والإطّلاع على معتقداتهم. فردع الناس من قبل علمائهم عن الحضور في مجالس الشيعة والإستماع إلى أقوالهم يكشف عن فساد مذهبهم، وبطلان دينهم، وأنـّهم يخافون من أن لو اطلع عامّة السنّة على معتقدات الشيعة تجلّى لهم الحق، فينتقلون من مذهبهم إلى مذهب التشيّع، كما نشاهد ذلك، فانّ كثيراً من السنّة تركوا مذاهبهم بعد الوقوف على فسادها، ودخلوا في مذهب الشيعة الإمامية... .
ولذلك ترى عدد الشيعة يزداد يوماً بعد يوم، وأنّ علماء السنّة لمّا علموا أنّ الباطل لا يقاوم الحق، وأنّ ظلمته تنكشف بنور الحقّ، سعوا في إخفائه وردع الناس عن مجالسة أهل الحق والاستماع إلى أقوالهم، كي لا يصل صوت الحق مسامعهم، وهذا هو السبيل الوحيد لصيانة الباطل عندهم.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] ـ لإختصاص اختيار الخليفة به تعالى كما نص على ذلك في القصص: 68 (وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَ يَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ...) فكما ليس لهم الخيرة في اختيار النبيّ، كذلك ليس لهم اختيار من يقوم مقامه ويؤدي إلى الناس رسالته وما جاء به من عند ربه.
[2] ـ لنصوص الرسول(صلى الله عليه وآله) بذلك وقد تقدمت في ص 29 و38 و43 فراجع.
[3] ـ يقول عبد الملك الجويني الملقب عندهم (إمام الحرمين): لايجوز انتقاد الصحابة بما
صدر عن بعضهم (تحذير العبقري من محاضرات الخضري) ج1 ص12 ط بيروت عام 1404 هـ ، ويقول صاحب الزبد:
وما جرى بين الصحابة نسكت***عنه وأجر الاجتهاد نثبت
ويقول ابن الوردي:
لاتخض في سبّ سادات مضوا***انهم ليسوا بأهل للزلل
(تحذير العبقري) ج1 ص27 ويقول يحيى بن شرف الدين الدمشقي: الصحابة كلّهم عدول، من لابس الفتنة وغيرهم (أضواء على السنّة المحمّدية) ص342 الطبعة الثالثة مصر. ويقول الشيخ محمد يحيى امان عضو المحكمة الشرعيّة للوهابيين بمكة: لا يصح لمسلم ان يفكّر فيما جرى بين الصحابة من الحروب، ويستنبط بفكره القاصر اُموراً، ويصفهم بما توجب جرحهم، وعدم نزاهتهم، وبرائتهم وسقوطهم (تحذير العبقري ج1 ص31) ويقول ابن عرفة: الصحبة حصنت من حارب علياً (تحذير العبقري) ج1 ص235. الرضوي: لا شك حصنته من دخول الجنة لقول النبيّ(صلى الله عليه وآله): «حرب عليّ حرب الله، وسلم عليّ سلم الله». (ينابيع المودة ص55 ط اسلامبول عام 1302 هـ وهذا ما لا يرتاب فيه مسلم. وامثال هذه الترهات والاطراء البالغ الفاضح من أمثال هؤلاء الغلات في الصحابة كثير، وفيما نقلناه عن بعضهم اكفاية في تأييد كلام السيد خورشيد حسين الذي هداه الله إلى الصراط المستقيم، ولزيادة الإطلاع على أمثال كلمات هؤلاء الغُلات يراجع كتابنا (الصحابة في صحاح السنّة ومسانيدهم) أو (مهاترات بين صحابة رسول الله) يقول القرآن الكريم في الرد على هؤلاء الغلات (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَ لا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَ لا نَصِيراً) النساء: 123.
ويقول تعالى أيضاً: (وَ مَنْ يَعْصِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَ لَهُ عَذابٌ مُهِينٌ) النساء: 14، والحق انّ من آمن بكتاب الله تعالى لم يجرأ على التفوه بهذه الترهات ونحوها المخالفة لكتاب الله، فهل من مدّكر؟
[4] ـ فيقول: (أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ) المؤمنون: 68 وغيرها من ايّ القرآن الكريم التي تحث على التدبر والتعقّل.
[5] ـ وقد وضعوا أحاديث كثيرة لاعلاء شأن خلفائهم وقادتهم في دينهم (أبي بكر وعمر وعثمان)، ولو استلزم ذلك الحطّ من مكانة أهل البيت(عليهم السلام) المطهّرين بنص القرآن، أو من مكانة أنبياء الله المرسلين: ونسبوها إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) إفتراءً عليه، منها ما رواه السيوطي في (اللئالي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة) المجلد الأول ط بيروت دار المعرفة في ص288 عن عائشة إنـّها قالت ان رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال لأبي بكر: ألا ابشّرك برضوان الله الأكبر؟ قال: بلى يا رسول الله. قال: «إن الله يتجلّى للناس عامة، ويتجلّى لك خاصة».
وفي ص292 منه عن أنس ان يهودياً أتى أبا بكر فقال: والذي بعث موسى وكلمه تكليماً إني لأحبّك فلم يرفع أبو بكر به رأساً تهاوناً باليهودي. فهبط جبريل وقال يا محمد إنّ العلي الأعلى يقرء عليك السلام ويقول لك قل لليهودي الذي قال لأبي بكر إنّي أحبك انّ الله قد أحاد عنه في النار خلّتين، لا توضع الأنكال في عنقه، ولا الأغلال في عنقه لحبّه أبا بكر، فاخبره فقال: أشهد أن لا إله إلاّ الله وإنّك رسول اللهوما ازددت لأبي بكر إلاّ حبّاً. فقال: هنيئاً لك أحاد الله عنك النار بحذافيرها وأدخلك الجنة لحبك أبا بكر.
وفي ص301 منه عن أبي سعيد مرفوعاً لما عرج بي إلى السماء قلت: اللّهمّ اجعل الخليفة من بعدي عليّ بن أبي طالب فارتجت السماوات وهتفت الملائكة من كلّ جانب يا محمد اقرأ وما تشاؤن إلاّ انّ يشاء الله، قد شاء الله أن يكون من بعدك أبو بكر الصدّيق.
وفي ص305 منه عن أبي هريرة مرفوعاً: تفاخرت الجنة والنار، فقالت النار للجنة أنا أعظم منك قدراً، قالت: ولم؟ قالت لأنّ فيّ الفراعنة والجبابرة والملوك وابناؤها فأوحى الله تعالى: إلى الجنة: أن قولي بل لي الفضل اذ زيّنني الله لأبي بكر وعمر. وفيها ايضاً: عن عبد الله ابن أبي اوفى قال: رأيت النبيّ(صلى الله عليه وآله) متكأ على عليّ وإذا أبو بكر وعمر أقبلا فقال يا أبا لحسن احبّهما. فبحبهما تدخل الجنّة.
وفي ص309 عن أنس مرفوعاً من افترى على الله عز وجل كذباً قتل ولا يستتاب، ومن سبني قتل ولا يستتاب، ومن سبّ أبا بكر قتل ولا يستتاب، ومن سبّ عمر قتل ولا يستتاب، ومن سبّ عثمان جلد الحدّ، ومن سبّ علياً جلد الحدّ. قيل فلم فرقت بين أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ؟ قال: لأنّ الله تعالى خلقني وخلقهما من تربة واحدة وفيها ندفن.
وفي ص302 عن عقبة بن عامر مرفوعاً: لو لم اُبعث فيكم لبعث عمر.
وفي ص319 عن ابن عباس مرفوعاً مافي الجنة شجرة إلاّ مكتوب على كلّ ورقة منها لا إله إلاّ الله محمد رسول الله أبو بكر الصديق وعمر الفاروق وعثمان ذو النورين.
وفي ص312 منه عن عقبة بن عامر الجهني قال قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) لمّا عرج بي إلى السماء دخلت جنة عدن، فأعطيت تفاحة، فلمّا وضعت في يدي انفلقت عن حوراء عيناء مرضيّة، كأن اشفار عينيها مقاديم اجنحة النسور. فقلت: لمن أنت؟ قالت: أنا للخليفة المقتول ظلماً عثمان بن عفان.
وفي ص303 منه عن عمار بن ياسر مرفوعاً: أتاني جبريل آنفاً فقلت ياجبريل حدثني بفضائل عمر في السماء، فقال: يا محمد لو حدثتك بفضائل عمر في السماء ما لبث نوح في قومه ألف سنة إلاّ خمسين عاماً ما تعددت فضائل عمر، وأن عمر حسنة من حسنات أبي بكر.
وفي ص308 منه عن أبي هريرة مرفوعاً أن في السماء الدنيا ثمانين الف ملك يستغفرون الله لمن أحبّ أبا بكر وعمر. وفي السماء الثانية ثمانين ألف ملك يلعنون من أبغض أبا بكر وعمر، ومن أحبّ الصحابة جميعاً فقد برء من النفاق.
إلى أمثال هذه الترهات وهي كثيرة وأمثال هذه الأحاديث الخرافية الموضوعة في فضائل هؤلاء الثلاثة كثير ذكر شطراً منها السيوطي في اللئالي المصنوعة.
[6] ـ وذلك لقوله تعالى (وَ اللّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) المائدة: 108، وقوله أيضاً (وَإِنَّ الْفُجّارَ لَفِي جَحِيم * يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ) الانفطار: 14.
[7] ـ لأن غير المعصوم يخطأ فإذا اخطأ وجب على الناس ان ينبهوه على خطأه وبذلك يفقد ميزته عليهم، والمعصوم لا يخطأ، فبهذه الصفة والفضيلة يمتاز على المسلمين كافة وتجب عليهم طاعته.
[8] ـ قال الله تعالى لإبراهيم(عليه السلام): (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً) البقرة: 124. وقال تعالى (إِنِّي جاعِلٌ فِي الأَْرْضِ خَلِيفَةً) البقرة: 30.
[9] ـ سيأتي في حديث تشيّع الخطيب العلاّمة الشهير الحافظ سيف الله أنـّه كان ينهى الناس عن الحضور في مجالس الشيعة ومحافلهم ويفتيهم بحرمة ذلك لئلاّ يستمعوا إلى أدلة الشيعة وحججهم فيرفضوا ما عليه سلفهم من دين واعتقاد، ويدخلوا في مذهب الشيعة الإماميّة.
[10] ـ ولعجزهم وقصورهم عن الردّ على الشيعة بأدلة عقليّة، أو نقليّة مستندة صحيحة يمنعون من دخول كتب الشيعة إلى بلادهم.
