القاضي سعيد الرحمن نادر الباكستاني
رفض مذهبه الوهابي([1]) فالمذاهب الأربعة وإعتنق مذهب الشيعة الإماميّة بعد أبحاث متواصلة مع رجالات علمية كبيرة، ولمّا لم يجد بدّاً من الإعتراف بالحقّ أعلن تشيّعه على يد العلاّمة الكبير المولوي محمد اسماعيل (المبلّغ الأعظم) الآتي حديث تشيّعه في ص170 من هذا الكتاب.
ولد القاضي في قرية (گرام شريف) عام 1930 م. درس في مدرسة نعيمية في راد آباد السند) وتخرّج منها عام 1366 هـ وهو يحمل شهادة (فاضل) اشتغل بالتدريس في مدرسة رحمانية في (موندگر خانگ ـ مظفر كهر) بصفة (صدر المدرّسين).
درس الطب على الدكتور (پير بخش)، وحصل على شهادة، وفتح مطبّاً للعيادة. فهو مدرّس وطبيب ومؤلف وخطيب. ولرغبته الشديدة في التوجيه والإرشاد والخطابة ترك العيادة والمدرسة معاً، وأصبح واعظاً ومبلّغاً. والوعظ يوم ذاك كان يهدف في محاربة الشيعة ومخالفتهم، ومهاجمتهم، والإفتراء عليهم، ومعارضتهم، وتحريض الناس ضدهم، حتى ضيقوا عليهم في محلّ أمنهم وإقامتهم.
تسلمت منه كتاباً مؤرخاً 4/6/1383 هـ ذكر فيه تحت عنوان (لماذا اخترت مذهب الشيعة) ما معناه:
كنت أعتقد في الخلافة، ما يعتقده جمهور السنّة من أنّها سلطة دنيويّة، اُوكِلَ أمرها إلى الأمـّة، فلها أن تختار الخليفة حسبما تشتهي وتريد([2]).
وفي الإمام عليّ(عليه السلام) أنـّه إنسان غير معصوم، وبشر يخطئ، استخلف من قبل الجمهور كاستخلاف باقي الخلفاء، آمن بالنبي قبل كلّ أحد([3])، وكان ابن تسع سنين، وأنّ أبويه بقيا على كفرهما.
وعقيدتي الآن أنـّه الإمام المنصوص عليه من الله([4]) والخليفة للنبيّ(صلى الله عليه وآله) بلا فصل، والمعصوم من الخطأ والزلل([5]) والقرآن الناطق، والإمام بالحق، والايمان الكل ، وابن مؤمن آل هاشم، والوليد في الكعبة([6]) وحجة الله بعد الرسول وسيّد الأوصياء([7]) وزوج السيدة فاطمة البنت الوحيدة من صلب النبيّ، وأقول كما قال الشاعر:
فلعنة ربّنا أعداد رمل***على من ردّ قول أبي تراب
ثمّ ذكر حديثاً طويلا في ذلك، وحواره مع أعلام من رجال البحث والخطابة من الشيعة في حفل اُقيم لذلك([8]) وكان آخر من تكلم معه حول اثبات أنّ الحقّ مع الشيعة هو العلاّمة الأكبر (القائد الأعظم) الخطيب الشهير محمّد اسماعيل، وقد إستمر حواره معه وامتد إلى يومين، أتاه فيه بحديث من البخاري الكتاب العظيم عندهم: (فغضبت فاطمة حتى ماتت) وتكلم حول الحديث ثلاث ساعات، ثمّ قال له: أيّها القاضي، ضع الكتاب العزيز على رأسك، وخذ البخاري في يدك، وتوجّه إلى القبلة وقل لي: إنّ السيّدة فاطمة(عليها السلام) طالبت أبا بكر بحقّها أم لا، فان كانت طالبته، فهل أنّه لبّى طلبها أم لا، فإن قبل منها فأين ذكر ذلك؟ وإن لم يقبل فافتح البخاري واُنظر إلى إنـّها(عليها السلام) ماتت غاضبة عليه أم راضية؟ فان ماتت وهي غاضبة عليه فما هو جوابك عن حديث «رضا فاطمة من رضاي وسخط فاطمة من سخطي»([9]).
فتنبّه القاضي بذلك إلى خطأه، وأعلن في نفس المجلس إعتناقه للمذهب الشيعي، والحمد لله، وتشيّع على يده حتى الآن([10]) خمسمأة وأربع وسبعون من أبناء السنّة.
الرضوي: ذكر القاضي في كتابه لنا مناماً له صلة تامّة بموضع تشيّعه نذكر حاصله: أنّه رأى في المنام أنّ رجلا جاء إليه وبيده سيف وقال له: أيّها القاضي، النبيّ الأعظم يريدك، فسأل عن اسم الرجل، فاخبر بأنّه بلال، فلبّى القاضي الطلب ومشى معه إلى أن وصل الى معركة، فرأى في قبال النبيّ الأكرم أباه وعمّه وأكثر جيرانه، ومع ذلك جاهدهم حتى أصابته بعض الجراحات، فاستيقظ من النوم، واصبح يفكّر في أمرهم وما معنى كونهم مخالفين للنبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)فأخذ في مطالعة بعض الكتب (ليتّضح له أمرهم هل انـّهم كانوا على ضلالة)، فرأى في المنام مرّة ثانية، أنّه ذهب الى بيت السيد غلام نبي شاه([11])، وشدّ لجام فرسه بخشبة طويلة كانت ملقاة في بستانه، وأراد أن يجلس على حصير مع نعليه، فصاح السيّد أيّها القاضي: (اخلع نعليك) ألا ترى أنّ هذه الحصير هي التي استشهد عليها الإمام عليّ(عليه السلام)، وعليها قطرات من دمه الشريف.
ثمّ قال له السيّد: إنّ هذا المجلس عقد تكريماً لحضور النبيّ الأكرم(صلى الله عليه وآله)والإمام عليّ(عليه السلام)، فجلس القاضي ساعة إذ دخل شخصان، كانت على أحدهما علامة ضابط عسكري، والآخر جندي. فلمّا رآهما الشيعة انحنوا على أقدامهما يقبّلوها، فسأل القاضي السيّد المذكور عنهما. فقال: إنّ الضابط هو النبيّ الأعظم، والجندي هو الإمام عليّ(عليه السلام).
فرأى القاضي الجندي اسّر شخصاً، ثمّ حبسه وشدّه بتلك الخشبة التي شدّ القاضي بها لجام فرسه، وكان الأسير لابساً قلنسوة وقميصاً وبيجامة مقلّمة، وكان حافياً أعرجاً لشلل في أحدى رجليه.
فأراد القاضي أن يقبّل أقدام النبيّ الأعظم، ولمّا اقترب منه (صلى الله عليه وآله) دفعه بشدّة وقال (تمنع من غمنا وتسلّم علينا) فاستيقظ القاضي من المنام وامتنع من منع الناس من عزاء سيّد الشهداء والبكاء عليه(عليه السلام)، إلاّ إنّه كان يفكر في أمر هذا الأعرج فطالع كتب كثيرة فرأى في تاريخ الخلفاء للسيوطي إنّ هذا الوصف كان يتّصف به أبو بكر، فانحلّت العقدة النفسيّة، ومال القلب إلى التشيّع.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] ـ للتعرف على المذهب الوهابي راجع التعليق على حديث تشيّع العلاّمة الشيخ مرعي أمين الأنطاكي الآتي في ص164 ـ 166 .
[2] ـ وهذه العقيدة فاسدة حيث لا دليل عليها من كتاب الله، بل الكتاب العزيز صريح في ردّها، والعقل يؤيّده.
[3] ـ وفي سبقه(عليه السلام) إلى الايمان بالرسول (صلى الله عليه وآله) دلالة على استحقاقه التقدم على غيره في الخلافة لقوم يعقلون. قال الله تعالى (وَ السّابِقُونَ السّابِقُونَ * أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) الواقعة: 10.
[4] ـ في قوله تعالى (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ إِنَّ اللّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) المائدة: 67. ذكر محمّد بن طلحة الشافعي في مطالب السئول في مناقب آل الرسول ص55 ط الهند عام 1302 نقلا عن الوأحدي في كتابه اسباب النزول مسنداً إلى أبي سعيد الخدري(رضي الله عنه) قال نزلت هذه الآية يوم غدير خم في عليّ بن أبي طالب(عليه السلام). وجاء في كتاب (وجاء دور المجوس) لعبد الله محمّد الغريب ص119 ط مصر عام 1981 م دار الجبل للطباعة ما نصّه:
جاء في تفسير الثعلبي أنـّه لمّا نزلت هذه الآية أخذ رسول الله بيد عليّ وقال: «مَن كنت مولاه فعلي مولاه». والنبيّ مولى أبي بكر والصحابة بالاجماع فيكون عليّ مولاهم، فيكون هو أمامهم... ثمّ ساق الثعلبي أنّ الحارث بن النعمان أتى النبيّ(صلى الله عليه وآله) وسأله عن ولاية عليّ فقال له النبيّ: «اي والله من امر الله». وعندما تولى الحارث وهو غير مؤمن بهذه الرواية (يعني رواية النبيّ(صلى الله عليه وآله) عن الله تعالى في ولاية عليّ) رماه الله بحجر فسقط على هامته، وخرج من دبره فقتله، المنتقى من منهاج الإعتدال ص422، وهناك كتب اُخرى ذكرت نزول هذه الآية في الإمام(عليه السلام) لجماعة من علماء السنّة ذكرنا أسمائها والأحاديث في ذلك في كتابنا، عليّ في القرآن فأين تذهبون؟
[5] ـ لاستحالة أن يختار الله قائداً وإماماً للمسلمين وخليفة لرسوله (صلى الله عليه وآله) وهو غير معصوم من الخطأ فكما أنّ العصمة شرط في النبيّ كذلك هي شرط في خليفته القائم مقامه في إداء وظيفته.
[6] ـ ذكرنا حديث ولادته(عليه السلام) في الكعبة من طرق السنّة خاصة وأقوال رجال منهم في ذلك في كتابنا عليّ إمامنا وإمامكم أبو بكر).
[7] ـ سنذكر جملة من الأحاديث الواردة في هذا المعنى من طرق السنّة عند ذكرنا حديث تشيّع الخطيب اللامع محمّد إسماعيل الباكستاني، فراجع ص159.
[8] ـ كان أعضاؤه والمؤسّسون له هم المولى غلام حسين قريشي والحافظ نور أحمد قريشي والمولى محمد حسين سيف والمخدوم محمد أنور شاه والخطيب غلام نبي شاه من الرجال البارزين ذلك اليوم.
[9] ـ ذكرنا في ص 44 أنـّها(عليها السلام) ماتت وهي غاضبة على أبي بكر وعمر فراجع.
[10] ـ أي عام 1383 هـ .
[11] ـ أحد أعضاء الجلسة التي اُقيمت للبحث مع القاضي حول مذهب الشيعة الإماميّة وصحته.
