للحسين (عليه السلام) مكانة عظيمة عند الانبياء و المرسلين و قبل الكلام عن سر ذلك و ما يتصل به من امور مهمة نذكر بعض الاخبار حول مكانته (عليه السلام)،فمثلا يروي احد الذين حملوا الرؤوس الي الشام:
اعلم اننا كنا خمسين نفرا ممن سار مع رأس الحسين الى الشام و كنا اذا امسينا وضعنا الرأس في تابوت و شربنا الخمر حول التابوت فشرب اصحابي ليلة حتى سكروا و لم اشرب معهم فلما جن الليل سمعت رعدا و رأيت برقا فاذا ابواب السماء قد فتحت و نزل آدم، و نوح، و ابراهيم، و اسماعيل، و اسحاق و نبينا محمد (صلي الله عليه و آله)
و معهم جبرئيل و خلق من الملائكة، فدنا جبرئيل من التابوت فأخرج الرأس و ضمه الي نفسه و قبله ثم كذلك فعل الانبياء كلهم و بكى النبي (صلي الله عليه و آله) على رأس الحسين فعزاه الانبياء فقال له جبرئيل: يا محمد ان الله تعالى امرني ان اطيعك في امتك فان امرتني زلزلت بهم الارض و جعلت عاليها سافلها كما فعلت بقوم لوط، فقال النبي (صلي الله عليه و آله): لا يا جبرئيل فان لهم معي موقفا بين يدي الله يوم القيامة. قال: ثم صلوا عليه ثم اتى قوم من الملائكة و قالوا: ان الله تبارك و تعالى امرنا بقتل الخمسين فقال لهم النبي: شانكم بهم فجعلوا يضربن بالحربات ثم قصدني واحد منهم بحربته ليضربني فقلت: الامان الامان يا رسول الله فقال: اذهب فلا غفر الله لك فلما اصبحت رايت اصحابي كلهم جاثمين رمادا.
ثم قال صاحب المناقب: و باسنادي الى ابي عبدالله الحدادي، عن ابي جعفر الهنداوي باسناده في هذا الحديث فيه زيادة عند قوله ليحمله الى يزيد قال: كل من قتله جفت يده. و فيه: اذ سمعت صوت برق لم اسمع مثله، فقيل: قد اقبل محمد (صلي الله عليه و آله) فسمعت صهيل الخيل، وقعقعة السلاح، مع جبرئيل و ميكائيل و اسرافيل و الكروبيين و الروحانيين و المقربين (عليهم السلام) و فيه فشكى النبي (صلي الله عليه و آله) الى الملائكة و النبيين، و قال: قتلوا ولدي و قرة عيني، و كلهم قبل الرأس و ضمه الى صدره و الباقي يقرب بعضها من بعض[1].
و قال ابن نما: و رأت سكينة في منامها و هي بدمشق كان خمسة نجب من نور قد اقبلت و على كل نجيب شيخ و الملائكة محدقة بهم، و معهم وصيف يمشي فمضى النجب و اقبل الوصيف اليّ و قرب مني و قال: يا سكينة ان جدك يسلم عليك، فقلت: و على رسول الله السلام، يا رسول من انت؟ قال: و صيف من وصائف الجنة. فقلت: من هولاء المشيخة الذين جاؤا على النجب؟ قال: الاول آدم صفوة الله، و الثاني ابراهيم خليل الله، و الثالث موسى كليم الله، و الرابع عيسى روح الله، فقلت: من هذا القابض على لحيته يسقط مرة و يقوم اخري؟ فقال: جدك رسول الله (صلي الله عليه و آله) فقلت: و اين هم قاصدون؟ قال: الى ابيك الحسين، فاقبلت اسعي في طلبه لاعرفه ما صنع بنا الظالمون بعده.
فبينما انا كذلك اذ اقبلت خمسة هوادج من نور، في كل هودج امرأة، فقلت: من هذه النسوة المقبلات؟ قال: الاولى حواء ام البشر، الثانية آسية بنت مزاحم و الثالثة مريم بنت عمران، و الرابعة خديجة بنت خويلد، فقلت: من الخامسة الواضعة يدها على رأسها تسقط مرة و تقوم اخرى؟ فقال: جدتك فاطمة بنت محمد ام ابيك، فقلت: والله لاخبرنها ما صنع بنا. فلحقتها و وقفت بين يديها ابكي و اقول: يا امتاه جحدوا والله حقنا، يا اماه بددوا والله شملنا، يا اماه استباحوا والله حريمنا، يا اماه قتلوا و الله الحسين ابانا، فقالت: كفى صوتك يا سكينة فقد احرقت كبدي، و قطعت نياط قلبي، هذا قميص ابيك الحسين معي لا يفارقني حتى القى الله به، ثم انتبهت و اردت كتمان ذلك المنام، و حدثت به اهلي فشاع بين الناس.
و قال السيد: و قالت سكينة: فلما كان اليوم الرابع من مقامنا رايت في المنام و ذكرت مناما طويلا تقول في آخره: و رايت امرأة راكبة في هودج و يدها موضوعة على رأسها، فسألت عنها فقيل لي: هذه فاطمة بنت محمد ام ابيك: فقلت: والله لانطلقن اليها و لاخبرنها بما صنع بنا فسعيت مبادرة نحوها حتى لحقت بها فوقفت بين يديها ابكي و اقول: يا امتاه حجدوا و الله حقنا، يا امتاه بددوا والله شملنا، يا امتاه استباحوا والله حريمنا، يا اماه قتلوا والله الحسين ابانا، فقالت لي: كفى صوتك يا سكينة، فقد قطعت نياط قلبي هذا قميص ابيك الحسين (عليه السلام) لا يفارقني حتى القى الله[2].
و قال السيد و ابن نما: و روى ابن لهيعة عن ابي الاسود محمد بن عبدالرحمان قال: لقيني رأس الجالوت فقال: و الله ان بيني و بين داود لسبعين ابا و ان اليهود تلقاني فتعظمني، و انتم ليس بينكم و بين ابن نبيكم الا اب واحد قتلتموه!!
و جاء في كتاب نور الابصار:
«و عندما امر يزيد برأس الامام الحسين (عليه السلام) و نصب في طرق مدينة دمشق و ظهر ما ظهر منه من الايات و الاعاجيب الدالة على عظمته امر بإنزاله و وضع في طست من ذهب و وضع ببيت منامه قال: فلما كان في جوف الليل انتبهت امرأة يزيد بن معاوية فإذا شعاع ساطع إلى السماء ففزعت فزعا شديدا و انتبه يزيد من منامه فقالت له: يا هذا قم فاني ارى عجبا فنظر يزيد الى ذلك الضياء فقال لها: اسكتي فإني ارى كما ترين قال: فلما اصبح من الغد امر بالرأس فأخرج الى فسطاط هو من الديباج الاخضر و أمر بالسبعين رجلا فخرجنا اليه نحرسه و أمرنا بالطعام و الشراب حتى غربت الشمس و مضى من الليل ما شاء الله و رقدنا فاستيقظت و نشرت نحو السماء و إذا بسحابة عظيمة و لها دوي كدوي الجبال و خفقان اجنحة فأقبلت حتى لصقت بالارض و نزل منها رجل و عليه حلتان من حلل الجنة و بيده درانك و كراسي فبسط الدرانك و ألقى عليها الكراسي و قام على قدميه و نادى إنزل يا أبا البشر إنزل يا آدم صلي الله عليه و سلم فنزل رجل أجمل ما يكون الشيوخ شيبا فأقبل حتى وقف على الرأس فقال: السلام عليك يا بقية الصالحين عشت سعيدا و قتلت طريدا و لم تزل عطشان حتى ألحقك الله بنا رحمك الله و لاغفر لقاتلك الويل لقاتلك غدا من النار ثم زال و قعد على كرسي من تلك الكراسي ثم لم ألبث إلا يسيرا و إذا بسحابة أخرى أقبلت حتى لصقت بالارض فسمعت مناديا يقول انزل يا نبي الله انزل يا نوح و اذا برجل أتم الرجال خلقا و اذا بوجهه صفرة و عليه حلتان من حلل الجنة فأقبل حتى وقف على الرأس فقال: السلام عليك يا عبدالله السلام عليك يا بقية الصالحين قتلت طريدا و عشت سعيدا و لم تزل عطشان حتى ألحقك الله بنا غفر الله لك و لا غفر لقاتلك الويل لقاتلك غدا من النار ثم زال قعد على كرسي من الكراسي ثم لم ألبث الا يسيرا و اذا بسحابة اعظم منها فأقبلت حتى لصقت بالارض فقام الاذان و سمعت مناديا ينادي انزل يا خليل الله انزل يا ابراهيم صلي الله عليك و سلم و اذا برجل ليس بالطويل العالي و ولا بالقصير المتداني أبيض الوجه املح الرجال شيبا فأقبل حتى وقف على الرأس، فقال: السلام عليك يا عبدالله السلام عليك يا بقية الصالحين قتلت طريدا و عشت سعيدا و لم تزل عطشان حتى ألحقك الله بنا غفر الله لك و لا غفر لقاتلك الويل لقاتلك غدا من النار ثم تنحى على كرسي من الكراسي ثم لم ألبث الا يسيرا فاذا بسحابة عظيمة فيها دوي كدوي الرعد و خفقان اجنحة فنزلت حتى لصقت بالارض و قام الاذان فسمعت قائلا يقول: انزل يا نبي الله انزل يا موسى بن عمران، قال: فاذا برجل اشد الناس في خلقه و اتمهم في هيبته و عليه حلتان من حلل الجنة فأقبل حتى وقف على الرأس فقال: مثل ما تقدم ثم تنحى فجلس على كرسي من تلك الكراسي ثم لم البث الا يسيرا و اذا بسحابة اخرى و اذا فيها دوي عظيم و خفقان اجنحة فنزلت حتى لصقت بالارض و قام الاذان فسمعت قائلا يقول انزل يا عيسى انزل يا روح الله فإذا انا برجل محمر الوجه و فيه صفرة و عليه حلتان من حلل الجنة فأقبل حتى وقف على الرأس فقال: مثل مقالة آدم و من بعده ثم تنحى فجلس على كرسي من تلك الكراسي و الرياح و خفقان أجنحة فنزلت حتى لصقت بالارض فقام الاذان و سمعت مناديا ينادي انزل يا محمد انزل يا احمد صلي الله عليك و سلم و اذا بالنبي (صلي الله عليه و آله) و عليه حلتان من حلل الجنة و عن يمينه صف من الملائكة و الحسن و فاطمة (عليهما السلام) عنهما فأقبل حتى دنا من الرأس فضمه الى صدره و بكى بكاء شديدا ثم دفعه الى امه فاطمة فضمته الى صدرها و بكت بكاء شديدا حتى علا بكاؤها و بكى لها من سمعها في ذلك المكان فاقبل آدم (عليه السلام) حتى دنا من النبي (صلي الله عليه و آله) فقال السلام على الولد الطيب السلام على الخلق الطيب اعظم الله اجرك و احسن عزاءك في ابنك الحسين ثم قام نوح (عليه السلام) فقال: مثل قول آدم ثم قام ابراهيم (عليه السلام) فقال: كقولهما ثم قام موسى و عيسى (عليهما السلام) فقالا كقولهم كلهم يعزونه (صلي الله عليه و آله) في ابنه الحسين ثم قال النبي (صلي الله عليه و آله): يا ابي آدم و يا ابي نوح و يا اخي ابراهيم و يا اخي موسى و يا اخي عيسى اشهدوا و كفى بالله شهيدا على امتي بما كافئوني في ابني و ولدي من بعدي فدنا منه ملك من الملائكة فقال: قطعت قلوبنا يا ابا القاسم انا الملك الموكل بسماء الدنيا امرني الله تعالى بالطاعة لك فلو اذنت لي انزلتها على امتك فلا يبقي منهم احد ثم قام ملك آخر فقال: قطعت قلوبنا يا ابا القاسم انا الملك الموكل بالبحار و امرني الله بالطاعة لك فان فأذنت لي ارسلتها عليهم فلا يبقى منهم احد فقال النبي (صلي الله عليه و آله): يا ملائكة ربي كفوا عن امتي فإن لي و لهم موعدا لن اخلفه فقام اليه آدم (عليه السلام) فقال: جزاك الله خيرا من نبي احسن ما جوزي به نبي عن امته فقال الحسن: يا جداه هؤلاء الرقود هم الذين يحرسون اخي و هم الذين اتوا برأسه فقال النبي (صلي الله عليه و آله): يا ملائكة ربي اقتلوهم بقتلة بقتلة ابني فوالله ما لبثت الا يسيرا حتى رأيت اصحابي قد ذبحوا اجمعين قال: فلصق بي ملك ليذبحني فناديته يا ابا القاسم اجرني و ارحمني يرحمك الله فقال: كفوا عنه و دنا مني و قال: انت من السبعين رجلا قلت: نعم فألقى يده في منكبي و سحبني على وجهي و قال: لا رحمك الله و لا غفر لك احرق عظامك بالنار فلذلك ليست من رحمة الله فقال الاعمش: اليك عني فاني اخاف ان اعاقب من اجلك»[3].
و لما خطب عمرو بن سعيد و الى المدينة و اخبرهم بقتل الامام الحسين (عليه السلام) سمع اهل المدينة في جوف الليل مناديا ينادي يسمعون صوته و لا يرون شخصه:
ايها القاتلون جهلا حسينا
كل اهل السماء يدعو عليكم
قد لعنتم على لسان ابن داود
ابشروا بالعذاب و التنكيل
من نبي و مرسل و قبيل
و موسى و صاحب الانجيل[4]
و جاء في زيارة الامام الحسين (عليه السلام) (بأبي انت و امي ما اجل مصيبتك و اعظمها عندالله و ما اجل مصيبتك و اعظمها عند رسول الله (صلي الله عليه و آله) و ما اجل مصيبتك و اعظمها عند اولياء الله و ما اجل مصيبتك و اعظمها عند الملأ الاعلى...)[5].
و في زيارة الناحية (يا رسول الله قتل سبطك و فتاك و استبيح اهلك و حماك و سبي بعدك ذراريك، و وقع المحذور بعترك و بنيك فنزع الرسول الرداء و عزاه بك الملائكة و الانبياء و فجعت بك امك فاطمة الزهراء و اختلف جنود الملائكة المقربين تعزي اباك امير المؤمنين و اقيمت عليك المآتم تلطم عليك فيها الحور العين و تبكيك السموات و سكانها و الجبال و خزانها و السحاب و اقطارها و الارض وقيعانها و البحار و حيتانها و مكة و بنيانها و الجنان و ولدانها و البيت و المقام و المشعر الحرام و الحطيم و زمزم و المنبر المعظم و النجوم الطوالع و البروق اللاوامع و الرعود القعاقع و الرياح الزعازع...[6] .
هذه و غيرها من الروايات و الاخبار[7] كلها تدور حول هذا الموضوع و هناك طائفة اخري من الروايات يدور موضوعها حول رؤية و متابعة الرسول الاعظم (صلي الله عليه و آله) لواقعة كربلاء، و هي تضاف الى تلك الروايات ايضا، و السؤال الكبير هو: ما هو السر في الامام الحسين (عليه السلام) حتى يعتني بمصابه كل الكون من الجبال و البحار و سكان السموات من أنبياء اولوا العزم و ملائكة الله العظام؟
و الجواب: ان هذا الاعتناء بواقعة الطف تعبير و لغة اخري تحكي اما عن أحياء الامام الحسين (عليه السلام) لدين الله تعالي، فقد خلد الامام الحسين (عليه السلام) بدمه الطاهر ذكر الانبياء و المرسلين، و أبقي صدى اسمائهم الشريفة يدوي في سماء الانسانية، فان هدف الانبياء يتمحض في اكمال و تثبيت دين الله في الارض، لان الدين الكامل المتمثل بالاسلام يوصل البشرية الى كمالها اللائق، و لهذا نرى ان كافة الانبياء كانوا يبشرون برسالة النبي الخاتم (صلي الله عليه و آله) كما يحكي القرآن بعض تلك البشارات، لان انظارهم كانت تتطلع الى يوم البعثة الخاتمة باعتبارها اشرف و اكمل مراتب النبوة و الرسالة و عليه ستتكامل المعرفة الانسانية بسببها و عندما وصل الدين الاسلامي و الشريعة المحمدية الي الاندثار و الانطفاء بفعل سياسة معاوية و يزيد استدعي الامر الى بعثة جديدة بثقل النبوة و صفاتها فكان الامام الحسين (عليه السلام) محييا للدين و رافعا لراية الانبياء و من هذا المنطلق جرى ذكر الامام الحسين (عليه السلام) على السنة الانبياء منذ اقدم الازمنة باعتبار المخلد لذكراهم.
يقول السيد المقرم ـ ره ـ: لقد كان حديث يقتل الامام الحسين (عليه السلام) من أسرار الخليفة و ودائع النبوات فكان هذا النبأ العظيم مألكة افواه النبيين دائرة بين اشداق الوصيين و حملة الاسرار ليعرفهم المولى سبحانه عظمة هذا الناهض الكريم و منته على الجميع بحفظ الشريعة الخاتمة التي جاؤوا لتمهدي امرها و توطيد الطريق اليها و تمرين النفوس لها فيثيبهم بحزنهم و استيائهم لتلك الفاجعة المؤلمة فبكاه آدم و الخليل و موسى و لعن عيسى قائله و امر بني اسرائيل بلعنه... [8].
بل ورد في بعض الزيارات ان اعداء و قتلة الامام الحسين (عليه السلام) ملعونون على لسان داود و يحيى بن زكريا و عيسي بن مريم مما يؤكد موقعية الامام الحسين (عليه السلام) في قلوب الانبياء.
فان الانبياء و الملائكة عندما يندبون الامام الحسين (عليه السلام) انما يندبون الاسلام و الاحكام، اذا جمعت امية على قتل ابن الرسول (صلي الله عليه و آله) بالحق و هم يعلمون ذلك و لم يبق علي خط آل محمد و هو الاسلام الحق الا قليل و هو يعني حالة انذار بإندثار الاسلام على يد صبيان ببني امية و لذلك كان مصرع الامام الحسين (عليه السلام) يمثل مصرع الاسلام اذ تكالبت الامة على ذبح الاسلام يذبح الحسين (عليه السلام) و هذا المعني مستل من زيارة المهدي (عليه السلام) لجده الحسين (عليه السلام) يقول:
(لقد صرع بمصرعك الاسلام و تعطلت الحدود و الاحكام)(لقد قتلوا بقتلك الاسلام و عطلوا الصلاة و الصيام و نقضوا السنن و الاحكام و هدموا قواعد الايمان...)[9].
فثورته كانت محاولة ناجحة لتصحيح المسار و اعادة مظاهر الحق و العدل في الحياة. حتي ان عمله الجبار هذا فاق به الكثير من ادوار و اعمال الانبياء السابقين، هذا كله من جهة.
و من جهة اخري نقول: ان اهتمام الانبياء بذكر الامام الحسين (عليه السلام) او اهار العزاء و الحزن على مصابه الجلل انما كان كذلك لانه نفس النبي محمد (صلي الله عليه و آله) انه منه و هو منه، كما قال (صلي الله عليه و آله): (حسين مني و انا من حسين)[10].
فانهم عندما قتلوه انما قتلوا المصطفى و اراقوا دم النبوة و اعتدوا على مقام هو اشرف المقامات في الارض و السماء، فان روح النبي (صلي الله عليه و آله) تجري في الامام الحسين (عليه السلام) فكان حقا ان تبكي عليه السماء و الارض.
يقول امير المؤمنين (عليه السلام) عند مروره بكربلاء: (ههنا مناخ ركابهم و موضع رحالهم و مهراق دمائهم فئة من امة محمد (صلي الله عليه و آله) يقتلون في هذه العرصة تبكي عليهم السماء و الارض)[11].
و قد نقل عن الفريقين اخبار بكاء السماء و الارض و الطير و الوحش و الملائكة و الانبياء و الانس و الجن على الامام الحسين (عليه السلام)[12]، فكل يبكيه بالشكل الذي يتناسب و خلقته التكوينية، لقد ادخل العالم كله حالة طوارئ معززة بالبكاء على الامام الحسين (عليه السلام) فلماذا لا ندخل نحن في مثل تلك الطوارئ مع الحفاظ على جانب الوعي؟
و يلوح لي ان كلاما في كتاب المقتل للسيد المقرم ـ ره ـ يصلح ان نذكره هنا كجواب ثالث عن التساؤل السابق، يقول: و ثورة الامام الحسين (عليه السلام) كسرت الاطار الديني المزيف الذي احاط الامويون به انفسهم باعتبارهم خلفاء لرسول الله (صلي الله عليه و آله) و فتحت الطريق امام الثورة على كل ظامل و منحرف مهما تشدق كذبا بتمسكه بالاسلام، و امدت ـ الثورة ـ الامة بالمعنوية اللازمة و نبهتها على الحضيض الذي هوت اليه برضوخها و استكانتها و ذلها[13].
و مع كل هذا و ذاك انطوى الامام الحسين (عليه السلام) على سر مستسر لا يدرك كنهه الا الله و انبيائه و لهذا نرى في النصوص ان الانبياء كلهم يزورون الامام الحسين (عليه السلام) في كربلاء باستمرار[14]، فالانبياء و الاوصياء كلهم طالبين بثأره، لان صوت الامام الحسين (عليه السلام) في كربلاء كثر واتره و قل ناصره.
---------------------------------------------------------------
[1]- البحار، ج 45، باب 39، ص 126.
[2]- المصدر السابق، ص 140 و 141.
[3]- نور الابصار للشبلنجي من علماء السنة، ص 150، ط بيروت.
[4]- البحار، ج 45، باب 39، ص 123.
[5]- مصباح الزائر، لابن طاووس، ص 202.
[6]- المصدر السابق، ص 234 زيارة ثانية ط مؤسسة آل البيت.
[7]- انظر كامل الزيارات، الباب 38 زيارة الانبياء للحسين (عليه السلام).
[8]- مقتل الحسين (عليه السلام)/ للمقرم ـ ره ـ: ص 42.
[9]- مصباح الزائر، الزيارة الثانية، ص 224 و ص 234.
[10]- نور الابصار: ص 139.
[11]- المصدر السابق، ص 140.
[12]- راجع كتاب الامام الحسين (عليه السلام) ملتقى الكلمات/ للنائيني.
[13]- مقتل الامام الحسين (عليه السلام) للسيد المقرم ـ في مقدمة الناشر.
[14]- لقد ورد (اللهم احرس هذه الاثار من الدروس و ادم لها ما هي عليه من الانس و مواصلة ما كرمتها به من زوار الانبياء و الملائكة و الوافدين اليها في كل يوم و ساعة، راجع مصباح الزائر لابن طاووس: ص 244 ط مؤسسة آل البيت.
الامام الحسين (عليه السلام) سر الانبياء
- الزيارات: 20169