خاض الأئمة صراعاً شديداً مع الزنادقة الذين كان لدعوتهم رواج في المجتمع الإسلامي آنذاك، وقد أفلحت مقارعة الأئمة لهؤلاء الزنادقة وردّت كيدهم الى نحورهم وكان للإمام الصادق(عليه السلام) دور مهم في ذلك، فقد أفحم قادة الزندقة من قبيل عبدالكريم بن العوجاء، وأبي شاكر الديصاني، كما أن الإمام كان قد بثّ تلاميذه لملاحقة هؤلاء المنحرفين المفسدين ومن اُولئك التلاميذ هشام بن الحكم(رضي الله عنه)، ومن أمثلة ذلك:
عن هشام بن الحكم قال: كان زنديق بمصر يبلغه عن أبي عبدالله(عليه السلام)علم فخرج إلى المدينة ليناظره فلم يصادفه بها وقيل هو بمكة فخرج الى مكة ونحن مع أبي عبد الله (عليه السلام)، فانتهى إليه - وهو في الطواف - فدنا منه وسلّم.
فقال له أبو عبد الله: ما اسمك؟
فقال: عبد الملك
قال: فما كنيتك؟
قال: أبو عبد الله
قال أبو عبدالله (عليه السلام): فمن ذا الملك الذي أنت عبده؟ أمن ملوك الارض أم من ملوك السماء؟ واخبرني عن أبيك أعبد إله السماء أم عبد إله الارض؟ فسكت. فقال أبو عبد الله: قل، فسكت.
فقال (عليه السلام): إذا فرغت من الطواف فأتنا، فلما فرغ أبو عبد الله(عليه السلام) من الطواف أتاه الزنديق فقعد بين يديه ونحن مجتمعون عنده فقال أبو عبدالله (عليه السلام): أتعلم أن للأرض تحت وفوقاً؟
فقال: نعم.
قال: فدخلت تحتها؟
قال: لا.
قال: فهل تدري ما تحتها؟
قال: لا أدري إلاّ انّي أظن أن ليس تحتها شيء.
فقال أبو عبد الله: فالظن عجز ما لم تستيقن، ثم قال له: صعدت إلى السماء؟
قال: لا.
قال: أفتدري ما فيها؟
قال: لا.
قال: فأتيت المشرق والمغرب فنظرت ما خلفهما؟
قال: لا.
قال: فالعجب لك لم تبلغ المشرق ولم تبلغ المغرب ولم تنزل تحت الارض ولم تصعد الى السماء ولم تخبر ما هناك فتعرف ما خلفهن وأنت جاحد بما فيهن وهل يجحد العاقل ما لا يعرف؟
فقال الزنديق: ما كلّمني بهذا غيرك.
قال أبو عبد الله (عليه السلام): فأنت من ذلك فى شك فلعل هو ولعل ليس هو.
قال: ولعل ذلك.
فقال أبو عبد الله (عليه السلام): أيها الرجل ليس لمن لا يعلم حجة على من يعلم، ولا حجة للجاهل على العالم، يا أخا أهل مصر تفهم عني، أماترى الشمس والقمر والليل والنهار يلجان ولا يستبقان، يذهبان ويرجعان، قد اضطرا ليس لهما مكان إلا مكانهما، فان كانا يقدران على أن يذهبا فلم يرجعا؟ وإن كانا غير مضطرين فلم لا يصير الليل نهاراً والنهار ليلاً؟
اضطرا والله يا أخا أهل مصر، إن الذي تذهبون إليه وتظنون من الدهر، فان كان هو يذهبهم فلم يردهم وإن كان يردهم فلم يذهب بهم؟ أماترى السماء مرفوعة والارض موضوعة، لا تسقط السماء على الارض ولا تنحدر الارض فوق ما تحتها، أمسكها والله خالقها ومدبّرها.
قال: فآمن الزنديق على يدي أبي عبد الله فقال: هشام خذه إليك وعلّم[1]
---------------------------------------------------------------------------------------
[1] الاحتجاج 2 / 72 - 74 .
لمحات من قيادة الاٍمام الصادق عليه السلام للأمة(الإمام الصادق والزنادقة)
- الزيارات: 4143