طباعة

شاب في مقتبل العمر

شاب في مقتبل العمر

 ورث شمائل الرسالة وأخلاق النبوة عن آبائه الطاهرين (عليهم السلام). ورغم كل هذا مازال طغاة بني العباس يرون به الخطر الداهم على دنياهم، ويحسبونه العدو اللدود لسلطتهم الخبيثة.. فراحوا يدبرون له المكائد ويفعلون الأفاعيل حتى يتخلصوا من هذا الفتى العلوي: ابن الرضا وإمام الرافضة كما كانوا يسمونه حينذاك..

قام طغاة بني العباس بمحاولات عديدة للقضاء على الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) وقد خططوا لذلك، وتم إعداد السيناريو المطلوب مراراً عديدة إلا أن يد الغيب تدخلت لتنقذ حياته (عليه السلام) إعجازياً..

فها هو (المستعين بالشيطان) يأمر حاجبه بإخراج الإمام (عليه السلام) من سامراء ليقتله في الطريق المتجه إلى الكوفة(16).. فيفشل، ويعيد الكرة مرة أخرى مستعيناً (ببغلة شموس شرسة)(17).

وها هو (المهتدي بهواه) كان قد عقد العزم على قتل الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)(18).

وهاهو (المعتمد على غير الله) يلقي بالإمام (عليه السلام) في بركة السباع ويتركه وسط الأسود المفترسة الجائعة ثلاثة أيام كاملة(19).

فكل هذه المحاولات التصفوية الفاشلة من قبل الحكام العباسيين، والتضييق والسجن المتتالي من قبلهم لم تهدأ للمعتمد العباسي عين ولم ينعم للشيطان الذي كان يعتمد عليه بال حتى بوأه بإثم قتل الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) وذلك بعد مضي خمس سنوات من حكمه البغيض للدولة الإسلامية وفي يوم الجمعة 8 ربيع الأول سنة 260 هجرية الموافق لـ 873 ميلادية.

وكان لخبر الاستشهاد المفجع للإمام العسكري (عليه السلام) في مدينة سرمن رأى وهو لم يزل في ريعان الشباب حيث بلغ عمره الشريف يومذاك 26 أو 28 سنة فقط قضاها بالجهاد الأكبر والأصغر، وقع عظيم.. حيث عطلت الأسواق وركب بنوهاشم وقادة الجيش والكتاب وسائر الناس إلى جنازته، فكانت سرمن رأى – وهي يومذاك عاصمة الجند للحكام العباسيين – يومئذ شبيهاً بيوم القيامة، فلما فرغوا من تهيئته (عليه السلام) بعث السلطان إلى أبي عيسى بن المتوكل العباسي فأمره بالصلاة عليه..(20)، وأراد أخ الإمام العسكري جعفر للصلاة عليه كذلك..

إلا أن يد القدرة الإلهية حالت دون ذلك.. وتقدم للصلاة عليه ولده الحجة بن الحسن المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وكان عمره الشريف يومذاك خمس سنوات، وبعد الصلاة والدفن، دخل (عجل الله تعالى فرجه الشريف) منزله.. وحاولوا إلقاء القبض عليه ولكن أنى لهم ذلك ويد الله تحفظه وبذلك دخل العهد الأول للإمام الثاني عشر والذي يسمى في التاريخ والدين (بالغيبة الصغرى)، ومن بعده كانت (الغيبة الكبرى).

فسلام الله على الإمام الحسن الآخر العسكري يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حياً.. وعلى أجداده الأطهار.. وعلى زوجته المباركة نرجس.. وعلى ولده ولي الله الأعظم والنور الأبهر الذي ببركته ما زالت السماوات والأرض (عجل الله تعالى فرجه الشريف).. وجعلنا من جنده والمستشهدين بين يديه إنه سميع مجيب..

___________

16 - الإرشاد للمفيد: ص 345.

17 - ألقاب الرسول وعترته (عليهما السلام): ص 237.

18 - بحار الأنوار: ج 50 ص 345.

19 - بحار الأنوار: ج 50 ص 309.

20 - إكمال الدين للصدوق: ص 43.