في كتاب الله نلتقي حصرين في العلاقة بين (المعرفة) و (الخشية):
تحصر الاُولى خشية الله تعالى في أصحاب المعرفة وتحصر الثانية خشية أصحاب المعرفة في الله تعالى والحصر الثاني غير الحصر الأول.
أما الاُولى فهي قوله تعالى: (إنّما يخشى الله من عباده العلماء)(3)وهي تحصر الخشية في عباد الله العارفين، وليس يخشى الله إلاّ العارفون بالله، ولا يخشى الله من لا معرفة له، وكل انسان يخشى الله بقدر معرفته وهذا هو الحصر الأول.
والآية الثانية هي قوله تعالى: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً)(4) وهي تحصر خشية العارفين في الله تعالى: والذين يبلغون رسالات الله هم أصحاب المعرفة، وهؤلاء يخشون الله، ولا يخشون أحداً إلاّ الله، والسلب والايجاب من أدوات الحصر، اثبات الخشية من الله، ونفي الخشية عند غير الله.
وقد يتحول العلم الى معرفة في الأوعية الواعية فالنجوم علم والنبات علم والحيوان علم والطب علم، إلاّ أن هذه العلوم قد تتحول في النفوس الواعية الى معرفة بالله تعالى وإيمان ويقين وخشية وخشوع وطاعة.
ولسنا نريد أن ننتقص من قيمة العلم، وإنّما نريد أن نفرّق بين العلم والمعرفة، فانّ الرياضيات والهندسة والصيدلة علوم نافعة ومفيدة، يجب أن نقتنيها ولكنها ليست بمعارف، أما الأخلاق والعقائد والعرفان فهي من المعارف.
والقرآن بصائر ومعارف وفقه، جاء اعرابي الى رسول الله(صلّى الله عليه وآله) فأمر رسول الله(صلّى الله عليه وآله) بعض أصحابه أن يعلّمه القرآن. فأقرأه الصحابي سورة الزلزال حتى إذا بلغ قوله تعالى: (فمن يعمل مثقال ذرّة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره)(5) قال الاعرابي: يكفيني ما قرأت، وذهب لشأنه، فأخبر الصحابي رسول الله(صلّى الله عليه وآله) بما حدث فقال له رسول الله(صلّى الله عليه وآله): ـ كما في الرواية ـ جاء اعرابياً ورجع فقيهاً.
وشتان بين من رجع فقيهاً بآية من القرآن تلقاها و وعاها وبين اولئك الذين يحملون علماً جماً من اسفار الأنبياء السابقين، ثم لا يهتدون الى الحق ويصدون عن سبيل الله، ويصفهم القرآن بهذا الوصف الغريب:
(كمثل الحمار يحمل أسفاراً)(6).
-------------------------------------------------------------------------------------------
(3) فاطر: 28.
(4) الاحزاب: 39.
(5) الزلزلة: 7 ـ 8 .
(6) الجمعة: 5 .
تأمّلات في حديث الإمام الصادق (عليه السلام) لعنوان البصري (العلاقة بين المعرفة والخشية)
- الزيارات: 8759