عاش الإمام الصادق (عليه السلام) في أواخر الدولة الاُمويّة وأوائل الدولة العباسية حيث امتازت بضعف السلطة السياسية وعدم قدرتها على إحكام السيطرة الكاملة على شؤون الحياة المختلفة بسبب كثرة الثورات وقوّتها وضعف الحالة الاقتصادية واضطراب الحياة الاجتماعية في اواخر الدولة الاُموية بسبب الظلم الفاحش الذي مارسته سلطاتها والإثرة بالأموال واحتكار الادارة السياسية بيد فئة قليلة من شباب بني اُمية الذين استغرقوا في الترف والفسوق والمجون وابتعادهم الصارخ ضد المظاهر الدينية العامّة التي يحترمها عموم المسلمين، وكان أهم هذه الثورات وأوسعها تأثيراً هي ثورة عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب بالكوفة عندما بويع ليزيد بن عبد الملك بالخلافة، وبايعه جمهرة من أهل الكوفة وأشاروا عليه بالتوجّه إلى بلاد فارس ونواحي المشرق لكثرة شيعة آل محمد فيها، ففعل وخرج من الكوفة فقاتله عاملها قتالاً شديداً ، فانهزم إلى الأطراف والنواحي وجمع حوله أنصاراً كثيرين وسيطر على مياه الكوفة ومياه البصرة وهمدان وقم والري واصفهان وفارس، وأقام هو في اصفهان واستعمل إخوته ولاة على اصطخر وشيراز وكرمان وقم، وقصده بنو هاشم جميعاً بما فيهم السفاح والمنصور وعيسى بن علي وولاهم الأعمال وأغدق عليهم الأموال ، واستمرّت سيطرته على هذه البلاد حتى خلافة مروان الحمار الذي وجّه إليه عسكراً كثيفاً وعند اقترابه من اصفهان ندب أهلها للقتال فلم يستجيبوا له، ففرّ مع أخوته إلى خراسان وذهب إلى أبي مسلم الخراساني وكان في أوائل حركته طمعاً في نصرته ، فأخذه أبو مسلم وحبسه ثم قتله [1].
وقد استغل الإمام الصادق (عليه السلام) هذا الضعف الأمني في الدولة فواصل السير على نهج والده في تدريس العلوم المختلفة وعلى رأسها العلوم الدينيّة، وكان عدد المتخرجين من هذه المدرسة العلمية حوالي أربعة آلاف طالب سمعوا حديث الإمام الصادق (عليه السلام) ورووا عنه العلم وتحدّثوا به في أمصار المسلمين وخاصّة الكوفة التي كانت تمثل الثقل الشيعي آنذاك وقد وفّق الامام الصادق (عليه السلام) إلى تأسيس جامعات علمية جديدة في أقاليم اُخرى ، بل وإلى تأسيس مدن جديدة مثل مدينة قم حيث كانت مركزاً للاشعاع العلمي بتشجيع هجرة الأشعريين إليها وأمرهم بالمقام فيها والصبر على مشاق الحياة فيها.
وهكذا يكون الإمام الصادق (عليه السلام) رائد حركة علمية شامخة في المجتمع الإسلامي الذي كانت تنخر فيه عوامل الضعف والتخّلف والجهل، وبذلك يكون أيضاً قد وضع الاُسس القوية لنهضة حضارية شامخة استطاعت أن تمتدّ بتأثيراتها إلى أرجاء المعمورة وخاصة إلى البلاد الاُوروبية التي كانت على تماس مباشر مع المسلمين بعد الفتح الإسلامي للأندلس.
وقد تخرج على يد الإمام الصادق ثُلّة من العلماء في مختلف ميادين المعرفة كجابر بن حيان في الكيمياء وزرارة ومحمد بن مسلم في الفقه وهشام بن الحكم ومؤمن الطاق في علم الكلام، وغيرهم في علوم اُخرى.
|
الحركة العباسيّة [النشأة والأساليب] نهاية الحكم الاُموي وبداية الحكم العبّاسي |
 |
