طباعة

سيرة الحسين (عليه السلام) قبل كربلاء(ضياع بعد الرسول)

سيرة الحسين (عليه السلام) قبل كربلاء
16- ضياع بعد الرسول صلّى الله عليه واَله وسلّم

ولئن ذهبَ قولُهم : المرء يُحْفَظُ في ولده ,مثلاً سائراً فإن لذلك أصلاً قرآنياً أدّبَ اللهُ به عباده المؤمنين ، على لسان عبده الصالح الخضر ، حيث أقام الجدار الذي كان للغلامين اليتيمين في المدينة ، معلّلاً بأنّه ( كَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً ) [الاَية 81 من سورة الكهف 18] فلصلاح أبيهما استحقّ الغلامانِ تلك الخدمة من الخضر . لكنّ كثيراً ممّن ينتسب إلى أُمّة النبيّ محمّد صلّى الله عليه واَله وسلّم ، لم يُكرموا آلَ محمّد ، من أجل الرسول ، ولم تُمهل الأُمّة أهلَ البيت ، أكثر من أن يُغمِضَ الرسولُ عينيه ، ولمّا يقْبر جسده الشريف ، عَدَوْا على آله ، فغصَبُوا حقّهم في خلافته ، ثم انهالوا عليهم بالهتك والضرب ، حتّى أقدموا على إضرام النار في دار الزهراء ابنته ، وأسقطوا جنينها ، وأغضبوها ، حتّى قضت الأيّام القلائل بعد أبيها معصّبةَ الرأس ، مكسورة الضلع ، يُغشى عليها ساعة بعد ساعة ، وماتت بعد شهور فقط من وفاة أبيها ، وهي لهم قالية وما كان نصيب الغلامين ، السبطين ، الحسن والحسين ، من الأمّة بأفضل من ذلك بل تكوّنتْ - على أثر ذلك التصرّف المشين - فرقة سياسيّة تستهدف آل النبيّ بالعداء والبغضاء ، فدبّرت المؤامرة التي اغتالت عليّاً في محرابه ، وطعنت الحسن في فسطاطه ، وقتلت الحسين في وضح النهار يوم عاشوراء في كربلائه ، كما يذبح الكَبْش جهاراً ، أمام أعين الناس ، من دون نكير ولم يكن هذان الغلامان بأهونَ من غلامي الخضر ، إذ لم يكن أبوهما أصلح من رسول الله صلّى الله عليه واَله وسلّم ، قطعاً .
ولقد جابه الحسينُ عليه السلام بهذه الحقيقة واحداً من كبار زعماء المعادين لاَل محمّد ، والمعروف بنافع بن الأزرق ، في الحديث الاَتي :
[203] قال له الحسين : إنّي سائلك عن مسألة : } وَأَمَا الجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَينِ يَتِيمَيْنِ فِي المَدِينَةِ { [الاَية 81 من سورة الكهف 18] يابن الأزرق : مَنْ حُفِظَ في الغلامين ؟ قال ابن الأزرق : أبوهما
قال الحسين : فأبوهما خيٌر ، أم رسول الله صلّى الله عليه واَله وسلّم ?(55) إنّها الحقيقة الدامغة ، لكن هل تنفع مَنْ أُشربوا قلوبهم النفاق ، وغطّى عيونهم الجهل ، والحقد ، والكراهية للحقّ ؟
لقد كان من نتائج هذا الضياع أنّه لم يمضِ على وفاة الرسول خمسون عاماً ، حتّى عَدَتْ أُمَتُه على وديعته , و ريحانته الحسين ، وقتلته بأبشع صورة وهل يُتصوّرُ ضياع أبعد من هذا ؟
وكان من نتائج ذلك الضياع المفضوح ، أنّ التاريخَ المشوّه ، وأهله العملاء (56) تغافلوا عن وجود أهل البيت ، طيلة الأعوام التي تلتْ وفاة النبيّ صلّى الله عليه واَله وسلّم ، حتّى خلافة الإمام عليّ عليه السلام ، فهذا الحسينُ ، لم نجدْ له ذكراً مسجّلاً على صفحات التاريخ طيلة العهد البكري ، ولا العُمَريّ ، ولا العُثماني ، سوى فلتاتٍ تحتوي على كثير من أسباب ذلك التغافل .

________________________________________
(55) مختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور (7 / 130و 131) .
(56) وهناك فلتات من المؤرّخين الّذين تصدّوا لتسجيل بعض الحقائق ، مثل ابن إسحاق صاحب السيرة ، وعمر بن شبّة صاحب الكتب الكثيرة ، لكن تراثهم هجر واندثر ، ولم تبق منه إلاّ نتف ، فيها الدلالات الواضحة على ما نقول .