أحمد بن زيني دحلان مفتي مكة سابقاً صاحب كتاب «الفتوحات الإسلامية» يقول: كان عليّ(رضي الله عنه) شديد الزهد في الدنيا، وكان(رضي الله عنه) عادلاً في بيت المال لا يأخذ منه إلاّ بقدر حاجته، وقد شهد له النبيّ صلّى الله عليه وسلم بالزهد في الدنيا، وأنّ الله زيّنه بذلك .
وكان يختم على الجراب الذي فيه دقيق الشعير الذي يأكل منه ويقول: «لا اُحبّ أن يدخل بطني إلاّ ما أعلم»([1]).
وكان عليّ يقسّم بيت المال في كلِّ جمعة حتى لا يبقي منه شيئاً، ثم يرشّ له ويصلّي فيه، ثم يقيل فيه، وكان إذا دخل بيت المال ونظر إلى ما فيه من الذهب والفضّة يقول: «يا بيضاء، يا صفراء، غرّي غيري قد طلقتك ثلاثاً».
واُتي بفالوذج فوضع قدّامه فقال: «إنّه لطيّب الريح، حسن اللون. طيّب الطعم، ولكنّي أكره أن اُعوّد نفسي ما لم تعتدْ»، ولم يأكل منه .
وكان عليّ قد أعطاه الله علماً كثيراً، وكشفاً غزيراً وكان عمر بن الخطاب يتعوّذ من معضلة ليس لها أبو الحسن.
وكان لا يستأثر من الفيء بشيء، بل يقسّم ما في بيت المال بين المسلمين، ثم يأمر به فيكنس فيصلّي فيه رجاء أن يشهد له يوم القيامة.
ويكفيه فضلا قول النبيّ صلّى الله عليه وسلم: «من كنت مولاه فعليّ مولاه»، وقوله صلّى الله عليه وسلم: «لا يحبّك إلاّ مؤمن، ولا يبغضك إلاّ منافق».
وكم لعليٍّ(رضي الله عنه) من تشقيق في العلوم وترقيق، وبصر بالحساب وتدقيق، حتى كأنّه ينظر إلى الغيب من ستر رقيق، وكم من قضيّة قضاها لمّا بلغت إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلم أمضاها؟ وربّما تبسّم صلّى الله عليه وسلم إذا سمعها استصواباً ثم أنفذها إذ رآها صواباً، وكم من مسألة بديعة دقيقة دقّق فيها فأتى بالعبر.
وأمّا شجاعة عليٍّ فيكفي في إثباتها مبارزته لعمرو بن ودّ الذي بلغ النهاية في الشهرة بالشجاعة وقتله إيّاه وكذا قصّته عند فتح خيبر لمّا قال النبيّ صلّى الله عليه وسلم: «لاُعطينّ الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله، يفتح الله على يديه، وليس بفرّار». فأعطاه الراية، فكان كما قال صلّى الله عليه وسلم.
ومن شجاعته أنّه يوم خيبر قتل أخا مرحب، ثم مرحباً، وكلّ منهما كان شجاعاً مشهوراً، وذلك أنّه بارز أوّلا أخا مرحب فقتله، فخرج إليه مرحب، ولم يكن في أهل خيبر أشجع منه، ولم يقدر أحد من أهل الإسلام أن يقاومه في الحرب([2]) كان عمر بن الخطاب يتعوّذ من «معضلة ليس لها أبو الحسن»([3]).
************
[1] ـ الكامل في التاريخ: ج3 ص160.
[2] ـ الفتوحات الإسلامية: ج1 من 502 إلى 514، طبع مصر (1354 هـ ).
[3] ـ الفتوحات الإسلامية: ج2 ص510. الإصابة: ج2 ص509.