كمال السيـد
(تِلْكَ الدّارُ الآخرة نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)
في البدء
لا تكتسب الصورة أبعادها الكاملة إلاّ إذا ارتسمت خلال المشهد الخلفي; ذلك أن ثورة الحسين(عليه السلام) مثلاً لم يك ليكتب لها هذا الخلود والمجد، لو لم تستسلم اُمة الإسلام آنذاك للخنوع والذل.. من أجل هذا يتوجب على من يروم الكتابة عن الأئمة من أهل البيت: أن يستكشف عصرهم، ليرسم خلفية المشهد العام الذي تجسّدت فيه تجربتهم الإنسانية، وفي رأيي أن اكتشاف الأبعاد الحقيقية للإمام الصادق(عليه السلام) لن تتم إلاّ بعد الإلمام بتفاصيل الظروف العاصفة التي عاشها سلام الله عليه. ومن أجل هذا اُقدم ما تيسر لي من المشاهد التي يمكن أن ترسم للجيل العمق الإنساني في شخصية ذلك الإمام العظيم.
لقد عاصر الإمام زمن التحولات الكبرى، وشهد زوال حكم دموي رهيب، وقيام حكم غاشم، نهض على جماجم الابرياء، وكان(عليه السلام) في طليعة الذين صنعوا التاريخ في تلك الحقبة الحسّاسة من حضارة الإسلام. وإذا ما عرفنا (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) أدركنا عمق الدور الهام الذي اضطلع به الإمام في إيقاف حالة التداعي الفكري الذي عصف بالاُمة يومذاك.
أدرك(عليه السلام) آلام الناس فانتهج طريقه اللاحب لا يحيد عنه... إن تماسك الاُمة ووحدتها تلزمه قاعدة فكرية صلبة، وكان الصراع الفكري في ذروته، فانطلق الصادق(عليه السلام) يفجّر ينابيع العلم تفجيراً، فسالت أودية بقدرها فكيف نجا الإمام(عليه السلام) من براثن حكم اُموي غاشم قام على أشلاء مذبحة عاشوراء؟! وكيف أمكنه أن يروّض حكماً دموياً مثل الحكم العباسي؟!
ذلك هو شرف شخصية الصادق العظيم.
كانت الأرض الإسلامية تهتز بشدّة، وآلاف المؤامرات والدسائس تحاك في الظلام، وحمامات الدم في كل مكان، وفي ذلك العصر المثقل بالقلق واللا استقرار كان الامام بروحه الهادئة يمثل نقطة السلام، لم يتأثر بألاعيب الساسة ومؤامرات ذوي الطموح.. أحرق رسائل الذين دعوه للزعامة السياسية والأمجاد الزائفة التي تقام على جماجم آلاف الضحايا وبنى مجده الأخلاقي الرفيع في عالم الحقائق ذلك العالم الثابت، بعيداً عن دنيا الوقائع والحوادث، إنّه يمثل نقطة المركز في الإعصار; حيث العالم يموج من حوله، أما هو فكان ينعم بالطمأنينة.. كان يمثل الأعماق في بحر متلاطم بالأمواج، فالرياح العاصفة تثير الأمواج، أما الأعماق فترضى بالجلال والهدوء والسلام.
هكذا عاش الإمام.. معلماً للإنسان، حياته حياة الأنبياء، وروحه العظيمة تنطوي على ذات الأسرار التي انطوت عليها روح محمد وعلي والحسين:.
الصورة:
ربع القامة (بين الطول والقصر).
أزهر الوجه
حالك الشعر (الشديد السواد) جعد
أشمّ الأنف (ارتفاع قصبة الأنف وحسنها وانتصاب الأرنبة)
على خدّه خال
مكتوب في خاتمه: «الله خالق كل شيء».
بحار الأنوار 47 : 9 ـ 10
مشاهد من عمق التاريخ والإنسان
- الزيارات: 11296