الوليد المبارك
بعد ضياع وفساد استمرا ردحاً من الزمن، وفي العام الذي سمي بعام الفيل، ولد محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، في قبيلة قريش في العام سبعين وخمسمئة للميلاد. وكان ذلك الحدث العظيم بعد شهر تقريباً من حادثة أصحاب الفيل، المشهورة.
كان عبد الله بن عبد المطلب، والد محمد، يعمل في التجارة إلى الشام، فوافته المنية أثناء عودته من إحدى رحلاته، وكانت زوجته آمنة بنت وهب، من بني عدي بن النجار، حاملاً، فلم يقدر للوليد الجديد أن يرى أباه.
ولما كان من عادة العرب في مكة أن يسترضعوا لأولادهم نساء أهل البادية، طلباً للفروسية والفصاحة، فقد عرض محمد على مرضعة من قبيلة بني سعد بن بكر اسمها حليمة، فتبرمت به، لكونه يتيماً، ويشاء الله ان ترضعه حليمة، إذ يشير عليها زوجها أن تأخذ الطفل، عسى أن يكون لهما في إرضاعه خير.. وفعلاً، فقد حلّت بركة الوليد المصطفى، في الحي الذي تسكنه حليمة، وعمّ الخير في ربوعه. ويوماً بعد يوم، كانت تظهر عظمة الطفل المبارك، حتى أن حليمة وزوجها كانا يودان أن يبقى محمد عندهما، حتى بعد مابلغ سن الفطام.
ولما بلغ محمد الخامسة من عمره، أعيد إلى حضن أمه آمنة، لترعاه أحسن ماتكون الرعاية. فتأخذه معها إلى أخواله بني النجار في يثرب، حتى وافتها المنية وهي في طريق عودتها، ودفنت في الأبواء بين مكة والمدينة، ومحمد لايزال في السادسة من عمره، فعادت به أم أيمن جارية آمنة إلى جده عبد المطلب.
كفل عبد المطلب محمداً، ووفر له العطف والحنان والعناية اللازمة، لما كان يتوسم فيه من الشأن العظيم، ولكنه توفي ومحمد لايزال في الثامنة من عمره، فتولّى أبو طالب عمّ محمد رعايته، وأحاطه بعناية لم يحظ بها أحد من أبنائه، حتى أنّه كان يصحبه معه في تجارته إلى الشام.
وزاد تعلق أبي طالب بمحمد، بعد أن قال له الراهب بحيرا، وكان عالماً بالتوراة والانجيل، وقد راى محمداً، قال له: إن ابن أخيك هذا نبي هذه الأمة، فاحذر عليه من اليهود.
بلغ محمد مبلغ الشباب، فكان مثالاً لكل الصفات الأخلاقية النبيلة، فوجدت فيه قريش، وكذلك أهل مكة، سيداً من ساداتهم، ومرجعاً لهم في الملمات، وكانت له اليد الطولى في عقد حلف الفضول، لمناصرة المظلومين ومحاربة العدوان من أي مصدر كان.