هجرة إخوتها إلى شيراز
كان إخوة الإمام الرضا ( عليه السلام ) : أحمد ، ومحمد ، وحسين ، على رأس هذا الركب الذي ضم عدداً كبيراً من بني أعمامهم وأولادهم وأقاربهم ومواليهم ووصل عددهم إلى ثلاثة آلاف (1) .
وفي الطريق انضم إليهم جمع كثير من موالي ومحبي أهل البيت ( عليهم السلام ) ، فصار عددهم ما يقرب من خمس عشرة ألف نسمة رجالاً ونساء (2) ، يتجهون إلى طوس عن طريق شيراز ليحظوا برؤية الإمام ( عليه السلام ) ، ويرفلوا بأثواب البركة في جواره (3) .
ولما وصل خبر القافلة وهذا التجمع الكبير إلى المأمون ، حشي على ملكه وسلطانه من التزلزل إذا ما وصلت هذه القافلة العظيمة إلى خراسان ، فأمر ولاته بمنع زحف هذا الركب وإرجاعهم إلى المدينة (4) .
فجهز حاكم شيراز ـ آنذاك ـ جيشاً جراراً من أربعين الف جندي وتوجه إلى الركب ، فلتقى بهم في « خان زينان » على ثمانية فراسخ (5) من شيراز .
فتوقفت قافلة بني هاشم تستطلع الأمر .
قال الحاكم لهم : إن الخليفة يأمر بإرجاعكم من حيث أتيتم .
فقال أمير الركب أحمد بن موسى : إننا لا نريد سوى زيارة أخينا الإمام الرضا . وما قصدناه إلا بعد استئذان وإجازة المأمون نفسه .
قال الحاكم : قد يكون ما ذكرت ، ولكنّه أصدر الأمر إلينا بمنعكم من إكمال سيركم .
فتشاور الإخوة فيما بينهم ، واتفقوا على إكمال مسيرتهم ، واحتاطوا لذلك بجعل النساء في آخر القافلة . .
في الصباح تحركوا من جديد . .
ولكن حاكم شيراز وجنده الأربعين ألفا قطعوا الطريق عليهم . .
فبدأت معركة دامية ، أبدى فيها إخوة الإمام وسائر أفراد القافلة شجاعة فائقة ، ولا عجب في ذلك فهم من بني هاشم أصل الشجاعة ومنبت البطولة ، وعلى أثر ذلك انكسر جيش الأعداء ، وتفرقوا . . . فلجأوا حينئذ إلى المكر والخديعة .
فنادى رجل منهم : إن كان تريدون ثمّة الوصول إلى الرضا فقد مات ! !
فسرت هذه الشائعة بين أفراد القافلة كالبرق ، وهدّت اركانهم ، وكيف لا ؟ إنهم يسمعون خبر وفاة إمامهم ( عليه السلام ) .
وكان ذلك سببا لتفرق افراد القافلة عن الإخوة الكرام .
فتوجه الإخوة الثلاثة إلى شيراز ليلاً بعد أن غيروا البستهم حتى لا يعرفوا ، وتفرقوا فيها وتفرغوا للعبادة ، ولبثوا مدة دون أن يعرفهم أو يتوصل إليهم أحد .
ولكن على أثر انتشار الجواسيس توصلوا إلى مكان أحمد بن موسى .
فارسل الحاكم جيشاً كبيرا لاعتقاله . وكان أحمد بن موسى قد اختفى في دار أحد الموالين لهم ، فخرج من الدار يقاتلهم قتالاً مستميتاً دفاعاً عن نفسه .
فماذا يا ترى يفعل فرد واحد أمام بلدة مخالفة وجيش كبير ؟ !
إنه أظهر شجاعة عظيمة ، وكان بين فترة وأخرى يدخل الدار فيستريح . وعندما لم يتمكنوا منه لجأوا إلى الجيران ، وأحدثوا فجوة إلى تلك الدار عبر دار الجيران ز غافلوه وقتلوه في الموضع الذي نراه الاآن والمعروف بـ « شاه جراغ » .
كما أنّهم قتلوا أخاه ُ حسيناً بالقرب من بستان ، وله مزار أيضاً في شيراز ويُعرف بالسيد « علاء الدين حسين » .
وأما السيد محمد فلم يتمكنوا منه ، وعرف بكثرة العبادة ، ولذا كان يلقب بـ « محمد العابد » ، وتوفي ودفن في بقعته الشريفة من شيراز (6) .
* * *
بعد أن عرفنا ما حدث لهذا الركب ، تعالوا بنا نستطلع ما يجري على ركب السيدة المعصومة وإخواتها الآخرين .
____________
(1) أعيان الشيعة : ج3 ص 192 .
(2) شبهاي پيشاور : ص 117 .
(3) وما نُقل عن كتاب لباب أو لبّ الأنساب من أنّهم خرجوا لطلب الثار لاخيهم ، هذا لا يساعده التاريخ ، كما أنّه لا يناسب خروج قافلة مسالمة ، وإلا لتعرض لها كل ولاة وأتباع المأمون قبل شيراز .
(4) ولعل سبب استقدام الإمام لإخوته هو كشف النوايا الخبيثة للمأمون ـ كما سيظهر لك ، فليست هجرتهم مجرد لقاء إخوة باخيهم ، وليست العواطف هي الباعث عليها وإنما الأمر فوق ذلك .
(5) أي على بعد 44 كيلومتراً من شيراز (الفرسخ الشرعي = 5 | 5 كيلومتر) .
(6) شبهاي پيشاور : ص 115 ـ 122 ، تحفة العالم : ج2 ص 28 .