طباعة

مكانته (ع) الاجتماعية

مكانته (ع) الاجتماعية

وفي التاريخ: أنه حج هشام بن عبد الملك، فلم يقدر على الاستلام من الزحام، فنصب له منبر وجلس عليه، وأطاف به أهل الشام، فبينما هو كذلك، إذ أقبل علي بن الحسين (ع) ، وعليه إزار ورداء، من أحسن الناس وجها، وأطيبهم رائحة، بين عينيه سجادة، كأنها ركبة عنز، فجعل يطوف فإذا بلغ إلى موضع الحجر، تنحى الناس حتى يستلمه هيبة له، فقال: شامي من هذا يا أمير.
فقال: لا أعرفه لئلا يرغب فيه أهل الشام.
فقال الفرزدق ـ وكان حاضراً ـ: لكني أنا أعرفه.
فقال الشامي: من هو يا أبا فراس.
فأنشأ قصيدة:
يا سائــلي أين حـل الجود والكرم***عـنـــدي بـــيـــان إذا طــــلابه قدموا
هـــذا الذي تعرف البطحاء وطأته***والبـــيـــت يعــــرفه والحـل والحرم
‏هـــــذا ابن خـــــير عـباد الله كلهم***هـــــذا التــــقي النقي الطاهر العلم
هـــــذا الـــذي أحمد المختار والده***صلى عـــــليه إلـهي ما جرى القلم
‏لو يعـــــلم الـركن من قد جاء يلثم***لخـــــر يلـــــثم منــه موطئ القـــدم
هـــــذا عـــــلي رســــول الله والده***أمســـــت بنـــــور هداه تهتدي الأمم
هـــــذا الـــــذي عـمه الطيار جعفر***والمقـــــتول حــــمزة ليث حبه قسم
هـــــذا ابـــن سيدة النسوان فاطمة***وابــــن الوصي الذي في سيفه نقم
إذا رأتـــــه قـــــريش قـــــال قـائلها***إلـــــى مكـــــارم هــذا ينتهي الكرم‏
يكـــــاد يمـــــسكه عـــــرفان راحته***ركـــــن الحـــطيم إذا ما جاء يستلم
وليـــــس قـــــولك مــن هذا بضائره***العـــــرب تعرف من أنكرت والعجم
ينـــــمي إلـــى ذروة العز التي قصر***عــــن نيــلها عرب الإسلام والعجم
يغـــــضي حـياء ويُغضى من مهابته***فــــما يـــــكلـم إلا حـــــين يبـــــتـسم‏
ينجاب نور الدجى عن نـــور غـرته***كالشمـس ينجاب عن إشراقها الظلم
بكـــــفه خـــــيزران ريحـــــه عـــبق***مـــــن كــف أروع في عرنينه شمم
ما قـــــال لا قـــــط إلا فـــــي تشهده***لـــــولا التشـــــهد كــــــانت لاؤه نعم
مشتـــــقة مـــــن رســـول الله نبعته***طـــــابت عـــــناصره والخيم والشيم
حـــــمال أثـــــقال أقــــوام إذا قدحوا***حلـــــو الشـــــمائل تحـــلو عنده نعم‏
إن قـــــال قـــــال بما يهوى جميعهم***وإن تكـــــلم يـــــوماً زانـــــه الكــلم
هـــــذا ابــــن فاطمة إن كنت جاهله***بجـــــدّه أنبـــــياء الله قـــــد خـــتموا
‏مـــــن جـــــده دان فضـل الأنبياء له***الله فضـــــله قـــــدما وشـــــرفــــــه
عـــــم البريــــة بالإحسان وانقشعت***عـــــنها العـــماية والإملاق والظلم
كــــــــلتا يديه غــــــــياث عم نفعهما***يستــــــــوكفان ولا يعـــروهما عدم
‏ســــــــهل الخــليفة لا تخشى بوادره***يزينــــــــه خـــصلتان الحلم والكرم
‏لا يــــــــخلف الوعــــد ميمونا نقيبته***رحــــــــب الفــناء أريب حين يعترم
من معــــــــشر حــبهم دين وبغضهم***كــــــــفر وقــــربهم منجى ومعتصم‏
يستــــــــدفع الســــوء والبلوى بحبه***ويستــــــــزاد بــه الإحسان والنعم
‏مقــــــــدم بعــــــــد ذكر الله ذكـــــرهم***فـــــي كل فرض ومختوم به الكلم‏
إن عــــــــد أهـل التقى كانوا أئمتهم***أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم
لا يستطيع جــــــــواد بعـــــــد غايتهم***ولا يــــــــدانيهم قـــــوم وإن كرموا
هم الغــــــــيوث إذا مـــا أزمة أزمت***والأسد أسد الشرى والبأس محتدم
يأبــــــــى لهــم أن يحل الذم ساحتهم***‏خيــــــــم كــــريم وأيد بالندى هضم‏
لا يقبــــــض العسر بسطا من أكفهم***سيـــــان ذلك إن أثروا وإن عدموا
إن القــــــــبائل ليســـــت في رقابهم***لأوليــــــــة هــــــــذا أو لــــــــه نعم
من يعــــــــرف الله يعـــرف أولية ذا***‏فالديــــــــن من بـيت هذا ناله الأمم
بــــــــيوتهم في قــريش يستضاء بها***في النــائبات وعند الحلم إن حلموا
فجــــــــده من قـــــريش في أرومتها***محــــــــمد وعــــــــلي بعــــــده علم
‏بــــــــدر له شاهد والشعــب من أحد***والخـــــندقان ويوم الفتح قد علموا
وخيــــــــبر وحنــــــــين يشــهدان له***وفــــــــي قريظــــــــة يوم صيلم قتم
‏مــــــــواطن قــــــد علت في كل نائبة***عــــلى الصحابة لم أكتم كما كتموا
فغضب هشام ومنع جائزته، وقال: ألا قلت فينا مثلها.
قال: هات جدا كجده، وأبا كأبيه، وأما كأمه، حتى أقول فيكم مثلها.
فحبسوه بعسفان بين مكة والمدينة، فبلغ ذلك علي بن الحسين (ع) ، فبعث إليه باثني عشر ألف درهم، وقال: «أعذرنا يا أبا فراس، فلو كان عندنا أكثر من هذا لوصلناك به».
فردها وقال: يا ابن رسول الله ما قلت الذي قلت، إلا غضبا لله ولرسوله، وما كنت لأرزأ عليه شيئا.
فردها إليه وقال: «بحقي عليك لما قبلتها، فقد رأى الله مكانك وعلم نيتك» فقبلها.
فجعل الفرزدق يهجو هشاما وهو في الحبس، فكان مما هجاه به قوله:
أ يحبسني بين المدينة والتي  إليها قلوب الناس تهوى منيبها
تقلب رأسا لم يكن رأس سيد  وعينا له حولاء باد عــــــيوبها
فأخبر هشام بذلك فأطلقه، وفي رواية أنه أخرجه إلى البصرة(1).
 __________
(1) راجع المناقب: ج4 ص169-172 فصل في سيادته (ع) .