المقدمة
عند النظر الى القمم السامقة للايمان والشجاعة والوفاء، تقع ابصارنا على رجل نبيل لا مثيل له، اسمه العباس – ابن أمير الؤمنين (عليهماالسلام) – الذي يُعتبر قدوة بارزة في الفضل والكمال والمروءة والشجاعة. واسوة في الاخلاص والثبات والصلابة، ونموذجاً في كل خصلة حسنة وصفة قيّمة تتوقف عليها كرامة الانسان. فقد استقينا منه على الدوام الايمان ومناصرة الحق ومناهضة الباطل. والجيل الذي يحمل اليوم شعار "الله اكبر" مدين لمدرسة الجهاد والشهادة التي كان ابو الفضل (عليه السلام) حامل لواءها، وبقي ماثلاً فيها كشمس مشرقة.
ورغم انه قد مر اليوم أكثر من ألف وثلاثمائة سنة على معالم البطولة والايثار التي تجلت يوم عاشوراء، ووضعت أمام أبصار بني الانسان مرآة تعكس لهم معاني الفضيلة، الا ان التاريخ لازال مشرقاً بفضائل العباس بن علي عليه السلام، وما فتىء اسمه يقترن بالوفاء، والأدب، والايثار، والتضحية. ولم يترك مرور كل هذه السنوات ذرة غبار على ملامح المروءة التي تجسّدت في سلوكه.
كان عاشوراء يوماً زاخراً بالعظمة، ومُلهماً ومليئاً بالملاحم، حيث عكس فيه رجال عظام ونفوس نبيلة، وارادات صلبة، مدى عظمتهم ونبلهم للعالم كله، وازدهى التاريخ ببطولات ومآثر شخصيات عاشوراء وتنفّس التاريخ بنبضات شخصيات كربلاء البطولية التي سطّرت الملاحم. وغدى عاشوراء مدرسة تتعلم فيها الاجيال دروس الايمان، والاخلاص، والمبدأ، والجهاد. وتحوز فيها شهادة الفخر والمجد... وكان العباس من مفاخر النخبة التي تخرّجت من تلك المدرسة.
ولازالت ابواب هذه المدرسة السامية مشرعة امام الراغبين، وتقبل الدارسين. وأحد ابرز اساتذة هذه المدرسة التي تعلّم الوفاء، ومراحل كسب المعرفة، هو حامل راية كربلاء، الذي يقف شامخاً على ذرى الايثار والشهامة، ويفتح بيديه المقطوعتين معبر الحرية، ويدل على طريق النور. وكل هذه الحقائق تكمن في اسم العباس. ويتناهى بمعيّة هذا الإسم الى مشام النفس، عبير "الثقافة".
نحن اذا رمنا الوصل الى ينبوع اليقين وكوثر الايمان، نحتاج الى دليل. فارواحنا عطشى، وقلوبنا تائقة. وأولياء الدين، وقدوات الطهارة والفضيلة يستطيعون ان يدلّونا على الطريق، وارواءنا مما لديهم من زمزم زلال.
ولو وصلنا على امتداد القدوات الى العباس بن علي (عليهماالسلام) نجده مصباحاً مضيئاً بين يدي الناس ويدعونا من بعيد الى سلوك هذا الطريق. فهو نموذج ومثال، لا في الشجاعة والفروسية فحسب، وانّما في الايمان والقيم المعنوية أيضاً. وليس في الصلابة والثبات فقط، بل في العبادة والتهجّد أيضاً. وليس في معاني البسالة والنجدة وحدهما، بل كذلك في الاخلاص والوعي والمعرفة والوفاء.
بين ايديكم مقتطفات ترسم معالم لشخصية ابي الفضل (عليه السلام) ليكون اسم وذكر وحياة هذا الشهيد العظيم، والقائد المغوار، مصباح يقين وشعلة ايمان وقادة في أذهاننا وتنير لنا طريق حياتنا.
جواد محدثي