و لو لا امتثال أمر السنة و الكتاب في لبس شعار الجزع و المصاب لأجل ما طمس من أعلام الهداية و أسس من أركان الغواية و تأسفا على ما فاتنا من السعادة و تلهفا على امتثال تلك الشهادة و إلا كنا قد لبسنا لتلك النعمة الكبرى أثواب المسرة و البشرى و حيث في الجزع رضا لسلطان المعاد و غرض لأبرار العباد فها نحن قد لبسنا سربال الجزوع و آنسنا بإرسال الدموع و قلنا للعيون جودي بتواتر البكاء و للقلوب جدي جد ثواكل النساء فإن ودائع الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الرءوف أبيحت يوم الطفوف و رسوم وصيته بحرمة و أبنائه طمست بأيدي أممه و أعدائه فيا لله من تلك الفوادح المقرحة للقلوب و الجوائح المصرخة بالكروب و المصائب المصغرة لكل بلوى و النوائب المفرقة شمل التقوى و السهام التي أراقت دم الرسالة و الأيدي التي ساقت سبى الجلالة و الرزية التي نكست رءوس الأبدال و البلية التي سلبت نفوس خير الآل و الشماتة التي ركست أسود الرجال و الفجيعة التي بلغ رزؤها إلى جبرئيل و القطيعة التي عظمت على الرب الجليل و كيف لا يكون ذلك و قد أصبح لحم رسوله مجردا على الرمال و دمه الشريف مسفوكا بسيوف أهل الضلال و وجوه بناته مبذولة لعين السائق و الشامت و سلبهن بمنظر من الناطق و الصامت و تلك الأبدان المعظمة عارية من الثياب و الأجساد المكرمة جاثية على التراب
مصائب بددت شمل النبي ففي *** قلب الهدى أسهم ينطقن بالتلف
و ناعيات إذا ما ملّ من وله *** سرت عليه بنار الحزن و الأسف
فيا ليت لفاطمة و أبيها عينا تنظر إلى بناتها و بنيها ما بين مسلوب و جريح و مسحوب و ذبيح و بنات النبوة مشققات الجيوب و مفجوعات بفقد المحبوب و ناشرات للشعور و بارزات من الخدور و عادمات للجدود و مبدئات للنياحة و العويل و فاقدات للمحامي و الكفيل .
فيا أهل البصائر من الأنام و يا ذوي النواظر و الأفهام حدثوا أنفسكم بمصارع هاتيك العترة و نوحوا بالله لتلك الوحدة و الكثرة و ساعدوهم بموالاة الوجد و العبرة و تأسفوا على فوات تلك النصرة فإن نفوس أولئك الأقوام ودائع سلطان الأنام و ثمرة فؤاد الرسول و قرة عين البتول و من كان يرشف بفمه الشريف ثناياهم و يفضل على أمه أمهم و أباهم :
إن كنت في شك فسل عن حالهم *** سنن الرسول و محكم التنزيل
فهناك أعدل شاهد لذوي الحجى *** و بيان فضلهم على التفصيل
و وصية سبقت لأحمد فيهم *** جاءت إليه على يدي جبريل
فكيف طاب للنفوس مع تداني الأزمان مقابلة إحسان أبيهم بالكفران و تكدير عيشه بتعذيب ثمرة فؤاده و تصغير قدره بإراقة دماء أولاده و أين موضع القبول لوصاياه بعترته و آله و ما الجواب عند لقائه و سؤاله و قد هدم القوم ما بناه و نادى الإسلام وا كرباه فيا لله من قلب لا ينصدع لتذكار تلك الأمور و يا عجباه من غفلة أهل الدهور و ما عذر أهل الإسلام أو الإيمان في إضاعة أقسام الأحزان أ لم يعلموا أن محمدا (صلّى الله عليه وآله وسلّم) موتور وجيع و حبيبه مقهور صريع و الملائكة يعزونه على جليل مصابه و الأنبياء يشاركونه في أحزانه و أوصابه .
فيا أهل الوفاء لخاتم الأنبياء علام لا تواسونه في البكاء بالله عليك أيها المحب لوالد الزهراء نح معها على المنبوذين بالعراء و جد ويحك بالدموع السجام و ابك على ملوك الإسلام لعلك تحوز ثواب المواسي في المصاب و تفوز بالسعادة يوم الحساب فقد روي عن مولانا الباقر (عليه السلام) أنه قال كان زين العابدين يقول أيما مؤمن زرفت عيناه لقتل الحسين (عليه السلام) حتى تسيل على خده بوأه الله غرفا في الجنة يسكنها أحقابا و أيما مؤمن دمعت عيناه حتى تسيل على خده فيما مسنا من الأذى من عدونا في الدنيا بوأه الله منزل صدق و أيما مؤمن مسه أذى فينا صرف الله عن وجهه الأذى و آمنه يوم القيامة من سخط النار و روي عن مولانا الصادق (عليه السلام) أنه قال من ذكرنا عنده ففاضت عيناه و لو مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه و لو كانت مثل زبد البحر و روي أيضا عن آل الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنهم قالوا من بكى أو أبكى فينا مائة ضمنا له على الله الجنة و من بكى أو أبكى خمسين فله الجنة و من بكى أو أبكى ثلاثين فله الجنة و من بكى أو أبكى عشرة فله الجنة و من بكى أو أبكى واحدا فله الجنة و من تباكى فله الجنة .
ثواب البكاء أو التباكي على مصائب أهل البيت عليهم السلام
- الزيارات: 14417