• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الدوافع السياسية وراء نشوء المذاهب والفرق(دور أئمة أهل البيت: تجاه هذا الانحراف)

عند دراستنا لمسيرة الأئمة الأطهار: نجد هذه المسيرة المباركة قد استهدفت جانبين يرسمان دور الأئمة: في حركتهم كاُمناء على الرسالة الإسلامية والاُمة، وهذان الجانبان هما:
الأوّل: حماية الرسالة الإسلامية وتحصينها من الانحراف وتثبيت أحكامها الواقعية ونظريتها الشاملة والوقوف بوجه الانحراف العقائدي الذي أفرزته الأوضاع القائمة بعد تصدي غير المؤهلين للزعامة الإسلامية.
الثاني: حماية الاُمة الإسلامية وتحصينها من الانحراف والأخذ بيدها الى الطريق المستقيم وربطها برسالتها المقدسة وتربيتها وتحديد وظيفتها ومسؤوليتها الشرعية.
إذن كان الأئمة الأطهار: يمارسون دوراً عظيماً من أجل تحقيق هذين الهدفين الكبيرين وفي ظلّ ظروف سياسية عصيبة ضاغطة ومواجهة محتدمة مع الظلمة وأهل الجور، فانّ مهمة الإمام تتركز على الحفاظ على الرسالة والاُمة من الاندثار والتحلل، فهي مهمة صعبة وعسيرة للغاية فيصدق على ذلك قول الإمام الصادق(عليه السلام): «حديثنا صعبٌ مستصعب لا يحتمله إلاّ ملك مقرب أو نبي مرسل أو مؤمن...»(1).
لأن الإمام هو ممثل النبي(صلّى الله عليه وآله) وخليفته وأمينه على وحيه، وهو الفاروق بين الحق والباطل وهو معدن العلم والطهارة، وأمان أهل الأرض كما ورد ذلك في الأحاديث الشريفة.
اذن فالائمة الأطهار يمثلون المشروع الإسلامي الحضاري الصافي لتبليغ رسالة الله تعالى، فقوله تعالى: (إنّما أنت منذرٌ ولكل قوم هاد)(2).
أن الهداة هم أئمة أهل البيت: كما أثبتت التجربة ذلك، كذلك يدل على ذلك قول هارون الرشيد لابنه المأمون عندما سأله عن الرجل الذي أكرمه وأجلسه الى جانبه وأمر وزراءه بأخذ الركاب له فوصف الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام) قائلاً له: «يا بني هذا إمام الناس بالحق وأنا إمام الناس بالقهر والغلبة».
والأئمة الأطهار: كانوا يمثلون المرجعية الفقهية والعلمية للاُمة الإسلامية، فكان العلماء يفدون ويقصدون أهل البيت: ويرجعون اليهم، وقد اُحصي تلامذة الإمام الصادق(عليه السلام) فبلغوا أربعة آلاف شيخ من شيوخ الحديث، فهذا حسن الوشا يقول: «دخلت مسجد الكوفة فوجدت تسعمائة شيخ كلهم يقول حدثني جعفر بن محمد الصادق، وكانوا يقصدون الإمام من بلاد بعيدة جداً ما وراء النهر ويأتون الكوفة أو المدينة يتتلمذون على يديه»(3).
ومن المعلوم أن من جملة تلامذة الإمام الصادق(عليه السلام) كانوا أئمة المذاهب الإسلامية كمالك بن أنس، وسفيان الثوري، وابن عيينة، وأبي حنيفة، ومحمد بن الحسن الشيباني، ويحيى بن سعيد وغيرهم من العلماء والمحدّثين والفقهاء أمثال أيوب السجستاني، وشعبة بن الحجاج، وعبدالملك بن جريح وغيرهم(4).
فالإمام الصادق(عليه السلام) فتح باب التخصص العلمي في الفلسفة وعلم الكلام والرياضيات والكيمياء .
وتخصص زرارة بن أعين ومحمد بن مسلم وجميل بن دراج وحمران ابن أعين وأبي بصير وعبدالله بن سنان في الفقه واُصول التفسير.
كل ذلك كان ضمن النشاط الكبير الذي قام به الإمام الصادق(عليه السلام) في ابراز وجه الإسلام العظيم المشرق وحدد أطار الفكر الإسلامي ليشمل جميع جوانب الحياة فكان بحق (عليه السلام) أميناً محافظاً على رسالة جدّه النبي الأكرم(صلّى الله عليه وآله) فواجه في ذلك كل التيارات الغريبة الدخيلة على الرسالة الإسلامية.
الموقف المبدئي الحاسم للإمام الصادق(عليه السلام) تجاه السلطات الجائرة
نقل الشيخ الصدوق: قال الصادق(عليه السلام): «أيما رجل كان بينه وبين أخ له مماراة في حق، فدعاه الى رجل من اخوانكم ليحكم بينه وبينه فأبى إلاّ أن يرفعه الى هؤلاء، كان بمنزلة الذين قال الله تعالى فيهم: (ألم تر الى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما اُنزل اليك وما اُنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا الى الطاغوت وقد اُمروا أن يكفروا به)»(5)
إنّ أوامر الإمام وتوجيهاته الى أصحابه وشيعته بقرار المقاطعة مع الحكومات المنحرفة حيث كان يقول (عليه السلام): «لا تعنهم على بناء مسجد»(6).
وكان يقول(عليه السلام): «إياكم أن يخاصم بعضكم بعضاً الى أهل الجور، أيما مؤمن قدّم مؤمناً في خصومة الى قاض أو سلطان جائر فقضى عليه بغير حكم الله فقد شركه في الحكم».
وهذه النصوص تبيّن أن الإمام الصادق(عليه السلام) كان حازماً وحاسماً في موقفه السياسي وتعامله مع السلطات الجائرة آنذاك، لأن حكوماتهم كانت غير شرعية وإنّما جاءت عن طريق القهر والغلبة.
وهذا ما يبرز لنا بأن المعارضة الحقيقية لحالة الانحراف الذي يقوده الحكام الاُمويون والعباسيون كانت تتمثل بمدرسة أهل البيت: الذين كانوا يحملون مشروعاً حضارياً يتمثل في اعادة بناء الاُمة الشاهدة والحفاظ على مبادئها السامية، ولذلك نرى أن السلطات القائمة آنذاك قامت في مواجهة مشروع الأئمة الأطهار ضمن الأساليب التالية:
1 ـ العمل على حل وتفتيت هذا التيار الموالي الذي يمثل السند الحقيقي للأئمة الأطهار: فعملت السلطات على احتواءهم واختراقهم ولكنها لم تفلح، فقد سعى المأمون العباسي مثلاً لاحتواء ثورات العلويين من خلال اعطاء ولاية العهد للإمام الرضا(عليه السلام) لكنه لم ينجح; لأن الإمام(عليه السلام) أعلن أنه قابل بهذه الولاية بشرط أن لا ينقض أمراً أو يبرمه ولا يعزل والياً أو ينصبه وصار معلوماً عند الناس بأنّه قبل هذا المنصب تحت التهديد والاجبار، فالتجأت السلطات الاُموية والعباسية الى أساليب اُخرى كالتشويه والتضليل كما رأينا في الاُسلوب الذي اعتمده معاوية بن أبي سفيان، فأعلن حكام بني العباس بأن محمد الباقر وجعفر الصادق(عليهما السلام) قد تنصّرا، هذا بالإضافة الى اُسلوب الاستدعاء والسجن والقتل. ولكن صمود الأئمة الأطهار: بوجه الطغيان مع أصحابهم الهداة كان عاملاً مهماً في بقاء الإسلام الى يومنا الحاضر(7).
2 ـ العمل على احتواء جهود الأئمة الأطهار: وأتباعهم في تقويض عروش الظلمة، وفي هذا الخصوص نقل في كتاب محاضرات في التاريخ الإسلامي ما نصّه: «والعباسيون لم تكن تنجح حركتهم بقلب نظام الحكم الاُموي إلاّ بعد أن رفعوا شعار : «الرضا من آل البيت:» واستغلّوه استغلالاً ميكافيلياً لامتصاص العواطف العلوية وقواعدها الشعبية باعتبار أن آل البيت يمثلون أقوى الوجودات المعارضة للسياسة الاُموية من ناحية فضلاً عن تثبيتهم قضية العدالة الإسلامية(8).
ولكن الإمام الصادق(عليه السلام) أدرك خطورة استغلال هذا الشعار: «الرضا من آل محمد» الذي يؤكد أن الاُمة عرفت أحقية أهل البيت وأن الجماهير ارتبطت وجدانياً مع قادتها الحقيقيين الذين طهرهم الله من الرجس، ولهذا فالعباسيون ركبوا موجة المدّ الثوري ضد الاُمويين الذي صنعه الإمام الحسين(عليه السلام) في نهضته العملاقة التي أنقذت الإسلام وانتزعت الشرعية من الطغاة وحرّرت إرادة الاُمة فانطلقت الثورات تترى حتى انتهت بتقويض الحكم الاُموي. الإمام الصادق(عليه السلام) أدرك ذلك وهو يراقب الأحداث ومسيرتها فالعباسيون قلبوا ظهر المجن كما يقال، وعليه فانّه(عليه السلام) رفض كل العروض من قادة بني العباس فهذا أبو مسلم الخراساني كان قد كتب للإمام الصادق(عليه السلام) كتاباً جاء فيه: «اني قد أظهرت الكلمة ودعوت الناس عن موالاة بني اُمية الى موالاة أهل البيت: فإن رغبت فلا مزيد عليك»(9).
ولكن كان جواب الإمام الصادق(عليه السلام) حاسماً مدركاً للأوضاع القائمة آنذاك، فانتزع الشرعية لحركة أبي مسلم الخراساني ولم يؤيدها محذراً الاُمة من احتواء المعارضة الحقيقية المتمثلة بأهل البيت: فقال له: «ما أنت من رجالي ولا الزمان زماني»(10).
وللإمام الصادق(عليه السلام) موقف آخر مع نقيب العباسيين وهو أبو سلمة الخلاّل عندما راسله حول نفس الموضوع بقيادة الثورة فكان جوابه(عليه السلام): «ما أنا وأبو سلمة وأبو سلمة شيعة لغيري» فأخذ كتاب أبي سلمة فوضعه على السراج حتى احترق وقال للرسول: عرّف صاحبك بما رأيت»(11). كل ذلك يكشف أن الإمام الصادق(عليه السلام) كان دقيقاً يتابع الأحداث السياسية ويدرس الأوضاع بدقة مشخصاً للظروف الموضوعية المحيطة به، فلا ينساق مع حالات الصراع السياسي مستنكراً لكل الأهواء والأطماع التي تحرك ذلك، فالصادق(عليه السلام) إمام هادي مهدي ليس من طبعه المغامرة ولكنه ينهض بالأمر متى ما توفرت له الظروف المناسبة لذلك، كما قال لسدير عندما مشى معه الى ينبع وهو ينظر الى قطيع من الجداء «والله يا سدير لو كان لي شيعة بعدد هذه الجداء ما وسعني القعود»(12).
مواجهة الإمام الصادق(عليه السلام) للفِرق والمذاهب المنحرفة
في عصر الإمام الصادق(عليه السلام) كان هناك نشاط ونمو للمدارس التي اعتمدت القول بالرأي تارة والقول بالقياس والاستحسان والمصالح المرسلة والعرف تارة اُخرى.
والملاحظ أيضاً نشوء تيارات مذهبية اُخرى معادية لمدرسة أهل البيت: ، فتصدى كل من الإمام الباقر والإمام الصادق(عليهما السلام) الى تفنيد مزاعم هذه التيارات الفكرية والعقائدية والسياسية وأبرزوا عقيدة الإسلام الحقة في شتى المسائل. وفي هذا المجال ذكر صاحب الاُصول العامة للفقه المقارن: «يقول ابن جميع دخلت على جعفر بن محمد أنا وابن أبي ليلى وأبو حنيفة، فقال لابن أبي ليلى: من هذا معك؟ قال: هذا رجل له بصرٌ ونفاذ في أمر الدين، قال: لعله يقيس أمر الدين برأيه؟ ثم قال الإمام(عليه السلام) لأبي حنيفة: يا نعمان حدثني أبي عن جدي أن رسول الله(صلّى الله عليه وآله) قال: أول من قاس أمر الدين برأيه ابليس... إتّق الله ولا تقس الدين برأيك»(13).
ويقول الاستاذ عادل الأديب: «وقد أفادت المعركة التي خاضها أهل البيت: الى التخفيف من حدّة سير مدرسة الرأي كما أنها مهّدت لظهور مدارس معارضة لها وهي مدرسة الحديث...
وقد قامت كردّ فعل لما حصل لهذه المدرسة من التطرّف في الأخذ بالرأي والاعراض عن الحديث، وقد وقف أهل البيت ضد هذه المدرسة ورفعوا شعارهم المعروف: «إن دين لله لا يصاب بالعقول»(14).
وفي عهد الإمام الصادق(عليه السلام) أيضاً نشطت آراء ودعوات فكرية إلحادية تغاضى عنها الحكام العباسيون، يقول فلهاوزن في كتابه الدولة العربية: «نشطت جميع المبادئ الهدّامة على شكل حركات فكرية كحركات الزندقة فقد جمع العباسيون الزنادقة حولهم ولم ينبذوهم إلاّ فيما بعد»(15).
ويعتبر ذلك مؤشراً خطيراً في السماح لإدخال الفكر الهدام المنحرف داخل الوسط الإسلامي، يقول الدوري: «وقد انطلقت كثير من الدعوات الإلحادية باسم المانوية والمزدكية والخرميّة والزرادشتية»(16).
فكان للإمام الصادق(عليه السلام) دور التصدي لهذه الدعوات فاستغلّ (عليه السلام) فترة الانتقال بين نهاية الحكم الاُموي وبداية ظهور الدولة العباسية جعلته في مأمن من بطش الحكام ورقابتهم ففنّد آراء الزنادقة والغلاة والوضاعين وأهل الرأي والمتصوّفة، فقاوم الإمام الصادق(عليه السلام) هؤلاء جميعاً وصارعهم على صعيد العلم وكشف خطورة اتجاهاتهم للاُمة(17).
ويقول حسين الشاكري: «كما اعلن(عليه السلام) براءته من الغلاة ويقول لأصحابه: «لا تقاعدوهم ولا تواكلوهم ولا تشاربوهم ولا تصافحوهم ولا تؤازروهم»(18)
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
(1) بصائر الدرجات: 41.
(2) الرعد: 7 .
(3) مقال العلامة الشيخ محمد مهدي الآصفي، مجلة البلاغ العدد(12) الصادرة في لندن.
(4) الأئمة الاثنا عشر، عادل الأديب: 173.
(5) من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق ابن بابويه 2: 4 .
(6) المكاسب المحرمة، الامام الخميني 2: 102، الوسائل باب التجارة: 42.
(7) مجلة البلاغ العدد (12) مقال الشيخ محمد مهدي الأصفي، لندن 23/7/2001م.
(8) محاضرات في التاريخ الإسلامي 3: 22.
(9) الملل والنحل للشهرستاني 1: 241.
(10) المصدر السابق.
(11) مروج الذهب، المسعودي 3: 184، الآداب السلطانية: 137. .
(12) الكافي، الكليني 2: 242.
(13) الاُصول العامة للفقه المقارن: 329.
(14) الأئمة الاثنا عشر، عادل الأديب: 164.
(15) الدولة العربية، فلهاوزن: 489.
(16) الجذور التاريخية للشعوبية للدوري: 41.
(17) الائمة الاثنا عشر، عادل الأديب: 173.
(18) نشوء المذاهب والفِرق، حسين الشاكري: 144.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page