عثمان رادبى
المدخل
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله(صلّى الله عليه وآله) وعلى أصحابه ومن دعا بدعوته الى يوم الدين.
الإمام الصادق(عليه السلام) شخصية قوية، ومكانة مرموقة، ومركز ملحوظ عند سائر الطوائف وجميع الفرق. فهو الصادق في لهجته، لُقب بالصادق لأنه عرف بصدق الحديث حتى أصبح مضرب المثل في عصره وبعد عصره.
يقول أبو حنيفة: «ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد... ثم قال أبو حنيفة: أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس.».
يقول مالك بن أنس: «ما رأت عين ولا سمعت اُذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر بن محمد الصادق علماً وعبادة وورعاً.».
وكذلك يقول: «إنه كان من العلماء العبّاد الزهّاد، ولم يمنعه زهده وتبتله عن الكسب وطلب المعاش من وجوهه المشروعة مع الإجمال في الطلب والاعتدال في الإنفاق وأداء الحقوق، كما أنه ينهى عن الكسل والبطالة».
وأيضاً في هذا الكلام نشير الى أقوال علماء الاُمة ورؤساء المذاهب، وحفّاظ الحديث وكبار المؤرخين والكتاب من القدماء وبعض المعاصرين في انطباعاتهم عن شخصية الإمام الصادق(عليه السلام) .
التاريخ هو مرآة تأخذ الصور فتحفظها للأجيال، وهو للجميع لايختصّ باُمة دون اُخرى، ولا يتقيد برأي دون آخر، وهو أمين، والأمين يقبح به أن يخون أمانته. ولئن تحتم عليه أن يحتفظ بالحقائق والأضاليل معاً فليس ذلك إلاّ أمد الآماد ثم تنكشف الحقائق لتثبت وحدها سليمة من مجاورة الأضاليل.
والتاريخ يسجل الحوادث على ماهي عليها بصورها وأشكالها، فلا تغيير ولا تبديل، ولا نقل صورة وترك اُخرى; هذه هي وظيفة التاريخ الصحيح في كل دور من الأدوار.
ومثل شخصية جعفر بن محمد تلك الشخصية الإسلامية العظيمة يجب على التاريخ اعطاءها حقها من البحث. لأن الإمام الصادق(عليه السلام) شخصية قوية، ومكانة مرموقة، ومركز ملحوظ عند سائر الطوائف وجميع الفرق. فهو الصادق في لهجته، لقّب بالصادق لأنه عرف بصدق الحديث حتى أصبح مضرب المثل في عصره وبعد عصره. قال ابن الحجاج وهو الشاعر المشهور:
يا سيداً أروي أحاديثه رواية المستبصر الحادق كأنني أروي حديث النبي محمد عن جعفر الصادق وغرضنا من البحث عن حياة الإمام الصادق(عليه السلام) بيان منزلته العلمية، والاستماع الى أقوال علماء الاُمة ورؤساء المذاهب، وحفّاظ الحديث، وكبار المؤرخين والكتاب من القدماء وبعض المعاصرين في انطباعاتهم عن شخصية الصادق(عليه السلام) .
أبو حنيفة (1)
وقد كشف لنا أبو حنيفة انطباعاته عن الإمام الصادق(عليه السلام)، وأنه ما رأى أفقه منه بقوله:
«ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد، لما أقدمه المنصور بعث اليَّ فقال: يا أبا حنيفة إنّ الناس قد افتتنوا بجعفر بن محمد فهيّئ له من المسائل الشداد. فهيأت له أربعين مسألة ثم بعث إليّ أبو جعفر المنصور وهو بالحيرة، فدخلت عليه وجعفر بن محمد جالس عن يمينه، فلما بصرت به دخلتني من الهيبة لجعفر مالم يدخلني لأبي جعفر المنصور. فسلمت وأومأ فجلست، ثم التفت إليه قائلاً: يا أبا عبدالله هذا أبو حنيفة. فقال: نعم أعرفه، ثم التفت المنصور فقال: يا أبا حنيفة الق على أبي عبدالله مسائلك. فجعلت ألقي عليه فيجيبني فيقول: أنتم تقولون كذا وهم يقولون كذا ونحن نقول كذا، فربّما تابعنا وربّما تابعهم وربّما خالفنا حتى أتيت على الأربعين مسألة، ما أخلّ منها مسألة واحدة. ثم قال أبو حنيفة: أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس»(2).
وهذه القضية تكشف لنا انطباعات أبي حنيفة عن الإمام الصادق(عليه السلام)، وأنه ما رأى أفقه منه، وهو أعلم الناس لعلمه باختلاف الناس.
-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
(1) الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت، ولد سنة 80 هـ في نسا، وتوفي سنة150 هـ في بغداد.
(2) مناقب أبي حنيفة للموفق: 1/173، وجامع أسانيد أبي حنيفة: 1/252، وتذكرة الحفاظ للذهبي: 1/157.
الإمام الصادق (ع) في أحاديث رؤساء المذاهب الأربعة (أبو حنيفة)
- الزيارات: 11800